الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عادل الكلباني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
القرآن قوت القلوب، يجلي صداها، ويطهرها من آثار المعاصي والذنوب، عجزت عن مجاراته قصائد الشعراء، وفاق بحسن عبارته كلام البلغاء، ورقق القلوب بآيات قصار ألجمت ألسن الفصحاء؛ هو ورد الصالحين، وتاج المفلحين، وهدى وموعظة للمتقين. لا تعدل آيةً منه آلافُ المحاضرات، ولا مئاتُ الندوات، بحرف منه يجني المرء عشر حسنات، وبصعوبة...
الحمد لله، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم؛ أحمده سبحانه وأشكره، يختص من يشاء برحمته، والله ذو الفضل العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بعثه رحمة للعالمين، وحجة على العاملين، ومنَّ عليه بشرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، وامتدح خُلقه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أتم الصلاة وأكمل التسليم.
أما بعد: فإن الله -تعالى- قد أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بتقواه فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) [الأحزاب:1]، فغيره أولى منه بهذه الوصية، وبها جاء الوحي، وتكرر في آي القرآن أمرا للمؤمنين، ومدحا للمتقين، ونجاة وبشارة؛ فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
أيها المسلمون: كتاب الله -تعالى- كتاب نفع للبشرية في دنياهم وأخراهم، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) [الأحقاف:12].
أنزله عالم الغيب والشهادة، وخالق الخلق أجمعين، يعلم ما يضرهم وما ينفعهم، وهو أعلم بهم من أنفسهم، فكان كتابه وحيا يتلى، يهدي به الله من يشاء من عباده إلى صراط مستقيم، فلا والله لا يضل من تمسك به أبدا! (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41-42].
لا تنقضي أسراره، ولا تنقطع عجائبه، فكان حريا بالمؤمنين أن يلهجوا بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار؛ يستنيرون بنوره، ويهتدون بهديه، ويسلكون سبيله، ويتمسكون بحبله، حتى يصلوا بر الأمان، ويدخلوا دار السلام.
أمة الإسلام: القرآن قوت القلوب، يجلي صداها، ويطهرها من آثار المعاصي والذنوب، عجزت عن مجاراته قصائد الشعراء، وفاق بحسن عبارته كلام البلغاء، ورقق القلوب بآيات قصار ألجمت ألسن الفصحاء؛ هو ورد الصالحين، وتاج المفلحين، وهدى وموعظة للمتقين.
لا تعدل آيةً منه آلافُ المحاضرات، ولا مئاتُ الندوات، بحرف منه يجني المرء عشر حسنات، وبصعوبة تلاوته ينال أجرين، وبالمهارة به يعلو مع السفرة الكرام البررة، ويقال لقارئه: "اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها".
واختص الله أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته بأنهم أهل الله وخاصته، ويأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربّ، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفِّعْني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعان".
ومن لم ينتفع بالقرآن فلن ينفعه أي كلام، وقد قال الحق فيه: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [الحشر:21]، فهو كلام تلين منه صم الجبال، فمن لم يلن قلبه عند سماعه فقد قسا، حتى إنه لأشد قسوة من الحجارة.
ولكن؛ لا ييأسن، وليقرعه بقوارع القرآن مرة وأخرى، فحتما سيلين، فقد أخبر الله -تعالى- أن به تقشعر الجلود، وتدمع العيون، وتخشع القلوب، (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر:23].
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء:107- 109].
معاشر المسلمين: جمعت آيات القرآن من أصول الإيمان ما يكفي ويشفي، ويغني عن كلام أهل الكلام، ومعقول أهل المعقول.
ففي ثناياها تقرير المبدأ والمعاد، والتوحيد والنبوة، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وانقسام الناس إلى هالك شقي، وفائز سعيد، فريق في الجنة وفريق في السعير، وبينت أوصاف هؤلاء وأوصاف هؤلاء.
وتضمنت إثبات صفات الكمال لله، وتنزيهه عما يضاد كماله من النقائص والعيوب، فمدحته وأحسنت، وعظمته؛ فوعت ذلك عقول العارفين ففرت إليه، وسمعت الثناء عليه قلوب المخبتين فاشتاقت إليه.
وصفت الجنة فتاقت لها نفوس المتقين، ووصفت النار فاستجارت من حرها جلود الخاشعين، وذكرت القيامتين الصغرى والكبرى، فاستعدت لهما نفوس المشمرين، وعملت لهما جوارح العابدين، وحثت على ذكر الله فلهجت به ألسنة الذاكرين.
تحدى الله العرب، وهم أهل الفصاحة أن يأتوا بسورة من مثله، بأقصر سورة فلم يحاولوا مجرد محاولة؛ لعلمهم بعجزهم عن ذلك، ورأوا أن الحرب الضروس، وسيول الدماء منهم ومن دماء المسلمين، وضرب الأعناق، أسهل من مقابلة التحدي منه...
وجعلوا المنع من استماعه وسيلة لحربه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت:26].
لقد أسرهم بروعة بيانه، فهز نفوسهم هزا، أحدث دويا هائلا في كيانهم، وزلزل منهم القلوب حتى لم تملك إلا أن تستجيب، أو تعاند، كما فعل صناديدهم وحكماؤهم، فقد كان أبو سفيان، وأبو جهل، والأخنس بن شريق، يستمعون القرآن من فم الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، وهو يتلوه في الليل، فيجلس أحدهم في مكان لا يعلمن به -صلى الله عليه وسلم-، ولا يدري كل واحد منهم عن صاحبه، فلما أصبحوا جمعتهم الطريق، فتلاوموا بينهم، وقال بعضهم لبعض: لو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا، فكان أن جمعتهم الطريق مرة أخرى من الغد، وهكذا في المرة الثالثة، فتعاهدوا بينهم على أن لا يعودوا، ثم تفرقوا.
وقد حكى الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- حالهم، وما فعلوه، فقال: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) [الإسراء:47-48].
وما قول الوليد بن المغيرة بِسِرٍّ لا يُنْشَر، بل تلقته أسماع المشركين خبرا عاجلا، بعد أن ترددت في النبي -صلى الله عليه وسلم- أقوالهم، فقالوا: كاهن، وقالوا: شاعر، ومنهم من قال: مجنون، وقال بعضهم: ساحر كذاب، قال الوليد بعد أن (فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) [المدثر: 18-23].
فقال: والله لقد نظرت فيما قال الرجل، فإذا هو ليس بشعر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو وما يعلى، وما أشك أنه سحر، وهكذا حكى الله قوله: (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [المدثر:24-25]، وتوعده فقال: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [المدثر:26].
أيها المسلمون: في القرآن مواعظ ترق لها قلوب المؤمنين، فتخشع، وتستجيب لها رقاب الخاشعين فتخضع، وتذل لها جوارح الخاضعين فتركع، وكم أسهبت آياته في ذكر الجنة والنار، وكم أطنبت في الكلام عن الدار الآخرة، وبينت أنها هي دار القرار، وكم حذرت، وأنذرت بروز الخلائق إلى الله الواحد القهار، وأنهم بين يديه يقفون، وعليه سيعرضون، وأنهم سيسألون أجمعين عما كانوا يعملون.
وفيه أحسن القصص عن الأنبياء والمرسلين، والحكماء والصالحين، وبيان سنة الله التي لا تتبدل، وسنته التي لا تتحول، بنصر المؤمنين، وإهلاك الكافرين، مع اختلاف الطرق في إهلاكهم.
ولكن المقرر الثابت... ما قررته آية العنكبوت: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40].
(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ) [هود:100]. (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) [الحج:45]. (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) [هود:68]. (أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) [هود:95]. (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [الأنعام:11]. (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:138]. (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [الروم:43-44].
أمة القرآن: من قرعته هذه الآيات ولم يجد قلبه، فليعلم أن قلبه قد مات، أو قد علاه الران من آثار الذنوب، فليعجل إلى الله بالتوبة، وليقلع عن معصية مولاه ويُنيب.
ومن لم يبك عند سماعه للقرآن، فليبك على فقده للبكاء، فإنها من أعظم المصائب، وقد قال الحسن بن علي -رضي الله عنهما- حين أدركته المنية: "اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فلم أصب بمثلها".
وهكذا فليقل من فقد قلبه عند سماعه للقرآن، فليردد: إنا لله، وإنا إليه راجعون! فإن القلب محل النظر من الله كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-، ولا حياة لمن فقد قلبه، فنعوذ بالله من موت القلوب، ومن قسوتها، ونسأله أن يشفيها من أسقامها، وأن يمن على قلوبنا فتلين.
ويا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء:110]، فاستغفروا الله؛ إن الله غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه، وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
ثم اعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم، وقدموا عذركم، واستعدوا للعرض الأكبر على الله، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.
أمة الإسلام: سنة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- صنو القرآن، وترجمانه، حوت من الترغيب والترهيب، والوصايا والحكم، وكمال التشريع، ما يعجز عن وصفه اللسان، وعن التعبير عنه أكمل البيان.
وهذان حديثان من أحاديث الحبيب -صلى الله عليه وسلم- أذكركم ونفسي بهما بلا تعليق، مثالا وتذكرة، فهما يكفيان من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أما الحديث الأول: ففي صحيح مسلم، عن أبي ذر -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: "يا عبادي، إني حرَّمْتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
وأما الحديث الثاني: ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله عز وجل تنادوا، هلم إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم –وهو أعلم بهم- ما يقول عبادي؟ قال يقولون: يسبحونك، ويحمدونك، ويمجدونك. فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا، والله ما رأوك. فيقول: كيف لو رأوني؟ قال يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك تمجيدا، وأكثر تسبيحا. فيقول: ماذا يسألون؟ قال يقولون: يسألونك الجنة. قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال يقولون: لا، والله يا رب ما رأوها. قال يقول: فكيف لو رأوها؟ قال يقولون: لو رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال يقولون: يتعوذون من النار. قال فيقول: وهل رأوها؟ قال يقولون: لا والله ما رأوها، فيقول: كيف لو رأوها؟ قال يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة. قال فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان، ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" متفق عليه.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، فقال عزّ من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].