القوي
كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | سالم بن عبد الكريم الغميز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - أركان الإيمان |
اعقلوا هذا الحديث يا من تنامون عن صلاة الفجر. اعقلوه يا من خشيتم رئيسكم ولم تخشوا ربكم؛ ها أنتم تستيقظون قبل الدوام بساعة أو أكثر، ثم لا تهتمون بصلاة الفجر، ولا تأبهون بها. اعقلوا هذا الحديث وتدبروه جيداً إن كنتم تؤمنون باله وعقابه، كإيمانكم بخصم رواتبكم إذا تأخرتم. اعقلوا هذا الحديث إذا كنتم تخافون غضب الله كخيفتكم لغضب رئيسكم حينما تتأخرون خمس دقائق، مع أن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- واشكروا نعمه الظاهرة والباطنة، واستعملوها في طاعة الله.
عباد الله: ألا وإن من نعم الله على الإنسان: نعمة اللسان، والقدرة على الكلام، والإفصاح عما يريده، ولا يعرف قدر النعم التي حرمها.
وشكر هذه النعمة أن يستعملها العبد في طاعة الله، ويلهج بذكره كل وقت، ويحذر كل الحذر من حصائد الألسنة المهلكة، فإن خطرها عظيم.
وقد ينظر الإنسان إلى ما يصدر منه من الكلام نظرة بسيطة، ولا يقيم عما يتكلم لها وزناً، وإن كان في ذلك ما يسخط الله، وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- عظم خطر زلة اللسان؛ فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: "لقد سألت عظيم وإنه ليسير على من يسر الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت".
ثم قال: "ألا أدلك على أبوب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ)[السجدة: 16].
ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد".
ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟".
قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، قال: "كف عليك هذا".
فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟"[رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"].
عباد الله: انظروا إلى هذا الحديث العظيم، واعرفوا ما ورد فيه من الخصال التي هي سبب لدخول الجنة، واعملوا بها، وتجنبوا إقامة الخصال الموجبة لدخول النار -أعاذنا الله منها-.
فقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- إن حصائد الألسنة هي التي تكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم.
وحصائد الألسن، هي: الأقوال المحرمة، وهي أنواع كثيرة منها ما يوصل إلى الكفر.
عباد الله: ومنها ما هو دون ذلك، فالاستهزاء بالله، أو دينه، أو كتابه، أو آياته، أو رسله، وأي شيء مما جاء به رسله، كل هذا كفر بالله، ومخرج من الملة، وهو من حصائد اللسان، قال تعالى: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ)[التوبة: 65- 66].
عباد الله: ومن حصائد اللسان: الكذب، وأعظم الكذب ما كان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث ورد الوعيد في ذلك؛ فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تعمد عليّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار"[رواه البخاري].
وليحذر المسلم من الكذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، حتى لا يقع في الإثم والوعيد.
عباد الله: وكذلك من حصائد اللسان: الكذب على غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي الكذب في الحديث، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصدق، وحذر من الكذب؛ فعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً، وأن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"[رواه البخاري].
عباد الله: هذا، وإن بعض الناس لا يبالون بالكذب، ولا يهتمون به، فبعض الناس يختلقون القصص الكاذبة، فينشرونها بين الناس من غير مبالاة بها، وربما كانت تسيء إلى أحد من المسلمين، أو تشوه سمعته، وليس لها رصيد من الواقع، فيبوأ قائلها بإثم الكذب، وإثم العدوان على أخيه المسلم.
وقد ورد الوعيد الشديد على من فعل ذلك؛ فعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- في حديثه الطويل، قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه، فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟" قال: فإن رأى أحد قصها فيقول ما شاء الله، فسألنا يوماً، فقال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فقلنا: لا، قال: لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذ بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فإذا برجل مضطجع، وآخر قائم على رأسه بصخرة يثلغ بها رأسه، ثم يتدهده الحجر فيتبعه، فلا يرجع إليه حتى يعود رأسه لما كان فيفعل به مثل المرة الأولى، قال: قلت: "سبحان الله! ما هذا؟ فقال لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فإذا رجل جالس ورجل قائم وبيديه كلوب من حديد يدخله في شدقه، حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا فيعود فيضع مثله" إلى آخر الحديث.
وفيه، فقال: "أما الرجل الذي رأيته ترضخ رأسه بالحجارة، فهو الرجل يأخذ بالقرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة".
فيصنع به ذبك إلى يوم القيامة.
اعقلوا هذا الحديث يا من تنامون عن صلاة الفجر.
اعقلوه يا من خشيتم رئيسكم ولم تخشوا ربكم؛ ها أنتم تستيقظون قبل الدوام بساعة أو أكثر، في حين أنتم لا تهتمون بصلاة الفجر، ولا تأبهون بها.
اعقلوا هذا الحديث وتدبروه جيداً إن كنتم تؤمنون بالله وعقابه، كإيمانكم بخصم رواتبكم إذا تأخرتم.
اعقلوا هذا الحديث إذا كنتم تخافون غضب الله كخيفتكم لغضب رئيسكم حينما تتأخرون خمس دقائق، مع أن المؤمن يجب أن لا يعادل خوف الله عنده أي خوف، فإذا عادله فقد أشرك مع الله.
يا من تسمعون قول الحق -تبارك وتعالى- يقول: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)[النــور:30].
ثم أنتم هؤلاء تطلقون أعينكم في النظر إلى ما حرم الله، من النساء السافرات، في أجهزة اللهو والعبث، والمجلات الخليعة، والوسائل الكثيرة.
اعقلوا هذا الحديث يا من ضيعتم أمر الله -تعالى- بالقوامة على النساء، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)[النساء:34].
فتركتم النساء يخرجن إلى الأسواق متى شئن، وبدون حاجة، أو ضرورة، يخرجن متبرجات بالزينة، كاسيات عاريات، لا رقيب عليهن ولا حسيب.
هذا شيء قليل من شيء كثير ينتشر في هذا الزمان، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
اعقلوا هذا الحديث -عباد الله-: واجتنبوا ما فيه من الترهيب والوعيد الشديد، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، اجتنبوه بالقول والفعل.
وأما الذي رأيته تشق شدقه، فكذاب يحدث الكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة.
هؤلاء الذين ينقلون للناس ما يفكرون به من خيالات، فيشغلون بها أوقات الناس ومجالسهم، وهي لا حقيقة لها، فكثير من الناس ينقلون الكلام بمجرد الإشاعات، وربما لو بحثت عن هذا النقل لوجدته غير صحيح، لا أصل له، أو محرف، أو مبالغ فيه.
والمؤمن العاقل، هو الذي يتثبت في الأخيار، ويتحرى في نقلها الصدق، حتى لا ينقل إثماً ولا كذباً.
وقد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يتكلم الإنسان بالكلمة ولم يتبين فيها، هل هي صدق أم كذب؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق"[رواه البخاري].
وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الصمت خير من الكلام الذي لا خير فيه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"[رواه البخاري].
عباد الله: ولو علم الإنسان أن هناك مخلوقاً سيكتب جميع ما يتلفظ به، من خير أو شر، لرأيت ذلك الإنسان يتحفظ أشد التحفظ؛ لأن كلامه محصى، مكتوب عليه وثيقة جليلة، فما باله إذا كان الله -سبحانه وتعالى- مطلع على ما يقول؟ ومكتوب عليه كلّ ما يلفظ به؟ قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق:18].
فينبغي أن يكون أشد تحفظاً وخوفاً.
ومن حصائد اللسان أيضاً: الكذب في الحلف في البيع والشراء، وقد ورد الوعيد الشديد على من فعل ذلك؛ فعن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال فقرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا منهم يا رسول الله؟ قال: "المسبل -أي المسدل إزاره تحت عقبيه- والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"[رواه مسلم].
ومن حصائد اللسان أيضاً: الكذب في الشهادة، فالكاذب في شهادته شاهد زور، وقد ورد الوعيد الشديد في حقه؛ فعن أبي بكرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقول الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
فاتقوا الله -عباد الله- وكونوا مع الصادقين.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة يا حي يا قيوم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانيـة:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- واعلموا أنكم محاسبون على كل كلمة تخرج من أفواهكم، ف(اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[الأحزاب: 70- 71].
ألا وإن من حصائد اللسان التي حذر الله ورسوله منها: الغيبة والنميمة، قال تعالى: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)[الحجرات:12].
وقد مر النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم.
فالغيبة، هي ذكرك أخاك بما يكره، وإن كان فيه.
وكذلك النميمة داء فتاك، وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، وإلقاء العداوة بينهم.
وقد مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين، فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير" أي في أمر شاق تركه عليهما: "أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة".
عباد الله: ومن حصائد اللسان: السخرية بالناس، فقد يلقي بعض الناس كلمة لا يلقي لها بالاً يريد أن ينتقص شخصاً، أو يسخر منه، أو يريد أن يضحك بها المجلس، وقد ورد الوعيد في ذلك؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم"[رواه البخاري].
ومن حصائد اللسان: كلّ كلام يتنافى مع الشرع، سواء كتب ذلك الكلام على هيئة مقال ونشر في الصحف، وفيه تحسين للمعصية، وعمل على إشاعة الفاحشة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النــور:19].
أو كتب ذلك الكلام وعلق على الحيطان على هيئة دعاية، أو إعلان، وعباراته منافية للشرع.
فاتقوا الله -عباد الله-: وحكموا الشرع في جميع أقوالكم، وزنوها في ميزان الشرع لتسلموا من الإثم، ولا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذلك الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي.
ومن حصائد اللسان أيضاً: التكلم بالفحش والسب والبذاءة والشتم، فإن بعض الناس يعتاد النطق بلعن الأشخاص والأماكن، والمراكب والدواب، وغيرها.
وربما اعتاد ذلك فأخذ لسانه عليه، وتحولت تلك العبارات المذمومة إلى ميزة يمدح بها بعض الناس، فإذا أرد أن يكلم صديقه، أو يمدحه بذكائه، قال: هو ملعون -عياذاً بالله- من ذلك؛ فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دون ثم تأخذ يميناً وشمالاً فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى قائلها"[رواه أبو داود].
فاتقوا الله -عباد الله-: واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله.
اللهم اهدنا ويسر لنا الهدى.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.