الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | علي بن يحيى الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
يعمر القلب بمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فضل الله بالتفكر في الخير الذي وصلنا عن طريقه، وهو الخير العظيم الذي لا يعدله خير، وبالنظر في سيرته وجهاده، وحرصه على نشر الدعوة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وما لقي في سبيل ذلك من التعب والنصب والأذى، وبالنظر في جميل صفاته الخُلُقية والخَلْقِية التي بلغت من الكمال البشري ما لا نظير له، حتى...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إن للنبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته حقوقاً كثيرة، جاءت ببيانها نصوص الكتاب والسنة، فأعظم حقوقه: الإيمان برسالته -صلى الله عليه وسلم-، والشهادة له بها باطنا وظاهراً، قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) [التغابن: 8].
وقال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفتح: 9 - 8].
وقال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد: 28].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار" [أخرجه مسلم].
وعنه -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
والإيمان به، يعني: التصديق بنبوته ورسالته بالقلب، والنطق بالشهادة له باللسان، والانقياد والقبول والمتابعة لما جاء به -صلى الله عليه وسلم-.
أما التلفظ بالشهادة له دون تصديق القلب، أو دون قبول وإذعان وانقياد ومحبة وتعظيم لما جاء به، فهذه الشهادة لا تنفع صاحبها؛ لأنها كشهادة المنافقين الذين قال الله فيهم: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1].
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم-: طاعته بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره، وهذا من لوازم الإيمان برسالته عليه الصلاة والسلام، وقد أمر الله بطاعة رسوله في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، قال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 32].
وقال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النور: 54].
فأمر بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أخبر أن من تولى عن طاعة الله ورسوله، فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله ولا رسوله شيئاً، بل هو الذي سيجازى على توليه وإعراضه.
ثم بين سبحانه أن الهدى إنما هو في طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومعنى ذلك أن معصيته ضلالة، فإنه ليس بعد الحق إلا الباطل، وليس بعد الهدى إلا الضلالة، قال تعالى في الآية الأخرى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب:36].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد:33].
يأمر سبحانه وتعالى عباده بطاعته وطاعته رسوله، ثم نهاهم عن إبطال طاعتهم بارتكاب ما يؤدي إلى إبطالها من الرياء والمنّ بالعمل الصالح، وفعل الكبائر التي تضمحل معها أجور الطاعات وحسناتها، والردة بما يخرج من الملة -والعياذ بالله-.
وقال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء:80].
في هذه الآية: يخبر سبحانه: أن طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من طاعة الله -تعالى-، فإنه لا يأمر إلا بما شرعه الله وأوحاه إليه، فهو صلى الله عليه وسلم معصوم في التبليغ.
وبين سبحانه: أن المؤمن حقاً وصدقاً هو من يطيع الله ورسوله، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال:1].
فمن لم يطع الله ورسوله أصلاً فليس بمؤمن، ومن نقصت طاعته لله ورسوله نقص إيمانه بقدر ذلك.
ووعد من أطاعه وأطاع رسوله بالرحمة، إذ الطاعة من أسباب فوز العبد برحمة الله، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 132].
وإذا رحمك الله غفر لك ذنبك، وحفظك في مستقبل عمرك.
ووعد الله من أطاعه وأطاع رسوله بالدرجة العليا من الجنة، وبمرافقة أصحاب الدرجات العلى فيها، فقال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) [النساء: 69].
وكما أمر الله -تعالى- بطاعة رسوله، فقد حذر العباد من معصيته، وتوعد من عصاه بالوعيد الشديد، والعقوبات البالغة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
فأمر سبحانه عباده بالحذر من مخالفة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والإعراض عنه، والزهد فيه، حتى لا تصيبهم فتنة، أي بلاء في الدنيا، وقد تصل الفتنة بصاحبها إلى الشرك -والعياذ بالله-، وحتى لا يصيبهم عذاب مؤلم موجع في الآخرة.
وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء:14].
وكما جاء الكتاب الكريم بالأمر بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بطاعته، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" فقالوا : يا رسول الله من يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" [أخرجه البخاري].
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثلى ومثل ما بعثنى الله به كمثل رجل أتى قوما، فقال: يا قوم إنى رأيت الجيش بعينى، وإنى أنا النذير العريان فالنجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعنى، فاتبع ما جئت به، ومثل من عصانى وكذب بما جئت به من الحق" [أخرجه البخاري ومسلم].
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي" [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني" [متفق عليه].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "دَعُوني ما تركتُكم، فإنما أَهلكَ من كان قبلَكم كثرةُ سؤالهم، واختلافُهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيء فاجْتَنِبُوه، وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم" [متفق عليه].
جعلني الله وإياكم من الطائعين له ولرسوله، الممتثلين أمره قدر الاستطاعة، المجتنبين نهيه رغبة فيما عنده، إنه سميع قريب مجيب الدعوات.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم- ولوازم الإيمان برسالته: تصديق أخباره، فإنه الصادق المصدوق صادق في خبره مصدوق فيما أوحي إليه، فإن ما أخبر به من أمر الغيب إنما هو وحي أوحي اليه من الله، ولا أصدق من الله حديثاً، قال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) [النساء: 87].
وقال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) [النساء: 122].
فمن كذب الله ورسوله فقد كفر، ومن شك في صدقهما فقد كفر -والعياذ بالله-، فيجب الإيمان والتصديق بأخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- التي أخبر بها، وثبتت عنه في السنة الصحيحة -بحكم أهل الحديث-، ويدخل في أخباره ما أخبر به من أسماء الله -تعالى- وصفاته، وما أخبر به من أخبار الغيب الماضية والمستقبلة، وما أخبر به مما يكون بعد الموت من البعث والنشور، والجنة والنار، وغير ذلك.
فالله -تعالى- هو وحده عالم الغيب، ولكنه يطلع من يشاء من رسله على ما يشاء من أمر الغيب، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) [الجـن: 28 - 27].
ومن الناس من يتشكك في كثير من أخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه بشبه واهية ما أنزل الله بها من سلطان، فهذا خلاف سبيل المؤمنين، بل أخباره كلها تقابل بالتصديق سواء جاءت بطريق التواتر أو الآحاد وصل إليها العلم الحديث أم لم يصل.
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم-: محبته محبة تفوق محبة النفس والوالد والولد، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" [أخرجه البخاري ومسلم].
وعن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده" [أخرجه البخاري].
وعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر" [رواه البخاري].
فمن أبغض الرسول -صلى الله عليه وسلم- -والعياذ بالله- فهو كافر، ومن لم يكن في قلبه محبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- أصلاً فهو كافر؛ لأن هذه صفة الكافر كفر إعراض، لا يحب الرسول ولا يبغضه.
ومن قدم محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على محبة نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، فهذا أتى بالكمال الواجب.
ومن أحب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه ربما آثر هواه على طاعة الرسول، فهذا قد نقص حبه عن الكمال الواجب، وهو الإيمان المنفي في حديث أنس وأبي هريرة.
وقد توعد الله -تعالى- من كانت دنياه أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24].
فتوعد بالعذاب من قدم محبة هذه المذكورات على محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله، وسمى هذا الصنف بالفاسقين -والعياذ بالله-.
إن دعوى محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ميسورة، ولكن برهان المحبة الحقيقي، يتجلى في الاتباع والطاعة، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
ويعمر القلب بمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فضل الله بالتفكر في الخير الذي وصلنا عن طريقه، وهو الخير العظيم الذي لا يعدله خير، وبالنظر في سيرته وجهاده، وحرصه على نشر الدعوة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وما لقي في سبيل ذلك من التعب والنصب والأذى، وبالنظر في جميل صفاته الخُلُقية والخَلْقِية التي بلغت من الكمال البشري ما لا نظير له، حتى قال له ربه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم-: أن نتخذه أسوة وقدوة في العقيدة والعبادة والأخلاق والآداب، وفي كل شأن، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21].
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فمن رغب عن سنتي فليس مني".
اللهم ارزقنا حب نبيك -صلى الله عليه وسلم- حباً صادقاً، وارزقنا اتباعه على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك، واتبع رضاك، يارب العالمين.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا يوم يقوم الحساب.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا.
ربنا إنك رؤوف رحيم.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.