الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
اللطيف اسم من أسماء الله، ومعناه: هو الرفيق بعباده الذي يوصل إليك ما تحب برفق، وخلاصة معرفة هذا الاسم ما قاله ابن القيم: "واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة وإيصال الرحمة في الطرق الخفية"، فإليكم -بارك الله فيكم- أسرار هذا الاسم العظيم، وشيء من مغزاه الكريم، وحِكمه ودقائقه، ومنحه وفوائده، ومعناه ولطائف من إمام خبير وعالم نحرير -وفَّقه الكريم القوي- إنه هو الإمام السعدي يشرّف أسماعكم ويلطف أجوائكم باسم ربكم اللطيف...
الخطبة الأولى:
الحمد لله اللطيف بعباده أحمده سبحانه على إحسانه، وأشكره على فضله وألطافه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده سبحانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله حفظ قلبه وصوب لسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد: فاتقوا اللطيف الخبير يجزل لكم الخير الكثير والبر الوفير والعطاء الكثير.
إخوة العقيدة: حديثنا في هذه اللحظات عن اسم من أسماء رب الأرض والسماوات اسم لا يخرج عنه شيء من المخلوقات، اسم ينعم به من في الأرض والسماوات؛ إنه اسمه "اللطيف"، نسأله العفو والتخفيف.
اللطيف اسم من أسماء الله، ومعناه هو الرفيق بعباده الذي يوصل إليك ما تحب برفق، وخلاصة معرفة هذا الاسم ما قاله ابن القيم: "واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة وإيصال الرحمة في الطرق الخفية".
وقال: "وأما اللطيف فله معنيان: أحدهما: بمعنى الخبير، وهو أن علمه دقّ ولطُف حتى أدرك السرائر والضمائر والخفيات، والمعنى الثاني: الذي يوصل إلى عباده مصالحه بلطفه وإحسانه من طرق لا يشعرون بها".
وهو اللطيف بعبده ولعبده | واللطف في أوصافه نوعان |
إدراك أسرار الأمور بخبرة | واللطف عند مواقع الإحسان |
فيريك عزته ويبدى لطفه | والعبد في الغفلات عن ذا الشأن |
فإليكم -بارك الله فيكم- أسرار هذا الاسم العظيم، وشيء من مغزاه الكريم، وحِكمه ودقائقه، ومنحه وفوائده، ومعناه ولطائف من إمام خبير وعالم نحرير -وفَّقه الكريم القوي- إنه هو الإمام السعدي يشرف أسماعكم ويلطف أجوائكم باسم ربكم اللطيف.
قال -رحمه الله-: "ومن لطفه أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء التي هذا طبعها وديدنها، فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ويصرف عنهم السوء والفحشاء.."
ومن لطفه بعباده: أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم، فقد يريدون شيئاً وغيره أصلح فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفاً بهم وبرّاً وإحسانا (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ) [سورة الشورى آية 19]، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [سورة الشورى أية 27].
ومن لطفه بهم: أنه يقدّر عليهم أنواع المصائب وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ولطفاً وسوقاً إلى كمالهم وكمال نعيمهم (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة آية 216].
ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهّله للمراتب العالية والمنازل السامية التي لا تُدرك بالأسباب العظام التي لا يدركها إلا أرباب الهمم العالية والعزائم السامية أن يقدّر له في ابتداء أمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي هو أهل لها ليتدرج من الأدنى إلى الأعلى ولتتمرن نفسه، ويصير له ملكة من جنس ذلك الأمر، وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- في ابتداء أمرهم رعاية الغنم؛ ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم، وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطاعات فينجذب ويرغب ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على الطاعات أجل منها وأعلى.
ومن لطفه بعبده: أن يقدّر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح، والعلم، والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم، وتأديبهم ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم كما أمتن الله على مريم في قوله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ..) [آل عمران: 37]، إلى آخر قصتها.
ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صلاح، أو وفقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم أو لتربية العلماء الربانيين؛ فإن هذا من أعظم لطفه بعبده، فإن صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة منها، بل من أكثرها وأعظمها نفعًا هذه الحالة.
ومن ذلك إذا نشأ العبد في بلد أهله على مذهب أهل السنة والجماعة؛ فإن هذا لطف له, وكذلك إذا قدر الله أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الأحياء منهم والأموات أهل سنة وتقى فإن هذا من اللطف الرباني.
ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أثناء قرون هذه الأمة، وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير، وجهاد أهل البدع والتعطيل والكفر، ثم انتشار كتبه في هذه الأوقات، فلا شك أن هذا من لطف الله لمن انتفع بها وأنه يتوقف خير كثير على وجودها، فلله الحمد والمنة والفضل.
ومن لطف الله بعبده: أن يجعل رزقه حلالاً في راحة وقناعة يحصل به المقصود، ولا يشغله عما خلق له من العبادة والعلم به يعينه على ذلك، ويفرغه ويريح خاطره وأعضاءه، ولهذا من لطف الله -تعالى- لعبده أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته، فيعلم الله -تعالى- أنها تضره وتصده عما ينفعه فيحول بينه وبينها، فيظل العبد كارها، ولم يدرِ أن ربه قد لطف به؛ حيث أبقى له الأمر النافع، وصرف عنه الأمر الضار، ولهذا كان الرضى بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل.
ومن لطف الله لعبده: إذا قدر له طاعة جليلة لا تنال إلا بأعوان أن يقدر له أعوانًا عليها ومساعدين على حملها، قال موسى عليه السلام: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا) [طه:29- 33].
وكذلك امتن على عيسى بقوله: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) [سورة المائدة آية 111 ].
ومن هذا لطف الله بالهادين إذا قيض الله من يهتدي بهداهم، ويقبل إرشادهم فتتضاعف بذلك الخيرات والأجور التي لا يدركها العبد بمجرد فعله.
ومن لطف الله بعبده: أن يعطي عبده من الأولاد والأموال والأزواج ما به تقر عينه في الدنيا، ويحصل له به السرور، ثم يبتليه ببعض ذلك، ويأخذه ويعوضه عليه الأجر، وإذا صبر واحتسب، فنعمة الله عليه بأخذه على هذا الوجه أعظم من نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه، وهذا أيضًا خير وأجر خارج عن أحوال العبد بنفسه، بل هو لطف من الله له قيض له أسبابًا أعاضه عليها الثواب الجزيل والأجر الجميل.
ومن لطف الله بعبده: أن يبتليه ببعض المصائب، فيوفّقه للقيام بوظيفة الصبر فيها، فينيله درجات عالية لا يدركها بعمله، وقد يشدّد عليه الابتلاء بذلك كما فعل بأيوب -عليه السلام-، ويوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء، وتأميل الرحمة، وكشف الضر فيخف ألمه وتنشط نفسه، ولهذا من لطف الله بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب الأجر فخفت مصائبهم، وهان ما يلقون من المشاق في حصول مرضاته.
ومن لطف الله بعبده: المؤمن الضعيف أن يعافيه من أسباب الابتلاء التي تضعف إيمانه وتنقض إيقانه.
كما أن من لطفه بالمؤمن القوى تهيئة أسباب الابتلاء والامتحان، ويعينه عليها، ويحملها عنه ويزداد بذلك إيمانه ويعظم أجره، فسبحان اللطيف في ابتلائه وعافيته وعطائه ومنعه.
ومن لطف الله لعبده: أن يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق ويصله إلى ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه، فييسر عليه التعلم من كتاب أو معلم يكون حصول المقصود به أقرب وأسهل، وكذلك ييسره لعباده يفعلها بحالة اليسر والسهولة وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه فهذا من اللطف.
ومن لطف الله بعبده قدّر الواردات الكثيرة والأشغال المتنوعة والتدبيرات والتعلقات الداخلية والخارجية التي لو قُسمت على أمة من الناس لعجزت قواهم عليها أن يمنّ عليه بخلق واسع وصدر متسع وقلب منشرح بحيث يعطى كل فرد من أفرادها نظرًا ثاقبًا وتدبيرًا تامًّا، وهو غير مكترث ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها، بل قد أعانه الله تعالى عليها ولطف به فيها، ولطف له في تسهيل أسبابها وطرقها.
وإذا أردت أن تعرف هذا الأمر فانظر إلى حالة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله بصلاح الدارين وحصول السعادتين، وبعثه مكملا لأمة عظيمة هي خير الأمم، ومع هذا مكّنه الله ببعض عمره الشريف في نحو ثلث عمره أن يقوم بأمر الله كله على كثرته وتنوعه، وأن يقوم لأمته جميع دينهم ويعلمهم جميع أصوله وفروعه.
ومن لطف الله تعالى بعبده: أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سبباً لرحمته فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع والابتهال إلى ربه وازدراء نفسه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات.
ومن لطفه بعبده -الحبيب عنده- إذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارّة، واسترسلت في ذلك أن ينغصها عليه ويكدرها فلا يكاد يتناول منها شيئاً إلا مقروناً بالمكدرات محشواً بالغصص؛ لئلا يميل معها كل الميل، كما أن من لطفه به أن يلذّذ له التقربات ويحلى له الطاعات ليميل إليها كل الميل.
ومن لطيف لطف الله بعبده: أن يأجره على أعمال لم يعملها، بل عزم عليها فيعزم على قربة من القرب، ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب فلا يفعلها فيحصل له أجرها، فانظر كيف لطف الله به فأوقعها في قلبه وأدارها في ضميره، وقد علم تعالى أنه لا يفعلها سوقاً لبرّه لعبده وإحسانه بكل طريق.
وألطف من ذلك أن يقُيّض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها هي أنفع له منها فيدع العبد الطاعة التي ترضى ربه طاعة أخرى هي أرضى لله منها.
وألطف من هذا أن يقّدر تعالى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية ويوفر له دواعيها، وهو تعالى يعلم أنه لا يفعلها ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت أسباب فعلها من أكبر الطاعات كما لطف بيوسف عليه السلام في مراودة المرأة.
ومن لطف الله بعبده أن يقَدّر خيرا وإحسانا من عبده ويجريه على يد عبده الآخر ويجعله طريقا إلى وصوله للمستحق فيثيب الله الأول والآخر.
ومن لطف الله بعبده: أن يجري بشيء من ماله شيئا من النفع وخيرا لغيره، فيثيبه من حيث لا يحتسب، فمن غرس غرسا أو زرع زرعا فأصابت منه روح من الأرواح المحترمة شيئا آجر الله صاحبه وهو لا يدري، خصوصًا إذا كانت عنده نية حسنة وعقد مع ربه عقدا في أنه مهما ترتب على ماله شيء من النفع فأسألك يا رب أن تأجرني وتجعله قربة لي عندك.
وكذلك لو كان له بهائم انتفعَ بدرّها وركوبها والحمل عليها، أو مساكن انتفعَ بسكناها ولو شيئا قليلا أو ماعون ونحوه انتفعَ به أو عين شرب منها وغير ذلك ككتاب انتفع في تعلم شيء منه أو مصحف قرئ فيه، والله ذو الفضل العظيم.
ومن لطف الله بعبده أن يفتح له بابا من أبواب الخير لم يكن له على بال.
ادفع بصبرك حادث الأيام | وترج لطف الواحد العلام |
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
قال بعضهم في مدح اللطيف الخبير وذكر بعض ألطافه
أَحَاطَ بِتَفْصِيلِ الدَّقَائِقِ علْمُهُ | فَأتْقَنَها صُنْعَاً وَأحْكَمَها فِعْلاَ |
فَمِنْ لُطْفِهَ حِفْظُ الْجَنِيْنِ وَصَوْنُهُ | بمُسْتَوْدَعٍ قَدْ مَرَّ فِيْهِ وَقَدْ حَلاَّ |
تَكَنَّفَهُ بِاللُّطْفِ في ظُلُمَاتِهِ | وَلاَ مَالَ يُغْنِيهِ هُناكَ وَلاَ أَهْلاَ |
وَيَأَتِيِه رِزْقٌ سَابِغٌ مِنْهُ سَائِغٌ | يَرُوحُ لَهُ طَوْلاً وَيَغْدُو لَهُ فَضْلاَ |
وَمَا هُوَ يَسْتَدْعِي غِذَاءً بِقِيْمَةٍ | ولا هُوَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الشُّرْبَ وَالأَكْلاَ |
جَرَى في مَجَارِي عِرْقِهِ بتَلَطُّفٍ | بِلاَ طَلَبٍ جَرْيًا عَلى قَدْرِهِ سَهْلاَ |
وَأَجْرَى لَهُ في الثَّدْي لُطْفَ غِذَائِهِ | شَرابًا هَنِيْئًا مَا أَلَذَّ وَمَا أَحْلاَ |
وَألْهَمَهُ مَصَّاً بِحِكْمَةٍ فَاطِرٍ | لهُ الْحَمْدُ وَالشِّكْرُ الْجَزِيْلُ بِمَا أَوْلاَ |
وَأَخَّرَ خَلْقَ السِّنِّ عَنْهِ لِوَقْتِهَا | فأبُرَزَهَا عَوْنًا وَجَاءَ بِهَا طَوْلاَ |
وَقَسَّمَها لِلْقَطْعِ وَالْكَسْرِ قِسْمَةً | وَلِلطَّحْنِ أعْطَى كُلَّ قِسْمِ لَهَا شَكْلاَ |
وَصَرَّفَ فِي لَوْكِ الطّعَام لِسَانَهُ | يُصَرِّفُهُ عُلْوًا إذَا شَاءَ أوْ سُفلا |
وَلَوْ رَامَ حَصْرًا في تَيَسُّرِ لُقْمَةٍ | وألْطَافِهِ فِيْمَا تَكَنَّفَها كَلاَّ |
فَكَمْ خَادِمٍ فٍيْها وَكَمْ صانِع لَّهَا | كَذلِكَ مَشرُوبٌ وَمَلْبَسُهُ كلاَّ |
وَكَمْ لُطِفٍ مِن حَيْثُ تَحْذَرُ أكرَمَتْ | ومَا كُنْتَ تَدِرْي الفَرْعَ مِنها وَلاَ الأَصْلاَ |
وَمِنْ لُطْفِهِ تَكْلِيْفُهُ لِعَبادِهِ | يسَيْرًا وأعْطَاهُمْ مِن النِّعِمِ الْجَزْلاَ |
وَمِنْ لُطْفِهِ تَوْفِيْقُهُمْ لاِنابَةٍ | تُوَصّلُ لِلْخَيْراتِ مِن حَبْلِهم حَبْلا |
وَمِنْ لُطْفِهِ بَعْثُ النَّبِي مُحَمَّد | لَيَشْقِعَ في قَوْمِ وَلَيْسُوا لَها أهْلاَ |
وَمِنْ لُطْفِهِ حِفْظُ الْعَقائِدِ مِنْهُمُو | وَلَوْ خَالَفَ الْعاصِي الُمُسِيءُ وَإنْ زَلاَّ |
وَمِنْ لُطْفِهِ إخْراجُهُ عَسَلاً كَمَا | تُشاهِدُ مِمَّا كَان أَوْدَعَهُ النَّحْلاَ |
وَإخْرَاجُهُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ مُجَاوِرٍ | دَمَاً لَبَنًا صِرْفًا بلاَ شَائِبٍ رِسْلاَ |
وَإِخْرَاجُهُ مِنْ دُوْدَةٍ مَلْبَسًا لَّهُ | رُوَاقَاً عَجِيْبًا أحْكَمَتْهُ لَنَا غَزْلاَ |
وَأعْجَبُ مِنْ ذَا خَلْقُهُ الْقَلَبَ عَارِفًا | بِهِ شَاهدَاً أنْ لاَّ شَبِيْهَ وَلاَ مِثْلاَ |
وَأَلْطَافُ في الْبَحْرِ الْمُحِيطِ فَخُذْ بِمَا | بَدَا لَكَ واشْهَدْهَا وَإياكَ وَالْجَهْلاَ |
وَصَلِّ عَلى الْمُخْتَارِ أفْضَلِ مُرْسَلٍ | عَلَى خَالِصِ الْعِرْفَانِ بِاللهِ قَدْ دَلاَّ |
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم أنه يورث المحبة والشكر له والطمأنينة والسكينة، وصدق التوكل عليه، والرضا به وبما اختاره لعبده وسعة علمه، ودقائق أسرار أسمائه، ولزوم عبوديته وطاعاته، والرضا به ربًّا وخالقًا ومالكًا ومدبرًا، وأنه لا يخفى عليه شيء سرا ولا جهرا ولا أرضا ولا سماء.
ومن آثاره: البر والرفق والإحسان والتخلق بصفة اللطف والرفق والإحسان للإنسان.
وخاتمة المطاف وخلاصة الألطاف: كم هو نافع للعبد أن يعرف معنى هذا الاسم العظيم اللطيف الخبير ودلالته، ومعناه ومغزاه، وأن يجاهد نفسه على تحقيق الإيمان به، والقيام بما يقتضيه من عبودية لله، فيمتلئ قلبه محبة وخوفا ورجاء وطمعا في فضل الله وعطاياه، ومنحه وهباته ومزاياه، وما في هذا الاسم من الفوائد الحميدة والمآلات الرشيدة مما يستدعي الثقة والتوكل باللطيف الخبير، والشكر والثناء للطيف الخبير ذي النعم السوابغ والعطاء والنوال، والخير والكرام والإفضال، ومن يتحر الخير يعطَ، ومن يتوقَ الشر يُوقَ، والفضل بيد الله وحده.
يا لطيفا بالعباد الطف بنا | وارحم عبيدًا للمساوي قد جنا |
هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه..