البحث

عبارات مقترحة:

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

أحوال المحبين وذلة الساخرين للنبي الكريم

العربية

المؤلف صالح بن عبد الرحمن الخضيري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. أصل مهم من أصول دين الإسلام .
  2. فضائل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم .
  3. وجوب محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعه.
  4. كيف نحب رسول الله؟ .
  5. صور رائعة من محبة الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
  6. حكم من أبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - أو تنقصه .

اقتباس

كيف لا تحب القلوب من أعماقها رسول الله الذي جاهد في سبيل الله ونصر دين الله؟! رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإيمان به هدًى، وطاعته نجاة، والاقتداء به عز، ونصرته دين.. مساكين أهل العشق والغرام، مساكين أصحاب الغناء والطرب، عذّبوا قلوبهم بحب عفن وشقاء نكد، أحبوا وذكروا ولكن مَن؟ أحبوا مَن محبته تصرف عن محبة الله ورسوله، وذكروا مَن يبعدهم عن طريق النجاة، فيا ضيعة أعمار تذهب سبهللا، ويا خسارة من أفنوا حياتهم في لهو ولعب، أعرضوا عن سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما تحوي من العلوم والإيمان والقدوة والهدى.

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أن من أصول دين الإسلام العظيمة أن يعرف المرء نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- وأن يحبه، وأن يؤمن به عليه الصلاة والسلام.

أيها المسلمون: الحديث عن سيد البشر الشافع المشفع في المحشر حديث محبب إلى نفوس المؤمنين، وهو حديث طويل المدى متعدد الجوانب، كيف لا وهو عن سيد ولد آدم، وعن هذا النبي الكريم عن خليل الله ونبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي بشرت به الكتب السابقة، وامتن الله بإرساله على هذه الأمة (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران:164].

فالله تعالى هو الذي أرسله بالحق هاديًا وشاهدًا على الخلق ومبشرًا بالجنة لمن أطاعه ومنذرًا من عصاه بعذاب شديد (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [الأحزاب:45-  48].

نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- اصطفاه الله من بين العالمين، واختاره لحمل رسالته، وجعله الله -تعالى- إمامًا للمتقين، أرسله الله -تعالى- وزكاه فقال سبحانه: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 2-  4].

وقال سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعثه الله -تعالى- حياة الشرف والفضل والنزاهة، فما عُرف له هفوة ولا أُحصيت عليه ذلة، صانه الله عن أقذار الجاهلية وأعمالها، وهكذا بعد البعثة طهّره الله واصطفاه، وحفظه ورعاه، وأكرمه وأغناه (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) [الضحى:2- 8].

شرح الله له صدره، ورفع له ذِكره، وجعل محبته فرضًا على العباد: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح:1- 4].

ملايين الشفاه من البشر تنطق باسمه محمد؛ الاسم العظيم الذي اشتمل على الحمد والثناء، فهو -صلى الله عليه وآله وسلم- محمود عن الله، وعند الملائكة، ومحمود عند أهل الأرض، قال عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، بيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه".

وملايين الشفاه تهتف باسمه - عليه الصلاة والسلام - مع الصلاة والتسليم والحب له عليه الصلاة والسلام، وكيف لا تحب القلوب أحسن الناس خَلقًا وخُلقًا، وأرحمهم قلبًا وأصدقهم لسانًا وأثبتهم جنانًا؟! كيف لا تحب القلوب من دلَّها على علام الغيوب؟! ومن كان حريصًا على إيمان أمته رحيمًا بهم ناصحًا لهم؟! (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128].

يدعو -صلى الله عليه وآله وسلم- لأمته ويبكي من أجل نجاتهم من عذاب الله، جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله -عز وجل- في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [إبراهيم:36]، وقول عيسى: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة:118]، فرفع -صلى الله عليه وسلم- يديه ثم قال "اللهم أمتي أمتي" وبكى، فقال الله -عز وجل- لجبريل "اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيه"، فأتاه جبريل فأخبره بما قال وربك أعلم، فقال الله-تعالى-: "يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: "إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك" صلوات الله وسلامه عليه.

كيف لا تحب القلوب من أعماقها رسول الله الذي جاهد في سبيل الله ونصر دين الله؟! رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإيمان به هدًى، وطاعته نجاة، والاقتداء به عز، ونصرته دين، واتباعه سعادة، وذكر شمائله ومدارسة سيرته خير وبر وإيمان، والإكثار من الصلاة والسلام عليه ذكر لله، وحبه إيمان صلوات الله وسلامه عليه، بل بها يذوق العبد حلاوة الإيمان، قال -صلى الله عليه وسلم- :"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، .."، وفي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".

إن محبته عليه الصلاة والسلام تقتضي من العبد أن يطيعه، وأن يتبعه، وأن يصدقه، وأن يسلم لأمره، وألا يتلقى الهدى من غير مشكاته؛ فإن ترقى في درجات المحبة حرص العبد على اتباع سنته، وتأدب بآدابه، وتخلق بأخلاقه، وأكثر من الصلاة والسلام عليه، وأحب أصحابه وأهل بيته، وحرص على رؤيته، وتمنى صحبته، فيا بشراه حينئذ لقول النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل متى الساعة؟ فقال للسائل: "ما أعددت لها؟" فقال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت".

الله أكبر يا عباد الله يا لها نعمة للمحبين ما أشرفها! ومن منة ما أعظمها! أن يكونوا مع المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الجنة .

لذا لا تعجب حين يبكي أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وأرضاه فرحًا بالهجرة مع نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وحين يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-: "والله لأنت الآن أحب إليَّ من نفسي يا رسول الله"، وحين يفرح الأنصار -رضي الله عنهم وأرضاهم- بقدوم رسول الرحمة إلى المدينة، ونزوله عليهم فخرجوا يستقبلونه في الطريق وعلى السطوح والصبيان والخدم يقولون "الله أكبر جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "ما رأيت أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر المدينة".

ويقول البراء بن عازب -رضي الله عنه-: "فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

وحق لهم ذلك، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَوَلَدِي ، وَإِنِّي لأَكُونُ فِي الْبَيْتِ ، فَأَذْكُرَكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيكَ ، فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ ، وَإِنِّي وَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الآيَةِ : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) [النساء: 69].

أما خبيب بن عدي -رضي الله عنه- فحين أحضره المشركون لقتله قالوا: "أتحب أن محمدًا مكانك وأنك الآن في أهلك معافًى؟" فقال لهم: "والله ما يسرني أني في أهلي وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- تصيبه شوكة أبدًا".

وهذه امرأة من الأنصار قُتل زوجها وأبوها وأخوها، فلما علمت بقتلهم قالت: "ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" قالوا هو بحمد الله كما تحبين، قالت "أرنيه حتى أنظر إليه"، فلما رأته قالت: "كل مصيبة بعدك هينة".

بل حتى الجماد يتصدع من ألم مفارقة النبي الكريم، فكيف بقلوب المؤمنين؟! فقد كان عليه الصلاة والسلام يخطب الجمعة على جزع يرقى عليه، ثم اتخذ المنبر فخطب عليه أول خطبة، فحن الجزع وصاح كما يصيح الصبي، فنزل سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- إليه فجعل يهديه كما يهدى الصبي حتى سكت، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو لم أعتنقه لحنَّ إلى يوم القيامة".

وكان الحسن البصري -رحمه الله- إذا حدث بهذا الحديث بكى، وقال: "هذه خشبة تحن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه".

وكانوا أيوب السختياني -رحمه الله- إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي حتى يرحمه جلساؤه.

وقال مصعب بن عبدالله كان مالك بن أنس -رحمه الله- إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغير لونه، فسُئل فقال: "لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليَّ ما ترون، لقد كنت أرى محمد بن المنكدر -رحمه الله- لا نكاد نسأله عن حديث أبدًا إلا يبكي حتى نرحمه، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد -رحمه الله- وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذُكر عنده النبي -صلى الله عليه وسلم- اصفر لونه، وما رأيته يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا على طهارة، ولقد كنت آتي صفوان بن سليم وهو من العُبّاد -رحمه الله- فإذا ذُكر عنده النبي -صلى الله عليه وسلم- بكى فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه".

هذه أحوال المحبين وصفات المتقين الذين يُتْبِعُون القول العمل، وهذا هو الحب الحقيقي المنجي من الشدائد.

مساكين أهل العشق والغرام، مساكين أصحاب الغناء والطرب، عذبوا قلوبهم بحب عفن وشقاء نكد، أحبوا وذكروا ولكن من؟ أحبوا مَن محبته تصرف عن محبة الله ورسوله، وذكروا مَن يبعدهم عن طريق النجاة، فيا ضيعة أعمار تذهب سبهللا، ويا خسارة من أفنوا حياتهم في لهو ولعب، أعرضوا عن سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما تحوي من العلوم والإيمان والقدوة والهدى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31]، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7].

اللهم وفقنا جميعًا للحب الحقيقي لهذا لنبي الكريم، اللهم اجعلنا له متبعين ولحوضه واردين ولشفاعته نائلين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله وخليله وأمينه على وحيه؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أما بعد: فإذا كانت محبة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أجلّ أعمال القلوب وأفضل شعب الإيمان؛ فإن بغضه من أشنع الذنوب وأخطرها، قال-تعالى- (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر: 3]، فأخبر أن مبغضه يقطع الله -تعالى- ذِكره وأهله وماله، فيخسر ذلك في الآخرة، ويبتر حياته، فلا ينتفع بها، ولا يتزود فيها صالحًا لمعاده، ويبتره من كل خير ومن كل ناصر، فلا يجد له عونًا ولا ناصرًا، قال سبحانه (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) [المسد: 1- 5].

لقد امتلأت قلوب كفار قريش والمنافقون في المدينة ويهود الغدر والخيانة امتلأت قلوبهم بالبغض والعداوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأذن لهم الله وأخبر الله عن معاندتهم ومحادتهم لله ولرسوله، قال-تعالى-: (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) [التوبة:63].

روى الحاكم بإسناد صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان جالسًا وعنده نفر من المسلمين، فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تكلموه، فجاء رجل أزرق فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: "علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟!" فانطلق الرجل ودعاهم فحلفوا بالله واعتذروا إليه، فأنزل الله (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [المجادلة:18]، ثم قال بعد ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ) [المجادلة:20].

ألا فليعلم كل من أساء لنبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- بقول أو فعل بأي إساءة كانت، وفي أي زمان كان أن هؤلاء في زمرة الأذلين، وأنهم على سبيل الهالكين، ومن ضمن المبتورين، وأنهم لن يضروا الله -تعالى- شيئًا، ولن يضروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، وإنما هم يفصحون عن حقدهم الدفين على دين الإسلام ونبي الله -صلى الله عليه وسلم-.

 ونحن -والله العظيم- على يقين أنهم في منتهى الذلة والصغار والعذاب، وأن الله-تعالى- منتصر لرسوله ممن تنقَّصه وأذاه بقول أو فعل، ويدخل في ضمن الأذى لنبينا -صلى الله عليه وسلم- من يقذفون أم المؤمنين عائشة وأمهات المؤمنين؛ لما في قذفهم من الطعن على نبينا -صلى الله عليه وسلم- وعيبه؛ فإن قذف المرأة أذى لزوجها كما هو أذى لابنها؛ لأنه نسبة له إلى الدياثة وإظهار لفساد فراشه؛ فإن زنا امرأته يؤذيه أذى عظيمًا، وفي القرآن العظيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) [الأحزاب:57].

قال ابن تيمية: "وقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التنقص له -صلى الله عليه وسلم- كفر مبيح للدم، لا فرق بين أن يقصد عيبه، أو كان المقصود شيئًا آخر؛ حصل السب تبعًا له أو لا يقصد شيئًا من ذلك، بل يهزل ويمزح ويفعل غير ذلك".

وقال إسحاق بن رهوايه: "أجمع العلماء أن من سبَّ الله -عز وجل- أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو دفع شيئًا أنزله الله أو قتل نبيًّا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مُقِرّ بما أنزل الله أنه كافر".

وفي الشفاء عن محمد بن سحنون قال: "أجمع العلماء على أن شاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- متنقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر".

أيها المسلمون: إن نصرة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تكمن في اتباع سنته، والاهتداء بهديه، والاستقامة على دين الإسلام، والمحافظة على أركانه وشعائره، والصدق في محبته -صلى الله عليه وسلم- والعناية بسيرته، وتعظيم أمره ونهيه، والمساهمة بطبع ونشر وترجمة جميع ما يبين سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه من الأخلاق الكريمة.

نصرته عليه الصلاة والسلام بالدعوة إلى توحيد الله، وتوضيح ما قام به -صلى الله عليه وسلم-، وتبيين معالم الإسلام لمن يجهل ذلك.

وأخيرًا لا ننسى عباد الله أن من لطف الله بنبيه -عليه الصلاة والسلام- أن الله -جل جلاله- صرف عنه أذى المؤذيين وكفاه إياهم، قال-تعالى-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر:94- 96].

وإذا كفاه استهزاءهم، وهو أقل أنواع الأذى، فكفايته ما هو أشد من الاستهزاء من الأذى أولى وأحرى، فلا تهنوا عباد الله ولا تحزنوا فأنتم الأعلون والله معكم، وجميع ما صدر ويصدر عن هؤلاء الكفرة الأذلين من إساءة إلى مقام النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- فإنما هي دلالة على ضعفهم ومهانتهم وقرب نهايتهم ونزول العقوبات بهم كما جرت بذلك سُنة الله في كل من تعرَّض لنبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم-، ويقيننا بأن دين الله منصور وباقٍ على رغم أنوف الكافرين، فسيبقى ذكر الإسلام في كل أرض، وسيستمر اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل رقعة ما بقيت الدنيا (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40] (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 6].

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وسلم تسليماً كثيراً.