الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | محمد البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إنّ من الخلال العظيمة والخصال الكريمة التي دعا إليها دينُنا الحنيف وأمر بها الإسلام الرفق: الرفق في الأمور كلِّها في تعامل المرء مع نفسه، ومع أهله وولده، ومع إخوانه ورفقائه، بل ومع بهيمة الأنعام وعموم الدواب. والرفق خلةٌ كريمة وخصلةٌ عظيمة يحبها الله -جل وعلا- من عباده، وفي الحديث: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ".
الخطبة الأولى:
أما بعد:
عباد الله: قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159].
إنّ من الخلال العظيمة والخصال الكريمة التي دعا إليها دينُنا الحنيف وأمر بها الإسلام الرفق: الرفق في الأمور كلِّها في تعامل المرء مع نفسه، ومع أهله وولده، ومع إخوانه ورفقائه، بل ومع بهيمة الأنعام وعموم الدواب.
والرفق خلةٌ كريمة وخصلةٌ عظيمة يحبها الله -جل وعلا- من عباده، وفي الحديث: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ". رواه مسلم.
وما دخل الرِّفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ". رواه مسلم. ومن أُعطي الرِّفق فقد أعطي الخير كله، ومن حُرِم الرفق حُرم الخير؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ". رواه مسلم.
عباد الله: والرفق هو لين الجانب في الأقوال والأفعال؛ بمعنى أن تكون أقوال الإنسان وأفعاله هيّنة ليّنة ليس فيها صلف وشدّة، ولا فظاظةٌ وغلظة، ولا إسفافٌ وفحش وعنف.
عباد الله: الرِّفق شأنه في الحياة عظيم، ولا يوفَّق له إلا صاحب خُلقٍ كريم؛ ومن أكرمه الله -جل وعلا- للأخلاق الفاضلة والآداب العالية.
عباد الله: ومن يتأمّل حياة نبينا -عليه الصلاة والسلام- يجد أنها حياة كريمة، حياة عامرة بالرفق والأناة والأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة؛ فكان -عليه الصلاة والسلام- قدوة يُحتذى، وإماماً به يؤتسى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ).
ومن يطالع حياته الكريمة يجد عجباً في تمثُّله -عليه الصلاة والسلام- بصفة الرفق في تعاملاته في شؤونه كلِّها، ولقد كان يأتيه الرجل وليس على وجه الأرض أبغض إليه منه، فما أن يراه ويرى رفقه وتعامله إلا ويتحوّل من ساعته وليس على وجه الأرض أحبّ إليه منه، وشواهد ذلك من سنته كثيرة، ومن ذلكم: قصة إسلام ثمامة -رضي الله عنه- عندما جيء به ورُبط في سارية من سواري المسجد، فكان -عليه الصلاة والسلام- يمر عليه ويحادثه ويتكلم معه برفق إلى أن أعلن إسلامه -رضي الله عنه- وقال: "يَا مُحَمَّدُ: وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَد أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ إِلَيَّ". متفقٌ عليه.
عباد الله: ما أحوجنا إلى أن نعيد النظر في تعاملنا مع أنفسنا ومع أهلينا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن نتعامل معهم من عموم الناس من خدمٍ أو سائقين أو مكفولين أو عمال؛ لننظر في تعاملاتنا أهي مبنية على الرفق والحلم والأناة أم هي مبنية على القسوة والعنف والشدّة؟! ولنتذكّر -عباد الله- قول رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ". رواه مسلم. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا عَائِشَةُ: إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ". رواه مسلمٌ.
وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ". فَإِيَّاكَ أن تَكُونَ مِنْهُمْ. متفقٌ عَلَيْهِ.
والرِّعاءُ: جمعُ الراعي، والحُطَمَةُ: هو الذي يشتدُّ على رعيَّتِه؛ فيسوقُها سوقًا عنيفًا بلا رحمةٍ.
وهذا الحديثُ العظيمُ مثَلٌ بَلِيغٌ من جوامعِ كَلِمِ المصطفى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ضرَبَه لكلِّ راعٍ عنيفٍ قاسٍ على رعيَّتِه، شديدٍ لا رحمةَ في قلبِه بِهِمْ، ولا شفقَةَ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِمْ، سواءٌ أكان وليَّ أُسرَةٍ أم صاحبَ تجارة أم منصبٍ أم ذا سلطانٍ؛ صَغُرت دائرتُه أم كَبُرَت.
أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
عباد الله: الرفق سلوك كريم ومطلوب في كل الشؤون والأحوال وفي الحياة كلها وفي شأن المسلم كله، يأتي في مقدمة ذلك المطلوبات الشرعية؛ فربنا -عز شأنه- رفيق بخلقه، رؤوف بعباده، كريم في عفوه، رفيق في أمره ونهيه، لا يأخذ عباده بالتكاليف الشاقة: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) [البقرة: 286].
ومن أمثلة ذلك ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خفف الصلاة من أجل بكاء صبي، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي لأَدْخُلُ الصَّلاَةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ". متفق عليه.
وقال: "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ". رواه مسلم.
وفي عبادَاتِكُم كلِّها سدِّدُوا وقارِبُوا، وخذُوا من الأعمالِ ما تطِيقُون؛ فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا.
ومن أعظم صور الرفق: الرفق بالأهل والأسرة من الآباء والأمهات والأطفال والزوجات.
أيها الأبناء: ارفقوا بآبائكم وأمهاتكم، أحسنوا الصحبة ولينوا في المعاملة: قال تعالى: (واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
أيها الآباء والأمهات: ارفقوا بأبنائكم وبناتكم؛ فربكم يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وإذا أراد الله بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق.
ترفقوا بالخدم والعمال ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، وأحسنوا مخاطبتهم، وأعطوهم أجرهم طيبة بها نفوسكم في مواعيدها وإذا طلبوها، وأطعموهم مما تطعمون.
أيها المعلمون، أيها الدعاة: أيها المسؤولون: ارفقوا وترفقوا؛ فالرفق والإحسان أسرع قبولاً وأسرع أثرًا؛ فهذا هو المعلم الأول وسيد الدعاة -صلى الله عليه وسلم- حين بال الأعرابي في المسجد وتناوله الناس، فقال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ". رواه البخاري.
فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المثل الأعلى والأسوة الأولى في أفعاله وأقواله ومعاملاته رقة وحبًا وعطفًا ورفقًا.
وصلوا وسلموا...