الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | مجموعة مؤلفي بيان الإسلام |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | جمع القرآن - شبهات حول القرآن |
يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم قد وقع فيه شيء من التحريف بالحذف، ويستدلون على ذلك بأن عثمان حذف منه بعض السور الموجودة في مصحفي "على"و "أبي" مثل الولاية والحفد والنورين، ويتساءلون: كيف يثق المسلمون فيما بين أيديهم من القرآن بعد ذلك ويزعمون أنه مصون عن التحريف؟ ويرمون من وراء ذلك إلى التشكيك في صون الله للقرآن ووعده بحفظه.
1) لا ينكر منصف أن الله تعهد بحفظ كتابه؛ فحفظ وكتب في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجمع في عهد الصديق - رضي الله عنه -، ووحد في عهد عثمان - رضي الله عنه - من غير تحريف ولا نقصان.
2) توحيد المصاحف لم يكن من رأي عثمان - رضي الله عنه - وحده حتى يحذف أو يزيد ما يشاء، بل هي بمشورة ومراقبة لجنة عليا من حفظة القرآن وكتبه الوحي، ثم ما جدوى أن يحذف عثمان - رضي الله عنه - بعض السور وهو الذي جهد في جمعه؟ ولماذا هذه السور بعينها دون غيرها؟
3) كيف يحذف عثمان من القرآن ويسكت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على حذف ما كانوا يحفظون ويقرأون طيلة ثلاثة عهود سابقة؟! وهل يحذف عثمان - رضي الله عنه - من القرآن ما هو بشأن على وأبي - رضي الله عنهما - ولا ينكر عليه أحد منهما هذا، بل - على العكس - يثنيان عليه؟!
بمقتضى
* قوله - سبحانه وتعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)) [الحجر،]
تكفل الله بحفظ القرآن في كل الأحيان والأحوال، ففي حالة نزول الوحي، وحينما كان الرسول يتعجل في ترديده ليحفظه، هون الله عليه، وضمن حفظه له،
* فقال: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما (114)) [طه،]
وفي حالة جمع القرآن
* قال - سبحانه وتعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه (17)) [القيامة،]
وفي حفظ القرآن عامة،
* قال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)) [الحجر.]
ومن معاني الآيات، حفظ القرآن في الصدور، وخطه على السطور، فكان تدوين القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرورة لا بد منها لحفظه، وإبقاء قدسيته؛ إذ إن حفظ الصدور لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتريه النسيان، والوهم في بعض الأحيان، ولذلك أشعر القرآن - نفسه - النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الكرام، بضرورة الكتابة في مواضع كثيرة، بل إن من أسمائه "الكتاب" من الكتابة، وهذا يقتضي أن يكون مكتوبا كما أشار عبد الله بن يوسف الجديع في كتابه المقدمات الأساسية في علوم القرآن.
ومن ثم فقد اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة مأمونة من أصحابه، ممن كانوا يعرفون الكتابة؛ ليكتبوا ما ينزل من القرآن عليه، فضلا عن كون الكتابة مأذونا فيها، لكل من شاء أن يكتب يؤكد من بعض الوجوه قوله - صلى الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه». [1]وعلة ذلك مدركة، وهي الخوف من اختلاط ما ليس من القرآن بالقرآن كما ألمح لهذا د. محمد شرعي في رسالته عن جمع القرآن.
ثم جاء دور جبل الأمة وصديقها، أبي بكر الصديق، وخوفه من ذهاب القرآن بذهاب حملته، وظهر ذلك في إشارة عمر عليه - رضي الله عنهما ـ؛ حيث قال له عمر: "إني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن (بالمعارك) فيذهب كثير من القرآن، أرى أن تأمر بجمع القرآن "، وبعد تردد من أبي بكر من فعل ما لم يفعله رسول الله، وبعد أن شرح الله صدره لذلك، أمر زيدا بجمع القرآن، من الصدور، والجريد، والجلود [2]، وجمعه أبو بكر في بيته، ثم انتقل إلى بيت حفصة في ولاية عمر، حتى جاء دور الجبل الثاني - عثمان بن عفان - إذ إنه خاف على الأمة من الافتتان في دينها، بسبب اختلاف الحروف التي يقرأ بها القرآن.
وكان نسخ عثمان للمصحف موضع الرضا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قرت به أعينهم وطابت به نفوسهم؛ إذ أمنوا بذلك على كتاب ربهم، ووحدة أمتهم، وهو لعمري من أجل الأعمال التي قام بها عثمان - رضي الله عنه - لصيانة هذا الدين وتوحيد هذه الأمة، وإن هذا العمل لا يقل قدرا عن الفتوحات الإسلامية التي حدثت في عهده، فحماية كتاب الله - سبحانه وتعالى - وصيانته من التحريف والتبديل، لا تقل بحال عن حماية الأعراض والحرمات ونشر الإسلام هنا وهناك.
ومن كل ماسبق نستنتج أن: القرآن دستور الإسلام وصراطه المستقيم، ومنهجه القويم قد تكفل الله بحفظه، فقيض له فريقا كبيرا من خيار الخلق، فأودعه صدورهم، فحملوه إلينا، فأخذناه منهم كما أنزل بالتلقي مشافهة وكتابة، من غير أدنى لبس أو تحريف بكل الوجوه التي تلقوها من فم النبي - صلى الله عليه وسلم، فجزى الله عثمان وجزى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القرآن وأهل القرآن خير الجزاء [3].
وليس من المنطق في شيء أمام هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبعد أن تكفل الله بحفظه، وهيأ له من الأسباب ما حفظه بشتى الطرق والوسائل فلم تنله - عبر العصور - زيادة ولا نقصان - ليس من المنطق بعد كل هذا أن نضرب بهذه الحقائق الثابتات عرض الحائط لمجرد دعوى لا تبعد كثيرا عن جملة الدعاوى التي لا يملك أصحابها للتدليل عليها قوي دليل ولا ضعيفه، ونعتقد أنه من الأحرى بأصحابها أن يسلموا لله بما وعد ولا يعولوا على مثل تلك الأقاويل التي لن تنال من سلامة كتاب الله المحفوظ في قليل ولا كثير.
ومما يدل على أن هذا العمل لم يكن من رأي عثمان - رضي الله عنه - وحده ما جاء عن أنس قال: «إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان - رضي الله عنه - وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية، وأذربيجان، مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة؛ فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف فننسخها ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن - أي في كتابته - فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في صحيفة أو مصحف أن يحرق» [4].
وقد جاء أن عثمان: جمع اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار، فيهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص. [5] وأرسل الرقعة التي في بيت عمر قال: فحدثني كثير بن أفلح، وكان ممن يكتب، قال: إذا اختلفوا في شيء أخروه، قال ابن سيرين: أظنه ليكتبوه على العرضة الأخيرة [6].
وكان ممن عاون في الكتابة والإملاء بالإضافة إلى الأربعة السابق ذكرهم كثير بن أفلح، ومالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس، وأبي بن كعب، وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس [7]، فهؤلاء تسعة قد علموا، وهم من خيار الصحابة الاثني عشر، وكلهم عدول من سادات وأشراف صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ونخلص من مجموع الروايات السابقة أن عثمان لم يكن وحده في عملية جمع القرآن، وتوحيد المصاحف في مصحف واحد حتى يتسنى له أن يحذف أو يغير ما يشاء، بل الواضح من هذه الروايات أن عثمان - رضي الله عنه - لم يتدخل تدخلا مباشرا معهم في عملية توحيد المصاحف، وإنما كان دوره منحصرا في إدارة العملية والإشراف عليها، ومتابعة اللجنة المكونة من أفاضل الصحابة، حتى تمت العملية بنجاح دقيق.
وإذا استقر في أذهاننا هذا، نتساءل: أفي عثمان يشككون؟! أم في عدالة الصحابة الكرام وأمانتهم يطعنون؟! وإذا افترضنا - جدلا - أن بإمكان عثمان أن يحذف في المصحف ويحرف وأنه - معاذ الله - ليس من الأمانة بحيث سوغ لنفسه هذا إننا حتى بعد هذا الافتراض مازلنا أمام شيء غير قليل من الاستفهام التعجبي المحلق في أخلادنا بين رجل يبذل جهده في جمع القرآن والعمل على حفظه وحفظ الأمة من الاختلاف بشأنه، ثم هو في الوقت ذاته يحذف منه! إنه تناقض من حاملي هذه الدعوى لم يفطنوا إليه في الغالب ولو فطنوا ما لاكوها بألسنتهم.
وإذا تجاوزنا هذا التناقض لنعود فنفترض ثانية أن عثمان - رضي الله عنه - بالفعل حذف سورا من القرآن أمثال: النورين والحفد والولاية؛ نتساءل لماذا حذف هذه السور بعينها دون غيرها؟! وما الفائدة التي ستعود عليه من حذف السورة الأولى من هذه السور - النورين - بالذات؟! ومعلوم أن النورين هما: زوجتا عثمان - رقية وأم كلثوم -، وهنا نتساءل: هل من المنطق أن يحذف إنسان ذكر أهل بيته من موضع قرآني من شأنه أن يخلد ذكرهم وذكره هو الآخر؟! إن هذا لا يستقيم!!
إذا نظرنا إلى هذا الكلام فلن نتكبد جهدا أو نتكلف قولا، إذا قلنا: إن هذه أدعية ربما كان أبي - رضي الله عنه - يحتفظ بها معه في مصحفه أو في غير مصحفه - وذلك على فرض صحة نسبتها لأبي بن كعب - وأن أبيا كان يعلم أنها أدعية - مأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم، ومما يدلل على ذلك أنه لم يؤثر عنه إنكار لصنيع عثمان - رضي الله عنه - ومن معه حين كتبوا المصحف بخصوص ذلك، مع أنهم كان يستشيرونه فيما كانوا يصنعون [8].
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن السورتين المنسوبتين لمصحف أبي هما في الأصل أدعية مأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهما:
التي يقال عنها سورة الولاية نصها: "بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك".
بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد [9]، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق".
وهذا الكلام بين النسبة لأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - المأثورة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية إذا أضفنا لهاتين السورتين المزعومتين السورة المنسوبة لمصحف على - رضي الله عنه؛ نتساءل: إذا كانت هذه السور منسوبة لمصاحف اثنين كانا شاهدين حال جمع القرآن في عهد عثمان، فلماذا لم يذكر الصحابة بهم إن كانوا قد نسوهم؛ أو يخرجوا عليهم إن كانوا قد تعمدوا حذفهم؟!
وهل يعقل أن يحذف عثمان - رضي الله عنه - ما بشأن مصحف على - رضي الله عنه، ولا ينكر عليه ويتمنى لو كان هو صاحب هذا الشرف العظيم في خدمة القرآن، والأعظم من ذلك أنه يدافع دفاعا شديدا عن عثمان ضد من ينقم منه هذا الأمر، فقد ورد فيما نقله أبو بكر الأنباري عن سويد بن غفلة، قال سمعت علي بن أبي طالب يقول: "يا معشر الناس، اتقوا الله، وإياكم والغلو في عثمان، وقولكم: حراق مصاحف، فوالله ما حرقها إلا على ملأ منا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ".
وعن عمر بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب: "رحم الله عثمان، لو كنت وليته - أي: كنت وليا على أمر كتابة المصحف - لفعلت ما فعل في المصاحف" [10].
• ليس من المنطق في شيء أن نتجاهل وعد الله المحقق بحفظ كتابه، ونغض الطرف عما أحاط جمع القرآن من دقة وأمانة بالغة من القائمين عليه من أبناء الرعيل الأول، ليس من المنطق أن نضرب صفحا عن كل هذا أمام دعوى لا تستند إلى دليل.
• إذا علمنا أن مسألة جمع القرآن في مصحف واحد لم تكن من عند عثمان وحده، ولم تنفذ من تلقاء نفسه وبمفرده، بل كانت بإشراف منه على لجنة عليا فيها خيرة الصحابة من حفظة القرآن وكتبه الوحي - إذا علمنا هذا نتساءل: كيف يتسنى لعثمان أن يحذف ويحرف في حضور هذا الجمع الغفير من الصحابة الأثبات؟!
• حقيقة الأمر أن السور المزعومة في أصلها أدعية مأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم، ونظرة متأنية في آثاره - صلى الله عليه وسلم - تقف بنا على تلك الحقيقة وبخاصة في السورتين المنسوبتين لمصحف أبي بن كعب - رضي الله عنه - الحفد والولاية.
• كيف يبذل عثمان - رضي الله عنه - جهده في صون المصحف وصون المسلمين عن الفتنة، ثم يحذف هو منه بعض سوره، وإذا تجاوزنا هذا التناقض؛ نتساءل: ما جدوى أن يحذف عثمان بعض سور القرآن؟! وأي عاقل هذا الذي يحذف ما من شأنه أن يخلد ذكره وذكر أهل بيته؟!