مقالة تبين حقيقة الإيمان باليوم الآخر وما يتعلق به من مسائل، مثل: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، والإيمان بالبعث والنشور، والإيمان بالجنة والنار، مع بيان أثر ذلك في حياة المسلم.
التفاصيل
الإيمان باليوم الآخر وآثره في حياة المسلم اليوم الآخر آثار الإيمان باليوم الآخر المــوت القـبر البعث والحشر الحساب الصـراط الجنـة النــار الإيمان باليوم الآخر وآثره في حياة المسلمعبد الله بن عبد الحميد الأثريالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدينزأما بعد: فاعلم – أخي المسلم وأختي المسلمة – أن هذه الرسالة «تذكرة ونصيحة» مهداة إليكم – وفقكم الله لما يحب ويرضى – لعلها تذكرنا وإياكم باليوم الآخر ذلك اليوم العصيب الذي قال عنه سبحانه وتعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].إن هذه التذكرة غالية عزيزة في زمان لا ينصح الناس فيه ولا ينتصحون، ولا بغيرهم يتعظون، ولا بمن مات يعتبرون، وهم في غفلة نائمون؛ أشغلهم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها، وهذه الدنيا دار فانية والآخرة دار باقية، والعاقل من عمل لما بعد الموت لدار الخلود التي لا موت فيها؛ الجنة أو النار، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].وقال: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35]. اليوم الآخرقال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز عن اليوم الآخر: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [النبأ: 39].اليوم الآخر هو مرحلة خطيرة في حياة الإنسان، وهو يمثل ما يحدث له منذ ساعة بعثه بعد الموت إلى أن يستقر في الجنة أو النار، وهو دلالة على آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم لا آخر له من الحياة الثانية التي لا نهاية لها، ولهذا سمي باليوم الآخر: لأنه لا يوم بعده، حيث يستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، واليوم الآخر: يعني يوم القيامة الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء، وعلى الرغم من أهمية الحديث عن أهوال القيامة إلا أنه صار غريبًا عند كثير من الناس الذين شغلوا حياتهم باللعب واللهو والغفلة؛ فنسوا أن هذه الحياة ما هي إلا مرحلة، وبعدها موت، وأن وراء الموت قبرًا، وأن وراء القبر أهوالاً عصيبة وحسابًا عسيرًا لا ينجو منه إلا المؤمنون الصادقون.وهنا - أخي في الله – أعرض لك بصورة موجزة مراحل اليوم الآخر؛ علها توقظنا من غفلتنا فنستعد لهذا اليوم الخطير بالأعمال الصالحة، ونتزود من دنيانا أعمالاً تنفعنا في ذلك الوقت العصيب، وأعرض – أيضًا - أثر هذا الإيمان ؛ للنظر في أنفسنا هل وجد فينا هذا الأثر أو لا؟ فإن وجد حمدنا الله، وإن لم يوجد سعينا لإيجاده، والله المستعان. آثار الإيمان باليوم الآخرللإيمان باليوم الآخر آثار في حاة المسلم يخفى أمرها إلا على العارفين؛ ومنها:1- الحياة الكريمة: من أيقن منا باليوم الآخر فإنه لا شك سيعمل لطاعة الله تعالى، ويقبل عليه، وينفر من المعاصي والقبائح؛ فيحيا الحياة الكريمة السعيدة.2- التأني في الأعمال والأقوال: لا شك أن المؤمن باليوم الآخر الذي يعلم أنه سيحاسب على كل شيء؛ سوف يتأنى ويتروى في أعماله وأقواله؛ فلا يعمل ولا يقول إلا خيرًا.3- الإكثار من العمل الصالح: إن الذي يعلم ما يحدث في ذلك اليوم العصيب، وأنه لا ينجيه إلا العمل الصالح؛ سيبادر إليه بكل أنواعه من صلاة، وصدقة، وصيام، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ومعاملة حسنة للناس.4- إيثار الآخر على الدنيا: ولا شك أن من علم ما أعده الله تعالى للمؤمنين من النعيم الدائم، وللكافرين من العذاب المستمر؛ فإنه سيحتقر هذه الدنيا، ويوقن أنها دار مؤقتة، فيزهد فيها، ولا يصيبه هم ولا غم بسببها، ويسعى للفوز بالآخرة، وهي والله التي تستحق العمل والتعب وبذل الجهد من أجلها، والله المستعان. المــوتالموت هو المرحلة الفاصلة بين حياة الدنيا والآخرة، وهو أمر حتمي لابد منه، والله تعالى كتبه على كل حي في هذه الدنيا التي ستزول وتفنى لا محالة؛ لأن في الموت إظهارًا لقدرة الله تعالى، وبرهانًا على البعث، ودليلاً على الوقوف أمام رب العالمين.قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].والموت يعني فراق الأهل والولد والمال والجاه، وكل مظاهر هذه الحياة الفانية، ويرى الميت الملائكة عند الموت؛ فإن كان مؤمنًا فهي تبشره الخير، وإن كان كافرًا أو فاسقًا فهي تبشره بالسوء والعياذ بالله، فإذا بلغت روحه الحلقوم غلقت أمامه أبواب التوبة، وختم على عمله؛ إن خيرًا فخير، وإن شرً فشر، ويحسن بالمؤمن تذكر الموت دائمًا؛ لأنه يعين على العمل الصالح، قال النبي ﷺ: «أكثروا ذكر هازم اللذات» يعني: الموت [صحيح: الترمذي].وقد قيل: (من مات فقد قامت قيامته).وإن خطر الموت جد عظيم، وحقيقة قاسية تواجه كل حي، فلا يملك أحد ردها، وإنه والله ساعة رهيبة، ما خاف من عاقبته أحد إلا ونجا، عندما تذكرها فعمل لها، وما لها عنه أحد إلا تحسر وندم حين قرب أجله ودنا فراقه، وإنما غفل الناس عنه لقلة تفكرهم وتذكرهم له، ومن يذكره منهم إنما يذكره بقلب غافل؛ فلهذا لا تلين قلوبهم بذكره، وإنها الساعة الحاسمة التي يتمنى الكثيرون أن لا يذوقوا كأسها، ولا يشربون مرارتها!! ولكن كيف؟ وأنى لهم ذلك؟!! قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19].وقال: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة: 8]. القـبرالقبر: هو ذلك المكان الضيق المظلم الذي يكون تحت الأرض، ويضم بين جونبه جثث الموتى، وهو بيت الوحدة، ودار الوحشة، قال عنه النبي ﷺ: «ما رأيت منظرًا قط إلا والقبر أفظع منه» [صحيح: الترمذي]. وهو موطن الأنبياء والرسل، والعظماء والحقراء، والحكماء والسفهاء، والقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، وإما دار كرامة وسعادة، أو دار إهانة وشقاوة، والقبر هو أول منازل الدار الآخرة، قال النبي ﷺ: «إن القبر أول منازل الآخرة؛ فإن نجا منه، فما بعده أيسر منه! وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه!!» [صحيح: الترمذي].إذا أنزل الإنسان في قبره تلك الحفرة الضيقة؛ ثم أهيل عليه التراب، ورجع عنه أهله وماله وأحبابه؛ فهناك حياة برزخية لا عمل فيها، ولكن امتحان وفتنة، ومن ثم نعيم أو عذاب؛ فيقعده الملكان ويسألانه عن ربه ودينه ونبيه؛ فإن كان من المؤمنين ثبته الله وألهمه الجواب الصحيح، وإن كان كافرًا لم يجب، ولو كان يعرف ذلك في الدنيا، فالمؤمن من يسعد في قبره ويرى مقعده من الجنة، وأما الكافر فيرى مقعده من النار، ويضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، ويكون قبره حفرة من حفر النار، والعياذ بالله. البعث والحشرإذا نفخ في الصور النفخة الأولى؛ فيهلك من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى وهي نفخة البعث؛ فيبعث الناس ويخرجون من قبورهم، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68].ويخرجون منها حفاة بلا نعال، عراة بلا لباس، غرلاً بدون ختان كما ولدتهم أمهاتهم، لا يلتفت بعضهم إلى بعض من شدة الموقف. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2].ثم يساقون إلى أرض المحشر، وكل مشغول بنفسه لا ينظر إلى غيره، قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34-37].ومما يزيد في هول هذا اليوم وشدته أن الشمس تدنو من الخلائق، ويعرق الناس فيشتد عليهم الكرب ويتمنون الخلاص مما هم فيه، ويعيشون وقتًا كله كرب وأحزان، ما عدا فئة من الناس يستظلون بظل الرحمن، ويشربون من حوض النبي ﷺ ولا ينالهم شيء من هذا الكرب؛ وهم المؤمنون الصادقون؛ جعلنا الله وإياكم منهم. الحساببعد أن يطول الموقف ويشفع النبي بقضاء الموقف ، يأذن الله الحساب ووزن أعمال العباد؛ فيرى كل إنسان ما قدمه في هذه الدنيا؛ يرى أعماله التي كان يعملها صغيرها وكبيرها، لا يخفى على الله منها شيء، قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].ووزن الأعمال في هذا اليوم العصيب يكون بالعدل، فلا ظلم على أحد يومئذ؛ لأن الحاكم فيه هو الله العدل الحكيم الذي حرم الظلم على نفسه، وجعله على عباده محرمًا؛ فلا يهضم أحد من حسناته، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].فكيف بك – يا عبد الله – في هذا الموقف الشديد إذا نودي على رؤوس الخلائق: ليقم فلان ابن فلان، فانظر إلى ما تعمله الآن في الدنيا، ثم اعلم أنك مسؤول عنه يوم القيامة، قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93].وتذكر – يا عبد الله – أن الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء هو الذي سيسألك، وأن الكرام الكاتبين هم الشهود، ومن أنكر استنطق الله جوارحه؛ إذًا سوف نرى أعمالنا، ونُحاسب عليها، ونرى تقصيرنا في الصلاة والزكاة والصيام، ونرى ذنوبنا وما اقترفناه من المعاصي، ونحاسب على أموالنا من أين اكتسبناها وفيم أنفقناها؟ وعن أعمارنا كيف مضت؟ وعن شبابنا كيف قضيناه؟ وعن علمنا وشهاداتنا هل عملنا بها في الخير أم أننا صرنا دعاة للشر؟ كل ذلك سنسأل عنه؛ فلنعد للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا!ويومها تكون وجوه المؤمنين بيضاء نقية كالقمر، ووجوه المجرمين مسودة كالحة كأنها قطع من الليل المظلم، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس: 38-42]. الصـراطوالصراط هو جسر منصوب على ظهر جهنم يمرون عليه إلى الجنة، وهو مدحضة ومزلة، عليه خطاطيف وكلاليب، ويمر الناس على الصراط بقدر أعمالهم؛ فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كراكب الإبل، ومنهم من يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم؛ كل بحسب عمله؛ حتى يطهر من ذنوبه وآثامه، ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم، فليتذكر – يا عبد الله – كل واحد منا أنه مار على هذا الصراط من فوق جهنم، وأنه لا يدري ما مصيره هل ينجو أم يكب في النار؟ قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71، 72].ومن اجتاز الصراط تهيأ لدخول الجنة؛ فإذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار؛ فيقتص لبعضهم من بعض ، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة. الجنـةبعد انتهاء الحساب ينصب الصراط على جهنم فيمر الناس عليه؛ فأما المؤمنون فيمرون بسرعة آمنين مطمئنين، ويتجهون بعد ذلك إلى الجنة؛ فيجدون الملائكة قد فتحت الأبواب تستقبلهم قائلين: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ} [الحجر: 46]. فيدخلون الجنة، وما أدراك ما الجنة: إنها دار جناتها تجري من تحتها الأنهار، دار قصورها لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، وخيامها اللؤلؤ المجوف؛ إنها النعيم الحقيقي الأبدي الدائم؛ يرون فيها كل ما لذ وطاب، ومهما تصورنا نعيم الجنة، فلن ندركه على حقيقته؛ بل هو أعظم مما نتصور، ويكفيك فيه قول النبي ﷺ: «قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومصداق ذلك في كتاب الله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]».والإنسان في الدنيا يجد النعيم، ولكن إذا تذكر الموت تنغص هذا النعيم؛ لكن الجنة ليس فيها تنغيص؛ لأنها خلود بلا موت، ثم إن الإنسان في الدنيا يمل من النعيم، ويحب أن يغير ويتحول؛ لكن الجنة ليس فيها ملل؛ بل يقول الله تعالى عن أهل الجنة: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 107، 108].فسارع – أخي المسلم – إلى هذه الجنة التي قال الله تعالى عنها: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]. النــارإذا انتهى حشر الكافرين وحسابهم، وأرادوا أن يعبروا جهنم من فوق الصراط كالمؤمنين لم تتركهم الملائكة؛ بل تجرهم بالكلاليب فيهوون في جهنم؛ وما أدراك ما جهنم: إنها دار الذل والهوان والعذاب والخذلان؛ دار الشهيق والزفرات والأنين والعبرات؛ أهلها في بؤس دائم وشقاء مستمر وندامة وبكاء؛ ، فيها أنواع من العذاب: النار: المحرقة، والحيات والعقارب العظام، مأكلهم من شجر الزقوم، كالمهل يغلي في البطون، كغلي الحميم، وشرابهم من حميم الذي يقطع الأمعاء، وشرب القيح والصديد – أعاذنا الله منها – قال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15]. وقال: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 24، 25]. وقال: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 16، 17]. وقال: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان: 43-46].وأهل النار يدعون على أنفسهم بالموت فلا يُجابون، ويسألون ربهم الخروج منها؛ فيقال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون، قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان: 11-14].وهي والله – يا عبد الله – شر مستطير لا يقوى جسمك الضعيف على تحمل أقل عذابها، وكما ورد في الحديث الصحيح: أن أخف الناس عذابًا من تكون جمرة تحت قدميه ويغلي منها دماغه.ألا لنجتهد للنجاة منها، والنجاة منها تكون بالابتعاد عن المعاصي وفعل الطاعات، وقانا الله وجميع المسلمين ذلك.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أخي القارئ: إذا قرأت هذه الرسالة فاحرص أن توصلها إلى غيرك لقوله ﷺ «الدال على الخير كفاعله».[صحيح الجامع: 3399]