الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | إبراهيم سلقيني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
كثير من الناس يحمل بين جوانحه نفسًا خيّرة وقلبًا طاهرًا يحب الخير، ويكثر البر، ويركن إلى المعروف في أمور دينه وفي أمور دنياه، ولكنه ابتُلي بالتسويف يؤخّر عمل الخير من يوم إلى آخر، ولا يغتنم الفرص، وليست لديه قدرة على العزم والتصميم، إذا جلست لمثل هؤلاء سمعت منهم أعمالاً يرسمونها ومشروعات في الخير يخططون لها، فتُسرّ لما تسمع، وتعجب لما يخطط، ولكن تمضي الأيام وتتوالى الشهور والأعوام ولا زالت تلك الأعمال التي رسموها وتلك المشروعات الخيّرة التي خُطط لها ما زالت في حيّز الأحلام والآمال.
الخطبة الأولى:
الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه إنسان وأينما استقر، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوب إليه ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته، وسلم تسليماً كثيرًا.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بادروا بالأعمال الصالحة؛ فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا".
وفي حديث آخر صحيح أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! أيّ الصدقة أعظم أجرًا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أن تصدَّق –أي: تتصدق- وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل –أي: ولا تتمهل- حتى إذا بلغت الحلقوم –أي: حتى إذا بلغت الروح الحلقوم أي: كادت أن تبلغه وتصل إلى حد الغرغرة- قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" أي: وقد كان المال لك تستطيع أن تتصرف فيه كيف تشاء، أما اليوم فقد صار المال ملكًا للورثة.
أيها الإخوة المؤمنون: كثير من الناس يحمل بين جوانحه نفسًا خيّرة وقلبًا طاهرًا يحب الخير، ويكثر البر، ويركن إلى المعروف في أمور دينه وفي أمور دنياه، ولكنه ابتُلي بالتسويف يؤخّر عمل الخير من يوم إلى آخر، ولا يغتنم الفرص، وليست لديه قدرة على العزم والتصميم، إذا جلست لمثل هؤلاء سمعت منهم أعمالاً يرسمونها ومشروعات في الخير يخططون لها، فتُسرّ لما تسمع، وتعجب لما يخطط، ولكن تمضي الأيام وتتوالى الشهور والأعوام ولا زالت تلك الأعمال التي رسموها وتلك المشروعات الخيّرة التي خُطط لها ما زالت في حيّز الأحلام والآمال.
لمثل هؤلاء يقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال الصالحة، وانتهزوا الفرص قبل أن تفوتكم، واحذروا الفتن قبل أن تحول بينكم وبين ما تريدون".
وربما كانت هذه الفتن سببًا للقضاء على كل خير، وعاملاً يقلب الإيمان كفرًا، ويقلب الحق باطلاً، والباطل حقًّا، فكم من ذي إيمان وذي عمل صالح عُرضت عليه الفتن فغيّرته وجعلت من المبادئ التي كان يتمسك بها ومن الشعارات التي ينادي بها جعلتها ثمنًا رخيصًا لمتاع الدنيا، يمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، ويصبح مؤمنًا، ويمسي كافرًا؛ يبيع دينه بعَرَض من الدنيا.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما يقول لنا: "بادروا بالأعمال الصالحة" لا يقصد فقط العبادات من صلاة وصيام، فهذه أركان لا بد منها، وإنما يقصد مفهومًا أوسع من هذا المعنى، يقصد من ذلك إذا كنت ظالمًا فبادر إلى رفع الظلم قبل أن يفوتك.
إذا كنت ذا مال وسعة فبادر إلى الإنفاق قبل أن يفوتك، وإذا كنت راعيًا لأسرة وبيت فبادر إلى حسن رعاية هذا البيت، فأنت مسئول فيه، وبادر إلى حسن تربية أبنائك على حب الله وحب رسوله وحب آل بيته وقراءة القرآن، وعلى التربية الصالحة الفاضلة من الصدق والأمانة والاستقامة والعفاف، ونحو ذلك.
وإذا كنت قاضيًا فبادر إلى أن تعالج تلك القضايا التي تحت يدك بأمانة وإخلاص، وبُعد عن كل انحراف، وإذا كنت رئيسًا فبادر إلى إنهاء ما تحت يدك من شكاوى والبت فيها، وإن كنت وكنت وكنت..
ففي كل الواجبات التي عليك بادر إلى القيام بها قبل أن يفوتك.
صنف آخر من الناس لا يملك بين جوانحه نفسًا طاهرة ولا قلبًا صافيًا، جُبل قلبه على الأثرة والأنانية، وحب الذات، يعيش في سعة ومال، ولا تتحرك فيه نخوة، ولا يجد في قلبه رحمة وكأنه بين أهله.
وهو في مجتمعه غريب لا يعرف إلا ذاته، يعيش على السرف والترف، ومجتمعه من حوله أشقياء يكدّون ولا يجدون ما يسد رمقهم وحاجاتهم وحاجات عيالهم.
لمثل هؤلاء بيّن لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هذا الصنف إذا شعر بدنو الأجل، وإذا عرف عن يقين، وكلنا يعرف أن ذلك عين اليقين، ولكنه يتذكر حينئذ أنه سيفارق ماله ويفارق ثرواته، ويفارق أهله، ويفارق أحبته، حينئذ تذكر ما كان ناسيًا، وأظهر ما كان خافيًا، وإذا به يقول: تبرعت لفلان بكذا، وللجمعية الفلانية كذا، وللأيتام بكذا، ولبناء مسجد بكذا، وإن لفلان عليَّ دينًا فأعطوه، وإن لفلان عليَّ مظلمة فراجعوه وهكذا..
يصبح من كبار المحسنين، ولكن ويا للأسف قرب أن يكون المال قد خرج عن ملكه، وأصبح ملكًا للورثة؛ لأن ما يتبرع به المحسن إذا كان في مرض موته لم ينفذ إلا برضا الورثة والأجر فيه بالورثة.
أيها الإخوة: الإحسان جميل، ولكن الأجمل منه أن يبادر كل منا حسب قدرته وحسب سعته وحسب النعم التي أولاه الله بها، أن يسارع ويبادر إلى البذل والعطاء وإتقان العمل، والقيام بالواجبات، وهو صحيح حال الصحة، حال القدرة، حال الحرص الشديد على المال.
لنبادر قبل فوات الأوان، استبقوا الخيرات، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 10- 11].
بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا، ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا.
يا رسول الله أيّ الصدقة أعظم أجراً؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان". أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
أقول قولي هذا وأستغفر الله..