البحث

عبارات مقترحة:

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الراعي والرعية

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. الحكمة من عزل عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص .
  2. أهمية التراحم والشفقة بين الراعي والرعية .
  3. صور عملية في عدل الولاة .
  4. واجب الرعية نحو الولاة .
  5. أسباب بغض الرعية للولاة .
  6. نصرة الله للمظلومين .

اقتباس

إن المتأمل في أحوال عالمنا اليوم، وما انفجر فيه من أحداث عظيمة جدا، يدرك القطيعة المتجذرة، والفجوة الهائلة بين كثير الحكومات والشعوب. طبعا يخرج من هذا الإطار الحركات الرافضية الباطنية، والشغب الصوفي؛ فهذا شأن آخر تماما؛ لأنه هؤلاء لا انتماء لهم لل...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لما اشتكى بعض أهل الكوفة أميرهم سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- عزله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، مع أنه كان يعلم كذب تلك الشكوى، فسعد -رضي الله عنه- من السابقين الأولين إلى الإسلام، ومن العشرة المبشرين بالجنة، وفداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوالديه عندما قال له يوم أحد: "ارم سعدُ فداك أبي وأمي".

وهو قائد معركة القادسية التي فتح الله بها على يديه العراق، ودحر الفرس المجوس، ومع كل ذلك رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يعزله من الإمارة، درءا للفتنة للمجتمع، وقطعا لمادة الجدل، والقيل والقال، وحتى يعلم الناس: أن عمر -رضي الله عنه- لم يعزل سعدا لما قيل عنه؛ لأن ذلك كان كذبا، فإننا نجد عمر -رضي الله عنه- بعد سنوات لما طعن، وأوشك أن يموت، يذكره ضمن أهل الشورى الستة الذين يختارون الخليفة من بعده، ويقول بأنه لم يعزل عن عجز، أو خيانة؛ ففي صحيح البخاري: أنه قيل لعمر وهو يحتضر: أوصِ يا أمير المؤمنين، -استخلف- قال: ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء، والذي توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، أي من الإمارة، فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.

إذا أصبح واحد آخر هو الأمير غير سعد، فليستشر سعدا في أمور الخلافة، وفي أمور الناس، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.

فانظر إلى فقه عمر، وبعد نظره، وعمق بصيرته، وحرصه على الاستقرار السياسي، والتماسك الاجتماعي بين الراعي والرعية، فبمقدار الألفة والمحبة، والثقة بين الطرفين الراعي والرعية، يتحقق الاطمئنان، والسلم الاجتماعي.

وفي هذا الباب: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيار أئمتكم -أي ولاتكم- الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم -أي يدعون لكم وتدعون لهم- وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم" [أخرجه مسلم في صحيحه].

هذا الترابط الوثيق المبني على التراحم والشفقة بين الراعي والرعية، هو السبيل الوحيد لاستقرار المجتمع، وتماسك بنيانه، وليس استقرار المجتمع كما يظن المستبد الأبله، بالمغالبة والمشاحنة، والتحدي والعناد والعنجهية، واستعراض القوة، والتلذذ باستخدام النفوذ.

ولهذا ترون النبي -صلى الله عليه وسلم- يقطع الطريق على كل ما يكدر هذه الصلة، ويبين أن أساس العَقد السياسي الذي تجتمع عليه الأمة، هو التراضي والألفة؛ ففي الحديث الصحيح: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أم قوما وهم له كارهون، فإن صلاته لا تجاوز ترقوته".

فإذا كان هذا في إمامة الصلاة لعدد محدود من المسلمين، فكيف بالإمامة العظمي؟

ومن ألطف ما جاء في هذا السياق: ما رواه مسلم في صحيحه: أن عبد الرحمن بن شماسه قال: أتيت عائشة -رضي الله عنها- أسألها عن شيء، فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم؟ -تعني معاوية بن خديج- كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟.

معاوية بن خديج هذا هو والي مصر زمن معاوية بن أبي سفيان، وكان قد قتل أخاها محمد بن أبي بكر زمن الفتنة.

فهي تسأل عن قاتل أخيها، فقال ابن الشماسة: ما نقمنا منه شيئا، إن كان ليموت للرجل من البعير، فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمدا بن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في بيتي هذا: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به" فمعاوية بن خديج عرف واجبه نحو رعيته، فكان لهم نعم النصير والرفيق.

وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنه- كما هو معروف عنها، بكل إنصاف وتجرد تشهد بحسن إمرة معاوية بن خديج، بالرغم من قتله أخاها، وتبين منهج الإسلام في ترسيخ أواصر الرحمة والشفقة السياسية، لهذا كان شر الولاة الذي يحطم الناس بعنفه وشدته، وتحميله لهم مالا يطيقون.

صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن شر الرعاء الحطمة –الرعاء: أي الولاة الذين استرعوا أمور الناس، والحطمة: أي القساة منهم، أولئك الذين يحطمون الناس، ويؤذونهم، ويشقون عليهم- شر الرعاء الحطمة".

ومن الصور العملية الرائعة التي تحقق هذه الغاية العظمى، والمنهج النبوي الكريم: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خطب في رعيته، قائلا: ألا إني –والله- ما أرسل عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل شيئا سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفسي بيده إذا لأقصنه منه، أي من الوالي، فوثب عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، فقال: يا أمير المؤمنين أرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية، تأدب بعض رعيته، أإنك لتقصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده.

قال: إذا لأقصنه منك، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم -أي لا تحبسوهم بغير حق- فتفتنوهم، ولا تمنعونهم حقوقهم، فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم"، الغياض جمع غيضة، وهو الشجر الملتف الذي إذا نزل فيه الجيش تفرقوا، فيتمكن منه العدو.

إذا عمر بن الخطاب سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك ولا ينساه من حبيبه صلى الله عليه وسلم، ومن رقة عمر -رضي الله عنه- بالمسلمين وشفقته على رعيته: أنه استعمل رجلا من بني أسد على عمل، فدخل ليسلم عليه، فأتى إلى عمر -رضي الله عنه- بعض ولده، فقبله، أي قبل عمر الفاروق ذلك الولد، فقال له الأسدي: أتقبل هذا يا أمير المؤمنين، فو الله ما قبلت ولدا لي قط، فقال عمر -رضي الله عنه-: "فأنت بالناس أقل رحمة، لا تعمل لعمل، فإذا كنت بهذه الجلافة والقسوة مع أولادك، فكيف مع الناس إذا وليتك شئونهم، فرد عهده".

فعمر -رضي الله عنه- في هذه النصين العزيزين كان واضحا في خطابه مع الولاة والرعية، حازما في رعاية حقوق الناس أجمعين، حريصا على تعزيز كرامتهم، وإنسانيتهم، فمهمة الوالي ليس التسلط والتطاول على الناس، ولا سلبهم أموالهم، بل الإحسان إليهم، والحفاظ على حقوقهم، وإخراجهم من دواعي العبودية والذلة لغير الله -تعالى-، لهذا توعد النبي -صلى الله عليه وسلم- الوالي الذي يعرض عن حقوق الناس، ويستهين بحاجاتهم؛ بقوله عليه الصلاة والسلام: "ما من إمام، أو والي، يغلق بابه دون ذوي الحاجة، والخلة -الخَلة أي الفقر والمسكنة- إلا أغلق الله أبواب السماء دون حاجته وخلته ومسكنته" [أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح].

أيها الإخوة: من الأخبار العجيبة التي تستحق التأمل والدراسة؛ ما رواه أبو قابيل حي بن هانئ، قال: خطبنا معاوية بن سفيان -رضي الله عنه- في يوم جمعة، فقال: "إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا، ومن شئنا منعنا" فلما كانت الجمعة الثانية، قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة، قال مثلما قال، "إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا ومن شئنا منعنا" فقال رجل ممن شهد المسجد: قام مقامه، وقال: "كلا، بل المال مالنا، والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا، فلما صلى معاوية أمر بالرجل، أدخل عليه فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال معاوية: أيها الناس: إني تكلمت في أول جمعة، فلم يرد علي أحد، وفي الثانية فلم يرد علي أحد، فلما كانت الثالثة: أحياني هذا أحياه الله، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "سيأتي قوم يتكملون فلا يرد عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة، فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا علي أحياني أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم".

هذه الديانة الجميلة لولي الأمر، الرجوع إلى الحق، الشفافية والعدالة، والرحمة واحترام الحق، والرجوع إليه واتباعه، وقبول النصيحة بصدر رحب من أي إنسان، بل وإعلان الحاكم خطأه أمام الناس، دون عناد ولا كبر؛ حتى يتبين الحق للناس أجمعين؛ كما فعل معاوية -رضي الله عنه-، هو منهج الإسلام، هو منهج الحاكم العاقل الحكيم، فالوالي بهذا المفهوم أجير عند الناس، يسعى في حاجتهم، ويحوطهم برعايته ومسئوليته.

وهذا ما فهمه سيد التابعين أبو مسلم الخولاني -رحمه الله- دخل على معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- وقال: "السلام عليكم أيها الأجير، فقال الناس: مه الأمير يا أبا مسلم -يعني قل السلام عليك يا أيها الأمير لا الأجير- ثم قال: "السلام عليك أيها الأجير" فقال الناس: الأمير، فقال معاوية أمير المؤمنين: دعوا أبا مسلم هو أعلم بما يقول، قال أبو مسلم عند ذلك: "إنما مثلك مثل رجل استأجر أجيرا فولاه ماشيته، وجعل له الأجر على أن يحسن الرعية، أو يحسن الرِّعْيَة، ويوفر جزازها وألبانها، فإن هو أحسن رعيتها ووفر جزازها، حتى تلحق الصغيرة، وتثمن العجفاء، أعطاه أجره، وزاده من قبله زيادة، وإن هو لمن يحسن رعيتها، وأضاعها، حتى تهلك العجفاء، وتعجف الثمينة، لم يوفر جزازها وألبانها، غضب عليه صاحب الأجر، فعاقبه ولم يعطه الأجر، فقال معاوية: ما شاء الله.

معاشر المسلمين: متى تتحقق هذه الشفقة من الراعي؟ وهذه الشفقة هو محصلة لماذا؟

محصلة للخوف خوف الراعي من الله قبل أي شيء، واستشعاره بمسئوليته الجسيمة، وصدقه في أداء الأمانة، وإخلاصه في خدمة رعيته؛ لأنه يدرك أن غش الرعية، والتفريط في حقوقها، بالغ الخطورة، وخيم العاقبة؛ كما جاء ذلك في صحيح مسلم: أنه عليه الصلاة والسلام قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت فيها يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".

وقد بين صلى الله عليه وسلم أنه يخاف على رعيته من بعض أئمته المضلين، فقال: "إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين".

وإمامة الضلال هنا جامعة لكل من يقود الناس إلى غير الطريق المستقيم، الذي يصلح به حال البلاد في الدين والدنيا، ولن تكون تلك القيادة موفقة مسددة إلا إذا كان شرع الله هو المنهاج الذي يعتصم به الولاة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن انفرد السلطان عن الدين، أو الدين عن السلطان؛ فسدت أحوال الناس".

الدين إذا كان مع السلطان صلحت أحوال الناس، وإذا انصرف عنه فسدت أحوال الناس.

أسأل الله -تعالى- أن يصلح الراعي والرعية، وأن يجمع بينهم على التقى والخير، والعدل والصلاح.

واستغفر الله، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فبصرف النظر عن الحكم على المظاهرات في بلاد المسلمين، نتساءل: لماذا خرج الناس أصلا؟

إن المتأمل في أحوال عالمنا اليوم، وما انفجر فيه من أحداث عظيمة جدا، يدرك القطيعة المتجذرة، والفجوة الهائلة بين كثير الحكومات والشعوب.

طبعا يخرج من هذا الإطار الحركات الرافضية الباطنية، والشغب الصوفي؛ فهذا شأن آخر تماما؛ لأنه هؤلاء لا انتماء لهم للأمة أصلا.

نعود ونقول: إن المتأمل سيرى أن العلاقة بين الحكومات وشعوبها لم تتأسس بنيتها الأساسية السياسية على التسامح والإنصاف، بل على الأثرة والأنانية، والأهواء الشخصية، والقهر ومصادرة الحقوق، بل صيغ نسيجها الاجتماعي على التنافر والتعانف، وإلا لما تفجر الوضع؟ لماذا يخرج الناس؟

وفي الجملة وبدون تحديد بلد بعينه، لا أكاد أجد تفسيرا يوضحه إلا عدم الالتفاف إلى مصالح الشعوب، وإهمال حقوقهم وتطلعاتهم، بل وصل الأمر إلى التضحية بحقوق الشعوب وأمنها، ومقدرات الدولة، ومستقبل الأجيال، والتضحية بذلك كله من أجل البقاء، والحفاظ عليه، ولو لبضع سنين، ثم يموت، كل هذا يحصل أمام رفض مئات الآلاف، بل الملايين من الناس، وإعلان كراهيتهم بما يتسق مع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أم قوما وهم له كارهون".

ومع ذلك لا تجد إلا العناد والإصرار، وهي سنة الله -تعالى- التي لا تتغير في جميع الفراعنة عبر التاريخ: أن علوهم في الأرض، واستكبارهم فيها، لا يتحقق إلا باستضعاف الناس، وتفريق كلمتهم، وازدرائهم والاستخفاف بهم وبمطالبهم؛ كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 4].

وقال تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)[الزخرف: 54].

لكن سنة الله -أيها الإخوة- أيضا لا تتبدل في أمثال هؤلاء ولو بعد حين؛ فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -عز وجل- ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].

يقول شيخ الإسلام: "وغاية مريد الرياسة كفرعون، وجامع المال كقارون، وقال تعالى: (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ) [غافر: 21].

فلِلَّهِ: (الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) [الروم: 4].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.

اللهم أعل راية الدين، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءا فخذه أخذ عزيز مقتدر.

اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه.

اللهم اصرف وعنا وعنهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم احقن دماء المسلمين يا رب العالمين.

اللهم اجمع كلمتنا على الحق، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم وفق ولاة الأمر لما فيه صلاح البلاد والعباد.

اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولموتى المسلمين، وصل اللهم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.