الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
العربية
المؤلف | وليد بن سالم الشعبان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
إن من مقامات الدين العظيمة، ومنازله العالية الرفيعة، معرِفَة أسماء الله وصفاتِه، فهي أفضلُ وأوجَب ما اكتسبته القلوب، وحصَّلته النفوسُ، وأدركته العقول. وفي هذا الشأن -عباد الله- يحسن بنا معرفة اسم من أسماء الله -جل وعلا- فنؤمن به وندعوه به، إنه اسم: "الشافي".
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق فسوّى، وقدّر فهدى, وشفى وعافى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى.
أما بعد: فاتَّقوا الله -تعالى- واشكروه على نعمة الصحة والعافية, فكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه! وكم من محروم من نعمةٍ حرمانُه شفاؤه! (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
أيها المسلمون: إن من مقامات الدين العظيمة، ومنازله العالية الرفيعة، معرِفَة أسماء الله وصفاتِه، فهي أفضلُ وأوجَب ما اكتسبته القلوب، وحصَّلته النفوسُ، وأدركته العقول.
وفي هذا الشأن -عباد الله- يحسن بنا معرفة اسم من أسماء الله -جل وعلا- فنؤمن به وندعوه به، إنه اسم: "الشافي".
اسم "الشافي" معناه: الذي منه الشفاء وحده، شفاء الأبدان من العلات، وشفاء الصدور من الشبه والوساوس والشهوات، قال -تعالى-: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80].
وقد دل على ثبوت هذا الاسم المبارك لله -جل وعلا- السنةُ الصحيحة، روى البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عاد مريضًا يقول: "أذهِب البأس ربّ الناس، اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سَقمًا".
أيها المؤمن: إن الإيمان باسم الله الشافي يُثمر للعبد آثاراً حميدة جليلة، فمن آثار الإيمان بهذا الاسم الجليل:
أولًا: [معرفة أن] الله -تعالى- هو الشافي، ولا شافي إلا الله، ولا شفاء إلا شفاؤه، ولا يرفع المرض إلا الله، قال -تعالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [يونس:107]، سواء أكان المرض مرضًا بدنيًا أو نفسيًا، ذلك أن المرض -عباد الله- نوعان: مرضُ القلوب ومرض الأبدان.
أما الأول، مرض القلوب بالشهوات أو بالشُبُهَات, فهو أخطر الأمراض وأشدها إهلاكاً لصاحبها؛ لأن خطره على الدين, ولأن الناس لا يشعرون به، ومن ثَّم لا يسعون لعلاجه.
وأما النوع الثاني، مرض الأبدان, وهو المرض العضوي، وهذا أهون من الذي قبله؛ لأن كل أحد يشعر به ويسعى لعلاجه، وصاحبه مأجور إن صبر واحتسب.
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم الجليل الإيمان بأن الله -تعالى- هو الشافي، لم ينزل داءً إلا وأنزل له شفاء، وله أسباب. روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أنزل اللهُ داءً إلا وأنزل له شفاء".
إن من عظيم رحمة الله الشافي أنه خلق الداء وخلق له الدواء, وهذا من كمال حكمة الرب -جل وعلا-, وتمام ربوبيته, فكما ابتلى عباده بالأدواء, أعانهم عليها بما يسر لهم من سبل الاستشفاء؛ فاطمئن أخي المريض ولا تيأس، فإن مرضك لا بد له من شفاء، فإنه "ما أنزل الله دَاءً إلا أنزل له شفاءً".
وقد كان يَظنُ كثيرٌ من الناس أن بعض الأمراض ليس لها دواء، كالسل والجدري ونحوها، وعندما ارتقى علم الطب، ووصل الناس إلى ما وصلوا إليه من علم، عرف الناس مصداق هذا الحديث ، وأنه ما من داء إلا له دواء...
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم الجليل [معرفة] أن هذا الشفاء قد يتأخر لحكمة إلهية بالغة؛ رفعًا لدرجات المريض، وتكفيرًا لسيئاته: قال -تعالى-: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء:83-84].
ذكر بعض المفسرين أن أيوب -عليه السلام- لبث في مرضه ثمانية عشر عامًا ابتلاء من الله لنبيه وحبيبه.
وروى الترمذي، وحسّنه الألباني، من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يودُ أهلُ العافية يومَ القيامة حين يعطى أهلُ البلاء الثواب، لو أن جلودَهم كانت قُرِضَت في الدنيا بالمقاريض".
فاللهم إنا نسألك اليقين والعافية، ونعوذ بك من منكرات الأدواء والأسقام والأمراض، اللهم وانفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم، واجعله لنا شفاءً ودواءً ونوراً يا رب العالمين، ولا تكلنا اللهم لأنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك، أنت حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون، إننا في هذه الأزمنة التي تعلّقت [فيها] قلوب كثيرٍ منّا بالمحسوسات والمشاهدات نرى إعراضَ كثير من الناس عن الأدوية الشرعية, وضعف يقينهم بنفعها، أو الغفلة عنها، حتى عدلت القلوب عنها، وركنت إلى أدوية أخرى بعيدة، مع قرب هذه الأدوية الربانية النبوية منهم، وعظيم نفعها.
ففي ديننا أدويةٌ يقينية إلهية صادرة عن الوحي ومشكاة النبوة، كالرقية بالقرآن، قال -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء:82].
وما جاء في السُنة أنفع الأسباب لزوال العلل والأسقام، والقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية؛ والأَولى بالعبد أن يعالج نفسه بنفسه، وأن يعالج أهله أيضاً.
و[الفاتحة رقية، وهي] أفضل سورة في القرآن يحفظها كل واحد منا، فأيقنوا بالشفاء من الله تفلحوا.
بل إن من الأمراض ما لا شفاء له إلا بالقرآن والأدعية النبوية، كإبطال السحر، وإخراج الجان، وإبطال أثر العين؛ وتلك الأدوية النبوية الشافية إنما ينتفع بها من تلقّاها بالقبول، واعتقد الشفاء بها؛ ومتى تخلّف الشفاء كان لضعف تأثير القارئ, أو لعدم قبول المرقي عليه، أو لمانع قوي فيه يمنع أثر الشفاء.
وتمْر عجوة المدينة وقاية من السُم والسحر، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَن تصبّح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سمٌ ولا سحر" رواه مسلم. والصحيح أن ذلك يكون بأي نوع من أنواع التمر، كما رجحه السعدي والعثيمين.
والماء دواء للحمى، في الحديث: "الحمى من فيح جهنم؛ فأبردوها بالماء" متفق عليه. والعسل لم يُخلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريباً منه. والحجامة خيرُ الأدوية، يقول عليه الصلاة والسلام: "خير ما تداويتم به الحجامة" متفق عليه.
والحبة السوداء شفاء من الأسقام كلها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء، إلا السام"، أي: الموت. متفق عليه.
وفيهما قال: "عليكم بهذا العُود الهِندي؛ فإن فيه سبعة أشْفِية"، والعُود الهِندي هو ما يُعرف بعود القسط البحري.
وعند المسلمين ماء مبارك هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً، ينبع من أرض مباركة في بيت الله الحرام، ماء زمزم، هو طعام طُعم، وشفاء سُقم، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ماء زمزم لما شرب له" حديث صحيح أخرجه أحمد وغيره.
والإكثار من الصدقة من خير الأدوية، فعن الحسن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "داووا مرضاكم بالصدقة" رواه أبو داود والطبراني وحسنه الألباني.
هذه الأصول التي ذكرناها يحتاج إليها كل أحد؛ والله وحده الموفق والشافي والكافي.
فاللهم يا حي يا قيوم متّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، ونسألك اللهم اليقين والعافية.
اللهم فرّج همّ المهمومين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم عافنا في أبداننا وأسماعنا وأبصارنا، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان.
اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم أكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم يا رب العالمين.
اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويقاتلون أهل دينك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم أنصارا لدينك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين .