القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | شبهات حول القرآن |
يشكك بعض المتوهمين في إعجاز القرآن الكريم البلاغي، مستدلين على دعواهم باشتماله على حروف لا معنى لها، افتتحت به أوائل السور مثل: (ص، ق، الم...)، كما زعموا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - شك فيه؛ حيث عاتبه ربه
* في قوله: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (94)) [يونس،]
ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن الكريم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) نزل القرآن على أرباب الفصاحة والبيان، ولو وجدوا فيه ما زعمتم لكانوا أول من شكك فيه وشنع عليه، لكنهم شهدوا له بالبلاغة والبيان.
2) ليست الحروف المقطعة في القرآن الكريم كلاما زائدة دون معنى، وإنما هي معجزة لغوية.
3) الفهم الصحيح للآية التي استدل بها هؤلاء يزيل هذا الوهم لديهم، فالمقصود هنا الفرض والتمثيل، وقيل: بل خوطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالآية والمقصود أمته، وقيل: الخطاب للسامع ممن يجوز عليه الشك.
كان القرآن الكريم أكبر سبب لهداية العرب للحق، فقد نزل على عرب أقحاح، فاقوا الأمم في ميدان الفصاحة والبلاغة، واعتنوا بذلك أتم العناية، وبلغوا المنزلة العظمى في التفنن في البيان؛ فأقاموا الأسواق في الشعر والخطابة، وعلقوا معلقاتهم على الكعبة؛ رفعا لشأن البلاغة والبيان، ومع ذلك انخلعت قلوب صناديد الكفر خوفا من أن تفتن أمام بلاغة القرآن.
لهذا كان من حكمة الله - عز وجل - أن أنزل لهم هذا القرآن بهذه اللغة التي يفتخرون بها، وتعالوا بها على الأمم، فبهرهم القرآن ببديع ألفاظه، وجميل معانيه، وعظيم مقاصده ومبانيه، فخضعوا له وتهيبوا أن يتكلموا فيه طعنا في لفظ أو في إعراب أو في بيان.
وتحداهم القرآن أن يأتوا بمثله فلم يستطعيوا
* فقال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88)) [الإسراء]
، ثم تحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله،
* قال تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (13)) [هود]
، فلما عجزوا أن يأتوا بعشر سور مثله،
* قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 23]
ولقد تعددت مناحي الإعجاز البلاغي في القرآن؛ لأن القرآن بلغ الذروة في صياغته وأسلوبه، قال أبو بكر الباقلاني: "بديع النظم، عجيب التآلف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي عجز الخلق عن الإتيان بمثله".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أكمل الألسنة لسان العرب، وأكمل البلاغة بلاغة القرآن". وقال ابن أبي الإصبع المصري: "وإذا انتهيت إلى بلاغة الكتاب العزيز انتهيت إلى نهاية البلاغة".
وقد طفق العلماء يكتبون بصدق صادق في بلاغة القرآن وطرائق نظمه، ونورد هنا بعض ما ذكره علماء التفسير والبلاغة حول بعض الكلمات القرآنية التي تحمل حشدا من الصور البلاغية:
•
* في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة: 38]
فعند سماع قوله تعالى: (اثاقلتم) تشخص في الخيال صورة ذلك الجسم "المثاقل" الذي يرفعه الرافعون في جهد شديد، فيسقط من أيديهم في ثقل، ولو كانت الكلمة "تثاقلتم" لخف جرس هذه الكلمة، وتوارت الصورة المطلوبة التي استقل هذا اللفظ برسمها.
•
* وفي قوله تعالى: (ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87)) [البقرة،]
قال ابن عاشور: "وجاء تقتلون بالمضارع عوضا عن الماضي لاستحضار الحالة الفظيعة، وهي حال قتلهم رسلهم، مع ما في صيغة "تقتلون" من مراعاة الفواصل، فاكتمل بذلك بلاغة المعنى وحسن النظم [1].
فكيف مع هذه البلاغة والفصاحة يتهم القرآن باحتوائه على كلام ليس بليغا وليس له معنى.
ذكر العلماء والمفسرون أن للحروف المقطعة معاني وتفسيرات عديدة منها:
1. أنها حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها.
2. أنها أدوات صوتية مثيرة لانتباه السامعين، الغرض منها تفريغ القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة.
3. أنها إشارة إلى حروف الهجاء، أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها كلامهم.
4. أنها أسماء للسور التي وردت فيها، وسميت بها إشعارا بأنها كلمات معروفة التركيب.
5. أنها حروف مقطعة، لكنها معجزة بلاغيا، تحمل أحد أوجه الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم، فمثلا: في سورة "ق"
* قال تعالى: (ق والقرآن المجيد (1)) [ق]
، تدل على بلاغة القرآن العالية في أسلوبه حين يوائم ما بين الكلمة المعجمة في معناها وبين جيرانها من ألفاظ اللغة العربية في الآيات التي تتلوها، حتى أمست واحدة من مفرداتها.
وكذلك الأمر في سورة "ص" في
* قوله تعالى: (ص والقرآن ذي الذكر (1)) [ص]
فكلمة "صاد" في اللغة المصرية القديمة لها عدة معان منها: يتقول على، يشي بـ، يسيء إلى، يدعي، يعتقد، إلى غير ذلك من المعاني.
وتفسير أول السورة في ضوء هذا المعنى: تقولوا عليك وأساءوا واتهموك بإتيان ما ليس له سند، وتقولوا أيضا على القرآن، وأساءوا إلى ما به من قصص السابقين، بل هم في استكبار وإعراض عما تبلغ به.
وبهذا البيان يتضح لنا معنى الحرف "ص"، ومما يؤازر هذا المعنى - بما لا يدع مجالا للشك - كلمة "المتكلفين" في
* قوله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين (86)) [ص،]
فيرد عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه ليس كما تقولوا عليه ولا يتكلف شيئا من عنده.
ثالثا. التفسير الصحيح للآية ينفي دعوى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شك في القرآن:
أما ادعاؤهم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - شك في القرآن، مستدلين على هذا
* بقوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [يونس: 94]
فالمقصود به هو: الفرض والتمثيل، كأنه قيل: فإن وقع لك شك مثلا - وهذا لم ولن يحدث - فاسأل الذين يقرأون الكتاب، وقد قدم الله ذكر بني إسرائيل، وهم قراء الكتاب، وذكر أن العلم قد جاءهم؛ لأن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم،
* فقال: (فإن كنت في شك مما أنزلنا)، []
والغرض وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل الله إلى رسول الله، لا وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشك فيه،
* ثم قال: (لقد جاءك الحق من ربك) []
، أي: ثبت أن ما أتاك الله هو الحق الذي لا مدخل فيه للمرية:
* (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (94) ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين (95)) [يونس]
أي: فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك، ويجوز أن يكون الغرض هو زيادة التثبيت والعصمة.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لا والله ما شك طرفة عين، ولا سأل أحدا منهم"؛ ولأنه لم يسأل - وهو جواب الشرط في أول الآية - فيكون الشرط لم يحصل، وهو شك النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: خوطب - صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته وقيل: الخطاب للسامع ممن يجوز عليه الشك.
وعلى ذلك فالمسلمون أولى بالاستمساك بدينهم ونبيهم - صلى الله عليه وسلم - لأن القرآن معصوم، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - رسول بشر به عيسى عليه السلام [2].
• عجز العرب وهم أهل البلاغة أن يأتوا بمثل ما أتى به القرآن الكريم من بلاغة، وحسن بيان، وروعة نظم، فخضعوا له هيبة أن يتكلموا فيه طعنا في لفظ أو إعراب أو بيان، بل على العكس شهدوا بأنه يعلو ولا يعلى عليه.
• الحروف المقطعة في القرآن الكريم لها معان عديدة ذكرها العلماء والمفسرون، كما تشتمل على نكات بلاغية ذات قيمة وأهمية في سياق السور.
• لم يكن
* قوله سبحانه وتعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [يونس: 94]
، عتابا للرسول، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاكا في ما أنزل إليه، بل إن للعلماء عدة توجيهات لهذه الآية، منها: أنه - صلى الله عليه وسلم - خوطب، والمراد أمته، وقيل: الخطاب للسامع ممن يجوز عليه الشك، إلى غير ذلك من التفاسير.