البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

قصر الأعمار واغتنامها في الصالحات والإجازات وربحها

العربية

المؤلف فواز بن خلف الثبيتي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الوقت نعمة من الله العظيمة .
  2. أهمية المحافظة على الوقت وخطر تضيعه .
  3. بم تقاس الأعمار؟ .
  4. أسباب زيادة العمر .
  5. استغلال الإجازة الصيفية فيما ينفع ويفيد .
  6. وسائل استغلال الإجازة الصيفية .

اقتباس

العمر أوقات، أيام وشهور وسنوات، والوقت أثمن من الذهب والمال؛ لأن المال قد يعوض أو يستعاد، لكن الوقت من حيث يمضي لا يعود. إنه وعاء العمر والحياة، من اغتنمه فقد اغتنم عمره وحياته، ومن أضاعه خسر الدنيا والآخرة، يقول...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده...

أما بعد:

يقول الله -تعالى-: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 112- 115].

ما أحوج الإنسان إلى التأمل والتفكر في ملكوت السموات والأرض، وما بث الله فيها من آيات ربوبيته ووحدانيته، وبديع صنعه، وهو الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)[النمل: 88].

ومن عجائب الخلق وبديع صنعه: هذا الزمن الذي تنطق به حركات الكون كله، في دوران الأجرام السماوية في أفلاكها، وفي تعاقب الليل والنهار، عبرة للمعتبرين.

إن الوقت من نعم الله العظيمة، يتكرم فيه المولى –سبحانه- على العباد بفرص العمر الغالية، لعلهم يغتنمون الحياة الدنيا الفانية، من أجل الفوز بنعيم الحياة الأخروية الباقية.

فالعمر أوقات، أيام وشهور وسنوات، والوقت أثمن من الذهب والمال؛ لأن المال قد يعوض أو يستعاد، لكن الوقت من حيث يمضي لا يعود.

إنه وعاء العمر والحياة، من اغتنمه فقد اغتنم عمره وحياته، ومن أضاعه خسر الدنيا والآخرة، يقول الحسن البصري: "أيها الإنسان، إنما أنت أيام، كلما ذهب يومك، ذهب بعضــك".

وفي غفلة من الناس، وهم بالآمال متعلقون، وعلى حين غرة، يأتيهم الأجل المحتوم، وحينها يتنبهون من غفلتهم، ليدركوا قيمة أوقات الأعمار الضائعة، ويستجدون الفرص الإضافية لعلهم يتداركون، ولكن هيهات لما يأملون، فالجواب القرآني جاهز وصارم: (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون: 11].

وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون: 99- 100].

وتزداد الحسرة والندامة يوم القيامة، وقد: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ)[الشعراء: 90-91].

هنالك يدعو المضيعون لأوقات أعمارهم الدنيوية بالويل والثبور، وهم في النار يصطرخون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)[فاطر: 37].

أما أهل الجنة فليسوا يتأسفون، وهم في النعيم المقيم، إلا على ساعة من الدنيا مرت بهم لم يذكروا لله -تعالى- فيها.

أيها الإخوة في الله: إن العمر مهما امتد وطال ليس إلا لحظات زمنية عابرة، ولكنها فرص ثمينة، قد أفلح من اغتنمها وهو حازم عاقل، وقد خاب من أضاعها وهو واهم غافل.

يذكر في باب الموعظة أن نوحا -عليه السلام- سأله ملك الموت عند أجله: "يا أطول الأنبياء عمرا، كيف وجدت الدنيا؟ قال: وجدتها كدار لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر".

والمسلم يعلم أنه لن يدرك الجنة إلا بحسن استثمار فرص العمر، بكل أوقاته وأحواله، فيما يرضي ربه؛ لأنه عن كل ذلك سوف يسأل، بذلك يخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟"[الترمذي عن أبي برزة الأسلمي].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: الأعمار لا تُقَاسُ الأَعمَار بِالدَّقَائِقِ ولا بِالسَّاعَاتِ، ولا تحسب َبِالشُّهُورِ ولا بِالسَّنَوَاتِ، وإلا فَمَا أَقَلَّهَا وَمَا أَقصَرَهَا، خَاصَّةً وَقَد جَعَلَ اللهُ أَعمَارَ أُمَّةِ محمَّدٍ نِسبَةً إِلى أَعمَارِ السَّابِقِينَ قَصِيرَةً، وَقَضَى أَن تَكُونَ سَنَوَاتُهُم قِيَاسًا إِلى سَنَوَاتِ أُولَئِكَ قَلِيلَةً، قَالَ: "أَعمَارُ أُمَّتي مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلى السَّبعِينَ، وَأَقلُّهُم مَن يَجُوزُ ذَلِكَ".

وَحَتى وَلَو عَاشَ المَرءُ مِنَ السِّنِينَ عَشَرَاتٍ أَو مِئَاتٍ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلى المَوتِ وَالفَنَاء، ثم يَرجِعُ إِلى اللهِ ويُرَدُّ إِلى مَولاهُ: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجمعة: 8].

وقَد قَضَى اللهُ لِكُلِّ إِنسَانٍ في هَذِهِ الحَيَاةِ سِنِينَ مَعدُودَةً، وَجَعَلَ لَهُ عُمُرًا مُحَدَّدًا، قَالَ سبحانه: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[الزمر: 42].

وَقَالَ تَقَدَّسَ اسمُهُ: (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا)[المنافقون: 11].

وفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ -رضي الله عنها- زَوجِ النَّبيِّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَت: "اللّهُمَّ أَمتِعْني بِزَوجِي رَسُولِ اللهِ، وَبَأبي أَبي سُفيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ" فَقَالَ: "سَأَلتِ اللهَ لآجَالٍ مَضرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعدُودَةٍ، وَأَرزَاقٍ مَقسُومَةٍ، لَن يُعَجَّلَ شَيءٌ مِنهَا قَبلَ أَجَلِهِ وَلا يُؤَخَّرُ، وَلَو كُنتِ سَأَلتِ اللهَ أَن يُعِيذَكِ مِنَ النَّارِ وَعَذَابِ القَبرِ كَانَ خَيرًا وَأَفضَلَ".

وَمَعَ هَذَا -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- فإن العبد باستطاعته أن يطيل عمره، ويزيد في أجله، فَقَد وَرَدَ في القُرآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ العُمُرَ يُزَادُ فِيهِ بِبَعضِ الأَعمَالِ، قَالَ تعالى عَن نَوحٍ -عليه السلام-: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى)[نوح: 3-4].

وَصَحَّ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: "لا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَلا يَزِيدُ في العُمُرِ إِلاَّ البِرُّ".

وَقَدِ اختَلَفَ العُلَمَاءُ في مَفهُومِ هَذِهِ الإِطَالَةِ وَالزِّيَادَةِ، إِلاَّ أَنَّ ممَّا لا شَكَّ فِيهِ مِصدَاقًا لِلأَدِلَّةِ أَنَّ العُمُرَ يُزَادُ فِيهِ بِأَعمَالٍ مُعَيَّنَةٍ، وَلَو لم يَكُنْ إِلاَّ البَرَكَةُ في الوَقتِ وَالذِّكرُ الجَمِيلُ، لَكَفَى بِهِمَا مَكسَبًا، فَإِنَّكَ تَرَى الرَّجُلَينِ يَعِيشَانِ في الدُّنيَا سَنَوَاتٍ مُتَسَاوِيَةً، ويَتَمَاثَلانِ في العُمُرِ، وَلَكِنّ بَينَهُمَا مِنَ الفَرقِ كَمَا بَينَ الثَّرَى وَالثُّرَيَّا، فَفِي حِينِ يَمُوتُ ذِكرُ أَحَدِهِمَا بِمُجَرَّدِ دَفنِهِ، فَإِنَّ الآخَرَ يَظَلُّ حَيًّا كَأَنَّهُ لم يَغِبْ عَنِ الأَنظَارِ سَاعَةً، إِمَّا بِعِلمِهِ وَأَعمَالِهِ المُشَرِّفَةِ، أَو بِطُلاَّبِهِ أَو أَبنَائِهِ الصَّالحِينَ، أَو بِمَا وَقَفَهُ وَوَهَبَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَلَنَا أَن نَتَفَكَّرَ كَم هُمُ الَّذِينَ عَاصَرُوا الأَئِمَّةَ أَبَا حَنِيفَةَ ومَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحمَدَ، وَكَم هُمُ الَّذِينَ عَاشُوا مَعَ ابنِ تِيمِيَّةَ وَابنِ القَيِّمِ وَابنِ كَثِيرٍ وابنِ حَجَرٍ، وَأَمثَالِهِم مِنَ السَّالِفِينَ وَالمُعَاصِرِينَ؛ كَالإِمَامِ محمَّدِ بنِ عَبدِ الوَهَّابِ وَالشَّيخِ ابنِ بَازٍ وَابنِ عُثِيمِينَ -عَلَيهِم جميعًا رَحمَةُ اللهِ- وَلَكِنْ مَنِ الَّذِي يَذكُرُهُ النَّاسُ في كُلِّ يَومٍ وَيُثنُونَ عَلَيهِ وَيَتَرَحَّمُونَ وَيَدعُونَ لَهُ؟ وَمَنِ الَّذِي قَد مَاتَ ذِكرُهُ بِمُجَرَّدِ مَوتِهِ فَنُسِيَ؟

وَقَد قَالَ لَمَّا مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثنِيَ عَلَيهَا خَيرٌ: "وَجَبَت وَجَبَت وَجَبَت" وَمُرَّ بِأُخرَى فَأُثنِيَ عَلَيهَا شَرٌّ، فَقَالَ: "وَجَبَت وَجَبَت وَجَبَت" فَقَالَ عُمَرُ: فِدَاكَ أَبي وَأُمِّي، مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثنِيَ عَلَيهَا خَيرٌ، فَقُلتَ: "وَجَبَت وَجَبَت وَجَبَت" وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثنِيَ عَلَيهَا شَرٌّ، فَقُلتَ: "وَجَبَت وَجَبَت وَجَبَت" فَقَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَثنَيتُم عَلَيهِ خَيرًا وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ، وَمَن أَثنَيتُم عَلَيهِ شَرًّا وَجَبَت لَهُ النَّارُ، أَنتُم شُهَدَاءُ اللهِ في الأَرضِ".

وَمِن هُنَا فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ أَن يَتَعَرَّفَ الأَعمَالَ الَّتي تَطُولُ بِسَبَبِهَا الأَعمَارُ، وَتَحُلُّ بِفِعلِهَا البَرَكَةُ فِيهَا، فَيَأخُذَ بها لِتَتَضَاعَفَ حَسَنَاتُهُ، وَلا تَنقَطِعَ أَعمَالُهُ الصَّالِحَةُ بِمَمَاتِهِ، وَقَد جَعَلَ اللهُ بِفَضلِهِ هَذِهِ الأَعمَالَ كَثِيرَةً وَمُتَنَوِّعَةً، لِيَأخُذَ كُلُّ امرِئٍ مِنهَا بما يُنَاسِبُ حَالَهُ، وَيُوَافِقُ قُدرَتَهُ، وَهِيَ أَنوَاعٌ:

الأَوَّلُ: مَا جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ يُطِيلُ العُمُرَ: وَمِنهُ قَولِهِ عليه الصلاة والسلام: "لا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَلا يَزِيدُ في العُمُرِ إِلاَّ البِرُّ".

وَقَالَ: "مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ، وَأَن يُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".

وَقَالَ: "صَدَقَةُ السِّرِّ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمُرِ، وَفِعلُ المَعرُوفِ يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ".

وَقَالَ: "صِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسنُ الخُلُقِ وَحُسنُ الجِوَارِ يَعمُرنَ الدِّيَارَ وَيَزِدنَ في الأَعمَارِ".

النَّوعُ الثَّاني: الأَعمَالُ المُضَاعَفَةُ: حَيثُ يَعمَلُ المَرءُ العَمَلَ القَلِيلَ الَّذِي لا يُكَلِّفُهُ مِنَ الوَقتِ شَيئًا كَثِيرًا، وَمَعَ هَذَا يُثَابُ عَلَيهِ الأَجرَ الكَثِيرَ، وَقَد وَرَدَ مِن ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ يَضِيقُ المَقَامُ عَن حَصرِهَا، وَلَكِنَّ في ذِكرِ بَعضِهَا حَادِيًا لِلقُلُوبِ لِلتَّعَلُّقِ بِرَبِّهَا وَالإِكثَارِ ممَّا يُقَرِّبُهَا مِنهُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام: "صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بِسَبعٍ وَعِشرِينَ دَرَجَةً".

وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَن صَلَّى في يَومٍ وَلَيلَةٍ ثِنتَي عَشرَةَ رَكعَةً -يعني السنن الرواتب- بُنيَ لَهُ بَيتٌ في الجَنَّةِ: أَربَعًا قَبلَ الظُّهرِ، وَرَكعَتَينِ بَعدَهَا، وَرَكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَرَكعَتَين بَعدَ العِشَاءِ، وَرَكعَتَينِ قَبلَ صَلاةِ الغَدَاةِ".

وَقَالَ: "يُصبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِن أَحَدِكُم صَدَقَةٌ: فَكُلُّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجزِئُ مِن ذَلِكَ رَكعَتَانِ يَركَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى".

وَقَالَ: "صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ إِني أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعدَهُ، وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ إِني أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ".

وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "شَهرُ الصَّبرِ وَثَلاثَةُ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ صَومُ الدَّهرِ".

وَقَالَ: "مَن صَامَ رَمَضَانَ وَأَتبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهرَ".

وَعَن جُوَيرِيَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبيَّ –صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِن عِندِهَا ثم رَجَعَ بَعدَ أَن أَضحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: "مَا زِلتِ عَلَى الحَالِ الَّتي فَارَقتُكِ عَلَيهَا؟" قَالَت: نَعَمْ، قَالَ النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم-: "لَقد قُلتُ بَعدَكِ أَربَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لَو وُزِنَت بما قُلتِ مُنذُ اليَومِ لَوَزَنَتهُنَّ: سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، عَدَدَ خَلقِهِ وَرِضَاءَ نَفسِهِ وَزِنَةَ عَرشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ".

وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَن قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ في يَومٍ مائَةَ مَرَّةٍ كَانَت لَهُ عَدلَ عَشرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَت عَنهُ مائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَت لَهُ حِرزًا مِنَ الشَّيطَانِ يَومَهُ ذَلِكَ حَتى يُمسِيَ، وَلم يَأتِ أَحَدٌ بِأَفضَلَ ممَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكثَرَ مِنهُ".

وَعَن سَعدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللهِ –صلى الله صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَيَعجزُ أَحَدُكُم أَن يَكسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلفَ حَسَنَةٍ؟" فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِن جُلَسَائِهِ: كَيفَ يَكسِبُ أَحَدُنَا أَلفَ حَسَنَةٍ؟! قَالَ: "يُسَبِّحُ مائَةَ تَسبِيحَةٍ، فَيُكتَبُ لَهُ أَلفُ حَسَنَةٍ أَو يُحَطُّ عَنهُ أَلفُ خَطِيئَةٍ".

وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "مَن صَلَّى عَلَيَّ مِن أُمَّتي صَلاةً مُخلِصًا مِن قَلبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بها عَشرَ صَلَوَاتٍ، وَرَفَعَهُ بها عَشرَ دَرَجَاتٍ، وَكَتَبَ لَهُ بها عَشرَ حَسَنَاتٍ وَمَحَا عَنهُ عَشرَ سَيِّئَاتٍ".

وَقَالَ: "مَنِ استَغفَرَ لِلمُؤمِنِينَ وَلِلمُؤمِنَاتِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤمِنٍ وَمُؤمِنَةٍ حَسَنَةً".

النَّوعُ الثَّالِثُ: الأَعمَالُ الَّتي لا يَنقَطِعُ ثَوَابُهَا بِانتِهَاءِ العُمُرِ وَانقِطَاعِ العَمَلِ، وَمِنهَا: الأَبنَاءُ الصَّالِحُونَ، وَالعِلمُ النَّافِعُ، وَبِنَاءُ المَسَاجِدِ، وَتَوقِيفُ المَنَافِعِ العَامَّةِ، وَالصَّدَقَاتُ الجَارِيَةُ، ففي الحَدِيثِ: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٌ صَالحٌ يَدعُو لَهُ".

أيُّهَا المُسلِمُونَ: وَمَعَ أَهَمِيَّةِ مَا ذُكِرَ مِن أَعمَالٍ صَالِحَةٍ في إِطَالَةِ العُمُرِ، إِلاَّ أَنَّ لَنَا وَقفَةً مَعَ الأَعمَالُ المُتَعَدِّي نَفعُها البَاقِي أَثَرُهَا، إِذ إِنَّ مَا ذُكِرَ مِن فَضَائِلِ الأَعمَالِ في الأَنوَاعِ الَّتي قَبلَهَا -وَإِن كَانَت كَثِيرَةً وَأُجُورُهَا مُضَاعَفَةٌ-، إِلاَّ إِنَّهَا ممَّا يَنقَطِعُ بِانقِطَاعِ النَّفَسِ، وَخُرُوجِ الرُّوحِ مِنَ الجَسَدِ، أَمَّا الأَعمَالُ المُتَعَدِّيَةُ النَّفعِ، مِن تَعلِيمِ العِلمِ، وَتَربِيَةِ الأَبنَاءِ تَربِيَةً صَالِحَةً، وَتَوقِيفِ المَنَافِعِ، وَبِنَاءِ المَسَاجِدِ، وَطِبَاعَةِ الكُتُبِ، وَنَشرِ المَصَاحِفِ، وَنَحوِهَا، فَإِنَّهَا تَدُومُ أَعوَامًا طَوِيلَةً، وَتَبقَى سِنِينَ عَدَدًا، وَقَد تَفنى أَجيَالٌ بَعدَ أَجيَالٍ وَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَتَذهَبُ دُوَلٌ وَتَجِيءُ دُوَلٌ وَهِيَ شَامِخَةٌ، وَهَا أَنتُمُ تَرونَ مِنَ الجَوَامِعِ وَالمَسَاجِدِ وَالمَدَارِسِ وَالأَربِطَةِ في العَالَمِ الإِسلامِيِّ الكَثِيرَ وَالكَثِيرَ ممَّا مَرَّ قُرُونٌ عَلَى بِنَائِهَا وَإِنشَائِهَا، وَمَاتَ مُنشِؤُوهَا وَغَبَرُوا، وَلا تَزَالُ تُؤَدِّي دَورَهَا كَمَا هِيَ عِندَمَا بُنِيَت وَقَد تَزِيدُ، وَقُولُوا مِثلَ ذَلِكَ في كَثِيرٍ مِنَ الكُتُبِ وَالمُجَلَّدَاتِ الَّتي أُلِّفَت مُنذُ مِئَاتِ السِّنِينَ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَنهَلُونَ مِنهَا عِلمًا وَتقَوَى، وَيَزدَادُونَ بِقِرَاءَتِهَا إِلى اللهِ زُلفَى، فَيَا للهِ كَم مِنَ الحَسَنَاتِ صَبَّت في مِيزَانِ مَن أَنشَؤُوا تِلكَ المَسَاجِدِ وَالأَوقَافِ أَو شَارَكُوا في إِنشَائِهَا، أَو مَن أَلَّفُوا تِلكَ الكُتُبَ أَو طَبَعُوهَا، كَم تَعَلَّمَ مُسلِمٌ مِن حُكمٍ شَرعِيٍّ فَعَمِلَ بِهِ، كَم صَلَّى مُصَلٍّ مِن رَكعَةٍ، وكَم تَلا تَالٍ مِن كِتَابِ اللهِ، كوَم رُفِدَ مِن ضَعِيفٍ، وَأُعِينَ مِنِ ابنِ سَبِيلٍ، كَم كُفِلَ مِن يَتِيمٍ، وَكَم رُعِيَت مِن أَرمَلَةٍ، أُجُورٌ وَحَسَنَاتٌ لا يُحصِيهَا إِلاَّ مَن أَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا، فَهَنِيئًا لأُولَئِكَ المُحسِنِينَ المُنفِقِينَ وَالعُلَمَاءِ العَامِلِينَ، هَنِيئًا لِمَن بَنى مَسجِدًا، ولِمَن أَوقَفَ مُصحَفًا، هَنِيئًا لِمَن طُبِعَ عَلَى نَفَقَتِهِ كِتَابٌ أَو شَرِيطٌ، هَنِيئًا لِمَن أَنشَأَ دَارًا خَيرِيَّةً، أَو حَلَقَةَ قُرآنٍ، أَو حَفَرَ بِئرًا أَو دَعَمَ مَركَزًا دَعَوِيًّا، وَيَا لَخَسَارَةِ مَن رَزَقَهُ اللهُ مَالاً، وَلم يُشَارِكْ في شَيءٍ مِن ذَلِكَ بما يَستَطِيعُ.

وَقَالَ رسل الهدى-صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ ممَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ: عِلمًا نَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكهُ، وَمُصحَفًا وَرَّثَهُ، أَو مَسجِدًا بَنَاهُ، أَو بَيتًا لابنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَو نَهَرًا أَجرَاهُ، أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ".

فَاحرِصُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- عَلَى مَا تَحُلُّ بِهِ البَرَكَةُ في أَوقَاتِكُم، وَتُطَالُ بِهِ أَعمَارُكُم، فَإِنَّ الأَعوَامَ تَجرِي، وَالسَّنِينَ تَذهَبُ، وَهَا أَنتُمُ تُوَدِّعُونَ عَامًا مَضَى كَأَنَّهُ شَهرٌ، وَتَستَقبِلُونَ عَامًا لَعَلَّكُم لا تَستَكمِلُونَهُ، فَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مَا تَرجُونَ بِهِ نَجَاتَكُم، وَأَخلِصُوا للهِ وَتَابِعُوا نَبِيَّهُ تُقبَلْ أَعمَالُكُم.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)[يــس: 12].

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ الذِي لا عِزَّ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ، وَلا نجاةَ إِلاَّ بِتَقوَاهُ: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[النــور: 52].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: تَذهَبُ إِجَازَةٌ وَتجيءُ أُخرَى، وَتَنتَهِي عُطلَةٌ وَتَبدَأُ ثَانِيَةٌ، وَعِندَ إِقبَالِ كُلِّ إجازة يُمَنِّي المَرءُ نَفسَهُ بِأَمَانِيَّ كَثِيرَةٍ، وَيَعِدُهَا بِمَوَاعِيدَ مُختَلِفَةٍ، ذَاكَ يَأمَلُ حِفظَ القُرآنِ، أَو مَا تَيَسَّرَ مِنهُ، وَهَذَا يَضَعُ في بَرنَامجِهِ أَن يَقرَأَ كِتَابًا، أَو يَستَمِعَ لِدُرُوسٍ في أَشرِطَةٍ، وفي النَّاسِ مَن يُخَطِّطُ لِحُضُورِ دَورَاتٍ شَرعِيَّةٍ، أَو عِلمِيَّةٍ، أَو مَهَارِيَّةٍ، وَفِيهِم مَن يُسَافِرُ بِخَيَالِهِ قَبلَ بَدَنِهِ، وَيُمَتِّعُ خَاطِرَهُ بِقَضَاءِ سَفَرٍ دَاخِلِيٍّ أَو خَارِجِيٍّ، وَيُعِدُّ العُدَّةَ وَيَجمَعُ المَالَ وَيَعِدُ الرِّفَاقَ، وَتَبدَأُ الإِجَازَةُ وَتَستَمِرُّ، وَيَتَوَالى مُرُورُ أَيَّامِهَا يَومًا بَعدَ يَومٍ، وَيَتَتَابَعُ تَصَرُّمُ لَيالِيهَا لَيلَةً بَعدَ أُخرَى، فَإِذَا بِالأَهدَافِ التي وُضِعَت تَتَبَدَّدُ، وَإِذَا بِالأَمانيِّ التي عُقِدَت تَتَنَاثَرُ، وَتَنقَضِي الإِجَازَةُ وَمَا قَضَى مُرِيدٌ مُرَادَهُ، وَتَضِيعُ وَمَا حَصَّلَ مُتَمَنٍّ مَا تَمَنَّى.

عباد الله: أَفَلَا يتُفَكِّرْ أَحَدُنَا في وَاقِعهِ، وَيُسَائِلُ نَفسَهُ: لماذا لا تتَغَيَّرُ حياتي مِن سَيِّئٍ إِلى حَسَنٍ وَمِن حَسَنٍ إِلى أَحسَنَ؟! لماذا لا أَستَفِيدُ مِنَ الإِجَازَةِ وَأَستَثمِرُ فَرَاغِي؟! لماذا تَضِيعُ عليّ الأَيَّامُ سُدًى وَيَذهَب وَقتي هَدَرًا؟!

إِنْ كَانَ قَد طَرَأَ عَلى أحدنا مِثلُ هَذِهِ التَّسَاؤُلاتِ، فَليعلَمْ أَنَّ هذا أَوَّلُ بِدَايَةٍ لِسَيرِه في الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ، وَإِن لم يفَكِّرْ يَومًا مِثلَ هَذَا التَّفكِيرِ فَليعلَمْ أَنَّ قَلبَه مَيِّتٌ، فَليسأَلِ اللهَ أَن يَبعَثَهُ، أَو مَرِيضٌ فَليدعُ اللهَ أَن يَشفِيَهُ، قال: "خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ".

وقال عليه الصلاة والسلام: "اِغتَنِمْ خمسًا قَبلَ خمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ".

أَلَيسَ مِنَ الخُسرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا

تَمُرُّ بِلا نَفعٍ وَتُحسَبُ مِن عُمرِي

أَيُّها الإِخوَةُ: إِنَّ لاستِغلالِ الإِجَازَةِ طُرُقًا وَأَسَالِيبَ كَثِيرَةً، وَلِضَيَاعِهَا أَسبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَمَن سَلَكَ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ وَاتَّبَعَ الأَسَالِيبَ المُثلَى، وَاستَقبَلَ وَقتَهُ بِالجِدِّ مِن أَوَّلِهِ وَبَكَّرَ وَبَادَرَ أَوشَكَ أَن يَستَفِيدَ، وَيَصِلَ إِلى مُرَادِهِ، وَمَن أَخَذَ بِأَسبَابِ الضَّيَاعِ وَسَوَّفَ وَأَجَّلَ وَتَقَاعَسَ وَتَأَخَّرَ، فَلَن يَجنيَ إِلاَّ الضَّيَاعَ.

إِذَا أَنـتَ لم تَستَقبِلِ الأَمرَ لم تَجِدْ

بِكَفَّيـكَ في إِدبَـارِهِ مُتَعَلَّقـا

أيها الإخوة في الله: إِنَّ الوَقتَ لا يَتَوَقَّفُ، وَإِنَّ العُمرَ في ازدِيَادٍ، وَإِنَّ الأَجَلَ يَقرُبُ وَيَدنُو، وَالمَوتُ بِالمِرصَادِ لا يغفلُ: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجمعة: 8].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ أَبنَاءَنَا في الإِجَازَةِ يَعِيشُونَ فَرَاغًا كَبِيرًا، وَيَتَقَلَّبُونَ سَاعَاتٍ طِوَالاً لا يَجِدُونَ فِيهَا مَا يَشغَلُهُم، وَإِنَّهُ يَجِبُ أَن نَعلَمَ أَنَّ هَذَا الفَرَاغَ جُزءٌ مِن أَعمَارِهِم وَحَجَرٌ في بِنَاءِ ثَقَافَتِهِم، إِنْ لم يُستَثمَرْ فِيمَا يَنفَعُهُم وَيَعُودُ عَلَيهِم بِالفَائِدَةِ في دُنيَاهُم وَآخِرَتِهِم فَإِنهم سَيَقضُونَهُ فِيمَا يَضُرُّهُم في دِينِهِم وَأَخلاقِهِم، وَقَد صَحَّ عنه أَنَّهُ قال: "نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ".

وَمَعنى كَونِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مَغبُونِينَ في هَاتَينِ النِّعمَتَينِ أَنهم لا يُحسِنُونَ استِعمَالَهُمَا فِيمَا يَنبَغِي، وَلا يَشكُرُونَ اللهَ -جل وعلا- عَلَيهِمَا الشُّكرَ الوَاجِبَ، ذَلِكَ أَنَّ الإِنسَانَ قَد يَكُونُ صَحِيحًا وَلَكِنَّهُ مَشغُولٌ، وَقَد يَكُونُ فَارِغًا لَكِنَّهُ مَرِيضٌ، وَأَمَّا إِذَا اجتَمَعَ لَهُ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ فَقَد جمع نِعمَتَينِ مِن أَجَلِّ النِّعَمِ التي يَستَعِينُ بها العَبدُ على العَمَلِ لآخِرَتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ لِرَبِّهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَيهِ الكَسَلُ عَنِ الطَّاعَةِ وَالحَالُ هَذِهِ، أَو استَعمَلَ تِلكَ النِّعمَتَينِ في المَعصِيَةِ وَالضَّيَاعِ، فَهُوَ المَغبُونُ حَقًّا؛ لأَنَّ الفَرَاغَ يَعقُبُهُ الشُّغلُ، وَالصِّحَّةُ يَعقُبُهَا السَّقَمَ أُوِ الهَرَمُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لا يَحسُنُ بِمَن مَطِيَّتُهُ الأَيَّامُ أَن يَنَامَ، ذَلِكَ أَنها سَائِرَةٌ بِهِ وَإِنْ لم يَسِرْ، مُتَحَرِّكَةٌ وَإِن هُوَ تَوَقَّفَ، وَمِن هُنَا كَانَ لِزَامًا عَلَى المَرءِ أَن يجعَلَ لِكُلِّ يَومٍ عَمَلاً يُنجِزُهُ، وَأَن يُخَصِّصَ لِكُلِّ سَاعَةٍ مُهِمَّةً يَقضِيهَا، وَإِلاَّ ضَاعَت عَلَيهِ الغَنَائِمُ وَالفُرَصُ، وَتَجَرَّعَ الآلامَ وَالغُصَصَ، وَإِنَّهُ مَا آفَةٌ تَأكُلُ الوَقتَ وَتُذهِبُهُ في غَيرِ فَائِدَةٍ؛ مِثلُ: آفَةِ التَّسوِيفِ وَالتَّأجِيلِ، حَيثُ يُؤَجِّلُ المَرءُ عَمَلَ اليَومِ إِلى الغَدِ، فَإِذَا جَاءَ الغَدُ اجتَمَعَ عَلَيهِ عَمَلانِ أَو أَكثَرُ، فَإِنْ هُوَ بَدَأَ بِأَحَدِهِمَا فَقَد يَكِلُّ وَيَمَلُّ قَبلَ أَن يَأتيَ دَورُ الآخَرِ، وَإِذَا هُوَ تَحَامَلَ عَلَى نَفسِهِ وَجَمَعَ عَلَيهَا العَمَلَينِ أَرهَقَهَا، فَطَلَبَتِ الرَّاحَةَ في اليَومِ الذِي بَعدَهُ، فَأَضَاعَ عَمَلَ ذَلِكَ اليَومِ، وَمِن هُنَا كَانَ عَلَيهِ تَرتِيبُ وَقتِهِ وَإِشغَالُ نَفسِهِ وَمُصَاحَبَةُ مَن يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَجَنُّبُ الفَارِغِينَ البَطَّالِينَ الذِينَ لا يُؤَدُّونَ وَاجِبًا وَلا يَحفَظُونَ وَقتًا.

أيها الإخوة في الله: إِنَّ في الإِجَازَةِ لَفُرَصًا لِمَن أَرَادَ لأَبنَائِهِ الخَيرَ، فَهُنَاكَ النَّوَادِي الصَّيفِيَّةُ في بَعضِ المَدَارِسِ، وَهُنَاكَ الدَّورَاتُ المُكَثَّفَةُ لِحِفظِ القُرآنِ في بَعضِ الجَوَامِعِ وَالمَسَاجِدِ، وَثَمَّةَ دَورَاتٌ عِلمِيَّةٌ شَرعِيَّةٌ لكبار العلماء، وَمُلتَقَيَاتٌ شَبَابِيَّةٌ دَعَوِيَّةٌ، وَمَكَاتِبُ الدَّعوَةِ وَالجَمعِيَّاتُ الخَيرِيَّةُ مُفَتَّحَةُ الأَبوَابِ لِمَن أَرَادَ التَّعَاوَنَ مَعَهَا في مَنَاشِطِهَا، وَفَضَلاً عَن هَذَا فَإِنَّ في الأَعمَالِ الدُّنيَوِيَّةِ المُبَاحَةِ مِن تِجَارَةٍ، أَو صِنَاعَةٍ، أَو مِهَنٍ، أَو حِرَفٍ، أَو تِقنِيَاتٍ لَمَندُوحَةً عَنِ البَطَالَةِ وَالكَسَلِ، فَمَا عَلَى الأَبِ إِلاَّ أَن يَلتَفِتَ يَمنَةً أَو يَسرَةً وَيَطلُبَ لابنِهِ مَا يُنَاسِبُهُ، وَيُلحِقَهُ بِعَمَلٍ يَنفَعُهُ، وَيَشغَلُ وَقتَهُ عَمَّا يَضُرُّهُ وَيُفسِدُهُ.

ولْيَحذَرِ المُسلِمُونَ وَقَد أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِنِعمَةِ الفَرَاغِ مِن أَن يَملَؤُوهُ بما يُغضِبُ اللهُ، أَو يَقضُوهُ فِيمَا يَشغَلُ عَن طَاعَةِ اللهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون: 9].

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَالعَصرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ)[العصر: 1-3].