الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
ما زلنا نعيش نفحات شهر شعبان، وهي أيام وليال ترق فيها القلوب، ويكثر فيها الالتجاء إلى الله –تعالى-؛ لأنها مظنة رفع الأعمال إلى رب العالمين، ومطية شهر رمضان الكريم، فمن أحسن الاستقامة في هذه الأيام جنى أطيب الثمرات في شهر الصيام. وها نحن على أبواب شهر كريم، وموسم للطاعات عظيم، تغفر فيه الذنوب والسيئات، وترفع فيه الدرجات، وتكثر فيه الخيرات والبركات، فطوبى لمن استقبله بالتوبة إلى الله العزيز الغفار، وشغل نفسه بكثرة الذكر والاستغفار..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، فاللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله -تعالى-، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أيها المؤمنون: ما زلنا نعيش نفحات شهر شعبان، وهي أيام وليال ترق فيها القلوب، ويكثر فيها الالتجاء إلى الله –تعالى-؛ لأنها مظنة رفع الأعمال إلى رب العالمين، ومطية شهر رمضان الكريم، فمن أحسن الاستقامة في هذه الأيام جنى أطيب الثمرات في شهر الصيام.
ولذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخص هذا الشهر بمزيد من العناية والاهتمام، ويكثر فيه من الصيام والقيام، وعندما سأله أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن سبب ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم».
وإن من أعظم بركات هذا الشهر ليلة التوبة والإنابة، وموسم الدعاء والإجابة، إنها ليلة النصف من شعبان، التي يتجلى الله -تعالى- فيها على خلقه أجمعين، فيرحم المسترحمين، ويغفر للمستغفرين، ويتجاوز عن سيئات التائبين، إلا المصرين منهم على المعاصي والمتشاحنين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليطَّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن».
فاجتهد يا عبد الله وأنت بين يدي ليلة النصف من شعبان أن ترضي خصماءك في الدنيا، قبل أن تحصيهم عليك الملائكة في الآخرة.
عباد الله: ومما يعين على اغتنام هذا الشهر الكريم المبادرة إلى التوبة والاستغفار، قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
والتوبة واجبة على المسلم في كل وقت وحين، لكنها في مواسم الخير والرحمات أولى، وفي أزمنة القرب والطاعات أجمل وأحرى، وقد وعد الله –سبحانه- التائبين بتكفير السيئات، ودخول الجنات، وبالنور التام والنجاة من الظلمات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم: 8].
وأخبر الله -تعالى- عن محبته للتائبين؛ تشجيعًا للعصاة والمذنبين، على التوبة لرب العالمين، قال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222].
ومن مظاهر هذه المحبة حلم الله -تعالى- على المخطئ والعاصي، فإذا تاب وأناب فتحت له الأبواب، وفرح به الغفور التواب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة».
وإن الله –سبحانه- ليقبل على عبده التائب ويغار عليه، فلا يقنطن أحد من قبول توبة من تاب إليه، فعن جندب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدَّث "أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله -تعالى- قال: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك".
أيها المسلمون: والتوبة النصوح هي الرجوع إلى الله -تبارك وتعالى- بترك المعاصي والندم على فعلها، والعزم الجاد على عدم العودة إليها، ورد الحقوق إلى أهلها، والتزام الأعمال الصالحة والمداومة عليها، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82]، وأول مراتب التوبة الاستغفار، وهو طلب المغفرة من الله -عز وجل-، قال سبحانه: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [النساء: 109- 112].
فيا من وقع في الخطايا، وظلم نفسه بالمعاصي أقبل على ربك الرحيم الغفار، بالتوبة والاستغفار، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
وتوسل إلى الله -تعالى- بالدعاء، واطلب منه المغفرة بالرجاء، فإن عفوه أوسع من ذنوبنا، ورحمته أرجى من أعمالنا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة".
وتذكروا عباد الله من سبقكم إلى دار البقاء من أهليكم وأرحامكم ومن أحسن إليكم، فأكثروا لهم الدعاء والاستغفار، فإنهم يتلقونه يوم القيامة بالفرح والاستبشار، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الرجل لتُرفَع درجته في الجنة، فيقول: أنَّى هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك».
نسأل الله -تعالى- أن يغفر لنا ذنوبنا كلها، وأن يتجاوز عن زلاتنا، وأن يقبل توبتنا واستغفارنا، وأن يغفر لأحيائنا وأمواتنا، ونسأله -تعالى- أن يوفقنا جميعًا لطاعته وطاعة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وطاعة من أمرنا بطاعته.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وبسنة نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن من لازم الاستغفار متَّعه الله بالأمن في الحياة، والسعادة في العيش إلى الممات، قال الله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود: 3].
وها نحن على أبواب شهر كريم، وموسم للطاعات عظيم، تغفر فيه الذنوب والسيئات، وترفع فيه الدرجات، وتكثر فيه الخيرات والبركات، فطوبى لمن استقبله بالتوبة إلى الله العزيز الغفار، وشغل نفسه بكثرة الذكر والاستغفار، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا".
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الذاريات: 56]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا».
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفقنا للأعمال الصالحات، وترك المنكرات، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح لنا نياتنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، واجعلهم قرة أعين لنا، واجعل التوفيق حليفنا، وارفع لنا درجاتنا، وزد في حسناتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
أيها الإخوة: اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].