القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
(البَصَرُ) في الخَلْقِ: حاسَّةُ الرؤية، أو حِسُّ العين، والجمع: أبصار، ورجُلٌ بصير: مُبصِر، وضده: الضَّرير، وهو على وزن (فعيل) بمعنى (مُفعِل)؛ كما يقال: أليمٌ بمعنى: مُؤلِم، وبديعٌ بمعنى: مُبدِع. انظر: "جامع البيان" للطبري (1 /341).
أو هو (فعيل) بمعنى (فاعل)، وهو من أبنيةِ المبالغة، ورجُلٌ بصير بالعلم: عالِمٌ به، والبصيرة: العلم والفطنة؛ ولذلك يكون اسمُ (البصير) على معنيَينِ:
الأول: من الإبصار.
والثاني: من البصيرة.
* (البَصَر).
* وأنه عالِمٌ بالأشياء، خبيرٌ بها.
وعلى الثاني، يكون كأنه بمنزلةِ (عليم) في التقدير والمعنى، والقولُ بهذا التقدير ممكِنٌ جائز، ولو اتفَق معه الاسمان (البصيرُ) و(العليم) في المعنى؛ لأن (البصير) ليس بمعنى (عليم) فقط؛ بل له أوجُهٌ؛ أحدها: (عليم)، فإذا كان بمعنى (عليم)، فهو مِن باب الترادُفِ، وهو واقعٌ على كثرةٍ في كلام العرب، ويكون حينئذٍ صفةً فعلية متعلِّقة بالمُبصَرات، وإن لم يكُنْ بمعنى (عليم)، كان من نعوتِ المبالغة؛ في أن المُبصَرات لا تَخفَى عليه، ولا يكون إذًا متعلِّقًا بها، ولا متعدِّيًا لها؛ إذ المقصود وصفُ الذات بالإبصار. انظر: "اشتقاق الأسماء" للزجاجي (ص65).
ما دلت عليه اللغةُ يدل على ما اصطُلِح عليه في اسمِ الله (البصير) من معنيَيِ: الإبصار، والعلم.
يدل على إثبات صفة (البَصَرِ) لله سبحانه وتعالى.
ورَد اسمُه تعالى (البصير) في القرآن الكريم اثنتينِ وأربعين مرةً؛ منها:
* قوله تعالى: ﴿وَاْللَّهُ بَصِيرُۢ بِاْلْعِبَادِ﴾ [آل عمران: 15].
* وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَيْءٞۖ وَهُوَ اْلسَّمِيعُ اْلْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
ومعنى قوله: «اربَعُوا على أنفُسِكم»: ارفُقُوا بأنفسِكم؛ يعني: لا تُكلِّفوا أنفسَكم، ولا تَرفَعوا أصواتَكم؛ فيشُقَّ ذلك عليكم. انظر: "شرح العقيدة الواسطية" للغنيمان (11 /13).
لأنهم كانوا مع النبي ﷺ في سَفَرٍ، فكانوا إذا أشرَفوا على وادٍ هلَّلوا وكبَّروا، وارتفَعتْ أصواتُهم، فخفَّف النبيُّ ﷺ عنهم.
هو اسمٌ من أسماء الله سبحانه مُجمَعٌ عليه؛ قال القُشَيريُّ: «(السميع) و(البصير): هما اسمانِ من أسمائه تعالى، ورَد بهما النصُّ، وانعقَد عليهما الإجماعُ». "شرح أسماء الله الحسنى" (ص129).
وأيضًا ثابتٌ بقياسِ الأَوْلى؛ فـ(الإبصارُ) صفةُ كمالٍ، وخلافُه صفةُ نقصٍ، ومن المعلوم أن كلَّ كمالٍ لا نقصَ فيه يكون لبعضِ الموجودات المخلوقة المُحدَثة: فالربُّ الخالق هو أَوْلى به، وكلُّ نقصٍ أو عيب يجب أن يُنزَّهَ عنه بعضُ المخلوقات المُحدَثة: فالربُّ الخالق هو أَوْلى أن يُنزَّهَ عنه. انظر: "شرح الأصفهانية" لابن تيمية (ص74).
* الخوفُ من الله عز وجل، ودوامُ مراقبته؛ فالذي يؤمن بهذا الاسمِ يكون حاضرَ القلب معه سبحانه في جَلَواته وخَلَواته، وفي إسراره وإعلانه؛ فلا يَرضَى أن يراه اللهُ على حال لا تُرضيه؛ وهذا من أعظَمِ التقوى عند الله؛ كما قال عليٌّ رضي الله عنه: «التقوى: الخوفُ من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرِّضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل»؛ ولذلك كان الإمامُ أحمد رحمه الله يُنشِد:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ | خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ |
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً | وَلَا أَنَّ مَا تُخْفِيهِ عَنْهُ يَغِيبُ |
* والإيمانُ باسم الله (البصير) يوصل العبدَ إلى درجة الإحسان، ويَحمِله على الإخلاص؛ كما ورَد في حديث جِبْريلَ الطويل حينما سأل النبيَّ ﷺ عن الإحسانِ، فقال ﷺ: «أن تعبُدَ اللهَ كأنَّك تَراه، فإن لم تكُنْ تَراه، فإنَّه يَراك». أخرجه مسلم (8).
فكلما زاد العبدُ يقينًا باسمِ الله (البصير)، زاد إحسانُه في أعماله، وإخلاصُه فيها لربِّه سبحانه وتعالى.
* وأيضًا فالإيمان بأن اللهَ (بصير) يُضفِي على المؤمن الطُّمَأنينةَ في دعوته إلى الله، ويُعِينه على الاحتسابِ، والصبرِ على الأذى من أعداء الله؛ لأنه يعلم أن له ربًّا يُبصِر ويَعلَم ما جرى، وأنه ما حصَل إلا بعلم الله، بل وإرادته، وحِكْمته.
مِن مظاهرِ اسم الله (البصير) في الكون والحياة:
* استجابتُه سبحانه للدعاء؛ فكم مِن داعٍ دعا (السميعَ البصير) فاستجاب له، وأعطاه سُؤْلَه، والأمثلةُ على ذلك كثيرة جدًّا؛ تَرى ذلك في قصصِ الأنبياء، ومَن دونهم مِن الأولياء والصالحين، وحتى العصاة والمُذنِبِين.
فانظُرْ مثًلا إلى قصة سيدنا يونُسَ عليه السلام عندما التقَمه الحوتُ؛ يدعو في جوف الليل، تحت لُجَجِ البحر، داخِلَ بطن الحوت؛ فيستجيب اللهُ له! يصفُ اللهُ حالَه فيقول: ﴿وَذَا اْلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي اْلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ 87 فَاْسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ اْلْغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي اْلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 87-88].
* تقديرُه سبحانه للأمور على ما هي عليه، وتدبيرُه للخَلْقِ بما يناسب أحوالَهم؛ كما قال سبحانه: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اْللَّهُ اْلرِّزْقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوْاْ فِي اْلْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ﴾ [الشورى: 27].
«(البصير) الذي لكمالِ بَصَرِه يرى تفاصيلَ خَلْقِ الذَّرة الصغيرة وأعضائها، ولحمِها ودَمِها، ومُخِّها وعروقها، ويرى دبيبَها على الصخرةِ الصَّمَّاء في الليلة الظَّلماء، ويرى ما تحت الأرَضِينَ السَّبْع كما يرى ما فوق السموات السَّبْع».
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "طريق الهجرتين" (1 /270).
«نحن نقول: لرَبِّنا الخالقِ عينان يُبصِر بهما ما تحت الثرى، وتحت الأرضِ السابعة السفلى، وما في السموات العلى، وما بينهما من صغيرٍ وكبير، لا يَخفَى على خالقنا خافيةٌ في السموات السَّبْع، والأرَضِينَ السَّبْع، ولا مما بينهنَّ، ولا فوقهنَّ، ولا أسفَلَ منهنَّ، لا يغيب عن بَصَرِه من ذلك شيءٌ، يرى ما في جوف البحار ولُجَجِها، كما يرى عرشَه الذي هو مستوٍ عليه».
ابن خُزَيْمَة "التوحيد" (1 /114-115).
«واجبٌ على كلِّ مؤمن أن يُثبِتَ من صفات الله سبحانه وتعالى ما أثبَته اللهُ لنفسه، وليس بمؤمنٍ مَن يَنفِي عن الله ما أثبَته اللهُ لنفسه في كتابه؛ فرؤيةُ الخالق لا تكون كرؤيةِ المخلوق، وسمعُ الخالق لا يكون كسمعِ المخلوق؛ قال الله تعالى: ﴿فَسَيَرَى اْللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَاْلْمُؤْمِنُونَۖ﴾ [التوبة: 105]، وليس رؤيةُ اللهِ تعالى بني آدمَ كرؤيةِ رسولِ الله ﷺ والمؤمنين، وإن كان اسمُ الرؤية يقع على الجميع... جل وتعالى عن أن يُشبِهَ صفةُ شيءٍ من خَلْقِه صِفَتَه، أو فعلُ أحدٍ من خَلْقِه فِعْلَه».
قِوَام السُّنَّة "الحجة في بيان المحجة" (1 /196).