الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | صالح بن مقبل العصيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
يَـجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُقَدِّرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَنُجِلَّهُ حَقَّ إِجْلَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، فَمَا قَدَرَ الْمُشْرِكُونَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، حِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، فَلَمْ يَعْبُدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ، فَهُمْ لَا يُدْرِكُونَ وَحْدَانِيَّتَهُ وَعَظَمَتَهُ، فَيُوحِّدُوهُ، وَلَا هُمْ يَسْتَشْعِرُونَ جَلَالَهُ وَقُوَّتَهُ فَيَخَافُوهُ، وَهُوَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ وَقُدْرَتِهِ.. فَكَيْفَ بِمَنْ انْتَقَصَ مِنْ قَدْرِ الْجَلِيلِ الْعَظِيمِ؟! وَأَسَاءَ الْأَدَبَ مَعَ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، وَاِعْتَرَضَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَشَرْعِهِ، وَحَادَّ رُسُلَهُ، وَحَارَبَ أَوْلِيَاءَهُ، وَجَعَلَ لَهُ النِّدَّ وَالشَّرِيكَ، وَعَبَدَ الأَهْوَاءَ وَالصِّلْبَانَ، وَاِعْتَرَضَ عَلَى شَرْعِهِ وَحُدُودِهِ، وَهُوَ الْمِسْكِينُ الضَّعِيفُ الـحَقِيرُ؟!
الـخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدُ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ... فَاتَّقُوا اللهَ-عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: لَا يُـمْكِنُ لِلْعُقُولِ مَهْمَا بَلَغَتْ، وَالْأَفْهَامِ مَهْمَا تَنَقَّتْ، وَالْأَذْهَانِ مَهْمَا صَفَتْ، أَنْ تَتَخَيَّلَ عَظْمَةَ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَهُوَ الْعَظِيمُ -جَلَّ فِي عُلَاهُ- رَزَقَنَا بِرَحْمَتِهِ عِبَادَتَهُ؛ وَلَنَا بِذَلِكَ الْفَخْرُ، وَالشَّرَفُ وَالْعِزَّةُ، نَشْرُفُ بِالرُّكُوعِ لِلْعَظِيمِ، وَالسُّجُودِ لِلْجَلِيلِ، وَنَعْتَزُّ بِأَنَّنَا مِنْ حِزْبِهِ، وَنَسْعَدُ بِأَنَّنَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ، فَوَلَاؤُنَا لَهُ، وَلِدِينِهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرُسُلِهِ، وَلِأَوْلِيَائِهِ، نُـحِبُّ لَهُ، وَنَبْغَضُ مِنْ أَجْلِهِ، نُوَالِي مَنْ وَالَاهُ، وَنُعَادِي مَنْ عَادَاهُ.
لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ بِأَنَّنَا مِنْ عِبَادِهِ، فِي حِينِ اِتَّجَهَتْ عُقُولُ وَقُلُوبُ أُنَاسٍ نُزِعَ مِنْهَا الْإِيـمَانُ، وَرُفِعَتْ عَنْهَا يَدُ الرَّحْمَنِ، لِعِبَادَةِ الْأصْنَامِ، وَالأَوْثَانِ، والصُلْبَانِ، وَالشَّجِرِ، وَالْحَجَرِ، وَالْبَشَرِ. فَاللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَاِم، فَالْعَظْمَةُ للهِ، وَالْجَبَرُوتُ للهِ.
حَدَّثَنَا القُرآنُ عَنْ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْعَظَمَةِ، رَآهَا نَبِيُّ الْهُدَى، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، فِي مِعْرَاجِهِ، وَنَطَقَ بِهَا الْقُرْآنُ. قَالَ تَعَالَى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) [النجم: 16]؛ حيث غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيهَا، مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَصِفَهَا مِنْ حُسْنِهَا، لَقَدْ غَشِيَهَا نُورُ رَبِّنَا الْجَلِيلِ الْعَظِيمِ، -جَلَّ فِي عُلَاهُ-، وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَعَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْ أَوْرَاقِهَا الْعَظِيمَةِ مَلَكٌ، قَائِمٌ يُسَبِّحُ للهِ، وَأَغْصَانِهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَيَاقُوتٍ، وَزُبَرْجَدَ. (وَهَذَا الْخَــبَرُ إِسْنَادُهُ قَوِيٌ).
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ رَأَى، رَسُولُ اللهِ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، لَيْلَةَ عُرِجَ بِهِ، الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ، سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
عِبَادَ اللهِ: يَـجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُقَدِّرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَنُجِلَّهُ حَقَّ إِجْلَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الزمر: 67]، فَمَا قَدَرَ الْمُشْرِكُونَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، حِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، فَلَمْ يَعْبُدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ، فَهُمْ لَا يُدْرِكُونَ وَحْدَانِيَّتَهُ وَعَظَمَتَهُ، فَيُوحِّدُوهُ، وَلَا هُمْ يَسْتَشْعِرُونَ جَلَالَهُ وَقُوَّتَهُ فَيَخَافُوهُ، وَهُوَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ وَقُدْرَتِهِ.
عِبَادَ اللهِ، أَهْلُ الشِّرْكِ- مَعَ إِيمَانِهِمْ بِرُبُوبِيَتِهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَبأَنُّهُ الْخَالِقُ الرَّزَّاقُ -وَصَفَهُمْ اللهُ بِأَنَّهُمْ مَا قَدَرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ انْتَقَصَ مِنْ قَدْرِ الْجَلِيلِ الْعَظِيمِ؟! وَأَسَاءَ الْأَدَبَ مَعَ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، وَاِعْتَرَضَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَشَرْعِهِ، وَحَادَّ رُسُلَهُ، وَحَارَبَ أَوْلِيَاءَهُ، وَجَعَلَ لَهُ النِّدَّ وَالشَّرِيكَ، وَعَبَدَ الأَهْوَاءَ وَالصِّلْبَانَ، وَاِعْتَرَضَ عَلَى شَرْعِهِ وَحُدُودِهِ، وَهُوَ الْمِسْكِينُ الضَّعِيفُ الـحَقِيرُ؟!
عِبَادَ اللهِ، اعْلَمُوا بِأَنَّ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ، حَارَتْ الْعُقُولُ وَالْأَلْبَابُ فِي وَصْفِ عَظَمَتِهِ، جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ: أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67]". (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
وقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ". (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولُ اللهِ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، قَرَأَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرَ: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، يُحَرِّكُهَا يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ: "يُمَجِّدُ الرَّبُ نَفْسَهُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا الْكَرِيمُ" فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللهِ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، الْمِنْبَرَ حَتَّى قُلْنَا: لَيَخُرَّنَّ بِهِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ، أَنَّ النَّبِيَ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "يَأْخُذُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ - وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا - أَنَا الْمَلِكُ، يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-؟.
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "فَكِّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تُفَكِّرُوا فِي ذَاتِ اللَّه تَعَالَى؛ فَإِنَّ مَا بَيْنَ كُرْسَيِّهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، سَبْعَةُ آلَافِ نُورٍ، وَهُوَ فَوقَ ذَلِكَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-" (جَوَّدَ الْـحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ هَذَا الْإِسْنَادِ).
عِبَادَ اللهِ: مِنْ عِظَمِ الْجَبَّارِ، الَّذِي لَا يُعْجِزْهُ شَيْءٌ، عِظَمُ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ؛ حَيْثُ: "رَأَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ). وَالتَّهَاوِيلُ: الْأَشْيَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ، لِذَا يُقَالُ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَلْوَانِ الزَّهْرِ: إِنَّهُ أُمُورٌ تُهِيلُ الْعَقْلَ، أَيْ: تُهِيلُ الْإِنْسَانَ وَتُحَيِّرُهُ.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ - مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ- إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ؛ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ" (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِي وَغَيْرُهِ). فَسُبْحَانَ الْعَظِيمِ خَالِقِ هَذَا الْعَظِيمِ! فَقَدِّرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ - يَا عِبَادَ اللهِ - وَخَافُوهُ وَوَقِّرُوهُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ.. فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ! مِنْ عَظَمَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "مَا بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ" (إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ). قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 14].
عِبَادَ اللهِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَلَائِكَةً تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمْ مِنْ مَخَافَتِهِ، مَا مِنْهُمْ مَلَكٌ تَقْطُرُ مِنْ عَيْنَيْهِ دَمْعَةٌ؛ إِلَّا وَقَعَتْ مَلَكًا قَائِمًا يُصَلِّي، وَإِنَّ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَلَائِكَةً سُجُودًا لِلَّهِ مُذْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَلَا يَرْفَعُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَلَائِكَةً رُكُوعًا لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ، وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَصُفُوفًا لَمْ يَنْصَرِفُوا عَنْ مَصَافِّهِمْ، وَلَا يَنْصَرِفُونَ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا رَفَعُوا وَنَظَرُوا إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ".
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيِرِهِ: "هَذَا إِسْنَادٌ لَا بأْسَ بِهِ".
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "خَلَقَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ لِعِبَادَتِهِ أَصْنَافًا، فَإِنَّ مِنْهُمُ مَلَائِكَةً قِيَامًا صَافِّينَ مِنْ يَوْمِ خَلْقِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَلَائِكَةً رُكُوعًا خُشُوعًا مِنْ يَوْمِ خَلْقِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلَقَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَتَجَلَّى لَهُمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَنَظَرُوا إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ، مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ" (وَهَذَا الْأَثَرُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ).
إِنَّهُمْ عِبَادٌ عَظَّمُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَخَافُوهُ.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، "اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ" (وأصل الدعاء رواه مسلم).
اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.