الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | توحيد الأسماء والصفات |
كان العرب - ما عدا قريشا - لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها محتجين بأنهم لا يلبسون ثيابا عصوا الله فيها، وكانت المرأة تطوف عريانة وتجعل على فرجها شيئا يستره بعض الستر، وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، ويحتجون بأنهم وجدوا آباءهم يفعلون ذلك، وفعل آبائهم مستند إلى أمر من الله.
* قال سبحانه وتعالى: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 28]
وجوه إبطال الشبهة:1) طريقة تقليد الآباء طريقة فاسدة.
2) الله - عز وجل - لا يأمر بالفحشاء والقبائح.
3) لم يثبت بطريق العقل أو النقل أن الله أمرهم بالفحشاء، أو بأن يطوفوا حول البيت عراة.
4) الله - سبحانه وتعالى - لا يأمر إلا بالفضيلة والصلاح المحض، إنما الشيطان هو الذي يأمر بالسوء والفحشاء.
5) إنما حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي والشرك.
التفصيل: أولا. فساد طريقة تقليد الآباء:الفاحشة اسم للعمل الذميم، وهي مشتقة من الفحش وهو الكثرة والقوة في الشيء المذموم المكروه، وغلبت الفاحشة في الأفعال الشديدة القبح، وهي التي تنفر منها الفطرة السليمة، أو ينشأ عنها ضر وفساد بحيث يأباها أهل العقول الراجحة، وينكرها أولو الأحلام، ويستحي فاعلها من الناس، ويستتر من فعلها مثل البغاء والزنى والوأد والسرقة، ثم تنهى عنها الشرائع الحقة، فالفعل يوصف بأنه فاحشة قبل ورود الشرع، كأفعال الجاهلية؛ مثل السجود للتماثيل والحجارة وطلب الشفاعة منها وهي جماد، ومثل العري في الحج، وترك تسمية الله عند ذبح الذبائح، وهي من خلق الله وتسخيره، والبغاء واستحلال أموال اليتامى والضعفاء، وحرمان الأقارب من الميراث، واستشارة الأزلام في الإقدام على العمل أو تركه، وقتل غير القاتل؛ لا لشيء إلا أنه من قبيلة القاتل، وتحريمهم على أنفسهم كثيرا من الطيبات التي أحلها الله وتحليلهم الخبائث؛ مثل: الميتة[1] والدم[2].
وقد روي عن ابن عباس أن الفاحشة المذكورة هنا يراد بها طوافهم بالبيت عراة، ويقولون: نطوف كما ولدتنا أمهاتنا، ويتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكان هذا الشيء قد ابتدعوه من عند أنفسهم، فإذا ما سئلوا عن ذلك أجابوا بأنهم متبعون فيه لآبائهم، ويعتقدون أن آباءهم يستندون في فعلهم هذا إلى أمر من الله وشرع.
وكلام ابن عباس إنما يحمل على أن التعري في الحج من أول ما أريد بالفاحشة لا قصرها على ذلك، فكأن أئمة الشرك قد أعدوا لأتباعهم معاذير عن تلك الأعمال ولقنوها إياهم، وجماعها أن ينسبوها إلى آبائهم السالفين الذين هم قدوة لخلفهم، واعتقدوا أن آباءهم أعلم بما في طي تلك الأعمال من مصالح لو اطلع عليها المنكرون لعرفوا ما أنكروا، ثم عطفوا على ذلك أن الله أمر بذلك يعنون أن آباءهم ما فعلوها من تلقاء أنفسهم، ولكنهم رسموها بأمر الله سبحانه وتعالى[3].
لقد رد القرآن اعتذارهم بتقليد الآباء في مواضع عدة،
* منها قوله سبحانه وتعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [البقرة: 170]
* وقوله سبحانه وتعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [المائدة: 104]
فطريقة التقليد فاسدة، وهي حجة داحضة.
فأنكر القرآن عليهم ما كان مماثلا لهذا الاستدلال، وهو كل دليل توكأ على اتباع الآباء في الأمور الظاهر فحشها وفسادها[4].
ثانيا. الله - عز وجل - لا يأمر بالفحشاء:من رد القرآن عليهم أن أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يدحض قولهم،
* فقال سبحانه وتعالى: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 28]
فهذا الذي تفعلونه فاحشة منكرة، والله لا يأمر بمثل ذلك، أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته.
وبهذا دحض حجتهم وأنكر عليهم كل دليل استند إلى ما لا قبل للمستدل بعلمه، فإن قولهم (والله أمرنا بها) (الأعراف: ٢٨) دعوى باطلة إذا لم يبلغهم أمر الله بواسطة مبلغ، فإنهم كانوا ينكرون النبوءة فمن أين لهم تلقي مراد الله تعالى.... فقوله: )قل إن الله لا يأمر بالفحشاء( نقض لدعواهم أن الله أمرهم بها؛ أي بتلك الفواحش، وهو رد عليهم وتعليم لهم، وإفاقة لهم من غرورهم؛ لأن الله متصف بالكمال فلا يأمر بما هو نقص لم يرضه العقلاء وأنكروه، فكون الفعل فاحشة كاف في الدلالة على أن الله لا يأمر به لأن الله له الكمال الأعلى[5].
ثالثا. العقل والنقل يرفضان أن تكون الفحشاء من الله:في قوله سبحانه وتعالى: (إن الله لا يأمر بالفحشاء) تكذيب لهم من طريقي العقل والنقل، أما العقل فتقريره أن هذا الفعل لا خلاف بينكم وبيننا في أنه من الفحشاء؛ أي: أقبح القبائح، والله - عز وجل - منزه بكماله المطلق - الذي لا شائبة للنقص فيه - من أن يأمر بالفحشاء، وإنما الذي يأمر بها هو الشيطان الذي هو مجمع النقائص،
* كما قال سبحانه وتعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 268]
* وقال عز وجل: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169]
وأما طريق النقل فهو أن ما يسند إلى الله - عز وجل - من أمر ونهي لا يثبت بمجرد الدعوى، بل يجب أن يعلم بوحي منه - عز وجل - إلى رسول من عنده ثبتت رسالته بتأييده - عز وجل - له بالآيات البينات، وهذا الاستفهام (أتقولون على الله ما لا تعلمون (28) للإنكار المتضمن للتوبيخ، وللرد على المقلدين، فإنهم باتباع آبائهم وأجدادهم وشيوخهم في آرائهم وأعمالهم الدينية غير المستندة إلى الوحي الإلهي يقولون على الله ما لا يعلمون أنه شرعه لعباده.
رابعا. الله لا يأمر إلا بالفضيلة، والشيطان هو الذي يأمر بالسوء والفحشاء:بعد أن أنكر الله - عز وجل - عليهم أن يكونوا على علم في هذا الطريق النقلي، وهو من باب السلب والنفي، توجهت الأنفس إلى معرفة ما يأمر الله به من محاسن الأعمال ومكارم الأخلاق وجميل الخصال، فبينه بطريق الاستئناف، فقال عز وجل: (قل أمر ربي بالقسط) (الأعراف: ٢٩)، أي: العدل والاعتدال في الأمور كلها أي الفضيلة من كل فعل. فالله أمر بالفضائل وبما تشهد العقول السليمة أنه صلاح محض وأنه حسن مستقيم.
وقد نقل عن ابن عباس: أن القسط قول لا إله إلا الله، وإنما يعني بذلك أن التوحيد من أعظم القسط، وهذا إبطال للفواحش التي زعموا أن الله أمرهم بها لأن شيئا من تلك الفواحش ليس بقسط[6] فما أمر الله به يضاد ما هم عليه من اتباعهم لآبائهم وللشرائع التي وضعها لهم عباد أمثالهم، أنزل عليهم لباسا يواري سوآتهم وريشا يتجملون به كذلك، ويضاد الشرك الذي يزاولونه[7]،
* ثم قال: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف: 29]
أي: توجهوا إلى الله - عز وجل - عند كل مسجد تعبدونه فيه، وادعوه وحده مخلصين له الدين، فلا تشوبوا دعاءكم بأدنى شائبة من الشرك الأكبر أو الأصغر.
ثم يوضح القرآن أن الكل عائد إلى الله، فريق هداهم الله؛ لأنهم جعلوا ولايتهم لله، وفريق ضلوا؛ لأنهم جعلوا ولايتهم للشيطان
* (كما بدأكم تعودون (29) فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون (30) [الأعراف]
فهؤلاء الضالون اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله والشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر
* فقال سبحانه وتعالى: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169]
خامسا. أصول المحرمات عند الله عز وجل:في ختام رد القرآن على هذه الشبهة يبين لهم أصول المحرمات التي حرمها الله حقا وأنها أمور يزاولونها بالفعل،
* فقال سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33]
هذا هو الذي حرمه الله؛ الفواحش من الأعمال المتجاوزة لحدود الله، ظاهرة للناس أو خافية، والإثم وهو كل معصية على وجه الإجمال، والبغي بغير الحق وهو الظلم الذي يخالف الحق والعدل - كما بينها الله أيضا - وإشراك مالم يجعل الله به قوة أو سلطانا مع الله في خصائصه، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون كالذي يقولونه من التحليل والتحريم ومن نسبتهم هذا إلى أمر الله بغير علم ولا يقين[8].
والقصر المفاد من )إنما( في الآية قصر إضافي،[9] مفاده أن الله حرم الفواحش وما ذكر معها لا ما حرمتموه من الزينة والطيبات، فأفاد إبطال اعتقادهم، ثم هو يفيد - بطريق التعريض - أن ما عده الله من المحرمات الثابت تحريمها قد تلبسوا بها[10].
الخلاصة:·الله - عز وجل - متصف بالكمال، فلا يأمر بما هو نقص، والفاحشة نقص، وكيف يأمر سبحانه بنقص لا يرضاه العقلاء وينكرونه؟!
·المعقول والمعلوم أن ما يسند إلى الله - عز وجل - من أمر ونهي لا يثبت بالدعوى، بل يجب أن يعلم بوحي منه سبحانه إلى رسول من عنده مؤيدا بالآيات والبراهين.
·التوبة هي الإنابة والرجوع إلى الله عز وجل، ومجال ذلك النية والفعل، وليست أمرا ظاهريا بارتداء ثياب أو خلعها.
·الله - عز وجل - لا يأمر إلا بالقسط، وبما يتفق مع العقل، وبما فيه الخير لخلقه وإن جهلوا الحكمة من وراء أمره عز وجل، أما الشيطان فهو الذي يأمر بكل سوء وفحشاء ومنكر.