المولى
كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...
العربية
المؤلف | عنان مطيع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
معاشر المؤمنين: إن الكنوز نوعان: كنوز أموال، وكنوز أعمال. أمَّا كنوز الأعمال، تجد كثيراً من الناس يبحثون عنها، ويفرحون بها إذا ظفروا بها. والكنز، هو المال المدفون، وهو مصانٌ في أعين الناس، والناس يفرحون به مع أنه فانٍ. والنوع الثاني هو أنفعها، وأفضلها، وأدومها، وهي...
الخطبة الأولى:
معاشر المؤمنين: إن الكنوز نوعان: كنوز أموال، وكنوز أعمال.
أمَّا كنوز الأعمال، تجد كثيراً من الناس يبحثون عنها، ويفرحون بها إذا ظفروا بها.
والكنز، هو المال المدفون، وهو مصانٌ في أعين الناس، والناس يفرحون به مع أنه فانٍ، قال سبحانه: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرحمن: 26 - 27].
وقال سبحانه: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: 88].
والنوع الثاني هو أنفعها، وأفضلها، وأدومها، وهي: كنوز الأعمال، فهذا الذي ينفع صاحبَه، ويبقى معه بعد الموت، إن كان عملُه صالحاً مُتقبلاً.
فهذا الذي ينبغي أن يحرص عليه الإنسان، أن يحرص على الكنوز النافعة، وكان النبي-صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه هكذا، فيقول لهم: "ألا أدلكم على كنزٍ من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله".
هذا كنز، يعني ثوابَ هذه الكلمة من كنوز الجنة وذخائرها، هذا الذي يبقى، هذه الكلمة الطيبة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال له: "ألا أدلك على كنزٍ من كنوز الجنة؟ قال: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
قال الله -تعالى- يعني إذا قال العبد هذه الكلمة-: "اسلم عبدي واستسلم" [رواه أحمد].
فهذه كلمة: استسلام، بعض الناس إذا قيل له: مات فلان، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا خطأ، فعليه أن يقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، كما أمر الله، أمَّا كلمة: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهيَ كلمة استسلام.
ومن الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: أواخر سورة البقرة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ)[البقرة: 285] إلى قوله تعالى: (أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[البقرة: 286].
فهذه الآيات نزلت من كنزٍ تحت العرش، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال عن هذه الآيات: "أُعطيتُ هذه الآيات من كنزٍ تحت العرش لم يُعطهنَّ نبيٌّ قبلي"[رواه أحمد].
فهذه الكلمات المباركات من كلام الله -جلَّ وعلا- لم يُعطهنَّ نبيٌّ قبل نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
والله-عزَّ وجلَّ- استجاب لعموم المؤمنين في هذه الدعاء، فيه أصول الإيمان، فيه أصل التيسير ورفع الحرج والإصر عن الذين آمنوا، فيه المغفرة والرحمة والعفو، والنصر على الأعداء.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ كفتاه" [رواه البخاري ومسلم].
قيل: "كفتاه من حزبه وجزئه الذي كان يقرأه من القرآن".
وقيل: "كفتاه من شر الشيطان".
وقيل: " كفتاه من جميع الشرور والآفات".
وقيل: "كفتاه من قيام الليل".
وهذا الفضل يحصل عليه من قرأ الآيتين من أواخر سورة البقرة.
ومن أعظم الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: أن يحرص ويحفظ هذا الدعاء الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمه لأصحابه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهمَّ إنَّي أسألك الثباتَ في الأمر، والعزيمةَ على الرشد، وأسألك موجباتِ رحمتك، وعزائمَ مغفرتك، وأسألك شُكرَ نعمتك، وحسنَ عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك خيرَ ما تعلم، وأعوذ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب" [رواه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم].
هذا الدعاء العظيم أن يدعو به العبد ربه أن يثبته، وأن يعنيه على ذكره وشكره، وحسن عبادته، وأن يرزقه قلباً سليماً، ولساناً صادقاً.
ومن أعظم الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: أن يكثر من الباقيات الصالحات والطاعات التي تكون له ذخراً بعد مماته، قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف: 46].
والباقيات الصالحات، هي: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
وكل عمل صالح هو من الباقيات الصالحات.
ومن أعظم الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: أن يكون له قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة مؤمنة تعينه على أمر دينه ودنياه، عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: "لما نزل قولُ الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [التوبة: 34] قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ المال خير؟ لنتخذه -الذي يكنز الذهب والفضة ولا يودي زكاة ماله فهذا قد ذمه الله وبشره بعذاب أليم- فخاف الصحابة فقالوا: أيُّ المال خير؟ لنتخذه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وامرأة مؤمنة تعينه على إيمانه" [رواه الترمذي].
هذا أفضل كنز وأعظمه: أن يتخذ الإنسان لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة صالحةً مؤمنةً تعينه على أمر دينه ودنياه، عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معاذُ، قلبٌ شاكرٌ، ولسانٌ ذاكرٌ، وزوجةٌ تعينك على أمر دنياك ودينك، خيرُ ما اكتنز الناس" [رواه البيهقي].
الناس يحرصون على الأموال، على الذهب على الفضة، ولكنَّ خيرَ ما يكتنزه الناس هذه الأمور التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، وقليل من الناس من يوفق لهذه الأمور.
ومن أعظم الكنوز التي يحرص عليها العبد المؤمن: أن يحرص على تطبيق هذا الحديث في حياته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" [رواه البخاري ومسلم].
فهذا من أعظم الكنوز، الذي ينفع العبد عند رحيله من دار الزوال إلى دار البقاء.
وانظر لمن حوى الدنيا بأجمعها | هل راح منها بغير الحنط والكفن |
يا زارع الخير تحصد بعده ثمراً | يا زراع الشرِّ موقوف على الوهن |
الخطبة الثانية:
معاشر المؤمنين: ومن أعظم الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: أن يكون من المتقين في الدنيا، وعلامة التقوى ذكرها الله في كتابه، قال سبحانه: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 133 - 134].
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء) أي في حال الشدة والرخاء، وفي جميع الأحوال، وما أعظمها من نفوس التي تنفق في حال الضراء مع حاجتها للنفقة.
(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) أي الذي يكتم غيظه عند الغضب ولا يظهره، ويعفو عمن أساء إليه، والرجل الذي يستطيع أن يتحكم في نفسه لا نفسه التي تحكمه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصُرعة، ولكنَّ الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" [رواه أحمد].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كظم غيظاً وهو قادر أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من الحور ما شاء" [رواه أحمد].
(وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فهذا من أعلى درجات الإيمان وأكملها، الذي يقابل السيئة بالحسنة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث أُقسمُ عليهنَّ -وذكر منهم-: وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً " [رواه الحاكم].
ومن أعظم الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: أن يقنع بما قسم الله له في الدنيا، ويرضى بما قسم الله له ولا يتسخط، وقالوا: "القناعة كنز لا يفنى".
والذي لا يرضى بما قسم الله له، فهو من الخاسرين في الدنيا والآخرة، والقدر جارٍ عليه سواءً رضيَ أم سخط، فإن رضيَ فله أجر، وإن سخط يُحبطُ عملُه، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "من رضي بفضاء الله جرى عليه، وكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه، وحُبطَ عملُه".
ومن أعظم الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: استغلال الوقت بكل شيءٍ نافعٍ، كالعبادة والعلم النافع، والسعي في طلب الرزق الحلال: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".
قال الحسن البصري -رحمه الله-: "أدركت أقواماً كانوا حريصين على أوقاتهم، كحرصكم على أموالكم".
ومن أعظم الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: أن يعبد الله في حال الشدة والرخاء، ولا يجعل في عبادته لله شرطاً يحصله في الدنيا؛ لأن هناك أناس يعبدون الله من أجل منافع دنيوية، فإن حصلت لهم استمروا عليها، وإن لم تحصل لهم انتكسوا، قال سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحـج: 11].
كان هناك فتاة تريد بنَ عمٍّ لها للزواج، فكانت تصلي وتصوم، وتقرأ القرآن، وتدعو الله أربعَ سنين، وحدث أن ابن عمِّها تزوج غيرَها، فانتكست وتنكبت وانقلبت، فتركت الصلاة والصيام وقرآ القرءان؛ لماذا؟ لأن الذي كانت تفعله ليس لله -عز وجل-، فاحذروا من هذا الفعل -عباد الله-.
ومن أعظم الكنوز التي ينبغي أن يحرص عليها العبد المؤمن: أن يسأل الله الثبات، والعصمة من الفتن، فإن هذا الزمن كثرت فيه الفتن بشتى أنواعها، فسلوا الله الثبات، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لأصحابه: "تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن".
وعلى العبد المؤمن: أن لا يفرح بشيءٍ من الدنيا آتاه، ولا يحزن على شيء من الدنيا فاته، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "أدركت أقواماً كانوا لا يفرحون بشيءٍ من الدنيا أقبل، ولا يحزنون على شيءٍ من الدنيا أدبر".
وأكثروا من هذا الدعاء الذي كان يدعو به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهمَّ لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغَ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا".
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.