العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
الدعاءُ من أقوى الأسبابِ في دفع المكروه، وحصولِ المطلوب، ولكن قد يتخلَّفُ عنه أثرهُ؛ إما لِضَعفِه في نفسه بأن يكونَ دعاءً لا يُحِبُّه الله لما فيه من العدوان. وإما لضعفِ القلب، وعدمِ إقباله على الله، وجمعيته عليه، وقتَ الدعاء، فيكونُ بمنزلةِ القوس الرخو جدّاً، فإنَّ السهمَ يخرج منه خروجاً ضعيفاً. وإمَّا لِحصولِ المانع من الإِجابة من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، أَمَرَ بالدعاء ووعدَ بالإِجابة، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، توعَّدَ المجرمين بالعقاب ووعَدَ المتقين بالإِثابةِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيُّها الناس: فاتقوا الله -تعالى-، واعلموا: أنَّ الدعاءَ أعظمُ أنواع العبادة، فعن النعمانِ بنِ بشير -رضي الله عنهما- عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدعاءُ هو العبادةُ" ثم قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]. [رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح" وصحَّحه الحاكُم]
وقد أمر الله بدعائه في آيات كثيرة، ووعد بالإِجابة، وأثنى على أنبيائه ورُسُلِه، فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90].
وأخبرَ سبحانه: أنه قريبٌ، يجيبُ دعوةَ الداعي إذا دعاه، فقالَ سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186].
وأمرَ سبحانه: بدعائه، والتضرع إليه، لا سيَّما عند الشدائد والكُرُباتِ، وأخبر أنَّه لا يُجيبُ المضطرَّ، ولا يكشفُ الضرَّ إلا هو، فقال: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل:62].
وذمَّ الذين يُعرضون عن دعائه عند نزول المصائب، وحدوث البأساء، والضراء، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف:94].
وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42،43].
وهذا من رحمتِه وكرمه سبحانه، فهو مع غناه عن خلقه، يأمرُهم بدعائه؛ لأنَّهم هم المحتاجون إليه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15].
وقال تعالى: (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) [محمد:38].
وفي الحديث القدسي: "يا عبادي كلُّكُم ضالٌّ إلاَّ مَنْ هديتهُ، فاستهدوني أَهْدِكُم، يا عبادي كُلُّكم جائعٌ إلا مَنْ أطعمتُه فاستطعموني أُطْعِمْكُم، يا عبادي كلُّكم عارٍ إلا من كسوتُه فاستكسوني أَكْسِكُم، يا عبادي إنَّكم تُخطئون بالليلِ والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً، فاستغفروني أَغْفِرْ لكم"[رواه مسلم].
فادعوا الله -عبادَ الله-، واعلَمُوا: أنَّ لاستجابةِ الدعاء شروطاً لا بد من توفرها، فقد وعد الله سبحانه أن يستجيبَ لمن دعاه، والله لا يخلف وعده، ولكن تكونُ موانع القبول من قِبَلِ العبد.
فمن موانع إجابةِ الدعاء: أن يكونَ العبدُ مضيِّعاً لفرائض الله، مرتكباً لمحارمه ومعاصيه، فهذا قد ابتعدَ عن الله، وقَطَعَ الصلة بينه وبينه، فهو حريٌّ إذا وَقَعَ في شدة ودعا أن لا يُستجابَ له.
وفي الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ يعرِفْكَ في الشدةِ".
يعني: أنَّ العبد إذا اتقى الله، وحَفِظَ حدوده، وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرَّف بذلك إلى الله، وصارَ بينه وبينَ ربِّه معرفةٌ خاصة، فيعرِفُه ربُّه في الشدة، ويراعي له تعرُّفَه إليه في الرخاء، فيُنجيه من الشدائد.
وفي الحديث: "وما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتهُ كنتُ سمعَه الذي يسمَعُ به، وبصرَه الذي يُبْصِرُ به، ويدَه التي يبطشُ بها، ورجلَه التي يمشي بها، ولئن سألَني لأعطينَّه، ولئن استعاذَني لأُعيذَنَّه"[رواه البخاري].
فَمنْ عاملَ الله بالتقوى والطاعة في حالِ رخائه، عامَلَه الله باللطفِ والإِعانة في حال شدته، كما قال تعالى عن نبيه يونس -عليه الصلاة والسلام- لمَّا التقمه الحوتُ: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات:143- 144].
أي: لولا ما تقدَّم له من العملِ الصالح في الرخاء.
وقيل: لولا أنه كانَ من المصلين قبلَ ذلك: (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
أي: لصار له بطنُ الحوت قبراً إلى يوم القيامة.
قال بعض السلف: اذْكُروا الله في الرخاء يذكرْكُم في الشدة، إنَّ يونس -عليه الصلاة والسلام- كانَ يذكُرُ الله فلمَّا وَقَعَ في بطن الحوت، قال الله -تعالى-: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
وإنَّ فرعون كانَ طاغياً ناسياً لذكرِ الله: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ) [يونس:90].
قال الله -تعالى-: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:91].
ومن أعظم موانع قبول الدعاء: أكلُ الحرامِ، وشربُ الحرام، ولبس الحرام، فقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرجلَ يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ، يمُدُّ يديه إلى السماءِ: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشربهُ حرامٌ، وملبسُه حرامٌ، وغُذِّي بالحرامِ، فأَنَّى يُستجابُ لذلك"[رواه مسلم].
فقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أنَّ التمتع بالحرامِ أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذياً أعظمُ مانعٍ من قبول الدعاء.
وفي الحديث: "أَطِبْ مطعمَك تَكُنْ مجابَ الدعوةِ".
فقد ذكر عبدُ الله ابنُ الإِمام أحمد -رحمهما الله- في كتاب "الزهد" قال: "أصابَ بني إسرائيل بلاءٌ، فخرجوا مخرجاً فأوحى الله -عز وجل- إلى نبيِّهم أَنْ أَخْبِرْهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدانٍ نجسة، وترفعون إليّ أَكُفّاً قد سفكتُم بها الدماءَ، وملأتُم بها بيوتَكم من الحرامِ، الآنَ حينَ اشتَدَّ غضبي عليكم لن تزدادوا مني إلاّ بُعْداً".
فتنَبَّهوا لأنفسِكم -أيُّها الناس- وانظُروا في مكاسبكم، ومآكلكم، ومشارِبكم، وما تُغَذُّون به أجسامكم، ليستجيبَ الله دعاءكم وتضرعكم.
ومن موانع قبولِ الدعاء: عدمُ الإِخلاص فيه للهِ؛ لأنَّ الله -تعالى-، يقولُ: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [غافر:14].
وقال تعالى: (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18].
فالذين يدعون معه غيرَه من الأصنام وأصحاب القبور والأضرحة والأولياء والصالحين، كما يفعَلُ عُبَّادُ القبور اليومَ من الاستغاثة بالأموات، هؤلاء لا يستجيبُ الله دعاءَهم إذا دعوه؛ لأنهم لم يخلصوا له.
وكذلك الذين يتوسَّلُون في دعائهم بالموتى، فيقولون: نسألُكَ بفلانٍ أو بجاهِه.
هؤلاء لا يُستجابُ لهم دعاءٌ عند الله؛ لأنَّ دعاءَهم مبتدَعٌ غير مشروع، فالله لم يشرع لنا أن ندعوَهُ بواسطةِ أحدٍ ولا بجاهه، وإنما أَمَرَنا أن ندعُوَه مباشرةً من غير واسطة أحد، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186].
وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60].
فاحذَرُوا من الأدعيةِ الشركية، والأدعيةِ المبتدَعة التي تروجُ اليوم.
ومن موانع قَبولِ الدعاء: أن يدعُوَ الإنسانُ، وقلبُه غافلٌ، فقد روى الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ادعوا الله وأنتم موقنونَ بالإِجابةِ، واعلموا أن الله لا يقبَلُ دعاءً مِنْ قلبٍ غافلٍ لاهٍ".
ومن موانع قبولِ الدعاء: تركُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حُذيفةَ بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروفِ ولتنهَوُنَّ عن المُنْكَرِ، أَو لَيُوشِكَنَّ أَنْ يبعَثَ عليكم عذاباً منه ثم تدعونه فلا يَستجيبَ لكم"[رواه الترمذي].
قال الإِمام ابنُ القيم: الدعاءُ من أقوى الأسبابِ في دفع المكروه، وحصولِ المطلوب، ولكن قد يتخلَّفُ عنه أثرهُ؛ إما لِضَعفِه في نفسه بأن يكونَ دعاءً لا يُحِبُّه الله لما فيه من العدوان.
وإما لضعفِ القلب، وعدمِ إقباله على الله، وجمعيته عليه، وقتَ الدعاء، فيكونُ بمنزلةِ القوس الرخو جدّاً، فإنَّ السهمَ يخرج منه خروجاً ضعيفاً.
وإمَّا لِحصولِ المانع من الإِجابة من أكل الحرام، ورَيْنِ الذنوب على القلوب، واستيلاءِ الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها.
قال: والدعاءُ من أنفعِ الأدوية.
وهو عدوُّ البلاءِ يُدافعُه ويعالجه، ويمنعُ نزولَه ويرفَعُه أو يخففُه إذا نَزَلَ.
وهو سلاح المؤمن، كما روى الحاكمُ في مستدركه من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاءُ سلاحُ المؤمن، وعمادُ الدينِ، ونورُ السَّماواتِ والأرض".
وروى الحاكمُم أيضاً من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدعاءُ ينفَعُ مما نَزَلَ ومما لم ينزلْ، فعليكُم عبادَ الله بالدعاءِ".
فاتقوا الله -عباَد الله-، وألحُّوا على ربِّكم في الدعاء، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدعاءِ".
فالدعاءُ هو أعظمُ أنواع العبادة؛ لأنه يَدُلُّ على التواضُعِ لله، والافتقار إلى الله، ولينِ القلب والرغبةِ فيما عنده، والخوفِ منه تعالى، والاعترافِ بالعَجْزِ والحاجةِ إلى الله.
وتركُ الدعاء يدُلُّ على الكِبْرِ، وقسوةِ القلب، والإِعراض عن الله، وهو سببٌ دخول النار، يقول الله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60].
كما أنَّ دعاءَ الله سبب لدخول الجنة، قال تعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور:25–28].
يخبر سبحانه عن أهلِ الجنة: أنَّهم يسأل بعضهُم بعضاً عن أحوال الدنيا وأعمالهم فيها، وعن السبب الذي أوصلهم إلى دارِ الكرامة، فيقول بعضُهم لبعضٍ: إنَّ السببَ الذي أوصلَهم إلى ما هم فيه من الكرامةِ والسرور، أنَّهم كانوا في دار الدنيا خائفين من ربِّهم ومن عذابِه، فتركوا الذنوب وعملوا الصالحات، وأنَّ الله -سبحانه- مَنَّ عليهم بالهداية والتوفيق، ووَقاهُم عذابَ الحريق، فضلاً منه وإحساناً؛ لأنَّهم كانوا في الدنيا يدعونه أَنْ يقِيَهُم عذابَ السَّمومِ، ويوصلَهم إلى دارِ النعيم.
فادعُوا الله -أيُّها المسلمون-، وأكثروا من دُعائِه مخلصين له الدين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:55- 56].
بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانِه، يجيبُ الداعين، ويحب المتقين، وأشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةَ الحقِّ واليقين، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، أفضلُ الداعين، وأخوفُ الخلق وأخشاهم لربِّ العالمين، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلَموا -رَحِمَكُم الله- أنَّ لِقَبُولِ الدعاء أسباباً إذا وُفِّقَ لها العبدُ حَصَلَتْ له الإجابةُ، قال الإِمامُ ابن القيم -رحمه الله- مبيناً تلكَ الأسباب: وإذا اجتمع مع الدعاء حضورُ القلب، وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادَفَ وقتاً من أوقات الإِجابة الستة، وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذانِ والإقامة، وأدبارَ الصلوات المكتوبات، وعندَ صعودِ الإِمام يوم الجمعة على المنبر حتى تُقضى الصلاة، وآخر سَاعةٍ بعدَ العصر من ذلك اليوم. وصادَفَ خشوعاً في القلب، وانكساراً بين يدي الرب، وذُلاًّ وتضرُّعاً ورِقَّةً، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارةٍ، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمدِ الله، والثناء عليه، ثم ثَنَّى بالصلاةِ على محمد عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قَدَّمَ بين يدي حاجته التوبةَ والاستغفار، ثم دَخَلَ على الله، وأَلَحَّ عليه في المسألة، ودعاه رغبةً ورهبةً، وتوسَّلَ إليه بأسمائه، وصفاته وتوحيده، وقَدَّمَ بين يدي دعائه صدقةً، فإنَّ هذا الدعاء لا يكادُ يُرَدُّ أَبَداً، ولا سيَّما إنْ صادفَ الأدعيةَ التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها مَظِنَّةُ الإِجابة، أو أنها متضمنةٌ للاسمِ الأعظم.
عبادَ الله: والدعاءُ فيه تفريجُ الكُرُبَاتِ، وإغاثةُ اللهفات، والنصرُ على الأعداء، فأكثروا من الدعاءِ لأنفسكم ولإِخوانِكم المسلمين، وادعوا على الكَفَرةِ وأعداءِ الدين، فإنَّ الله قريب مجيب.
واعلَمُوا أنَّ دعوةَ المظلومِ مستجابةٌ، فاحذَرُوا الظلمَ، قال صلى الله عليه وسلم: "واتَّقِ دعوةَ المظلومِ، فإنَّه ليس بينَها وبينَ الله حجابٌ".
فلا تظالموا -يا عبادَ الله-.
واعلموا أنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله... إلخ.