البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

التوبة باب أمل عريض

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. كل ابن آدم خطاء .
  2. السَّلامَةُ من الذُّنوبِ لا يُعادِلُها شيءٌ .
  3. آداب المذنبين والعصاة والواجب عليهم .
  4. بادر إلى حياة قبلك وروحك .
  5. وجوب التوبة على كل عبد .
  6. آداب التَّعامُل مع المَعصِيَة .
  7. خطورة المجاهرة بالعصيان .
  8. أسوأ الذنوب ما يقع ممن هم قدوة .
  9. الحَسَنَات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .
  10. الاحتِفَاء باليومِ العَالَميِّ لِلُّغةِ العربِية. .

اقتباس

التَّوبة ليستْ كلِمَةً تُقالُ دُونَما أنْ يَكونَ لها أثرٌ مِن انْكِسَارٍ في القَلبِ، وحَسرةٍ في الفُؤادِ، وَدَمعَةٍ في العَيْنِ! التَّوبةُ الصَّادِقَةُ: نَدَمٌ على مَا فاتَ، وعزْمٌ على مُجَافَاةِ ما هو آتٍ، وَرَدٌّ لِحقُوقِ البَرِيَّاتِ، .. فلا تَسْتَصْغِر الذَّنبَ، ولا تُهوِّن مِن أيِّ مَعصِيَةٍ؛ فلا تَدري، لعلَّ ما احتَقَرْتَهُ يكونُ سَببًا لِشقَائِكَ في الدُّنيا والآخِرَةِ. فقد دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ، رَبَطَتْهَا فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ..

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله علاَّمِ الغيوب، المطَّلعِ على أسرارِ القُلُوبِ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له يعلمُ ما يلجُ في الأرضِ وما يخرجُ منها وما ينزلُ من السَّماءِ وما يعرجُ فيها وهو مَعَكُم أَينَما كُنتم واللهُ بما تَعملونَ بَصيرٌ، ونشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه إمامُ المُتَّقينَ التَّائِبينَ صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وَمَنْ اقتَفَى أَثَرَهُ فَكانوا للهِ مُتَّقينَ، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: أوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى حَقَّ التَّقْوَى،  وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلاَمِ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى، وتَزَوَّدُوا فإنَّ خيرَ الزَّاد التَّقوى، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُم خَافِيَةٌ).

مَعاشِرَ المُسلمين: قَدَرُنا أنَّنا نُذنِبُ ونُخطئُ، ومَشيئَةُ اللَّهِ فِينا أنَّنا نُقصِّرُ ونُسيءُ، لأنَّ كلَّ بَني آدمَ خَطَّاءٌ، فلَم نكنْ يومًا ملائكةً لا يعْصونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم ويَفْعَلُون ما يؤْمَرون فَنحنُ بَشَرٌ مِن أَبٍ أَذْنَبَ وأَخطَأَ، وَلِنَفْسِه ظَلَمَ وعليها اعتدى؛ولِرَبِّهِ تابَ واهتَدَى.                          

وأنا وأنتَ يا عبدَ اللهِ الضَّعْفُ فِينا مَغروسٌ، والشَّيطانُ والهَوى، والنَّفسُ الأمَّارةُ تَستَهْوِينا، وتَلعَبُ فينا، تَضعفُ نُفُوسُنا حِينًا، وتَعتَرِينا الغَفلَةُ زَمَناً طَويلاً. فَكُلُّنا لَنا ذُنُوبٌ وسَيِّئَاتٌ ومَعَاصٍ وخَطِيئاتٌ؛ فَمَن ذا الَّذي يَسلَمُ مِن تِلكَ الآفَاتِ؟!

مَنِ الَّذِي مَا سَاءَ قَطّ

 وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ

في صحيح مُسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضِي الله عنْه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَالَّذِي نَفْسِىي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ».

فإذا علِمْنا يا مُسلِمونَ:  أنَّنا خطَّاءَونَ؛ فَواجِبٌ عليْنا على الأقَلِّ أنْ نَتَعَلَّم كَيفَ نَتَعَامَلُ معَ هذهِ الذُّنُوبِ والمَعاصِي! فهُناكَ آدَابٌ لِلمُذْنِبينَ فلْنَتَعَلَّمُهَا، ولا يعني هذا التَّهوينُ مِن شَأنِ المَعصِيَةِ، أو تَسوِيغُها والتَّبرِيرُ لها، إنَّما المُرادُ الأدبُ الواجبُ تُجَاهَها. حتى لا نَجمَعَ حَشَفاً وسُوءَ كِيلَةٍ! وإلا فالسَّلامَةُ من الذُّنوبِ لا يُعادِلُها شيءٌ!

فإذا قُدِّرَ لكَ أيُّها العبدُ مَعصِيةَ اللَّهِ فلا تَنْسَ هذهِ الآدَابَ:                 

 أوَّلاً: بَادِر بَعدَ كُلِّ خَطيئَةٍ بالتَّوبَةِ والاستِغفارِ مهما قَلَّ ذَنُّبكَ أو عَظُمَ، مهما ابتَعدَّتَ عن اللهِ،  فَأَصلِحَ ما أَفسَدَتْهُ جَوارِحُك بِدَوامِ الاستِغْفارِ، ولا تَيْأسْ ولا تَمَلَّ، فهذا أمْرُ اللهِ لَكَ، وطَلَبَهُ مِنكَ. قالَ تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].

فكلَّما جَرَّتكَ نَفسُكَ لِمعصِيَةٍ فَأعقِبْ ذَلكَ بِالإنَابَةِ والتَّوبة. وهذه المُبَادَرَةُ بُرهَانٌ على حَيَاةِ قلْبِكَ، وَتَحرُّكِ الإيمانِ فيكَ فاحمَدِ اللهَ على ذَالِكَ. فاللهُ –تعالى- يَفْرَحُ  بِتوْبَتِكَ، ويُكفِّرُ عَنكَ خَطِيئَتَكَ، ويُبدِّلُ لَكَ سيِّئَتَكَ. 

 يَا مَنْ عَدَا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ

ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ                   

 أَبْشِـرْ  بِقـَوْلِ  اللَّهِ  فِي  آيـَاتِهِ  

 إِنْ يَنْتَهُوا  يُغْفَرْ  لَهُمْ  مَا قَدْ  سَلَفْ

 غيرَ أنَّ التَّوبةَ -أخي التَّائِبَ- ليستْ كلِمَةً تُقالُ دُونَما أنْ يَكونَ لها أثرٌ مِن انْكِسَارٍ في القَلبِ، وحَسرةٍ في الفُؤادِ، وَدَمعَةٍ في العَيْنِ! التَّوبةُ الصَّادِقَةُ: نَدَمٌ على مَا فاتَ، وعزْمٌ على مُجَافَاةِ ما هو آتٍ، وَرَدٌّ لِحقُوقِ البَرِيَّاتِ؛ قالَ اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) [التحريم: 8]

ثانيً آدابِ التَّعامُلِ مع المَعصِيَةِ: ألَّا تَسْتَصْغِرَ الذَّنبَ، ولا تُهوِّنَ مِن أيِّ مَعصِيَةٍ؛ فلا تَدري، لعلَّ ما احتَقَرْتَهُ يكونُ سَببًا لِشقَائِكَ في الدُّنيا والآخِرَةِ. فقد دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ، رَبَطَتْهَا فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ!. ورَجُلٌ مُجاهِدٌ، يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فِي شَمْلَةٍ اغْتَلْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. والشملة قِطعَةُ خِرقَةٍ.

قالَ أبو رَافِعٍ -رضِي الله عنْه-: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ الَّذِي أَسْمَعُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: هَذَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فِي شَمْلَةٍ اغْتَلْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. وربَّ كَلِمَةٍ يَتَكَلَّمُ بها الْعَبْدُ مِنْ سَخَطِ اللهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ. فلا تنظُرْ إلى صِغَر المَعصِيةِ، وانْظُر إلى عَظَمَةِ مَن عَصَيتَ.

وبِقدرِ إيمانِ العَبدِ وَتقواهُ، يكونُ خَوفُهُ مِن ربِّه ومَولاهُ. وَيَهُونُ الذَّنَّبُ في قَلبِهِ أو يَعظُمُ ويَخشَاهُ. قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضِي الله عنْه-: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَأَشَارَ عليهِ بِيَدِهِ".          

       

ولذا حذَّرَنَا النَّاصحُ الأمينُ -عليهِ أفَضَلُ صلاةٍ وأزكى تَسلِيمٍ- فَقَالَ: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بِبَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى جَمَعُوا مَا أَنْضَجَ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكُهُ"(رواه أحمدُ، وحسَّنه ابن حجر).

 لا تَحْقِـرَنَّ صَغِيـرَةً  

إِنَّ الجِبَـالَ مِنَ الحَصَـى                  

 ثالثُ الآدَابِ: إيَّايَ وإيَّاكَ من المُجاهَرَةِ بِالعصيَانِ؛ فَمَا ظَلَمَ عَبدٌ نَفْسَهُ، بِمثِلِ تَفاخُرِهِ ونَشرِهِ وتَصْويرِهِ لِلآثَامِ، وفي الصَّحيحينِ من حديثِ أَبَي هُرَيْرَةَ -رضِي الله عنْه- يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ فِي اللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ يَبِيتُ فِي سِتْرِ رَبِّهِ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ».

فاللهمَّ استُرنا فوقَ الأرضِ وتحتَ الأرضِ ويومَ العرضِ. الَّلهمَّ اغفر لنا ذُنُوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا وكَفِّرْ عنَّا سَيِّئاتِنا وتَوفَّنا مع الأبرارِ. فاستَغفروا اللهَ يا مؤمنونَ وتُوبُوا إليهِ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رحيمٌ.       

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ فَاطِرِ الأَكوانِ وَبَارِيها، وبَاسِطِ الأَرضِ وَدَاحِيها، وخَالِقِ الأَنفُسِ وَمُسَويَّها، نَشهدُ أنْ لا إله إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له الكبيرُ المتعَالِ، ونشهَدُ أنَّ َنَبِيَّنا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ، دلَّ على الخَيرِ، وحَذَّرَ من الغِوايَةِ والضَّلالِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى جميعِ الصَّحبِ والآلِ، ومن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المآلِ.

أمَّا بعدُ: فَأُوصِيكم ونَفسي بِتقوَى اللهِ وتَعظِيمهِ، ولا تَكُونُوا مِمَّن استَولَت عليهم الغَفَلَةُ، واستَحوَذَ عليهم الشَّيطانُ فَأنسَاهُم ذِكرَ اللهِ والدَّارَ الآخِرَةَ، وغَرَّتُهم الأمانِيُّ البَاطِلةُ، والآمَالُ الخَادِعَةُ؛ حتى غَدَوا:  (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: 7].

عبادَ اللهِ: ورابِعُ الوصايا والآدابِ لِمَنْ ابتُليَ بالمعاصِي والآثامِ: أنْ تُجاهِدَ نَفسكَ عن الإقلاعِ عن المَعاصيَ في الأوقاتِ والأماكِنِ الفاضِلَةِ كَحَرَمِ اللهِ تعالى، أو في الأَشهُرِ الحُرُمِ: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36].

 وتَعظُمُ السَّيِّئةُ مِمَّن هو قُدوَةٌ لِلنَّاسِ، فقد تَوعَّدَ اللهُ سبحانَهُ نِسَاءَ النَّبِيِّ بقولِهِ: (مَنْ يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب: 30]، وفي الصَّحيحينِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ».

أرأيتم أيُّها الإخوةُ: كيفَ أنَّ الذي كانَ يأمُرُ النَّاسَ ويَنهاهُم، ويُخالِفُ في فِعلِهِ وقولِهِ ما يأمُرُهم بِهِ ويَنهاهُم عنهُ، ما لَهُ من عِقابٍ أَلِيمٍ! وَفَضْحٍ مَشِينٍ! فَكيفَ بِمنْ يكونُ سبَبَاً في إغوَائِهم، وَزَرْعِ الشُّبَهِ في صُدُورِهِم، وتَمكينِ شَهَواتٍ في نُفُوسِهم؟! فَتِلكَ واللهِ خَطِيئَاتٌ مُتَعدِّيَةٌ، وَسَيِّئَاتٌ مُضَاعَفَةٌ، تَوعَّدَ اللهُ عليها، بِقولِهِ:  (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة ومن أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل:  25].

فَهَذَا المَسكِينُ عليه وِزْرُه، ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ مِن غيرِ أنْ يَنقُصَ مِن أَوزَارِهم شَيئًا. فيا ويلَ مَنْ يكتُبونَ ويَنشرونَ وعلى القَنَوَاتِ يظهَرونَ، ولِسُّفور يَدعونَ ويُنادُونَ! (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].

خامسُ الوصايا لنا: وكُلُّنا ذو تَقصِيرٍ وخَطَا، أنْ نَستَدفِعَ هَذهِ الخَطايا بِالإكثارِ من الحَسَنَاتِ، فإِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، واحذَرْ مِنْ أنْ يُقعِدَكَ الشَّيطانُ عن الطَّاعَةِ، بِسببِ أنَّكَ مُذنِبٌ ومُقصِّرٌ، أو أنْ تَوبَتَكَ لَنْ تُقبَلَ مِنكَ، فَتِلكَ حِيلَةٌ شَيطانِيَّةٌ يُريدُ أنْ يَصُدَّنا بها عن ذِكرِ اللهِ.

ولَكَ أنْ تَتَصَوَّرَ معي يا عبدَاللهِ هذا الأمَلَ الكبيرَ الذي فَتَحَهُ اللهُ لنا حينَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ –يعني: دَاعبتُها- وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا -يعني لم يَصلْ إلى حَدِّ الزِّنا- فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ يا رسُولَ اللهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ؟ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ رَجُلاً فَدَعَاهُ وَتَلاَ عَلَيْهِ: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114]، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً قَالَ «بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً» (صحيح مسلم).

يا عبدَ الله: وكلَّما كانتِ الحَسَنَةُ مِن جِنسِ السَّيِّئةِ كانَ ذَلِكَ أَبلَغُ في التَّكفِيرِ والغُفرانِ، فإنْ كانَتِ السَّيِّئةُ من اللِّسَانِ، فَليُكثِرُ العَبدُ مِنْ الذِّكرِ والدُّعاءِ، وإن كانتْ بِسَمِاعِ حَرَامٍ، فَليُشَنِّف سَمعَهُ  بِالذِّكرِ والقُرآنِ. وإن كانت بأخذِ حرامٍ فَليُكثِر مِن الإنفَاقِ في سبِيل اللهِ قَالَهُ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ -عليهِ رحمَةُ اللهِ-.

سادسُ آدابِ أهلِ المَعاصِي: ألَّا يأسَ مِن رَوْحِ اللهِ ولا قُنُوطَ من رحمتهِ.(إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف:  87]. فَالمَلِكُ الكَريمُ، الغَنِيُّ الحَلِيمُ يُنادِيكَ: "يا ابنَ آدَمَ، لو بَلَغت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ، ثمَّ استَغفَرْتَني غَفَرتُ لَكَ ولا أُبَالِي".    

 فهل بعدَ ذالِكَ لا نَستَمِعُ لِنداءِ اللهِ القائِلِ:  (أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة:  74].

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَهَمْزِهِ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:  53] .

عبادَ اللهِ: وإن خَرجتُ عن هذا الإطار إلاَّ أنَّي بمناسبةِ الاحتِفَاءِ باليومِ العَالَميِّ لِلُّغةِ العربِيةِ التي هيَ لُغَةُ القُرآنِ والسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، أبُيِّنُ شَيئاً من مَكانَتِها وسنتحدَّثُ بالتَّفصيلِ عنها في جُمُعَةٍ قادِمَةٍ -إن شَاءَ اللهُ تعالى-: فهي اللُّغَةُ التي اختَارَها اللهُ سُبحانَهُ لِحَملِ رِسَالَتِهِ. ونَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ لِيَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. وقَالَ تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الزمر:  28].

 فَمَن أَحَبَّ اللهَ وَرسُولَهُ أَحَبَّ لُغَةَ القُرآنِ، فَبِها نَزَلَ أَفضَلُ كِتابٍ، وَنَطَقَ أَفضَلُ مَخلُوقٍ، هي وِعَاءُ عُلُومِ الدِّينِ، ولا تَكونُ مَعرِفَةُ القُرآنِ والسُّنةِ إلَّا بِها، ولا يَتِمُّ الفَهمُ بِدُونِها، تَعلُّمُها وإِتقَانُها مِن الدِّينِ والدِّيَانَةِ، لأنَّها أَدَاةُ عِلمِ الشَّرِيعَةِ ومِفتَاحُ الفِقهِ في الدِّينِ.                         

     

عبادَ اللهِ: عَظِّموا اللهَ بِقُلُوبكم وجوارِحكُم، واقدُرُوهُ حقَّ قَدرِهِ، ربَّنا ظَلمْنَا أَنفُسَنا، وإنْ لَم تَغفِرْ لَنا وَتَرْحمْنا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرينَ. اللهمَّ املأ قُلُوبَنا بِحُبِّكَ وتَعظِيمكَ يا رَبَّ العَالمينَ.

 اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، نَسْأَلُكَ يا الله أَلاَّ تَدَعَ لَنا ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا لَنا، اللهمَّ علِّمنَا ما ينفعُنا وانفعنَا بِما عَلَّمتَنا، واغفر لَنا وارحمنا يا رَبَّ العَالمينَ.

 ربَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً، وفي الآخرةِ حَسَنَةً، وقِنا عَذابَ النَّارِ، (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].