المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | وليد بن سالم الشعبان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
ولعظم أمر الشرك حرم الله جميع الوسائل القولية والفعلية التي تفضي إلى الشرك، ومن تلك الوسائل: التصوير، والذي ابتلي به كثير من المسلمين اليوم.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكبير المُتعال، أحمدُه على جزيلِ النوالِ وكريمِ الإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدَّس عن الأنداد والأضداد والأمثال، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله كريمُ الخِصال، وشريفُ الخِلال، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خيرِ صحبٍ وأكرمِ آلٍ.
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله -تعالى-، فمن اتقاه وقاه، ومن توكل عليه كفاه.
عباد الله: الشرك أعظم الذنوب؛ لأن الله -تعالى- أخبر أنه لا مغفرة لمن لم يتب منه، مع أنه -سبحانه وتعالى- كتب على نفسه الرحمة؛ وذلك يوجب شدة الحذر، شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء:48]، وقال -تعالى-: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة:72].
ولعظم أمر الشرك حرم الله جميع الوسائل القولية والفعلية التي تفضي إلى الشرك، ومن تلك الوسائل: التصوير، والذي ابتلي به كثير من المسلمين اليوم.
وازدادت فتنة التصوير مع أجهزة الجوال الحديثة التي أزعجت الناس، وجعلت الحليم حيرانا، وتساهل فيها الناس، حتى أصبحت أمراً عادياً، ففتن الناس بالتصوير فتنة عظيمة جدا؛ نعوذ بالله من ذلك!.
واعلم -أخي المسلم- أن أول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير، حينما أقدم قوم نوح على تصوير الصالحين ونصب صورهم على المجالس، قال -تعالى-: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) [نوح:23]، قال المفسرون: إن يغوث ويعوق ونسراً أسماء رجال صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباعٌ يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم! (تأمل: لو صورناهم!) كان أشوق لنا للعبادة إذا ذكرناهم، (فالقصد نبيل، والنية سليمة، لكن انظر للنتيجة)، فصوروهم، فلما ماتوا -أي: هؤلاء المصورون- وجاء آخرون، دبّ إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر. فعبدوهم. قال عكرمة: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. اهـ. فمِن هنا وقَع الشِّرك.
وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من التصوير بجميع أنواعه، ونهى عنه، وتوعد من فعله بأشد الوعيد، وأمر بطمس الصور، وتغييرها؛ لأن في التصوير مضاهاة لخلق الله، وهو منشأ الوثنية، نعوذ بالله من ذلك!.
فعن عبد الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أشدَّ الناسِ عذابًا يوم القيامة المُصوِّرون" متفق عليه. وعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلُّ مُصوِّرٍ في النار، يُجعلُ له بكل صُورةٍ صوَّرها نفسًا تُعذِّبُه في جهنَّم" أخرجه مسلم.
وعن أبي الهيَّاج الأسديِّ قال: قال لي عليُّ بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه-: ألا أبعثُك على ما بعثَني عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؟! "ألا تدَعَ تمثالاً إلا طمستَه، ولا قبرًا مُشرِفًا إلا سوَّيتَه، ولا صورةً إلا طمستَها" أخرجه مسلم.
وعن أبي جُحيفَة -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لعنَ آكِلَ الرِّبا، ومُوكِلَه، والمُوشِمةَ، والمُستوشِمةَ، والمُصوِّر. أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -تعالى-: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" متفق عليه. وعن أبي طلحة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة" متفق عليه.
وبعد هذه الأحاديث العظيمة يتبين لنا:
أولاً: إن تصوير ذوات الأرواح من الآدميين والبهائم والطيور وغيرها، حرام شديد التحريم، وكبيرة من كبائر الذنوب، وذلك للوعيد عليه بالنار...
ثانياً: إن المصوّر من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وأنه يكلف يوم القيامة أن ينفخ الروح في كل صورة صورها، وهو لا يستطيع نفخ الروح؛ لأن الروح من أمر الله -تعالى-؛ ولكنه يكلف ذلك زيادة تعذيب له، وتوبيخ له، وهذه الصور التي صورها في الدنيا، تحضر كلها يوم القيامة، ويجعل في كل صورة منها نفس تعذبه في جهنم.
ثالثاً: إن وجود الصور في البيوت يمنع من دخول ملائكة الرحمة فيه، فتأملوا، رحمكم الله، بيتا من بيوت المسلمين، لا يدخله الملائكة، ولو لم تدخله الملائكة، فلمن يكون المأوى؟ فأي خسارة عظيمة لأهل هذا البيت! وهذا عقوبة لهم، باستعمال الصورة، وبإدخالها منازلهم.
رابعاً: تحريم تعليق الصور على الجدران، سواء علقت الصورة وحدها، أو كانت في ستارة، وبعض الناس يعلقون صور أنفسهم أو أولادهم، أو بعض أقاربهم، أو غيرهم ممن يعظمونهم في بيوتهم، أو في مكاتبهم؛ وقد سمعتم أن سبب أول شرك في الأرض كان بسبب الصور والذكرى، وآل الأمر إلى أن عبدوهم من دون الله.
خامساً: إن تصوير غير ذوات الأرواح لا بأس به، فيجوز تصوير المباني والأشجار والجبال والأنهار والبحار، وسائر المناظر، والآلات، سواء صُورت على أوراق أو على حيطان، أو غير ذلك.
سادساً: لا يجوز من التصوير إلا ما كان لضرورة أو حاجة لا بد منها، كبطاقة الأحوال ورخصة القيادة والجواز وما شابه ذلك، وما لا بد منه، ولا يجوز التوسع في ذلك؛ لأن الرخص تقدر بقدرها.
فاتقوا الله عباد الله، وعظّموا أمره ونهيه، ولا تتعدوا حدوده، واستجيبوا لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- تفلحوا وتفوزوا بجنته.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الخالق البارِئ المُصوِّر، صوّر فأحسنَ التصوير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الملك والتدبير، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النذيرُ البشيرُ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ وسلم تسليما كثيرا إلى يوم المآب والمصير.
أما بعد: فيا عباد الله، من أعظم المظالِم، وأكبرِ المآثِم، وأقبَح الجرائِم: استِخدامُ التصوير في انتِهاك الحدود والحقوق، والأعراض والأعراف والآداب، واستِعمالُه في أهدافٍ خبيثةٍ، وأغراضٍ قذِرةٍ لا تمُتُّ للأمانةِ والخُلُقِ بصِلةٍ، مما لا يفعلُه إلا خسيسُ الطبع، وعديمُ الأمانة، وخبيثُ السُّلُوك، وساقِطُ الشرف والمُروءة.
ومن ذلك ما يفعله سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان من الخوارج المارقين في نشر مقاطع وصور وهم يذبحون البشر كما تذبح الشياه، ثم يتناقلها الناس في جوالاتهم ومواقعهم مستنكرين أو مؤيدين، في أقبح فعل وأسوأ عمل، يقتلون عباد الله ويتقربون بذلك ويكبرون! وهم -والله!- في ضلال بعيد، ينكره العاقل، فضلا عن المسلم الغيور.
وعلى المسلم أن يحذر من ذلك، ولا ينظر إليها، ولا ينقلها لغيره، حتى على سبيل التحذير منها، لئلا تكون شريكا لهم في الدعوة إلى باطلهم، فالواجب على المسلم هو البعد عن مواطن الفتنة، وصيانة دينه وبيته ومجتمعه عن كل ما يسيء إليه.
ومن الأفعال المُحرَّمة: نشرُ المقاطِع والصور الإباحيَّة وتبادُلُها، وتسهيلُ تناوُلها والوصول إليها، والتِقاط صور ومقاطِع مرئيَّة لآخرين خلسة ومُخاتلة دون علمِهم ورِضاهم، ونشرُها عبر مواقع الإنترنت بقصدِ الإساءَة لهم، وتشويه سُمعَتهم وعِرضِهم، أو بقَصدِ تهديدِهم وابتِزازهم، أو بقصدِ السُّخريَة بالمُصوَّر والاستِهزاءِ به، وتحقِيرِه وتصغيرِه وتعيِيره، والنَّيل من بلدِه أو عِرقِه أو أصلِه أو قبيلتِه، أو خِلقَته أو ملبَسِه أو مِهنتِه أو لهجَتِه.
ومن الأفعال المُحرَّمة أيضاً: نشرُ مقاطِع صوتية أو مرئيَّة بقصد بثِّ الكراهيَة والعُنصرية ورُوح العداء والبغضاء، وإحياء النَّعرَات القبَليَّة والجاهليَّة في المُجتمع، أو بقصدِ إثارة الغَوغاء والسُّفهاء ضدَّ أمن البلد المُسلم واستِقراره.
ومن أقبَحها: تصويرُ النساء والفَتَيات والعورات، في الأعراس والحفلات والمُناسبَات، ونشرُ صُورهنَّ بين العامَّة.
ومن المصائِب العُظمى: تساهُلُ بعض الفَتَيات والنساء في إرسالِ صُورهنَّ لصديقةٍ أو قريبةٍ أو خاطِبٍ، ربما خطبَها لنفسِها دون علمِ أهلِها، مُخاطِرةً بشرفِها وعفَّتها وسُمعتها وكرامتها وكرامة أهلِها، مما لا تفعلُه إلا من ضعُف عقلُها، واشتدَّت غفلتُها، وبانَت سذاجتُها.
وبعضُ الفسَقَة المُعلِنين يُصوِّرُ نفسَه وخِزيَه، ثم ينشرُ تلك الصُّور، وقد باتَ يسترُه ربُّه ويُصبِح يكشِفُ سِترَ الله عنه.
ومع الأسف! ...حتى الأموات والمرضَى وأهل الحوادِث والبلاء، ومن يُقام عليه حدٌّ أو تعزيرٌ، لم يسلَموا من التصوير والتَّشهير! فيا لها من فتنةٍ أزاغَت القلوب، وأذهبَت العقول، وزلزلَت المُجتمعات!.
فيا من نشرتَ تلك الصور والمقاطِع: ستحمِلُ وِزرَ كلِّ من شاهَدَها، وإثمَ كلِّ من فُتِن بها، وخطيئةَ كلِّ من علَّق عليها، وحُوبَ كلِّ من أعادَ نشرَها: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت:13]، (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل:25].
وقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثام من تبِعَه، لا ينقُصُ ذلك من آثامِهم شيئًا" أخرجه مسلم.
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد: أن تعيذنا وذرياتنا من الفتن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن.
اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها، معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم ولّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في كل مكان.
اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم أنصارا لدينك، واجزهم خير الجزاء على ما يقومون به من خدمة للإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اكفنا شر الأشرار، وكيد الفجار، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا وأمتنا واجتماع كلمتنا بسوءٍ اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يا رب العالمين، اللهم إنا ندرؤك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحْيِ بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد، وتعُمّ به الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا!.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد...