المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | حسين بن حسن أحمد الفيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
الدنيا لا تساوي شيئًا، فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها، له شأن وللناس شأن، فالمؤمن عبدٌ لله في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وسواء أَقْبَلَتِ الدنيا أم أدبرت، فإقبالها إحجام، وإدبارها إقدام، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره، فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء. وإذا تحقق ذلك كان حريًا بالمسلم أن يقبل على العبادة بقلب ..
أما بعد: إن الزهد هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، وهو ترك راحة الدنيا طلبًا لراحة الآخرة، وأن يخلو قلبك مما خلت منه يداك.
ومما يعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا ظل زائل وخيال زائر، فهي كما قال تعالى: (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) [الحديد: 20]. وسماها الله: مَتَاع الْغُرُور، ونهى عن الاغترار بها، وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترين، وحذرنا من الوقوع في مثل مصارعهم، وذم من رضي بها واطمأن إليها، وعلمنا أن وراءها دارًا أعظم منها قدرًا وأجل خطرًا وهي دار البقاء.
ومما يعين العبدَ على الزهد فيها معرفتُه وإيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئًا كُتب له منها، وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يُقضَ له منها، فمتى تيقّن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين، بل صاحبه داخل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [المائدة: 26].
وليس المقصود بالزهد ترك الدنيا ورفضها، فقد كان سليمان وداود -عليهما السلام- من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء ما لهما، وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة، وكان علي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان -رضي الله عنهم- من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال، وغيرهم كثير.
وقد سئل الإمام أحمد: أيكون الإنسان ذا مال وهو زاهد؟! قال: "نعم، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه". وقال الحسن: "ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء".
هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا، وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب؛ لأن قلبه يتقطع على الدنيا.
والزهد أنواع؛ فالزهد في الحرام فرض عين، أما الزهد في الشبهات فإن قويت الشبهة التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحبًا، وهناك زهد في فضول الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره، وزهد في الناس، وزهد في النفس حيث تهون عليه نفسه في الله، والزهد الجامع لذلك كله هو الزهد فيما سوى ما عند الله، وفي كل ما يشغلك عن الله، وأفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ.
عباد الله: لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا وذم الرغبة فيها في غير موضع، فقال تعالى: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ) [الرعد: 26]، وقال -عز وجل-: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24]، وقال سبحانه: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 23]، وقال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر: 39].
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة". رواه مسلم. وعن سهل بن سعد الساعدي –رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول الله: دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك"، وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء". رواه الترمذي وصححه.
ولذلك فقد كان الأنبياء والمرسلون أزهد الناس، فهم قدوة البشر في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ) [الأنعام: 90]. ومن تأمل حياة سيد الأولين والآخرين علم كيف كان -صلى الله عليه وسلم- يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، وما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض، ولربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل -وهو رديء التمر- ما يملأ بطنه، وفي غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، ويمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار، طعامهم الأسودان: التمر والماء، وكان يقول: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة"، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إنما كان فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي ينام عليه أدمًا حشوه ليف". وأخرجت -رضي الله عنها- كساءً ملبدًا وإزارًا غليظًا فقالت: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذين؛ ولذلك فهو قدوة الناس وأسوتهم في الزهد والعبادة. قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما لي وللدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل رجل سار في يوم شديد الحر، فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها"، وفي لفظ: "ما لي وللدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها". رواه أحمد والترمذي.
لقد حذر الله -تبارك وتعالى- من فتنة الأموال والأولاد في هذه الحياة؛ حتى لا ينشغل العبد بها عن الاستعداد لما أراد الله منه وهو العبادة، فقال تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال: 28]. ونهى -جل وعلا- عن النظر إلى ما في أيدي الناس؛ لأن ذلك مدعاة إلى الركون إلى الدنيا والانشغال بها عن الدار الآخرة الباقية، فقال تعالى: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْواجًا مّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 131].
ولقد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يتخوف الدنيا على أصحابه أن تبسط عليهم كما بسطت على من كان قبلهم، فيتنافسوها كما تنافسها القوم، فتهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء". رواه مسلم.
ولما كان -صلى الله عليه وسلم- هو الأسوة والقدوة فقد سار على دربه الأفاضل والأخيار من أمته، فعن علي -رضي الله عنه- أنه قال: "طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطًا، وترابها فراشًا، وماءها طيبًا، والكتاب شعارًا، والدعاء دثارًا، ورفضوا الدنيا رفضًا". وكتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: "أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم، والسلام". فما أعظمها من وصية وما أحلاها.
وعن عروة بن الزبير أن أم المؤمنين عائشة جاءها يومًا من عند معاوية ثمانون ألفًا، فما أمسى عندها درهم، فقالت لها جاريتها: فهلا اشتريت لنا منه لحمًا بدرهم؟! قالت: لو ذكرتني لفعلت.
وقال ابن مسعود -صلى الله عليه وسلم-: "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا علم له". ولما قدم عمر -رضي الله عنه- الشام تلقاه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض بقدميه في الماء، فقالوا: يا أمير المؤمنين: يلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالتك هذه، فقال: "إنا قوم أعزّنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
ودخل رجل على أبي ذر -رضي الله عنه- فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر: ما أرى في بيتك متاعًا ولا أثاثًا، فقال: "إن لنا بيتًا نوجه إليه صالح متاعنا"، فقال الرجل: إنه لا بد لكم من متاع ما دمتم ها هنا، فقال أبو ذر: "إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه".
وكان عمرو بن العاص –رضي الله عنه- يخطب بمصر ويقول: "ما أبعد هديكم من هدي نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها".
وقال علي –رضي الله عنه-: "تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش إلا جلد كبش، كنا ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح -أي: البعير- بالنهار، وما لي خادم غيرها، ولقد كانت تعجن، وإنَّ قصتها -أي: شعرها- لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
عباد الله: لما حضرت معاذ بن جبل -رضي الله عنه- الوفاة قال: "اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات -أي: قيام الليل-، ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَق الذكر".
وقد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علمًا سعيد بن المسيب، أما أفضلهم على جهة العموم والجملة فأويس القرني، وكان أويس يقول: "توسدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم". وقال مالك بن دينار: "يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي -فاتنة الحي-، فتقول له: أريد مرطًا -أكسية من صوف- فتمرط دينه". أي: تذهب به.
وكان كثير من السلف يعرض لهم المال الحلال، فيقولون: لا نأخذه، نخاف أن يفسد علينا ديننا.
وكان سعيد بن المسيب يتّجر في الزيت، وخلّف أربعمائة دينار، وقال: "إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني".
وقال سفيان الثوري: "الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة".
قال الشافعي في ذم الدنيا والتمسك بها:
فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها | وإن تَجتذِبْها نازعتك كلابُها |
وكان أبو سليمان الداراني يقول: "كل ما شغلك عن الله من أهل ومال وولد فهو مشؤوم".
ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، كما أن فيه تمامَ التوكل على الله، وهو يغرس في القلب القناعة، إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة.
والزاهد يحبه الله ويحبه الناس، فإن امتلَكتَ فاشكُر وأَخرج الدنيا من قلبك، وإن افتَقَرتَ فاصبر فقد طويت عمّن هم أفضل منك، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه، ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها، وكان الصبيان إذا دخلوا بيوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نالوا السقف بأيديهم، فلم يسكن القصور -صلوات الله وسلامه عليه-. وخطب عمر بن الخطاب -وهو خليفة المؤمنين- وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة.
لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله، بل لهوان الدنيا عليه سبحانه، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه، في الأثر: "إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي أحدكم غنمه".
إن الدنيا ظل زائل وسراب راحل، غناها مصيره إلى فقر، وفرحها يؤول إلى ترح، وهيهات أن يدوم بها قرار، وتلك سنة الله تعالى في خلقه، أيامٌ يداولها بين الناس؛ ليعلم الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، إنما هي منازل، فراحل ونازل، وهي بزينتها وبريقها ونعيمها إنما هي:
أحلامُ نومٍ أو كظل زائلٍ | إنّ اللبيب بمثلها لا يخدع |
ومن يرى الناس اليوم وهم يتصارعون على هذه الدنيا ويتكالبون عليها يدرك لماذا يفقد البعض دينه ويضيّع الكثيرُ أهلَه وأولاده، وتنتشر الأحقاد وتُزرع الضغائن وتعمّ البغضاء، وهذا مصداق ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرّق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له". أخرجه أحمد.
ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يوجه أصحابه ويحثهم على الزهد في هذه الدنيا، ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"، وقوله أيضًا: "لأن أقول: سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس". ففي ذلك توجيه منه -صلى الله عليه وسلم- إلى أن الدنيا لا تساوي شيئًا، فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها، له شأن وللناس شأن، فالمؤمن عبدٌ لله في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وسواء أَقْبَلَتِ الدنيا أم أدبرت، فإقبالها إحجام، وإدبارها إقدام، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره، فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء. وإذا تحقق ذلك كان حريًا بالمسلم أن يقبل على العبادة بقلب غير متعلق بهذه الدنيا الفانية ولا بشيء من حطامها.
ألا وصلوا وسلموا على خير الخلق محمد بن عبد الله، عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].