الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | سالم بن عبد الكريم الغميز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات |
صحيح أن إبليس عدو الله، وكذا فرعون وأضرابهم من الكفرة، ولكن ما رأيك في مكفولك الكافر، أو خادمة جيرانك الكافرة، أو عامل المحل الذي استقدمته أنت تحت كفالتك ومكنته من أرض المسلمين التي حرمها عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهيأت له الفرصة الجميلة؛ إذ يسرت له سبل العيش وكفلت أسرته وأطفاله وهم شر على دينك وأمتك حاضرًا ومستقبلاً، وقدمته على أخيك المسلم في بلاده، وتركت أخاك المسلم يصارع آلام الحياة ويتكبد المآسي هو وأهله...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها المسلون: اتقوا الله عباد الله، فإن تقواه هي النجاة: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَـأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَلأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
عباد الله: إنه لا بد من التفريق بين حزب الرحمن وحزب الشيطان؛ لأن عدم التفريق بينهما فتنة عظيمة وفساد كبير: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَلْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم:35-36].
أيها المسلم: إنك حين آمنت بالله ورسوله أصبحت واحدًا من المسلمين، لك ما لهم وعليك ما عليهم، والمؤمنون هم حزب الله (وَللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران:68]. وأصبح لك أعداء لم يؤمنوا بالله ولا برسوله ولم يدينوا دين الحق الذي ارتضاه لنفسه: (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَلنَّصَـارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة:51].
والآيات -أيها المسلمون- في جانب الولاء والبراء كثيرة كثيرة، هذه أوامر الله ونواهيه، وهي نصوص من الوحي ولا تختلف باختلاف الزمان ولا تتغير بتغير الأسماء والألوان، فما كان للكفار فهو شامل لهم جميعًا إلا ما استثني بالدليل.
وإن التاريخ يشهد بذلك، فقل لي -أيها المسلم- من الذي كان يحارب المسلمين في بدر وأحد يريد ذلة الإسلام وأهله، أليسوا المشركين؟! ومن صادم المسلمين في القادسية واليرموك ليصدهم عن نشر دين الله، أليسوا المشركين؟!
تلك شهادة التاريخ وغيرها كثير، فهل يخفى عليك -أيها المسلم- ما يلاقي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من الأذى والتعذيب والتنكيل وهدم المساجد والمنازل وهتك الأعراض!! من يفعل هذه الأفعال؟! أوليسوا المشركين؟!
ومع هذا نجد من المسلمين من يؤويهم ويمكن لهم ويثني عليهم ويدافع عنهم، بل ربما سب المسلمين من أجلهم، فإلى الله المشتكى.
أيها المسلمون: أو فينا من يحتاج إلى خطبة كاملة ليعرف واجبه تجاه إخوانه؟! أو ليس بيننا من لم يزل يبغض الكفار بالجملة ويوالي أفرادًا منهم؟! ما هذا الفهم الخاطئ؟!
فإذا قيل له: الكفار، شتمهم وتأوه من أعمالهم في المسلمين.
أما إذا قيل له: عاملك الهندوسي أو النصراني، قال: هذا مسكين، هذا طيب، ذروني وهذا، فإني لا أستغني عنه، وهل وقف الأمر على عاملي أو مكفولي؟!
اتق الله -أيها المسلم-، فما الأمة إلا أنت وأمثالك لو أجبتم داعي الحق جميعًا لاستقامت السبل ولخرج الكفار والمشركون من جزيرة العرب.
عباد الله: إن بعض الناس يرى أن الكفار أعداء الله، ولكنه لا يستشعر أن كل كافر هو بعينه عدو الله، يجب بغضه والبراءة منه.
صحيح -أخي المسلم- أن إبليس عدو الله، وكذا فرعون وأضرابهم من الكفرة، ولكن ما رأيك في مكفولك الكافر، أو خادمة جيرانك الكافرة، أو عامل المحل الذي استقدمته أنت تحت كفالتك ومكنته من أرض المسلمين التي حرمها عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهيأت له الفرصة الجميلة؛ إذ يسرت له سبل العيش وكفلت أسرته وأطفاله وهم شر على دينك وأمتك حاضرًا ومستقبلاً، وقدمته على أخيك المسلم في بلاده، وتركت أخاك المسلم يصارع آلام الحياة ويتكبد المآسي هو وأهله، إنّ عاملك الكافر هو عدو الله، ولكنك تسامحت معه إلى أبعد الحدود. سامحك الله وغفر زلتك ونحاك من زلتك.
من الذي يقاتل المسلمين في كشمير؟! أليس الهنادكة عباد البقر؟! ومن الذي يمد اليهود بالسلاح والعتاد والتقنية الحديثة أليسوا النصارى أعداء الله؟!
إن هؤلاء الكفار الذين تحت كفالتك أعداء لله ولرسوله ولدينك وأمتك.
أرأيت لو كان عدوًا لأبيك وكان مسلمًا أو عدوًا لبلدك، أكنت تستقدمه وتؤويه؟! اتق الله -أيها المسلم-، ألا تخاف مكر الله وأنت تؤوي أعداءه وتمكن لهم في أرض المسلمين وتسهل لهم سبل المعيشة دون إخوانك المسلمين مع شدة حاجتهم وقد أمرت ونهيت وما انتهيت.
أيها المسلم: لقد كان عليك أن تنصر المسلمين بنفسك ومالك، فإذا لم يكن منك ذلك فليسلم منك المسلمون -على الأقل- فلا تؤذيهم بالتمكين لعدوهم واستقدامه دونهم، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
أيها المسلمون: لقد تكالبت الأعداء على إخواننا في بلدانهم فهل تكون أنت عليهم؟! إن أشق ما يواجه المسلمين في الهند أن تدفق الأموال على كفرة الهندوس من الخليج.
أيها المسلمون: في أصقاع بعيدة يتمنى المسلم بكل حرقة أن يقدم إلى هذه البلاد لعله يحج، فكانت الفرصة على يديك، ومكنت أن تستقدم من تلك البلاد واحدًا أو أكثر فحرمت أخاك الذي يتمنى المجيء واستقدمت بدله كافرًا وعدوًا مبينًا، ومع ذلك تزعم محبة إخوانك المسلمين. فاتقوا الله -عباد الله- واحرصوا على طاعة الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ءابَاءكُمْ وَإِخْونَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَـانِ) [التوبة:23].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: إن هناك شبهات ثلاثًا لابد من الرد عليها، لأن الشيطان سوّل بها وأملى.
الأولى: قولهم: إن هؤلاء الكفار أحسن عملاً من المسلمين. والثانية: قولهم: أستقدم كافرًا وأدعوه للإسلام. والثالثة: قولهم: إن تغيير الديانة في البطاقة سهل، فإذا اشترطنا الإسلام كتبه في بطاقته، ولو لم يسلم!
والحقيقة أنها هذه كلها ليست حجة يقولها صاحب حق، ولكنها خدعة يقولها متورط، وهو أول المخدوعين، فلما صار في قلبه مرض، واستقدم عدو الله وخالف وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اضطر أن يدافع عن خطئه، فجعل يلتمس أعذارًا أوهن من بيت العنكبوت، وربما زل بكلام خطير لا يعرف مداه، وهو يدافع عن خطئه، ويمدح الكفار، ويثني على أخلاقهم وعملهم، ويسب المسلمين، ويرميهم بكل نقيصة! وعلماء الأحناف يقولون: "من قال: النصارى خير من المسلمين كفر".
والحقيقة أن المسلمين هنالك فُرض عليهم الجهل، ولم يتمكنوا من الفرص، وضيق عليهم في الاستقدام، فتركناهم وجئنا بالكفرة فتعلموا على حسابنا ثم قلنا: هم أتقن عملاً، وربما استقدم المسلم مسلمًا فلم يرضه، فآلى على نفسه أن لا يستقدم مسلمًا أبدًا -عياذًا بالله من ذلك- لأنه كان على حرف فابتلي: (كَذلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف:163].
ثم هب أنهم كانوا كذلك فهذا أمر مسلم، وليس محل نزاع، فليس في الشرع أن تفاضل بين الكافر والمسلم، فتستقدم المتقن، ولكن الشرع يحرّم موالاة الكفار، واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، ويحرم استقدامهم إلى جزيرة العرب، كما صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكما أفتى بذلك العلماء الأثبات.
أما قولك: أستقدم كافرًا وأدعوه للإسلام، فإن ما نراه ليس من الدعوة في شيء، ثم كم أسلم على يديك من كافر، وكم يكفيك من الوقت لتعرف نتيجة دعوتك معه؟! وماذا صنعت لمن لم يسلم؟!
وأما القول بسهولة تغيير الديانة، فلو أن رجلاً أراك في بطاقته أنه مسلم ما صح لك أن تتهمه بالكفر، حتى ترى منه كفرًا: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَـامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) [النساء:94]. ثم إنك إذا استقدمت من كتب في ديانته "مسلم" فقد برئت ذمتك إن شاء الله، وعليك التحري ما استطعت، أما أن تقول: إن تغيير الديانة في البطاقة سهل، وأنت تدافع عن استقدامك لعدو الله، وتركك لأخيك المسلم المحتاج، فهذه حجة خارج قضية النزاع، فليس صحيحًا أن تشرب الخمر، لأن جعل العنب خمرًا سهل، والعقلاء لا يقبلون هذا. والله أعلم بما تصفون.
حجج تهافت كالزجاج تخالها | حقًّا وكلٌّ كاسر مكسور |
أيها المسلمون: إن هذا الحديث ليس مقصورًا على من استقدم كافرًا، بل هو لكل من سمعه، فإذا استيقظت غيرتك، وثبت إلى رشدك، وثبت إلى ربك، وعزمت أن تخرج كل كافر أدخلته بلاد المسلمين مهما كلف الأمر، وأن تناصح كل من استقدم كافرًا. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
ألا وصلوا -عباد الله- على خير خلق الله، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، اللهم لا تفرح علينا عدوًا ولا تشمت بنا حاسدًا.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمتنا وبلادنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة...
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِلْعَدْلِ وَلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَلْمُنْكَرِ وَلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].