القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | باحثو مركز أصول |
القسم | موسوعة الشبهات المصنفة |
النوع | صورة |
اللغة | العربية |
المفردات | الأسرة في الإسلام - فقه المرأة المسلمة |
مضمونُ السؤال:
يريدُ السائلُ أن يقولَ: إن القولَ بعدمِ مناسَبةِ التعدُّدِ لطبيعةِ المرأةِ، أمرٌ لا يَرجِعُ لحقيقةٍ ثابتةٍ، وإنما ذلك - بحسَبِ زعمِ السائل - كذبةٌ صنَعَتْها الثقافةُ الذكوريَّةُ؛ لتَسمَحَ بالتعدُّدِ للرجُلِ فقطْ.
مختصَرُ الإجابة:
تعدُّدُ الأزواجِ هو - في حقيقتِهِ - يشتمِلُ على جميعِ المفاسدِ التي يشتمِلُ عليها الزِّنى؛ مِن اختلاطِ الأنساب، وانتشارِ الأمراض، وإفسادِ المرأةِ المَصُونة.
أما تعدُّدُ الزوجاتِ، فهو يشتمِلُ على مصالحَ أباح اللهُ تعالى تعدُّدَ الزوجاتِ مِن أجلِها؛ كإعالةِ النساءِ اللواتي لا مُعِيلَ لهُنَّ، وحلِّ مشكِلةِ عُقْمِ الزوجةِ لمَن يريدُ الإنجابَ، وغيرِ ذلك.
ومعرفةُ جميعِ الأصنافِ والأجسامِ والألوانِ، ليست غايةً للنكاح، ولا لتعدُّدِ الزوجات، وما أكثرَ ما يفسُدُ الزواجُ إذا كان بهذا الهدَفِ؛ وإنما يكونُ مِثلُ هذا الهدفِ غايةً للعَلاقةِ بين الرجُلِ والمرأةِ في النظرةِ الإباحيَّةِ للعَلاقةِ بين الرجُلِ والمرأة.
كان العربُ يعدِّدون الزوجاتِ قبل الإسلامِ إلى عَشْرِ نِسْوةٍ فأكثَرَ، ويسمُّون المرأةَ التي تكونُ مع أخرى في عِصْمةٍ: «الضَّرَّةَ»، فيقولون: «امرأةٌ مُضِرٌّ»، أي: ذاتُ ضرائرَ، و«رجُلٌ مُضِرٌّ»، أي: زوجُ ضرائرَ.
ولما جاء الإسلامُ، أباح للرجُلِ أن يتزوَّجَ اثنتَيْنِ، أو ثلاثًا، أو أربعًا، إنْ أَمِنَ مِن الجَوْرِ بينهنَّ، وإلا وجَبَ عليه أن يقتصِرَ على واحدةٍ؛ كما قال تعالى:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾
[النساء: 3].
أي: فلكلِّ مَن يريدُ الجمعَ أن يتزوَّجَ مِن النساءِ باثنتَيْنِ، أو ثلاثٍ، أو أربعٍ، سواءٌ اتفَقَ الأزواجُ في عدَدِ زوجاتِهِنَّ، أمِ اختلَفوا، مع الشرطِ المذكور، وهو العدلُ بينهنَّ.
وقد عُرِفَ في أصولِ الشريعةِ: أن الشيءَ قد يكونُ فيه نفعٌ، وتكونُ فيه مَفسَدةٌ أعظمُ مِن النفع، فيُنْهى عنه؛ كالخمرِ والقِمارِ؛ قال تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾
[البقرة: 219]
؛ فنهى عنهما حيثُ غلَبَ الإثمُ على النفع.
وقد يكونُ فيه ضرَرٌ، ونفعُهُ أكبَرُ مِن ضرَرِهِ؛ فيأذَنُ فيه؛ كالحربِ فيها ضرَرٌ، وهو موتُ فريقٍ مِن رجالِ الأمَّة، ولكنَّ العِزَّةَ والكرامةَ التي تنالُها الأمَّةُ بعد الحربِ أكبرُ مِن ضرَرِها بدرَجةٍ قُصْوى؛ فأُذِنَ فيها.
ومِن هذا البابِ: تعدُّدُ الزوجاتِ، فيه ضرَرٌ على إحدى الزَّوْجاتِ بمشارَكةِ الأخرى لها في الزوجِ، وفيه مصالحُ للزوجِ والأمَّةِ إذا رُوعِيَ شرطُهُ؛ وهو العدلُ بينهنَّ.
فالإسلامُ أباح تعدُّدَ الزوجاتِ على وجهِ الرخصةِ للرجلِ لأسبابٍ طبيعيَّةٍ واجتماعيَّة؛ فقد تُصابُ الزوجةُ بمرَضٍ يَمنَعُ الزوجَ مِن ملابَستِها، أو تكونُ مصابةً بعُقْمٍ يَمنَعُ مِن النَّسْل، ولتوثيقِ صلةِ الزوجِ بأسرةٍ أخرى تظاهِرُهُ وتُعينُه.
ثم إن الرجالَ على فرضِ مساواتِهم للنساءِ في العدَدِ، فإنهم يتعرَّضون لأخطارٍ لا يتعرَّضُ لها النساءُ، مِن حربٍ ونحوِها؛ فيَنشَأُ عن ذلك أن تكونَ نساءٌ خالياتٌ مِن رجالٍ يقومون عليهِنَّ، ويَحفَظون حرَمَهُنَّ، ويَدفَعون عنهُنَّ قالةَ السُّوء، والمشاهَدةُ تدُلُّ على زيادةِ النساءِ على الرجال.
وإذا وقَعَ ظُلْمٌ ممن عدَّد الزوجاتِ، فلعدمِ الثقافةِ الإسلاميَّةِ، أو التهاوُنِ بها؛ فإذا كافَحَ وليُّ الأمرِ هذه الجهالةَ، أو التهاوُنَ بأحكامِ الدِّين، فأرى الناسَ حقائقَ دِينِهم وآدابَهُ بالمعلِّمينَ الراشِدين، والوُعَّاظِ المخلِصين -: صار تعدُّدُ الزوجاتِ على قَدْرِ ما تدعو إليه المصلحةُ الظاهرة، ولا يقَعُ لمجرَّدِ حظِّ النفسِ والانحطاطِ في أهوائِها.
فالتعليمُ السليمُ، والعِظاتُ البالغةُ، تُوجِدُ عند الرجالِ مِن الأخلاقِ ما لا تُوجِدُهُ المحاكمُ السائدة.
والعيوبُ التي يذكُرُها مَن يدَّعي ضرَرَ التعدُّدِ، إنما هي نتيجةُ الجهلِ بالتشريع، أو التهاوُنِ به، ولا شكَّ أنها تزولُ بالتهذيبِ والموعظةِ، كما كان ذلك في العصورِ الزاهرةِ بالدِّين.
فالمنصِفون مِن الناسِ - ولو مِن غيرِ المسلِمين - يعترِفون أن الإذنَ في تعدُّدِ الزوجاتِ - مع مراعاةِ العدلِ بينهنَّ - ضروريٌّ في الأمَّة، إذا أرادت أن تعيشَ في عفافٍ وعِزَّةٍ بكثرةِ نَسْلِها، وصيانةِ أعراضِها؛ وهذا ما توخَّاه الإسلامُ في إباحةِ تعدُّدِ الزوجاتِ، مع رعايةِ شروطِه.
كما أن تعدُّدَ الزوجاتِ مقيَّدٌ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ؛ فلا يُبيحُ الإسلامُ الزواجَ فوق أربعِ زوجاتٍ، ولا يُبيحُ الجمعَ بين الأختَيْن، وبين المرأةِ وعمَّتِها أو خالتِها؛ وهذا كلُّه غيرُ موجودٍ عند الطوائفِ التي تُبيحُ التعدُّدَ في الدياناتِ والمذاهبِ الأخرى؛ كطائفةِ المُورْمُونِ التي انشقَّت عن النصرانيَّة، والتي تُبيحُ لأتباعِها التعدُّدَ بلا ضوابطَ.
أما «تعدُّدُ الأزواجِ» الذي جاء السؤالُ عنه، فهو مِن حيثُ الحقيقةُ والواقعُ لا مصلحةَ فيه حتى تُبيحَهُ الشريعةُ، والشريعةُ جاءت بالعدلِ ووضعِ الأمورِ في مواضِعِها، ولم تأتِ بالمساواةِ في كلِّ شيءٍ، بل المساواةُ بين المختلِفَيْنِ: هي عينُ الظلمِ والفساد.
ومَن نظَرَ في تعدُّدِ الأزواجِ، وجَدَ أنه في حقيقتِهِ زِنًى؛ فجميعُ مفاسدِ الزِّنى موجودةٌ فيه:
فتعدُّدُ الأزواجِ يتضمَّنُ اختلاطَ الأنساب، وإفسادَ المرأةِ المَصُونة، وتعريضَها للتلَفِ والفساد، ويتضمَّنُ نَشْرَ الأمراضِ والأوبئة.
وتعدُّدُ الأزواجِ زِنًى، والزِّنى يُوجِبُ الفقرَ، ويقصِّرُ العُمْرَ، ويكسو صاحبَهُ سوادَ الوَجْهِ، وثوبَ المَقْتِ بين الناس.
وتعدُّدُ الأزواجِ زِنًى، والزِّنى يشتِّتُ القلب، ويُمرِضُهُ إن لم يُمِتْه.
وتعدُّدُ الأزواجِ زِنًى، والزِّنى يَجلِبُ الهمَّ والحزنَ والخوفَ، ويباعدُ صاحبَهُ مِن الملَك، ويقرِّبُ منه الشيطان.
فليس بعد مَفسَدةِ القتلِ أعظمُ مِن مفسدةِ الزِّنى، وتعدُّدُ الأزواجِ هو نوعٌ مِن أنواعِ الزِّنى.
وراجِعْ: جوابَ السؤال رقم: (65)، (148)، (264).