الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - فقه النوازل |
وشراذم الذين مردوا على النفاق وارتدوا عن دينهم وولوا الأعقاب؛ من بني جلدتنا الذين ينتسبون إلى ملتنا ويتكلمون بألسنتنا، وهم في الحقيقة دعاة على أبواب جهنم، من أطاعهم قذفوه فيها، ينفذون مخططات اليهودية العالمية في مجتمعنا؛ بنشر العقائد الوثنية والأخلاق الجاهلية والمفاهيم الشعوبية، بواسطة المناهج الدراسية، والوسائل الإعلامية، والمؤتمرات الحزبية، ..
الحمد لله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، أحمده سبحانه أخبر أنه لا يُصلح عمل المفسدين، وقضى أن العاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملِكُ الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، والناصح المبين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه على هداه بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم وأطيعوه، واشكروه تعالى على نعمه ولا تكفروه، واخشوه ظاهراً وباطناً واحذروه، واعلموا أنكم لن تحصوه، فتوبوا إليه من سيء الأقوال والأعمال في سائر الأحوال واستغفروه.
أيها المسلمون: كم حذرنا الله تعالى من الأعداء، ونبهنا على ما يدبرونه لنا في الظاهر والخفاء؛ من أصناف الكيد وألوان الاعتداء، كقوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:105]. وقوله سبحانه: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109].
وقوله -جل ذكره-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران:100-101].
وقال -تبارك اسمه-: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:217].
وقال تعالى: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران:118]. وقال تعالى: (وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران:119]. وقال سبحانه: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120].
إلى غير ذلك من النصوص التي تثبت حقيقة العداوة، وتبين مظاهر البغض والكيد، وتكشف عن حجم المؤامرة وغاية الفتنة، وترشد إلى أسباب السلامة والنصر والفوز بجميل العاقبة وشكر الذكر.
أيها المسلمون: وإزاء هذا العداء الصريح والكيد القبيح من الكفار وأصناف الفجار لأهل الإسلام على الدوام - أمر الله أهل الإسلام بأخذ الحذر، وإعداد القوة لدفع الخطر، وحثهم على التحلي بالتقوى ولزوم الصبر؛ ليتحقق لهم الفوز والظفر، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) [النساء:102]، وقال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) [النساء:71]، وقال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال:60]، وقال -تعالى-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) [آل عمران:120].
أيها المسلمون: الحذر الحذر، فإننا في هذا الزمان وفي هذا الجزء الغالي من الأوطان نواجه أعتى قوى الطغيان والعدوان.
فاليهود المجرمون الذين ديدنهم نقض العهود، وتحريف الكلم عن مواضعه، وأكل السحت، وقتل الأنبياء - يحيكون المخططات الآثمة، وينسجون المؤامرة تلو المؤامرة؛ للتفريق بين العباد، وإشعال الحرب في البلاد؛ ليخضدوا شجرة الإسلام، وأنَّى لهم ذلك ما تمسك أهل الإسلام بالإسلام فسينتقم الله منهم (وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [آل عمران:4].
وشراذم الذين مردوا على النفاق وارتدوا عن دينهم وولوا الأعقاب؛ من بني جلدتنا الذين ينتسبون إلى ملتنا ويتكلمون بألسنتنا، وهم في الحقيقة دعاة على أبواب جهنم، من أطاعهم قذفوه فيها، ينفذون مخططات اليهودية العالمية في مجتمعنا؛ بنشر العقائد الوثنية والأخلاق الجاهلية والمفاهيم الشعوبية، بواسطة المناهج الدراسية، والوسائل الإعلامية، والمؤتمرات الحزبية، فإذا أعيتهم الأمور قاموا بالتحالفات الجهنمية، ثم شرعوا متآمرين بالاغتيالات الشخصية، والانقلابات العسكرية، وشنوا الغارات الوحشية الهمجية؛ فشردوا السكان من الأوطان، وحولوا المجتمعات التي يتمكنون منها إلى سجون جماعية لبني الإنسان، تمارس فيها أبشع أنواع الظلم والغدر والبغي والعدوان والقهر.
والقوى الاستعمارية تشرف على تنفيذ تلك المخططات، وتحمي شراذم المجرمين في تلك المجتمعات بالقوة وأنواع التبريرات؛ لأنهم يحققون أهدافها، ويخدمون أغراضها، ويوفرون عليها جهودها.
فهذا الثالوث البغيض العنيد يسعى بكل ما أوتي من قوة لهدم صرح الإسلام، وإبادة أهله من بين الأنام.
ودأب أعداء الدين التسلط على المسلمين، وتفريق كلمة المؤمنين؛ ليُذهِبوا إيمانهم، ويدمروا كيانهم، ويستبيحوا أوطانهم، ولينهبوا ثرواتهم، وينتهكوا حرماتهم، ويتقوا خطرهم المتمثل بظهور الدين وقيام دولة المسلمين، ولكن هيهات بحول الله وقوته أن يبلغ الكفر مراده، أو يحقق أهدافه، وفي المسلمين عينٌ تطرف، أو عرق ينبض، أو دم يجري، ما داموا مستمسكين بدينهم مخلصين لربهم، فإن الله رفع أهل الإيمان في الذروة؛ إذ يقول: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) [آل عمران:139].
ومن رفعه الله فلن يضعه الكفر مهما أجلب بحشوده وأحكم من مكره (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30]. (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) [النحل:26].
أيها المسلمون: يقول الله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139].
فإن من واجب المسلم أن يفعل ما أمره به الله، وألاَّ ييأس من فرج الله إذا أخذ بالحزم وتحلى بالعزم في أمره مهما أظلمت الأرجاء أو تكالب الأعداء، وألا يقنط من رحمة ربه، وإن رأى الكفر وقد امتد كيده، وعظم استعداده وجنده، فإن المؤمن يعتد بمعية الله له، ويوقن بنصره لأوليائه على أعدائه ولو بعد حين، يقول تعالى: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) [آل عمران:111].
ويقول -سبحانه-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]. فالشيطان جند مسلط على أوليائه يخوفهم من المؤمنين، وقال تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) [آل عمران:151].
أيها المسلمون: إن ديناً كتب الله له الظهور ولأهله العلو والتمكين في الأرض لا بد وأن ينتصر، وأن يحكم، وأن يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وأن يخرج العباد من عبادة الطاغوت إلى عبادة الله وحده، لكن إذا استقام عليه أهله، وجاهدوا من أجله. فاتقوا الله في جميع أموركم، والزموا طاعته ينجز لكم ما وعدكم، ولا يفتتنكم إرعاد المرعدين ووعيد المتسلطين ممن طغى وبغى، وجانب الحق والهدى، فلقد كان لكم في سلفكم الصالح وثباتهم على الحق مثلٌ يُحتذى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:9].
إنها -يا عباد الله- شدائد عظيمة، وحوادث أليمة، خَطّط لها أعداء الدين، وكادوا بها المسلمين، ولكن سيجعل الله بلطفه ورحمته عواقبها إلى خير للإسلام وأهله، وسيأتي الله بالفتح أو أمر من عنده؛ فيصبحوا على أسرُّوا في أنفسهم نادمين؛ فإن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً.
إنها مصائب يبتلي الله بها العباد ليرجعوا إليه، ويرفع بها درجاتهم ليسروا بها إذا قدموا عليه، ويمحص بها ذنوبهم حتى يسترها عليهم، فلا يخجلوا منها إذا وقفوا بين يديه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.