البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
(الخالقُ) في اللغة: اسمُ فاعلٍ من الفعل (خلَقَ - يخلُقُ)، و(الخَلْقُ) له معنيانِ:
الأول: هو الإنشاءُ والإبراز من العدمِ إلى الوجود. انظر: "دفع الإيهام" للشنقيطي (ص18)؛ ومنه: قوله تعالى: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمْ خَلْقٗا مِّنۢ بَعْدِ خَلْقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ﴾ [الزمر: 6].
والثاني: هو التقديرُ؛ كأن يقالَ: خلَق الأديمَ - وهو جِلْدُ الأنعام وغيرِها - أي: قدَّره لِما يريد قبل قَطْعِه، وقاسَه؛ ومنه: قولُه تعالى على لسانِ عيسى عليه السلام: ﴿أَنِّيٓ أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ اْلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ اْلطَّيْرِ﴾ [آل عمران: 49]، وقوله تعالى: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًاۚ﴾ [العنكبوت: 17]؛ أي: تُقدِّرونه وتُهيِّئونه وهو كَذِبٌ. انظر للاستزادة: "لسان العرب" لابن منظور (10 /85).
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى؛ معناه: أنَّ اللهَ تعالى هو المُبدِع للخَلْقِ، والمخترِعُ له على غيرِ مثالٍ سبَقَ؛ كما قال تعالى: ﴿هَلْ مِنْ خَٰلِقٍ غَيْرُ اْللَّهِ﴾ [فاطر: 3]؛ قال ابنُ تيمية: «الخَلْقُ: هو وصفٌ ذاتيٌّ فعلي، وهو إبداعُ الكائنات من العدم». "مجموع الفتاوى" (6 /357). هذا على المعنى الأول، وهو عند الإطلاق لا يكون إلا للهِ، أما إذا جاء مقيَّدًا، فيُطلَق على غيرِ الله. انظر: "شفاء العليل" لابن القيم (1 /392).
والمعنى الثاني - وهو التقدير - ثابتٌ للهِ، مع صحةِ إطلاقه على مَن سِواه دُونَ تقييد؛ قال الزَّجاج: «فـ(الخَلْقُ) في اسمِ الله تعالى: هو ابتداءُ تقدير النَّشْء؛ فاللهُ خالِقُها ومُنشِئها، وهو مُتمِّمُها ومُدبِّرُها؛ ﴿فَتَبَارَكَ اْللَّهُ أَحْسَنُ اْلْخَٰلِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14]». "تفسير أسماء الله الحسنى" (ص36-37).
ما دلت عليه اللغةُ يدل على ما اصطُلِح عليه، وكِلا المعنيَينِ المذكورين في أصلِ اللغة ثابتٌ للهِ سبحانه وتعالى.
يدل اسمُ اللهِ (الخالقُ) على إثبات صفة (الخَلْقِ) لله تعالى.
ورد اسمُ الله (الخالقُ) في القرآن الكريم في مواضعَ كثيرة:
- أكثَرُ هذه المواضعِ جاء بصيغةِ المفرد، وذلك في (8) مواضعَ؛ منها:
* قوله تعالى: ﴿هُوَ اْللَّهُ اْلْخَٰلِقُ اْلْبَارِئُ اْلْمُصَوِّرُۖ لَهُ اْلْأَسْمَآءُ اْلْحُسْنَىٰۚ﴾ [الحشر: 24].
* وقوله تعالى: ﴿هَلْ مِنْ خَٰلِقٍ غَيْرُ اْللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ اْلسَّمَآءِ وَاْلْأَرْضِۚ﴾ [فاطر: 3]. فإن قيل: ألَا تدلُّ هذه الآية على أن اسمَ (الخالق) مختصٌّ بالله لا يُطلَق على غيره؟ فالجواب: أن قوله تعالى: ﴿يَرْزُقُكُم مِّنَ اْلسَّمَآءِ وَاْلْأَرْضِۚ﴾ إما أن يُعَد جملةً ابتدائيةً لا تعلُّقَ لها بما قبلها، فيكون ﴿خَٰلِقٍ﴾ غيرَ مُقيَّد بشيء، ويكون المعنى: «لا يوجد خالقٌ إطلاقًا غيرُ الله»؛ فلا يجوز إطلاقُ ﴿خَٰلِقٍ﴾ على غير الله، وإما أن تكونَ جملة ﴿يَرْزُقُكُم﴾ صفةً لـ﴿خَٰلِقٍ﴾، فيكون قيدًا مخصِّصًا له، ويكون المعنى: «هل مِن خالقٍ رازقٍ من السماء والأرض غير الله؟»، فيحتمل أن يُسمَّى غيرُ الله خالقًا، إلا أنه لا يرزُقُ من السماء والأرض. وانظر للاستزادة: "الكشاف" للزمخشري (ص880 ط. دار المعرفة).
- ومنها ما جاء بصيغةِ التفضيل؛ كقوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اْللَّهُ أَحْسَنُ اْلْخَٰلِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14]؛ قال مجاهدٌ: «يَصنَعون، ويَصنَع اللهُ، واللهُ خيرُ الصانعين، يقال: رجُلٌ خالق؛ أي: صانع». "معالم التنزيل" للبغوي (5 /412).
- وجاء مرةً واحدة بصيغة الجمع للتعظيم في قوله تعالى: ﴿ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُۥٓ أَمْ نَحْنُ اْلْخَٰلِقُونَ﴾ [الواقعة: 59].
- ورَد اسمُ اللهِ (الخالقُ) في السُّنة:
* عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «غَلَا السِّعْرُ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو سعَّرْتَ! فقال: «إنَّ اللهَ هو الخالِقُ، القابِضُ، الباسِطُ، الرازِقُ، المُسعِّرُ، وإنِّي لَأرجو أن أَلقَى اللهَ ولا يطلُبُني أحدٌ بمَظلِمةٍ ظلَمْتُها إيَّاه في دَمٍ، ولا مالٍ»». أخرجه أحمد (12591)، وابن حبان (4935).
* عن عِمْرانَ بن حُصَينٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ». أخرجه الطبراني في "الكبير" (381).
- وورَدتْ صفةُ (الخَلْقِ) التي يدل عليها اسمُ الله (الخالق) في سياقاتٍ متعددة؛ منها:
* عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قال اللهُ تعالى: ومَن أظلَمُ ممَّن ذهَبَ يخلُقُ كخَلْقي؟! فَلْيَخلُقوا ذرَّةً، أو لِيَخلُقوا حَبَّةً، أو لِيَخلُقوا شَعيرةً». أخرجه البخاري (5953)، ومسلم (2111).
* عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «قَدِمَ رسولُ اللهِ ﷺ مِن سَفَرٍ، وقد ستَرْتُ بقِرَامٍ لي على سَهْوةٍ لي فيها تماثيلُ، فلمَّا رآه رسولُ اللهِ ﷺ، هتَكَه، وقال: «أشَدُّ الناسِ عذابًا عندَ اللهِ يومَ القيامةِ: الذين يُضاهُون بخَلْقِ اللهِ»». أخرجه البخاري (5954)، ومسلم (2107).
اسمُ الله (الخالقُ) ثابتٌ بالإجماع؛ قال القُشَيريُّ: «وانعقَد عليه الإجماعُ». "شرح أسماء الله الحسنى" (ص96).
اسمُ الله (الخالقُ) يدل على صفةِ (الخَلْقِ)، وما من شيءٍ مما سِوى الله إلا وهو أثرٌ من آثارِ هذه الصفة، وما ثَمَّ إلا خالقٌ ومخلوق، والمخلوقُ يدل على خالقِه فِطْرةً وبداهة؛ إذ ما من أثرٍ إلا وله مؤثِّرٌ؛ كما اشتهَر في قولِ الأعرابي الذي سُئل: «كيف عرَفْتَ ربَّك؟»، فقال بفطرتِه السليمة: «البَعْرةُ تدلُّ على البعير، والأثرُ يدل على المَسِير؛ فسماءٌ ذاتُ أبراج، وأرضٌ ذاتُ فِجاج، وجبالٌ وبحار وأنهار؛ أفلا تدلُّ على السميعِ البصير؟!». انظر: "ترجيح أساليب القرآن" لابن الوزير (ص83).
فهي حقيقةٌ فِطْرية بدَهية، تَتلخَّص في «افتقار الأثر إلى المؤثِّر»، وهي التي يُعبَّر عنها بدلالةِ الحدوثِ والإمكان في الذواتِ والصفات، و(الحادث): هو ما كان مسبوقًا بعدمٍ، و(الممكِن): هو ما كان قابًلا للوجود والعدم؛ فكلُّ حادثٍ ممكِنٍ يفتقر إلى واجبٍ بنفسه، مُحدِثٍ لا يكون هو مُحدَثًا؛ منعًا للتسلسل. "درء التعارض" لابن تيمية (3 /265).
مِن آثار الإيمان باسم الله (الخالق) ما يلي:
* مَن آمَن باسم الله (الخالق)، لَزِمه الإيمانُ بأسمائه الأخرى؛ لأن (الخَلْقَ) يدل على الصفاتِ الأخرى؛ كـ: (الحياة)، و(العلم)، و(القدرة)، و(الإرادة)؛ إذ لا يمكن أن يكونَ خالقًا مَن ليس بقادرٍ، ولا مريدٍ، ولا عالِمٍ بما خلَق، أو أنه ليس له فيما خلَق إرادةٌ وحِكْمة؛ قال ابن القيم: «مِن طرقِ إثبات الصفات: دلالةُ الصَّنعة عليها؛ فإن المخلوقَ يدل على وجودِ خالقه؛ على حياتِه، وعلى قُدْرتِه، وعلى عِلْمِه ومشيئته». "المدارج" (3 /330).
* الإيمانُ بهذا الاسمِ يستلزم القَبولَ به عز وجل حاكمًا قاضيًا في خَلْقِه؛ فإنه إذا قَبِلَ المؤمنُ اللهَ خالقًا، قَبِلَ أحكامَه الشرعيةَ والقدَرية؛ لأنهما صدَرَا عن خالقٍ؛ أي: عالِمٍ حكيمٍ فيما يَفعَل بخَلْقِه؛ كما قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اْللَّطِيفُ اْلْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
* تعظيمُ الله عز وجل، وإكبارُه، وإجلاله؛ لِما يرى المؤمنُ باسم الله (الخالق) من عظمةِ الخَلْقِ ورَوْعتِه، وإتقانه ودِقَّتِه، في الكونِ والنفس؛ قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَٰتِنَا فِي اْلْأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اْلْحَقُّۗ﴾ [فصلت: 53].
الحقُّ أن المظاهرَ الوجودية لاسم الله (الخالق) أكثَرُ من أن تُعَدَّ أو تُحصَرَ؛ فصفةُ (الخَلْقِ) التي يدل عليها هذا الاسمُ متعلِّقةٌ بجميع ما سِوى الله، ولكن نقول:
إن كلَّ شيء يُطلَق عليه اسمُ (مخلوق) هو بذاته مظهرٌ من مظاهرِ اسم الله (الخالق):
* فالسمواتُ والأرض وما فيهنَّ: مظاهرُ لاسم (الخالق).
* والحيوان والنبات والجمادات: مظاهرُ لاسم (الخالق).
* والكائناتُ الحية الدقيقة، والأجرام السماوية الكبرى: مظاهرُ لاسم (الخالق).
وليس العَدُّ والإحصاء لهذه المظاهرِ إلا في حدود البشر وتصوُّراتهم القاصرة؛ يقول سيد قطب في تفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ اْللَّهُ اْلْخَٰلِقُ اْلْبَارِئُ اْلْمُصَوِّرُۖ﴾ [الحشر: 24]: «وتَوالي هذه الصفاتِ المترابطة اللطيفةِ الفروقِ يستجيش القلبَ لمتابعةِ عملية الخَلْقِ والإنشاء والإيجاد والإخراج مرحلةً مرحلة - حسَبَ التصوُّر الإنساني.
فأما في عالَمِ الحقيقة، فليست هناك مراحلُ ولا خطوات.
وما نَعرِفه عن مدلولِ هذه الصفات ليس هو حقيقتَها المُطلَقة؛ فهذه لا يَعرِفها إلا اللهُ.
إنما نحن نُدرِك شيئًا من آثارِها، هو الذي نَعرِفها به في حدودِ طاقاتنا الصغيرة!». "في ظلال القرآن" (ص3533) ط. دار الشروق.
«وقال أهلُ العلمِ: التخليقُ: فعلُ اللهِ، وأفاعيلُنا: مخلوقةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اْجْهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ اْلصُّدُورِ 13 أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ [الملك: 13-14]؛ يعني: السِّرَّ والجهرَ مِن القولِ.
ففعلُ الله: صفةُ الله، والمفعول : غيرُه من الخَلْقِ».
البُخاري "خلق أفعال العباد" (2 /300).
«ليس منذ خلَقَ الخَلْقَ استفاد اسمَ (الخالق)، ولا بإحداثِ البَرِيَّةِ استفاد اسمَ (الباري)».
الطَّحَاوي "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز (1 /109).