الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
... بان بهذه النصوص الكثيرة أن قصد المسلم بالترويع والقتل من كبائر الذنوب، وأعظم ذنبٍ يتعلق بحق مخلوق: سفك دم حرام بغير حق، ومن أبين صور ذلك: التفجير والتخريب في بلاد المسلمين، وقصد المعصومين بالتخويف والترويع، والإيذاء والقتل، وما حصل قبل أيام من قصد بعض دوائر الأمن بالتفجير، ما هو إلا ضربٌ من ضروب الفساد في الأرض، ..
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهـد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريـك له، وأشهـد أن محمداً عبده ورسـوله..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: من دلائل تعظيم الله تعالى تعظيمُ دينه، والغيرةُ على حرماته، والتزام شريعته، والعملُ بأوامره، واجتناب زواجره.
من عظَّم الله عزَّ وجلَّ عظَّم حرماته فلم ينتهكها، ووقف عند حدوده فلا يتعداها، ولو خالف ذلك هواه ومشتهاه، وإنما كان ابتلاء البشر بالشرائع من جهة أن الأوامر والنواهي ثقيلةٌ على النفوس، وفيها مخالفة لشهوة الإنسان وهواه.
والأوامر والنواهي الشرعية متفاوتة في مراتبها، متفاضلةٌ بحسب أهميتها؛ فمن الأوامر ما تركه كفر، ومنها ما تركه فسق، ومنها ما تركه خلاف السنة أو خلاف الأولى، وكذلك النواهي منها ما يوصلُ إلى الكفر، ومنها ما فعله فسق، ومنها مكروهٌ كراهةً تنزيهية.
والأوامر الشرعية تتأكد بحسب تأكيد الشارع الحكيم عليها، والنواهي تكون مغلظة إذا غلظها الشارع الحكيم، وليس ذلك لمخلوق مهما علا شأنه؛ بل هو من خصائص الخالق سبحانه وتعالى، وضرب من ضروب ربوبيته عزَّ وجلَّ: (أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ) [الأعراف:54].
والدماء المعصومة حرمتها عند الله تعالى عظيمة، وشأنها كبير، وغلظتها شديدة.
ومن دلائل العناية بها، والتغليظ فيها: أن ذِكْرها، والتنويه بها وقع قبل أن تنفخ الروح في آدم عليه السلام، وقبل أن تجري دماؤه في عروقه؛ فالملائكة عليهم السلام، هم من أعلم الخلق بالله تعالى وبما يرضاه وما لا يرضاه من الأقوال والأفعال، ولما أخبرهم سبحانه وتعالى أنه جاعل في الأرض خليفة (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) [البقرة:30]، ولولا عظمة الدماء عند الله تعالى لما نوَّه الملائكة بذكرها من بين سائر وجوه الإفساد التي هي من الكثرة بما يعز على العد والحصر.
ولما خلق الله تعالى آدم، وجرت عليه المحنة والبلاء والتكليف، ثم أهبط إلى الأرض، وتناسل بنوه من صلبه - كان أول ذنب عظيم وقع من بنيه: قتلَ أحدهم أخاه، في قصة عجيبة ذكرت في القرآن؛ لأهميتها، وأهمية ما تضمنته من تأريخ أول دمٍ سفك على الأرض ظلمًا وعدوانًا، وعقب ذكر هذه القصة العظيمة تأتي الآيات لتبين منزلة الدماء عند الله تعالى؛ حتى إن سافك دم واحد قد شُبِّه بمن سفك دم الناس جميعًا (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32] ولست أعلم ذنبًا في الشريعة يكون مرتكبه في حق واحد من الناس كمن فعله في جميع الناس غير هذا الذنب العظيم؛ فما أعظم شأن الدماء عند الله تعالى!!
قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: " من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعًا، ومن حرَّم دم مسلم فكأنما حرَّم دماء الناس جميعًا ".
وجاءت السنة النبوية تؤكد على ذلك، وتزيده وضوحاً وبيانًا؛ فابنُ آدم الذي سفك أول دم في الأرض شريكٌ في إثم كل دم سفك بعده إلى يوم القيامة؛ فما أكثر ما سيتحمل من الدماء يوم القيامة!! نسأل الله العفو والعافية.
روى ابنُ مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها؛ لأنه أول من سنَّ القتل" رواه الشيخان.
ولذا كان من كبائر الذنوب التي توبق صاحبها، ويستحقُ بسببها العذاب يوم القيامة: قتلُ النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق؛ كما دلت على ذلك الأحاديث.
والمسلم في سعة من دينه، وفي فسحة من ذنوبه التي هي دون القتل، حتى يباشر القتل ظلماً وعدوانًا، فيضيق عليه الأمر؛ لعظم شأن الدم؛ كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" وفي رواية: "في فسحة من ذنبه" رواه البخاري.
قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله تعالى: "الفسحةُ في الدين سَعَةُ الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتلُ ضاقت؛ لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول".
ومن أعظم الخسارة، وأشد الخذلان: أن يورِّط الإنسان نفسه في دم حرام؛ كما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن من وَرَطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حِلِّه".
وروى أبو داود من حديث خالد بن دِهْقَان قال: كنا في غزوة القسطنطينية بذُلْقية، فأقبل رجلٌ من أهل فلسطين من أشرافهم وخيارهم يعرفون ذلك له يقال له: هانئ بن كلثوم بن شَرِيك الكناني فسلّم على عبد الله بن أبي زكريا وكان يعرف له حقه، قال لنا خالد: فحدثنا عبد الله بن أبي زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا أو مؤمن قتل مؤمنًا متعمدًا" فقال هانئ بن كلثوم: سمعت محمود بن الربيع يحدث عن عبادة بن الصامت أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل مؤمنًا متعمدًا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً" قال لنا خالد: ثم حدثنا ابن أبي زكريا عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال المؤمن مُعْنقًا صالحًا ما لم يصب دمًا حرامًا، فإذا أصاب دمًا حرامًا بلَّح".
ومعنى: مُعنقاً أي: خفيف الظهر، ومعنى: بلَّح، أي: صار ثقيلاً بسبب الدم الذي حمله.
إن الدم المعصوم له شأن عظيم عند الله تعالى؛ فلا يجوز سفكه بغير حق، أو التهاون في أمره، وإذا كان النهي الشرعي قد زجر عن قتل البهيمة بغير حق، ورتب على ذلك وعيد فكيف بقتل الآدمي؟! ثم كيف بقتل المسلم؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم " رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفي حديث آخر عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قتلُ المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" رواه النسائي.
إن الدم الذي يُسفك ظلمًا وعدوانًا لا يضيع، ولو تمالأ أهل بلد على قتل مسلم لقتلوا به، ولو اجتمع أهل الأرض كلهم على سفك دم محرم لأُخذوا به، وعُذبوا بسببه، كيف!! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" رواه الترمذي.
وحملُ السلاح على المؤمنين، وترويعهم به؛ من كبائر الذنوب ولو لم يقاتل به، فكيف بمن قاتل به؟!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا" رواه الشيخان. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه".
فإذا استحق الذي يشيرُ بالحديدة اللعن فكيف بالذي يصيب بها؟ وكيف بمن حمل على إخوانه المسلمين ما هو أعظم منها؟!
وروى جابر رضي الله عنه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتعاطى السيف مسلولاً؛ رواه الترمذي.
وهذه الأحاديث وأمثالها تثبت خطورة أمر الدماء، وتدل على حرمة المسلم على أخيه المسلم، وتسد كل ذريعة من ذرائع إخافته وترويعه، فضلاً عن إيذائه والاعتداء عليه، وأعظمُ الاعتداء: سفك دمه.
نسأل الله العفو والعافية، كما نسأله أن يحقن دماء المسلمين، وأن يحفظ أيدينا من دمائهم، وألسنتنا من أعراضهم، ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشكره إفضاله وإنعامه، وأستغفره من كل ذنب وخطيئة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا ما عظمه، والتزموا أمره، وجانبوا نهيه؛ فإن من ورائكم يوماً عسيرًا يجعلُ الولدان شيبًا، تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
أيها المسلمون: لعظيم أمر الدم عند الله تعالى، وعلو شأنه؛ كان ابتداءً القضاء به يوم القضاء؛ كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
وقد جاء ما يدل على كيفية ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "يأتي المقتول معلقًا رأسه بإحدى يديه متلببًا قاتله بيده الأخرى، تشخبُ أوداجه دمًا حتى يقفا بين يدي الله تعالى " رواه أحمد والنسائي. وفي رواية النسائي: "أن المقتول يجيء متعلقًا بالقاتل تشخب أوداجه دمًا فيقول: أي رب، سل هذا فيم قتلني؟".
وروى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء الرجل آخذًا بيد الرجل، فيقول: يا رب هذا قتلني، فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، ويجيء الرجل آخذًا بيد الرجل فيقول: إن هذا قتلني، فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه" رواه النسائي.
أيها الإخوة: بان بهذه النصوص الكثيرة أن قصد المسلم بالترويع والقتل من كبائر الذنوب، وأعظم ذنبٍ يتعلق بحق مخلوق: سفك دم حرام بغير حق، ومن أبين صور ذلك: التفجير والتخريب في بلاد المسلمين، وقصد المعصومين بالتخويف والترويع، والإيذاء والقتل، وما حصل قبل أيام من قصد بعض دوائر الأمن بالتفجير، ما هو إلا ضربٌ من ضروب الفساد في الأرض، وفاعله قد أتى جرماً عظيمًا، وعلَّق في رقبته دماء معصومة. مع ما نتج عن ذلك من إعدام للبنية البشرية، وإتلاف للممتلكات، واعتداء على الآمنين، وترويع للمسلمين.
وآثار هذا العمل الشنيع وأمثاله من قصد المسلمين بالقتل والترويع تطول نساءً بالترميل، وأطفالاً بالتيتيم لا ذنب لهم ولا حول ولا قوة، وفيها من الإثم والبغي ما فيها، ولا يستفيد منها إلا أعداء الملة والدين؛ من الصهاينة الحاقدين، والمنافقين الموتورين؛ الذين يعجبهم أن يختلط أمر المسلمين، ويختل أمنهم، ويضرب بعضهم رقاب بعض.
إن الإفساد في الأرض لن يكون صورة من صور الإصلاح، والتخريب في بلاد المسلمين لن يكون سبيلاً للتعمير، ومن عظَّم الله تعالى عظَّم أمره، ومن عظَّم أمره عظَّم شأن الدماء المعصومة؛ فلا يسفكها بغير حق؛ فهل يعقل ذلك من يقصدون المسلمين بالقتل والترويع؟ وهل يعظمون حرمات الله تعالى في ذلك؟!
أسأل الله تعالى أن يكفينا شر كل ذي شر، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الحاسدين، من أعداء الملة والدين.
اللهم من قصد المسلمين بالقتل والترويع، ورام الإفساد في بلادهم، والتخريب في أوساطهم - فاهتك ستره، واكشف أمره، واكف المسلمين شره؛ إنك على كل شيء قدير.
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه ورد كيده إلى نحره، واجعله عبرة للمعتبرين يا رب العالمين.
اللهم اهد ضال المسلمين، وأصلح شبابهم وشيبهم، ورجالهم ونساءهم، وفك أسراهم، وعاف مبتلاهم.
اللهم فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطر ارفع البلاء عن المسلمين في الفلوجة وفي فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين.