المصور
كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة |
إن سبب اختيار هذا الوقت للحديث عنه - رضي الله عنه - لبيان من هو الحسين؟ وما منزلته بالإسلام؟ وما عقيدة أهل السنة به؟ وماذا يجب على الأمة له؟ فربما ظن بعضُ عوام أهل السنة أن الحسين رمز من رموز أهل الضلال وإمام من أئمتهم فقط؟ وذلك بسبب ما يرون من مشاهد، أو ما يسمعون من أقول خاطئة ممن يدعون زوراً وبهتاناً ولاية الحسين، ومحبته، من...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها الإخوة: يتواصل حديثنا عن ريحانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحسين بن علي -رضي الله عنه-.
وقد تساءل بعض الإخوة: لماذا الحديث عنه الآن؟
فربما يفهم منه مؤازرة من ضلوا ببدعتهم.
أقول: إن سبب اختيار هذا الوقت للحديث عنه رضي الله عنه لبيان من هو الحسين؟ وما منزلته بالإسلام؟ وما عقيدة أهل السنة به؟ وماذا يجب على الأمة له؟ فربما ظن بعضُ عوام أهل السنة أن الحسين رمز من رموز أهل الضلال وإمام من أئمتهم فقط؟
وذلك بسبب ما يرون من مشاهد، أو ما يسمعون من أقول خاطئة ممن يدعون زوراً وبهتاناً ولاية الحسين، ومحبته، من الطوائف البدعية، من الرافضة وغيرهم، وما يسمعونه منهم من تلبيس وادعاء بأن أهل السنة لا يحبون آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يعطونهم حقهم من الذكر والثناء.
لذلك كان الحديث عن منزلة الحسين -رضي الله عنه-، ومكانته في الإسلام، وما يجب له علينا أهل السنة أمر واجب البيان، نتقرب به إلى الله لنذكي حبه في نفوسنا، استجابة لرسولنا ونبينا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
فلقد أمرنا الله -سبحانه وتعالى- بالتأسي بالرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن التأسي به سلوك للطريق المستقيم الموصل إلى كرامته سبحانه، فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].
ومن ذلك ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من حب لسبطيه الحسن والحسين -رضي الله عنهما-، فقد أعلن صلى الله عليه وسلم محبته لهما، وأمر بها، بل ودعا الله أن يحب من يحبهما!.
أيها الإخوة: لقد تكاثرت الآثار المروية عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فعن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "طَرَقْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ؛ فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ؛ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي، قُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ -أي غطيته بثوبك معك- قَالَ: فَكَشَفَهُ فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ، فَقَالَ: هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِيَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا"[روه الترمذي وحسنه الألباني].
أحبتي: ومما يدل على عظم أمر هذه المحبة ومكانتها في دين الله قرنه - صلى الله عليه وسلم - حبهما بحبه وبغضهما ببغضه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، هَذَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَهَذَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ يَلْثِمُ هَذَا مَرَّةً، وهَذَا مَرَّةً -أي يقبل-، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُحِبُّهُمَا فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي" [رواه أحمد وصححه الألباني].
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكرر ذكر حبه لهما في كل موطن، وربما علله؛ فعَنْ سَعْدِ بن أبي وقاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ عَلَى بَطْنِهِ، فَقُلْتُ يَا رَسُولِ اللهِ: أَتُحِبُّهُمَا؟ فَقَالَ: "وَمَالِي لاَ أُحِبُّهُمَا رَيْحَانَتَايَ"[رواه البزار ورجاله رجال الصحيح].
وعن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: "دَخَلْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ بَيْنَ يديه، فَقُلْتُ: أَتُحِبُّهُمَا يَا رَسُولِ اللهِ؟ قال: وكيف لا، وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا أَشُمْهمَا"[رواه الطبراني في الأوسط].
وعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا -رضي الله عنهما- أَقْبَلا يَسْعَيَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَلَمَّا جَاءَهُ أَحَدُهُمَا جَعَلَ يَدَهُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَ ضَمَّهُ إِلَى إِبْطِهِ ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَعَلَ يَدَهُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَ ضَمَّهُ إِلَى إِبْطِهِ الآخَر، ثُمَّ قَبَّلَ هَذَا وَقَبَّلَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ"[رواه البيهقي في الأسماء والصفات، وابن ماجة مختصراً وصحح روايته الألباني].
"مبخلة مجبنة" أي: مظنة البخل والجبن لأجله يبخل الإنسان ويجبن.
عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ"[رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا"[رواه البخاري].
أيها الأحبة: هذه المجموعة من الآثار تدل على حب النبي -صلى الله عليه وسلم- الكبير لهما -رضي الله عنهما-، وحثه على حبهما، بل والدعاء لمن يحبهما بأن يحبه الله -تعالى-، وهذا إشعار بأن محبتهما تكون لله؛ ولذا رتب محبة الله على محبتهما، ولعل القصد من إظهار الدعاء لمن يحبها حث المسلمين على زيادة محبتهما، وفي ذلك أعظم منقبة، وفضيلة لهما رضي الله عنهما.
أيها الإخوة: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبر عن الحسن والحسين إذا افتقدهما في المسجد، ومواقع جلوسه مع أصحابه؛ لذلك نجده يذهب أحياناً إلى منزل علي -رضي الله عنه- حتى يراهما؛ فعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى الْمَنَامَةِ، فَاسْتَسْقَى الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ، قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى شَاةٍ لَنَا بَكِىءٍ -الشاة البَكِيءُ والبَكِيئَةُ: التي قل لبنها، وقيل انقطع- فَحَلَبَهَا فَدَرَّتْ فَجَاءَهُ الْحَسَنُ، فَنَحَّاهُ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهُ أَحَبُّهُمَا إِلَيْكَ، قَالَ: "لاَ وَلَكِنَّهُ اسْتَسْقَى قَبْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ وَهَذَا الرَّاقِدَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[رواه أحمد وصححه أحمد شاكر].
ومن حرصه -صلى الله عليه وسلم- عليهما أنه كان يردفهما معه على بَغْلَتِهُ الشَّهْبَاءِ، قَالَ سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: "لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- هَذَا قُدَّامَهُ وَهَذَا خَلْفَهُ"[رواه مسلم].
ومن جميل المواقف التربوية التي كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعلها أَنَّهُ كان يُتَلَقْى بالصبيان من أهل بيته إذا قدم من سفر، فإذا تلقوه بهم أركبهم، وأردفهم معه، ولاطفهم، وكان ممن يحظى بذلك الحسن والحسين -رضي الله عنهما-؛ فعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِنَا قَالَ فَتُلُقِّيَ بِي وَبِالْحَسَنِ أَوْ بِالْحُسَيْنِ، قَالَ فَحَمَلَ أَحَدَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْآخَرَ خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ"[رواه مسلم].
فرضي الله عنهما وأرضاهما.
بارك الله لنا بالكتاب والسنة ونفعنا بهما.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: هذه الصور الجميلة من حب رسول الله لسبطيه الحسن والحسين -رضي الله عنهما-، ألقت في نفوس أصحابه -رضي الله عنهم- حبهم وتقديرهم، بل والتعبد لله بذلك، وعلى رأسهم أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وكان أبو بكر -رضي الله عنه- من أعظم المسلمين رعاية لحق قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته؛ فإن كمال محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوجب سِرَايَة الحبِ لأهل بيته، إذ كانت رعايةُ لأهلِ بيته مما أمر الله ورسوله به، وكان الصديق -رضي الله عنه- يقول: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- فِي أَهْلِ بَيْتِهِ"[رواه البخاري].
وقال: "وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي".
ومعنى قول الصديق: "ارقبوا محمداً" قال الحافظ في الفتح: "والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: أحفظوه فيهم، فلا تؤذوهم، ولا تسيئوا إليهم".
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "صَلَّى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ؛ فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَالَ: "بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لَا شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ رضي الله عنهم أجمعين"[رواه البخاري].
أما عمر -رضي الله عنه-، فإنه يرى فضلهما، وفضل أبيهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك ما رواه عبيد بن حنين عن الحسين -رضي الله عنه- أنه قال: "صعدت المنبر إلى عمر، فقلت: انزل عن منبر أبي! واذهب إلى منبر أبيك! فقال: إن أبي لم يكن له منبر، منبر أبيك والله منبر أبيك والله، فأقعدني معه، فلما نزل، قال: أي بني من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد.
قال: أي بني! وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم! -أي: إن الرفعة ما نلناها إلا به- ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني! لو جعلت تأتينا وتغشانا" [قال الذهبي: إسناده صحيح، قال الأرناؤوط: أخرجه الخطيب في تاريخه، وذكره الحافظ في الإصابة وصحح إسناده].
وقد كان عمر -رضي الله عنه- يكرمهما إكراما عظيما؛ فقد روى جعفر بن محمد، عن أبيه: "أن عمر -رضي الله عنه- جعل للحسين مثل عطاء علي، خمسة آلاف".
وعن الزهري: "أن عمر كسا أبناء الصحابة، ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن، فأتي بكسوة لهما، فقال: الآن طابت نفسي".
وألحق عمر الحسن والحسين -رضي الله عنهم- بفريضة أبيهما لقرابتهما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكل واحد خمسة آلاف.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.