الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عياش هاشم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
ولا يكمل الإيمان، ولا يترسخ في القلب، إلا بكمال الحبِّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ" متفق عليه.
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21]، فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان أتقى أناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ" رواه مسلم، وقال: "قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ للهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ" متفق عليه.
أحبتي: لقد استقر حبُّ النبيِّ محمد -صلى الله عليه وسلم- في قلب كل شيء، فأحبَّه الحجر، فكان من حبِّه يُسلِّم عليه كلَّما مرَّ عليه، ففي صحيح مسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ".
وأحبَّه الجمَل لمَّا رآه، فأقبل إليه، يحِنُّ بين يدَيْه -صلى الله عليه وسلم-، فعن عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- قال: أرْدَفَني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خَلْفَهُ ذاتَ يومٍ ... فدخل حائطاً لرجل من الأنصار؛ فإذا جَمَلٌ، فلما رأى النبيَّ؛ حَنَّ وذرفَت عيناه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمسح ذِفْرَاهُ، فسكت، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ربُّ هذا الجمل؟! لمن هذا الجمل؟!"، فجاء فتىً من الأنصار فقال: لي يا رسول الله! فقال: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فانه اشتكى إلي أنك تُجِيعُهْ وتُدْئبُهُ" رواه أبو داود وأحمد وصححه الحاكم والذهبي والضياء وأوله في مسلم.
وأحبَّه الشجر، فبَكَى حَزَنًا لفراقه -صلى الله عليه وسلم-، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ, فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ, تَحَوَّلَ, إِلَيْهِ فَحَنَّ الجِذْعُ. في رواية قال: "وسَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ العِشَارِ، فَأَتَاهُ, فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ" رواه البخاري.
وأحبَّه أصحابُه -رضي الله عنهم- حتى ما يطيقون فراقه، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟" قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ، وَلاَ صَوْمٍ، وَلاَ صَدَقَةٍ؛ وَلكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسولَهُ. قَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" متفق عليه.
وفي روايةٍ عند البخاري، قَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" قَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: "فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ".
ولا يكمل الإيمان، ولا يترسخ في القلب، إلا بكمال الحبِّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ" متفق عليه.
ولن نجِد في قلوبِنا كمال الإيمان، ولن نشعُر في أفئدَتنا بحقيقته، حتى نقدِّم حبَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كلِّ شَيْءٍ؛ ففي الصحيحين عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ".
عباد الله: إنَّ مِنْ طَبْعِ الإنسان الذي جَبَلَهُ الله عليه: أنه يميلُ للتَّشَبُّه بمن أَحَبَّ، ويأْنَسُ بمحاكاة من يُحِبُّ، وتنشرح نفسه لتقليد من يُحِبُّ.
وانظروا في كثير من شبابنا كيف تنتشر فيهم بعض المظاهر والهيئات الغريبة؛ في قصات الشعر، وفي بعض اللباس، وبعض الحركات! وما هي إلا محاكاة لشخصيةِ ما تعلقت قلوبهم بهم، ووقع حبُّ أولئك في نفوسِهم، فتراهم يتشبَّهون بهم، ويقلِّدونهم تقليدًا أعمى، دون أن ينظروا إلى شرعيتها، ولا وَعْي بمخاطِرِها، ولا مخالفتها لطبائع المجتمع، فتلك قَصَّة شعر فلان، وتلك الألوان المفضلة لعلّان، وهكذا يحلق فلتان، وتيك مشية فتَّان... في أشكالٍ وتصرفات ما أنزل الله بها من سلطان!.
ولو أنهم وجَّهُوا حبَّهم وتعَلُّقهم لأعظم شخصية عبر التاريخ لكان تشبُّهُهُم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتمثُّلُهم لسنته هو دأبهُم، فإنَّ أظهر علامات الحُبِّ التشَبُّه والمتابَعة.
أيها المسلمون: إن مَن أعظم علامات حبِّنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن نتخذه أسوة وقدوة لنا في كلِّ شيء، وأن نحذو حذوه في كلِّ شأن، وأن نتَتَبَّع سنَّته في كلِّ حال، فتلك علامةُ المحبة الحقيقية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول جلَّ وعلا: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ?وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) [آل عمران:31-32].
ولا يتحقق الحبُّ الكامل في أفئدتنا حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرجِعنا في كلِّ كبير وصغير، فنتلَقَّى أَمْرَه بكل قبولٍ ورِضا، ونستقبل أحكامه بطِيبِ نفْسٍ وتسليمٍ وإذعانٍ، قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].
فإذا تحققت المتابعة الكاملة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتحقق الرضا والتسليم بأمره -صلى الله عليه وسلم- وحكمه، واطمأنَّتِ النفوسُ إلى سنَّته، تحققت لنا الرفقة الصالحة يوم القيامة، يقول جلَّ وعلا: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:69].
اللهم إنَّا نسألُك حُبَّك، وحُبَّ نبِيِّك، وحبَّ أنبِيائك، وحُبَّ صحابة نبيِّك أجمعين، واحشرنا معهم يا جواد يا كريم، بفضلك وجودك وإحسانك يا ربَّ العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، أحمدُه سبحانه وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، وأشهد أن حبيبنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه كلما أضاء قمر، وانشق فجر.
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن من علامات حبِّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كثرة الصلاة السلام عليه.
وإنكم اليوم في خير أيام الأسبوع، فأكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم-، فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَل أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ"، قالوا: كَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرِمْتَ؟! يقولون: بَلِيتَ، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ" رواه النسائي وابن ماجه وأبو داود.
وقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقد بشَّر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الذين يكثرون من الصلاة والسلام عليه بالثواب العظيم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا" رواه مسلم
وعن أنس -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات" رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والحاكم.
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: "ما شئت" قال: قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك" قلت: النصف؟ قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك" قال: قلت: فالثلثين؟ قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك" قلت: أجعل لك صلاتي كلها. قال: "إذاً، تكفى همك، ويغفر لك ذنبك" رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.