العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يدعي بعض المتقولين أن القرآن الكريم محض وسوسة ألقاها الشيطان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستدلون على ذلك بما يزعمونه من أنه - صلى الله عليه وسلم - ردد قول الشيطان أثناء قراءة سورة النجم: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى"، وهو ما يعرف بقصة الغرانيق. هادفين من هذا إلى التشكيك في إلهية القرآن بنسبته لوساوس الشيطان.
1) الوسوسة حديث مؤقت سرعان ما يزول، وهذا ما لا ينطبق على القرآن الكريم الثابت الخالد الذي لا يزول، ثم إن الإنسان كثيرا ما يوسوس لنفسه خيرا أو شرا، لكنه لا يطلع الآخرين على ما قد ينقص قدره عندهم، أو يحملهم على الاستخفاف به، وإذا كان القرآن الكريم وسوسة شيطانية كما يدعون، فكيف يذم الشيطان نفسه في القرآن، ويحذر الناس منه؟!
2) إن ما استدلوا به على زعمهم من قصة الغرانيق دليل باطل على زعم باطل؛ ذاك أن تلك القصة باطلة لا أصل لها، وإنما أذاعها من له مصلحة في ذيوعها، ثم إن الأمة مجمعة على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس للشيطان عليه سبيل، لا في جسمه بالأذى، ولا على خاطره بالوساس.
تعرف الوسوسة بأنها حديث الصدور، ولا تأخذ جانبا محسوسا، وهي مؤقتة سرعان ما تزول، وهذا لا ينطبق على القرآن الكريم: رسالة الله الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان، ولماذا لم يكمل مسلسل الوسوسة - لو كان الأمر كما زعموا - بعد انقطاع الوحي؟ فالشيطان موجود، والمتهم "إنسان" موجود، فلم توقفت الوسوسة؟ ولم يقدر إنس، ولا جن حتى الآن على تحدي القرآن، ومحاكاة بلاغته وإعجازه، ولن يستطيعوه أبد الدهر. ثم إن الإنسان يوسوس لنفسه خيرا أو شرا، ولكنه لا يبلغ الناس تلك الوساوس، لأن في ذلك ما قد يعرضه للانتقاص.
وإذا تأملنا طبيعة الرسالة التي أوامر القرآن ونواهيه حولها، ووقفنا على خيريتها وقصدها الإصلاحي؛ استبعدنا تماما أن يكون مثل هذا السمو في العرض. والإصلاح في الغاية، وتحبيب الناس في الهداية من وحي قائد الضالين المضلين إبليس اللعين! فأنى لمن جرد نفسه للغواية أن يدعو للهداية؟! وهذا ما أثبته القرآن، والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى - في هذا المقام - ومنها على سبيل المثال
* قوله - عز وجل - حكاية عنه: (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82)) [ص،]
* وقوله - عز وجل - حكاية عنه: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16)) [الأعراف.]
* وقوله - سبحانه وتعالى - حكاية عنه: (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (119) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120)) [النساء.]
بل هل يعقل أن يذم الشيطان نفسه لو كان من وسوسته كما ورد في القرآن؟ من ذلك الآيات:
* (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم (200)) [الأعراف،]
* (ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا (60)) [النساء،]
* (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (83)) [النساء،]
* (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (119)) [النساء]
* ، (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120)) [النساء.]
* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 91]
* ((وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم (22)) [إبراهيم]
* ، (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير (6)) [فاطر.]
هل يدعي عاقل - بعد هذا - أن مثل هذه الآيات السابقة من وسوسة الشيطان؟!
وقولهم: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالناس بسورة النجم، فلما بلغ
* قوله سبحانه وتعالى: (أفرأيتم اللات والعزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)) [النجم]
سجد - صلى الله عليه وسلم - ومن خلفه، وسجد المشركون، وقالوا: ما ذكرت آلهتنا بخير قبل اليوم، زاعمين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال حينئذ: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" - نقول: هذا قول باطل، لا أصل له، وقد أذاع هذه القصة الطاعنون.
وهذا الأمر من قبيل ما اتفق عليه كل العلماء، بل كل الأمة، ونسبة هذه الرؤية أو هذا الرأي إلى الرازي وحده من قبيل التخصيص بغير مقتض.
كما نفى الإمام البيهقي ورودها في السنة؛
فقد جاء عن ابن عباس:
«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم فسجد، وسجد من خلفه المسلمون والمشركون، والإنس والجن».
[2]
وليس فيها حديث الغرانيق، هذا من جانب الرواية نفسها.
أما عن مقتضاها وما تستلزمه من نفي عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالضرورة، وهو ما لم يكن، وثبوت عصمته من الجن عامة وإبليس خاصة خير دليل - إضافة لبطلان الرواية وعدم ثبوتها - على بطلان في قصة الغرانيق [3].
وحول عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول القاضي عياض: "واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشيطان وكفايته منه. لا في جسمه بأنواع الأذى - كالجنون والإغماء - ولا على خاطره بالوساوس" [4] وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوما من الجن على نحو ما أسلفنا؛ فكيف يتلقى القرآن عن الشيطان؟! وكيف يؤمن به نفر منهم؟! وهو ما حكاه القرآن عنهم في
* قوله سبحانه وتعالى: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا (1)) [الجن.]
بل كيف يدعون قومهم للإيمان بما تزعمون أنه وحي من عندهم، فهل يعقل أن يكفر موح بما أوحاه ويدبر عنه؟! يقول الله عز وجل: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين (29)) (الأحقاف)، فكيف يوحون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ثم يتعجبون منه ويؤمنون به ويدعون قومهم إليه؟!
• الوسوسة حديث الصدور وسرعان ما تزول، فكيف يشبه بها القرآن الكريم الخالد الذي لا يزول؟!
• لا يعقل أن يكون القرآن وسوسة شيطان، وفيه ما فيه من الآيات التي تذمه، وتبين حقيقة أمره ورغبته في غواية بني آدم وعداوته الأزلية لهم، وتدعو إلى الاحتراس منه.
• إن طبيعة الرسالة الإصلاحية التي دارت حولها أوامر القرآن ونواهيه، وما فيها من خيرية ودعوة جادة حثيثة لهداية الناس - تجزم باستحالة أن يكون هذا الكلام صادرا عن زعيم الضالين وقائد الغاوين إبليس اللعين، وأنى لمن جرد نفسه وجنده للغواية أن يدعو لهداية؟!
• قصة الغرانيق باطلة لا وجه لها من الصحة - سندا ومتنا ـ؛ أما سندها وثبوتها في الأحاديث فلا ذكر له عن الثقات الأثبات، وقد رفضها العلماء قديما وحديثا، ولم يذكرها البخاري في الرواية. وأما معناها وما تستلزمه فمرفوض؛ لأنها تنفي ما أجمعت الأمة على إثباته من عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفايته من الشيطان في بدنه بالأذى وخاطره بالوساوس.