البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

حقوق الزوجين

العربية

المؤلف عبد الله الواكد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. ارتباط سعادة الأسرة والمجتمع بتأدية الزوجين لحقوقهما .
  2. بعض حقوق الزوجة على زوجها .
  3. بعض حقوق الزوج على زوجته .

اقتباس

وأؤكد لكم أننا إذا التزمنا هذه الحقوق الزوجية تطبيقاً وتنفيذاً، كانت المحبة رائدنا، والتعاون سبيلنا، وإرضاء الله -سبحانه وتعالى- غايتنا، وتربية أولادنا على الإسلام ومنهج خير الأنام هدفاً أساسياً من أهدافنا؛ بل عاش الواحد منا مع زوجته في الحياة كنفس واحدة في التصافي والتفاهم والمودة.

الخطبة الأولى:

أيها الأحبة المسلمون: ما هي الأسرة؟ إنها اللبنة الأولى للمجتمعات، التي تتألف منها الدول والأمم.

مم تتألف هذه الأسرة؟ إنها تتألف من ركيزة مهمة، ومن قطبين أساسيين، هما: الزوج والزوجة، اللذان إن قاما على أسس سليمة، كان البناء قويما، والذرية سليمة.

إن هذه الأسس التي تحكم العلاقات الزوجية، وتحدد الحقوق والواجبات لكل منهما، قد بينها الإسلام أيما بيان، وكفى الأمة عناء التخبط في الفلسفة الاجتماعية.

إن الحياة الزوجية، بحقوقها وواجباتها والتزاماتها، لَتمثل بناء ضخماً جميلاً يعجب الناس منظره؛ وإن أي نقص في أي حق من الحقوق الزوجية يسبب شرخاً عظيماً في بناء الأسرة المسلمة.

إن الزوجين إذا التزما منهج الإسلام في الحقوق الزوجية عاشا في ظلال الزوجية الوارف سعداء آمنين، لا تعكرهما أحزان المشاكل، ولا تقلقهما حادثات الليالي.

عباد الله: أما حقوق الزوجة على زوجها، فأولها: توفية مهرها كاملاً، امتثالاً لقوله -تعالى-: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء:4].

وهذا المهر حق للزوجة وحدها، لا يجوز للزوج ولا لغيره من أب أو أخ أن يأخذ من مهرها شيئاً إلا برضاها؛ (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) [النساء:4] .

وللأسف الشديد! إننا اليوم، نرى هذا المهر يبدد يمنة ويسرة، على القصور والقشور، والفلاني والعلاني، وربما لم تخرج الزوجة ولا زوجها من تلك الليلة بشيء، ولا حتى بخفي حنين!.

والحق الثاني: الإنفاق عليها: وهذه النفقة تتناول نفقة الطعام والكسوة، وما يلحق بهما، لقوله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:233].

والحق الثالث: وقايتها من النار: امتثالاً لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم:6]. قال علي -رضي الله عنه- في قوله -تعالى-: قوا أنفسكم وأهليكم ناراً : أدبوهم وعلموهم. أهـ.

وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة، قال -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه:132].

لكن المصيبة إذا كان الزوج نفسه بعيدا عن الدين والاستقامة، واقعا في الحرام؛ فهي الطامة الكبرى؛ لأن الرجل قدوة أهل بيته، والقدوة السيئة من أخطر وسائل التربية، فعن الفضيل بن عياض قال: رأى مالك بن دينار رجلاً يسيء صلاته، فقال: ما أرحمني بعياله! فقيل له: يا أبا يحيى، يسيء هذا صلاته وترحم عياله؟ قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون!.

ومن المصيبة -أيضاً- أن يكون الرجل مطيعا لا مطاعاً، تابعا لا متبوعاً.

 وما المرء إلا حيث يجعل نفسه

فإن شاء أعلاها وإن شاء سفّلا

 وإن شاء أكساها لباس سفاهة

وإن شاء أرساها فأصبح عاقلا

 وإن شاء صار البيت كالروض مربعا

وإن جار في التوجيه أمست قلاقلا

والحق الرابع: أن يغار عليها في دينها وعرضها، فإن الغيرة أخص صفات الرجل الشهم الكريم، وإنّ تمكنها من الرجل، يدل دلالة فعلية على رسوخه في مقام الرجولة الحقة الشريفة.

وليست الغيرة سوء الظن بالمرأة، والتفتيش عنها دون ريبة، فعن جابر بن عتيك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من الغيرة غيرة يبغضها الله، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة" رواه أحمد وحسنه الألباني.

ومن الغيرة على المرأة أمرها بالحجاب حين الخروج من البيت، وغض بصرها عن الرجال الأجانب، وألا تبدي زينتها إلا للزوج أو المحارم، وألا تخالط الرجال الأجانب، وألا يعرضها للفتنة بأي صورة كانت.

والحق الخامس: وهو من أعظم حقوقها: المعاشرة بالمعروف، والمعاشرة بالمعروف تكون بحسن الخلق معها، فقد روى الطبراني عن أسامة بن شريك مرفوعاً: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً" حديث صحيح.

ومن حسن الخلق أن يحترم رأيها، وأن لا يهينها، سواء بحضرة أحد أم لا. ومن حسن الخلق: إذا صدر منه الخطأ أن يعتذر منها كما يحب هو أن تعتذر منه إذا أخطأت عليه، وهذا لا يغض من شخصه أبداً، بل يزيده مكانة ومحبة عندها.

ومن المعاشرة بالمعروف التوسيع بالنفقة عليها وعلى عيالها. ومنها استشارتها في أمور البيت، وخطبة البنات، وقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بإشارة أم سلمة يوم الحديبية.

ومنها: أن يكرمها بما يرضيها، ومن ذلك أن يكرمها في أهلها عن طريق الثناء عليهم أمامها، والثناء عليها أمامهم، ومبادلتهم الزيارات، ودعوتهم في المناسبات.

ومنها: أن يمازحها ويلاطفها، ويدع لها فرصاً لما يحلو لها من مرح ومزاح، كما كان صفوة الخلق -صلى الله عليه وسلم- يمازح نساءه، ويسابق عائشة -رضي الله عنها-، وأن يكون وجهه طلقاً بشوشاً، وإذا رآها متزينة له لابسة لباساً جديداً أن يمدحها ويبين لها إعجابه فيها، فإن النساء يعجبهن المدح.

ومنها: التغاضي وعدم تعقب الأمور صغيرها وكبيرها، وعدم التوبيخ والتعنيف في كل شيء؛ فعن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل له قط: أفٍّ! "ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا" متفق عليه.

ومنها: أن يشاركها في خدمة بيتها إن وجد فراغاً؛ فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي يكون في مهنة أهله -يعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة" رواه البخاري.

تلكم كانت أهم الحقوق التي يجب أن يقوم بها الزوج تجاه زوجته كما أمر الإسلام.

بارك الله لي ولكم بالقران العظيم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله ذي الحمد والثناء، والمنع والعطاء، والجود والحباء، وأصلي وأسلم على النبي النبيل، صاحب الغرة والتحجيل، الذي علم ودعا وجاهد وأوذي في سبيل الجليل، قربه ربه وأحبه ورفعه فوق منزلة إبراهيم الخليل.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد: فيا عباد الله: كما أن للزوجة حقاً على زوجها، فللزوج حق على زوجته.

فالحق الأول من الحقوق: طاعته بالمعروف، فعلى المرأة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، وهذه الطاعة أمر طبيعي تقتضيه الحياة المشتركة بين الزوج والزوجة.

ولا شك أن طاعة المرأة لزوجها تحفظ كيان الأسرة من التصدع والانهيار، وتبعث محبة الزوج القلبية لزوجته، وتعمق رابطة التآلف والمودة بين أعضاء الأسرة؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه ابن حبان وأحمد.

ولتعلم المرأة المسلمة أن الإصرار على مخالفة الزوج يوغر صدره، ويجرح كرامته، ويسيء إلى قوامته؛ والمرأة المسلمة الصالحة إذا أغضبت زوجها يوماً من الأيام فإنها سرعان ما تبادر إلى إرضائه وتطييب خاطره، والاعتذار إليه مما صدر منها، ولا تنتظره حتى يبدأها بالاعتذار.

والحق الثاني: المحافظة على عرضه وماله: قال -تعالى-: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء:34].

وحفظها للغيب أن تحفظه في ماله وعرضه، فقد روى أبو داود والنسائي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله".

والحق الثالث: مراعاة كرامته وشعوره: فلا يرى منها في البيت إلا ما يحب، ولا يسمع منها إلا ما يرضى، ولا يستشعر منها إلا ما يُفرح.

والزوج -في الحقيقة- إذا لم يجد في بيته الزوجة الأنيقة النظيفة اللطيفة ذات البسمة الصادقة، والحديث الصادق، والأخلاق العالية، واليد الحانية الرحيمة؛ فأين يجد ذلك؟ وأشقى الناس من رأى الشقاء في بيته وهو بين أهله وأولاده، وأسعد الناس من رأى السعادة في بيته وهو بين أهله وأولاده.

والحق الرابع: قيامها بحق الزوج وتدبير المنزل وتربية الأولاد، قال أنس: "كان أصحاب رسول الله إذا زفوا امرأة إلى زوجها يأمرونها بخدمة الزوج، ورعاية حقه، وتربية أولاده".

والحق الخامس: قيامها ببر أهل زوجها: وهذه من أعظم الحقوق على الزوجة، وهي أقرب الطرق لكسب قلب الزوج، فالزوج يحب من امرأته أن تقوم بحق والديه، وحق إخوانه وأخواته، ومعاملتهم المعاملة الحسنة، فإن ذلك يفرح الزوج ويؤنسه، ويقوي رابطة الزوجية.

والحق السادس: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه حتى ولو كان الذهاب إلى أهلها.

والحق السابع: أن تشكر له ما يجلب لها من طعام وشراب وثياب وغير ذلك مما هو في قدرته، وتدعو له بالعوض والإخلاف، ولا تكفر نعمته عليها.

ومن حقه عليها ألا تطالبه بما وراء الحاجة وما هو فوق طاقته فترهقه من أمره عسراً؛ بل عليها أن تتحلى بالقناعة والرضا بما قسم الله لها من الخير.

فتلكم -أيها الأحباب- أبرز معالم المنهج الذي رسمه الإسلام في حقوق الزوجين.

وأؤكد لكم أننا إذا التزمنا هذه الحقوق الزوجية تطبيقاً وتنفيذاً، كانت المحبة رائدنا، والتعاون سبيلنا، وإرضاء الله -سبحانه وتعالى- غايتنا، وتربية أولادنا على الإسلام ومنهج خير الأنام هدفاً أساسياً من أهدافنا؛ بل عاش الواحد منا مع زوجته في الحياة كنفس واحدة في التصافي والتفاهم والمودة.

على أني أُذكر كم جميعاً بأن الله -تعالى- لم يأذن أن تكون هذه الدنيا كاملة في لذتها وفرحها ومتعتها وزينتها، فلا بد أن يحصل شيء من الكدر والضيق، ولعل من حكمة الله -تعالى- في ذلك أن يتذكر المسلم بنقصان نعيم الدنيا كمال نعيم الآخرة.

والله أسأل أن يوفق الزوجين على القيام بحقوقهما، عسى أن يعيشا معاً في ظل الزوجية الوارف آمنين مطمئنين، سعداء مكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...