البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...


مَصَرٌ

بفتح أوله وثانيه، وتشديد الراء، يجوز أن يكون مفعلا من أصرّ على الشيء إذا عزم أو من صرّ الجندب أو من صرير الباب: وهو واد بأعلى حمى ضريّة، وقد تكسر الصاد، عن الحازمي.

[معجم البلدان]

مِصْرُ

سمّيت مصر بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح، عليه السّلام، وهي من فتوح عمرو بن العاص في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقد استقصينا ذلك في الفسطاط، قال صاحب الزيج: طول مصر أربع وخمسون درجة وثلثان، وعرضها تسع وعشرون درجة وربع، في الإقليم الثالث، وذكر ابن ما شاء الله المنجم أن مصر من إقليمين: من الإقليم الثالث مدينة الفسطاط، والإسكندرية، ومدن إخميم، وقوص، واهناس، والمقس، وكورة الفيوم، ومدينة القلزم، ومدن أتريب، وبنى، وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عرض مدينة الإسكندرية وأتريب وبنى وما والى ذلك ثلاثون درجة، وإن عرض مصر وكورة الفيوم وما والى ذلك تسع وعشرون درجة، وإن عرض مدينة اهناس والقلزم ثمان وعشرون درجة، وإن عرض إخميم ست وعشرون درجة، ومن الإقليم الرابع تنيس ودمياط وما والى ذلك من أسفل الأرض، وإن عروضهنّ إحدى وثلاثون درجة، قال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله تعالى: وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين، قال: يعني مصر، وإن مصر خزائن الأرضين كلها وسلطانها سلطان الأرضين كلها، ألا ترى إلى قول يوسف، عليه السّلام، لملك اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، ففعل فأغاث الله الناس بمصر وخزائنها، ولم يذكر، عز وجل، في كتابه مدينة بعينها بمدح غير مكة ومصر فإنه قال: أليس لي ملك مصر، وهذا تعظيم ومدح، وقال: اهبطوا مصرا، فمن لم يصرف فهو علم لهذا الموضع، وقوله تعالى: فإن لكم ما سألتم، تعظيم لها فإن موضعا يوجد فيه ما يسألون لا يكون إلا عظيما، وقوله تعالى: وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته، وقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، وقال: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّا لقومكما بمصر بيوتا، وسمّى الله تعالى ملك مصر العزيز بقوله تعالى: وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، وقالوا ليوسف حين ملك يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ، فكانت هذه تحيّة عظمائهم، وأرض مصر أربعون ليلة في مثلها، طولها من الشجرتين اللتين كانتا بين رفح والعريش إلى أسوان، وعرضها من برقة إلى أيلة، وكانت منازل الفراعنة، واسمها باليونانية مقدونية، والمسافة ما بين بغداد إلى مصر خمسمائة وسبعون فرسخا، وروى أبو ميل أن عبد الله بن عمر الأشعري قدم من دمشق إلى مصر وبها عبد الرحمن بن عمرو ابن العاص فقال: ما أقدمك إلى بلدنا؟ قال: أنت أقدمتني، كنت حدثتنا أن مصر أسرع الأرض خرابا ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع واطمأننت، فقال: إن مصر قد وقع خرابها، دخلها بختنصر فلم يدع فيها حائطا قائما، فهذا هو الخراب الذي كان يتوقع لها، وهي اليوم أطيب الأرضين ترابا وأبعدها خرابا لن تزال فيها بركة ما دام في الأرض إنسان، قوله تعالى: فإن لم يصبها وابل فطلّ، هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت وإن أصابها أضعف زكاها، وقالوا: مثلت الأرض على صورة طائر، فالبصرة ومصر الجناحان فإذا خربتا خربت الدنيا، وقرأت بخط أبيعبد الله المرزباني حدثني أبو حازم القاضي قال: قال لي أحمد بن المدبّر أبو الحسن لو عمّرت مصر كلها لوفت بالدنيا، وقال لي: مساحة مصر ثمانية وعشرون ألف ألف فدّان وإنما يعمل فيها في ألف ألف فدّان، وقال لي: كنت أتقلّد الدواوين لا أبيت ليلة من الليالي وعليّ شيء من العمل، وتقلّدت مصر فكنت ربما بتّ وعليّ شيء من العمل فأستتمه إذا أصبحت، قال: وقال لي أبو حازم القاضي: جبى عمرو بن العاص مصر لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اثني عشر ألف ألف دينار فصرفه عثمان وقلّدها عبد الله بن أبي سرح فجباها أربعة عشر ألف ألف، فقال عثمان لعمرو: يا أبا عبد الله أعلمت أن اللّقحة بعدك درّت؟ فقال: نعم ولكنها أجاعت أولادها، وقال لنا أبو حازم: إن هذا الذي رفعه عمرو بن العاص وابن أبي سرح إنما كان عن الجماجم خاصّة دون الخراج وغيره، ومن مفاخر مصر مارية القبطية أمّ إبراهيم ابن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ولم يرزق من امرأة ولدا ذكرا غيرها وهاجر أم إسماعيل، عليه السّلام، وإذا كانت أمّ إسماعيل فهي أم محمد، صلّى الله عليه وسلّم، وقال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم صهرا، وقرأت بخط محمد بن عبد الملك النارنجي حدثني محمد بن إسماعيل السلمي قال: قال إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف وهو ابن عم أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الشافعي قال: كتبت إلى أبي عبد الله عند قدومه مصر أسأله عن أهله في فصل من كتابي إليه فكتب إليّ: وسألت عن أهل البلد الذي أنا به وهم كما قال عباس بن مرداس السّلمي: إذا جاء باغي الخير قلن بشاشة. .. له بوجوه كالدنانير: مرحبا وأهلا ولا ممنوع خير تريده، ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنّبا وفي رسالة لمحمد بن زياد الحارثي إلى الرشيد يشير عليه في أمر مصر لما قتلوا موسى بن مصعب يصف مصر وجلالتها: ومصر خزانة أمير المؤمنين التي يحمل عليها حمل مؤنة ثغوره وأطرافه ويقوّت بها عامّة جنده ورعيته مع اتصالها بالمغرب ومجاورتها أجناد الشام وبقية من بقايا العرب ومجمع عدد الناس فيما يجمع من ضروب المنافع والصناعات فليس أمرها بالصغير ولا فسادها بالهين ولا ما يلتمس به صلاحها بالأمر الذي يصير له على المشقة ويأتي بالرفق، وقد هاجر إلى مصر جماعة من الأنبياء وولدوا ودفنوا بها، منهم: يوسف الصدّيق، عليه السّلام، والأسباط وموسى وهارون، وزعموا أن المسيح، عليه السّلام، ولد بأهناس، وبها نخلة مريم، وقد وردها جماعة كثيرة من الصحابة الكرام، ومات بها طائفة أخرى، منهم: عمرو بن العاص وعبد الله بن الحارث الزبيدي وعبد الله بن حذافة السهمي وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم، قال أمية: يكتنف مصر من مبدئها في العرض إلى منتهاها جبلان أجردان غير شامخين متقاربان جدّا في وضعهما أحدهما في ضفّة النيل الشرقية وهو جبل المقطّم والآخر في الضّفّة الغربية منه والنيل منسرب فيما بينهما من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط فثمّ تتّسع مسافة ما بينهما وتنفرج قليلا ويأخذ المقطم منها شرقا فيشرف على فسطاط مصر ويغرب الآخر على وراب من مسلكيهما وتعريج مسليكهما فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومي الذي عليه الفرما وتنّيس ودمياط ورشيد والإسكندرية، ولذلك مهبّ الشمال يهب إلى القبلة شيئا مّا، فإذا بلغت آخر مصر عدت ذات الشمال واستقبلت الجنوب وتسير في الرمل وأنت متوجّه إلى القبلة فيكون الرمل من مصبّه عن يمينك إلى إفريقية وعن يسارك من أرض مصر الفيوم منها وأرض الواحات الأربع وذلك بغربي مصر وهو ما استقبلته منه، ثم تعرّج من آخر الواحات وتستقبل المشرق سائرا إلى النيل تسير ثماني مراحل إلى النيل ثم على النيل صاعدا وهي آخر أرض الإسلام هناك وتليها بلاد النوبة ثم تقطع النيل وتأخذ من أرض أسوان في الشرق منكّبا على بلاد السودان إلى عيذاب ساحل البحر الحجازي، فمن أسوان إلى عيذاب خمس عشرة مرحلة، وذلك كله قبليّ أرض مصر ومهبّ الجنوب منها، ثمّ تقطع البحر الملح من عيذاب إلى أرض الحجاز فتنزل الحوراء أول أرض مصر وهي متصلة بأعراض مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وهذا البحر المذكور هو بحر القلزم وهو داخل في أرض مصر بشرقيّه وغربيّه، فالشرقيّ منه أرض الحوراء وطبة فالنبك وأرض مدين وأرض أيلة فصاعدا إلى المقطم بمصر، والغربي منه ساحل عيذاب إلى بحر القلزم إلى المقطم، والبحري مدينة القلزم وجبل الطور، وبين القلزم والفرما مسيرة يوم وليلة وهو الحاجز بين البحرين بحر الحجاز وبحر الروم، وهذا كله شرقي مصر من الحوراء إلى العريش، وذكر من له معرفة بالخراج وأمر الدواوين أنه وقف على جريدة عتيقة بخط أبي عيسى المعروف بالنّويس متولي خراج مصر يتضمن أن قرى مصر والصعيد وأسفل الأرض ألفان وثلاثمائة وخمس وتسعون قرية، منها: الصعيد تسعمائة وسبع وخمسون قرية، وأسفل أرض مصر ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية، والآن فقد تغيّر ذلك وخرب كثير منه فلا تبلغ هذه العدّة، وقال القضاعي: أرض مصر تنقسم قسمين فمن ذلك صعيدها وهو يلي مهبّ الجنوب منها وأسفل أرضها وهو يليّ مهبّ الشمال منها، فقسم الصعيد عشرون كورة وقسم أسفل الأرض ثلاث وثلاثون كورة، فأما كور الصعيد: فأولاها كورة الفيوم، وكورة منف، وكورة وسيم، وكورة الشرقية، وكورة دلاص، وكورة بوصير، وكورة أهناس، وكورة الفشن، وكورة البهنسا، وكورة طحا، وكورة جيّر، وكورة السّمنّودية، وكورة بويط، وكورة الأشمونين، وكورة أسفل أنصنا وأعلاها، وكورة قوص وقاو، وكورة شطب، وكورة أسيوط، وكورة قهقوه، وكورة إخميم، وكورة دير أبشيا، وكورة هو، وكورة إقنا، وكورة فاو، وكورة دندرا، وكورة قفط، وكورة الأقصر، وكورة إسنا، وكورة أرمنت، وكورة أسوان. .. ثم ملك مصر بعد وفاة أبيه بيصر ابنه مصر ثم قفط بن مصر، وذكر ابن عبد الحكم بعد قفط اشمن أخاه ثم أخوه أتريب ثم أخوه صا ثم ابنه تدراس بن صا ثم ابنه ماليق بن تدراس ثم ابنه حربتا بن ماليق ثم ابنه ملكي بن حربتا فملكه نحو مائة سنة ثم مات ولا ولد له فملك أخوه ماليا إن حربتا ثم ابنه طوطيس بن ماليا وهو الذي وهب هاجر لسارة زوجة إبراهيم الخليل، عليه السّلام، عند قدومه عليه، ثم مات طوطيس وليس له إلّا ابنة اسمها حوريا فملكت مصر، فهي أول امرأة ملكت مصر من ولد نوح، عليه السّلام، ثم ابنة عمها زالفا وعمّرت دهرا طويلا فطمع فيهم العمالقة وهم الفراعنة وكانوا يومئذ أقوى أهل الأرض وأعظمهم ملكا وجسوما وهم ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السلام، فغزاهم الوليد بن دوموز وهو أكبرالفراعنة وظهر عليهم ورضوا بأن يملّكوه فملكهم خمسة من ملوك العمالقة: أولهم الوليد بن دوموز هذا ملكه نحوا من مائة سنة ثم افترسه سبع فأكل لحمه، ثم ملك ولده الريان صاحب يوسف، عليه السلام، ثم دارم بن الريان وفي زمانه توفي يوسف، عليه السّلام، ثم غرّق الله دارما في النيل فيما بين طرا وحلوان، ثم ملك بعده كاتم بن معدان فلما هلك صار بعده فرعون موسى، عليه السّلام، وقيل: كان من العرب من بليّ وكان أبرش قصيرا يطأ في لحيته، ملكها خمسمائة عام ثم غرّقه الله وأهلكه وهو الوليد بن مصعب، وزعم قوم أنه كان من قبط مصر ولم يكن من العمالقة، وخلت مصر بعد غرق فرعون من أكابر الرجال ولم يكن إلا العبيد والإماء والنساء والذراري فولوا عليهم دلوكة، كما ذكرناه في حائط العجوز، فملكتهم عشرين سنة حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم من قوي على تدبير الملك فملّكوه وهو دركون بن بلوطس، وفي رواية بلطوس، وهو الذي خاف الروم فشق من بحر الظلمات شقّا ليكون حاظرا بينه وبين الروم، ولم يزل الملك في أشراف القبط من أهل مصر من ولد دركون هذا وغيره وهي ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة إلى أن قدم بختنصر إلى بيت المقدس وظهر على بني إسرائيل وخرّب بلادهم فلحقت طائفة من بني إسرائيل بقومس بن نقناس ملك مصر يومئذ لما يعلمون من منعته فأرسل إليه بختنصر يأمره أن يردّهم إليه وإلا غزاه، فامتنع من ردّهم وشتمه فغزاه بختنصر فأقام يقاتله سنة فظهر عليه بختنصر فقتله وسبى أهل مصر ولم يترك بها أحدا وبقيت مصر خرابا أربعين سنة ليس بها أحد يجري نيلها في كل عام ولا ينتفع به حتى خرّبها وخرّب قناطرها والجسور والشروع وجميع مصالحها إلى أن دخلها ارميا النبي، عليه السّلام، فملكها وعمّرها وأعاد أهلها إليها، وقيل: بل الذي ردّهم إليها بختنصر بعد أربعين سنة فعمّروها وملّك عليها رجلا منهم فلم تزل مصر منذ ذلك الوقت مقهورة، ثم ظهرت الروم وفارس على جميع الممالك والملوك الذين في وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاثين سنة وحاصروهم برّا وبحرا إلى أن صالحوهم على شيء يدفعونه إليهم في كل عام على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمتهم، ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشام وألحّوا على مصر بالقتال، ثم استقرّت الحال على خراج ضرب على مصر من فارس والروم في كل عام وأقاموا على ذلك تسع سنين ثم غلبت الروم فارس وأخرجتهم من الشام وصار صلح مصر. كله خالصا للروم وذلك في عهد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في أيام الحديبية وظهور الإسلام، وكان الروم قد بنوا موضع الفسطاط الذي هو مدينة مصر اليوم حصنا سموه قصر اليون وقصر الشام وقصر الشمع، ولما غزا الروم عمرو بن العاص تحصّنوا بهذا الحصن وجرت لهم حروب إلى أن فتحوا البلاد، كما نذكره إن شاء الله تعالى في الفسطاط، وجميع ما ذكرته ههنا إلا بعض اشتقاق مصر من كتاب الخطط الذي ألّفه أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، وقال أميّة: ومصر كلها بأسرها واقعة من المعمورة في قسم الإقليم الثاني والإقليم الثالث معظمها في الثالث، وأما سكان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفو الأصناف من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وأرمن وحبشان وغير ذلك من الأصناف والأجناس إلا أن جمهورهم قبط، والسبب في اختلاطهم تداول المالكين لها والمتغلّبين عليها من العمالقة واليونانيين والروم والعرب وغيرهم فلهذا اختلطت أنسابهم واقتصروا منالانتساب على ذكر مساقط رؤوسهم، وكانوا قديما عبّاد أصنام ومدبّري هياكل إلى أن ظهر دين النصرانية بمصر فتنصّروا وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأسلم بعضهم وبقي البعض على دين النصرانية، وغالب مذهبهم يعاقبة، قال: أما أخلاقهم فالغالب عليها اتباع الشهوات والانهماك في اللذات والاشتغال بالتنزهات والتصديق بالمحالات وضعف المرائر والعزمات، قالوا: ومن عجائب مصر النّمس وليس يرى في غيرها وهو دويبة كأنها قديدة فإذا رأت الثعبان دنت منه فيتطوّى عليها ليأكلها فإذا صارت في فمه زفرت زفرة وانتفخت انتفاخا عظيما فينقدّ الثعبان من شدّته قطعتين، ولولا هذا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر وهي أنفع لأهل مصر من القنافذ لأهل سجستان، قال الجاحظ: من عيوب مصر أن المطر مكروه بها، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ 7: 57، يعني المطر وهم لرحمة الله كارهون وهو لهم غير موافق ولا تزكو عليه زروعهم، وفي ذلك يقول بعض الشعراء: يقولون مصر أخصب الأرض كلها، . .. فقلت لهم: بغداد أخصب من مصر وما خصب قوم تجدب الأرض عندهم بما فيه خصب العالمين من القطر إذا بشّروا بالغيث ريعت قلوبهم كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر قالوا: وكان المقوقس قد تضمّن مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار وكان يجبيها عشرين ألف ألف دينار وجعلها عمرو بن العاص عشرة آلاف ألف دينار أول عام وفي العام الثاني اثني عشر ألف ألف، ولما وليها في أيام معاوية جباها تسعة آلاف ألف دينار، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة عشر ألف ألف دينار، وقال صاحب الخراج: إن نيل مصر إذا رقي ستة عشر ذراعا وافى خراجها كما جرت عادته، فإن زاد ذراعا آخر زاد في خراجها مائة ألف دينار لما يروي من الأعالي، فإن زاد ذراعا آخر نقص من الخراج الأول مائة ألف دينار لما يستبحر من البطون، قال كشاجم يصف مصر: أما ترى مصر كيف قد جمعت بها صنوف الرياح في مجلس السوسن الغضّ والبنفسج وال ورد وصنف البهار والنرجس كأنها الجنّة التي جمعت ما تشتهيه العيون والأنفس كأنما الأرض ألبست حللا من فاخر العبقريّ والسّندس وقال شاعر آخر يهجو مصر: مصر دار الفاسقينا تستفزّ السامعينا فإذا شاهدت شاهد ت جنونا ومجونا وصفاعا وضراطا وبغاء وقرونا وشيوخا ونساء قد جعلن الفسق دينا فهي موت الناسكينا وحياة النائكينا وقال كاتب من أهل البندنيجين يذمّ مصر: هل غاية من بعد مصر أجيئها. .. للرزق من قذف المحل سحيقلم يأل من حطّت بمصر ركابه. .. للرزق من سبب لديه وثيق نادته من أقصى البلاد بذكرها، وتغشّه من بعد بالتعويق كم قد جشمت على المكاره دونها من كل مشتبه الفجاج عميق وقطعت من عافي الصّوى متخرّقا ما بين هيت إلى مخارم فيق فعريش مصر هناك فالفرما إلى تنّيسها ودميرة ودبيق برّا وبحرا قد سلكتهما إلى فسطاطها ومحلّ أيّ فريق ورأيت أدنى خيرها من طالب أدنى لطالبها من العيّوق قلّت منافعها فضجّ ولاتها، وشكا التّجار بها كساد السوق ما إن يرى فيها الغريب إذا رأى شيئا سوى الخيلاء والتبريق قد فضّلوا جهلا مقطّمهم على بيت بمكة للإله عتيق لمصارع لم يبق في أجداثهم منهم صدى برّ ولا صدّيق إن همّ فاعلهم فغير موفّق، أو قال قائلهم فغير صدوق شيع الضلال وحزب كل منافق ومضارع للبغي والتّنفيق أخلاق فرعون اللعينة فيهم، والقول بالتشبيه والمخلوق لولا اعتزال فيهم وترفّض من عصبة لدعوت بالتّغريق وبعد هذا أبيات ذكرتها في رحا البطريق، وما زالت مصر منازل العرب من قضاعة وبليّ واليمن، ألا ترى إلى جميل حيث يقول: إذا حلّت بمصر وحلّ أهلي بيثرب بين آطام ولوب مجاورة بمسكنها تجيبا، وما هي حين تسأل من مجيب وأهوى الأرض عندي حيث حلّت بجدب في المنازل أو خصيب وبمصر من المشاهد والمزارات: بالقاهرة مشهد به رأس الحسين بن علي، رضي الله عنه، نقل إليها من عسقلان لما أخذ الفرنج عسقلان وهو خلف دار المملكة يزار، وبظاهر القاهرة مشهد صخرة موسى ابن عمران، عليه السّلام، به أثر أصابع يقال إنها أصابعه فيه اختفى من فرعون لما خافه، وبين مصر والقاهرة قبّة يقال إنها قبر السيدة نفيسة بنت الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومشهد يقال إن فيه قبر فاطمة بنت محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت محمد الباقر، ومشهد فيه قبر رقيّة بنت علي بن أبي طالب، ومشهد فيه قبر آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، والله أعلم، وبالقرافة الصغرى قبر الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وعنده في القبة قبر علي بن الحسين بن علي زين العابدين وقبر الشيخ أبي عبد الله الكيراني وقبور أولاد عبد الحكم من أصحاب الشافعي، وبالقرب منها مشهد يقال إن فيه قبر علي بن عبد الله بن القاسم ابن محمد بن جعفر الصادق وقبر آمنة بنت موسى الكاظم في مشهد، ومشهد فيه قبر يحيى بن الحسين بنزيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقبر أمّ عبد الله بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق وقبر عيسى بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، ومشهد فيه قبر كلثم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ثم حمل إلى مصر فدفن هناك، وعلى باب درب معالي قبة لحمزة بن سلعة القرشي، وعلى باب درب الشعارين المسجد الذي باعوا فيه يوسف الصديق، عليه السلام، وبها غير ذلك مما يطول شرحه، منهم بالقرافة يحيى ابن عثمان الأنصاري وعبد الرحمن بن عوف، والصحيح أنه بالمدينة، وقبر صاحب انكلوته وقبر عبد الله بن حذيفة بن اليمان وقبر عبد الله مولى عائشة وقبر عروة وأولاده وقبر دحية الكلبي وقبر عبد الله بن سعيد الأنصاري وقبر سارية وأصحابه وقبر معاذ بن جبل، والمشهور أنه بالأردنّ، وقبر معن بن زائدة، والمشهور أنه بسجستان، وقبر ابنين لأبي هريرة ولا أعرف اسميهما وقبر روبيل بن يعقوب وقبر اليسع وقبر يهوذا بن يعقوب وقبر ذي النون المصري وقبر خال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وهو أخو حليمة السعدية، وقبر رجل من أولاد أبي بكر الصديق وقبر أبي مسلم الخولاني وهو بغباغب من أعمال دمشق، ويقال الخولاني عند داريا، وقبر عبد الله بن عبد الرحمن الزهري، وبالقرافة أيضا قبر أشهب وعبد الرحمن بن القاسم وورش المدني وقبر أبي الثريا وعبد الكريم بن الحسن ومقام ذي النون النبيّ وقبر شقران وقبر الكر وأحمد الروذباري وقبر الزيدي وقبر العبشاء وقبر علي السقطي وقبر الناطق والصامت وقبر زعارة وقبر الشيخ بكّار وقبر أبي الحسن الدينوري وقبر الحميري وقبر ابن طباطبا وقبور كثير من الأنبياء والأولياء والصدّيقين والشهداء، ولو أردنا حصرهم لطال الشرح.

[معجم البلدان]

مصر

ناحية مشهورة، عرضها أربعون ليلة في مثلها. طولها من العريش إلى اسوان وعرضها من برقة إلى ايلة. سميت بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح، عليه السلام، وهي أطيب الأرض تراباً وأبعدها خراباً، ولا يزال فيها بركة ما دام على وجه الأرض إنسان. ومن عجائبها انه إن لم يصبها مطر زكت بخلاف سائر النواحي، وإن أصابهاضعف زكاؤها. ووصف بعض الحكماء مصر فقال: إنها ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاثة أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمردة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء. قال كشاجم: أما ترى مصر كيف قد جمعت بها صنوف الرّياحين في مجلس السّوسن الغضّ والبنفسج وال ورد وصفّ البهار والنّرجس كأنّها الأرض ألبست حللاً من فاخر العبقريّ والسّندس كأنّها الجنّة التي جمعت ما تشتهيه العيون والأنفس ومن عجائبها زيادة النيل عند انتقاص جميع المياه في آخر الصيف، حتى يمتليء منه جميع أرض مصر، فإذا زاد اثني عشر ذراعاً ينادي المنادي كل يوم: زاد الله في النيل المبارك كذا وكذا. وفي وسط النيل مسجد بناه المأمون لما ذهب إلى مصر، وخلف المسجد صهريج، وفي وسط الصهريج عمود من الرخام الأبيض طوله أربعة وعشرون ذراعاً، وكتب على كل ذراع علامة، وقسم كل ذراع أربعاً وعشرين إصبعاً، وكل إصبع ستة أقسام. وللصهريج منفذ إلى النيل يدخل إليه الماء، فأي مقدار زاد في النيل عرف من العمود، وعلى العمود قوم أمناء يشاهدون ذلك ويخبرون عن الزيادة، فإذا بلغ ستة عشر ذراعاً وجب الخراج على أهل مصر، فإذا زاد على ذلك يزيد في الخصب والخير إلى عشرين، فإن زاد على ذلك يكون سبباً للخراب. واليوم الذي بلغ الماء فيه ستة عشر ذراعاً يكون يوم الزينة، يخرج الناس بالزينة العظيمة لكسر الخلجان فتصير أرض مصر كلها بحراً واحداً. والماء يخرج الفئران والثعابين من جحرتها، فتدخل على الناس في القرى ويأكلها الكلاب والزيغان، ويبقى ماء النيل على وجه الأرض أربعين يوماً ثم يأخذ في الانتقاص. وكلما ظهر شيء من الأرض يزرعها الاكرة وتمشي عليها الأغنام لغيب البذر في الطين، ويرمون بذراً قليلاً فيأتي بريع كثير لأن الله تعالى جعل فيه البركة.وبها نهر النيل؛ قالوا: ليس على وجه الأرض نهر أطول من النيل لأن مسيره شهر في بلاد الإسلام، وشهران في بلاد النوبة، وأربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء. وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال، ويمد في شدة الحر عند انتقاص المياه والأنهار كلها، ويزيد بترتيب وينقص بترتيب إلا النيل. قال القضاعي: من عجائب مصر النيل، جعله الله تعالى سقياً يزرع عليه ويستغنى عن المطر به في زمان القيظ، إذا نضبت المياه. وسبب مده ان الله تعالى يبعث ريح الشمال فيقلب عليه البحر الملح، فيصير كالسكر فيزيد حتى يعم الربى والعوالي ويجري في الخليج والمساقي، فإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وحضرت أيام الحراثة، بعث الله ريح الجنوب فأخرجته إلى البحر الملح وانتفع الناس بما أروى من الأرض. ولهم مقياس ذكرنا قبل يعرفون به مقدار الزيادة ومقدار الكفاية. قال القضاعي: أول من قاس النيل بمصر يوسف، عليه السلام، وبنى مقياسه بمنف، وذكر أن المسلمين لما فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمر بن العاص حين دخل بؤونه من شهر القبط وقالوا: أيها الأمير إن لبلدنا سنة لا يجري النيل إلا بها، وذلك انه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل ليجري. فقال لهم عمرو: إن هذا في الإسلام لا يكون، وإن الإسلام يهدم ما قبله! فأقاموا بؤونه وابيب ومسرى وهو لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى هم الناس بالجلاء. فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بذلك، فكتب عمر إليه: قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله! وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل. وإذا في الكتاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك! فألقىعمرو بن العاص البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء لأن مصالحهم لا تقوم إلا بالنيل، فأصبحوا وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة. وأما أصل مجراه فإنه يأتي من بلاد الزنج، فيمر بأرض الحبشة حتى ينتهي إلى بلاد النوبة، ثم لا يزال جارياً بين جبلين بينهما قرى وبلدان، والراكب فيه يرى الجبلين عن يمينه وشماله حتى يصب في البحر. وقيل: سبب زيادته في الصيف أن المطر يكثر بأرض الزنجبار، وتلك البلاد ينزل الغيث بها كأفواه القرب ويصب السيول إلى النيل من الجهات، فإلى أن يصل إلى مصر ويقطع تلك المفاوز يكون القيظ ووقت الحاجة إليه. من عجائب النيل التمساح لا يوجد إلا فيه، وقيل بنهر السند أيضاً يوجد، إلا أنه ليس في عظم النيلي، وهو يعض الحيوان، وإذا عض اشتبكت أسنانه واختلفت فلم يتخلص منها الذي يقع فيها حتى يقطعه. ويحترز الإنسان من شاطيء النيل لخوف التمساح؛ قال الشاعر: أضمرت للنّيل هجراناً ومقليةً. .. مذ قيل لي: إنّما التّمساح في النّيل فمن رأى النّيل رأي العين عن كثبٍ فما أرى النّيل إلاّ في البواقيل والبواقيل: كيزان يشرب منها أهل مصر. وبها شجرة تسمى باليونانية موقيقوس، تراها بالليل ذات شعاع متوهج يغتر برؤيتها كثير من الناس، يحسبها نار الرعاة، فإذا قصدها كلما زاد قرباً زادت خفاء حتى إذا وصل إليها انقطع ضوؤها. وبها حشيشة يقال لها الدلس، يتخذ منها حبال السفن وتسمى تلك الحبال القوقس. تؤخذ طعة من هذا الحبل وتشعل فتبقى مشتعلة بين أيديهم كالشمع، ثم تطفأ وتمكث طول الليل، فإذا احتاجوا إلى الضوء أخذوا بطرفه وأداروه ساعة كالمخراق فيشتعل من نفسه.وبها نوع من البطيخ الهندي تحمل اثنتان منه على جمل قوي، وهي حلوة طيبة. وبها حمير في حجم الكباش ملمعة بشبه البغال، ليس مثلها في شيء من البلاد، إذا أخرجت من موضعها لم تعش. وبها طير كثير أسود البدن أبيض الرأس يقال له عقاب النيل، إذا طار يقول: الله فوق الفوق! بصوت فصيح يسمعه الناس، يعيش من سمك النيل لا يفارق ذلك الموضع. والبرغوث لا ينقطع بمصر شتاءً ولا صيفاً، وتولد الفأر بها أكثر من تولدها في سائر البلاد، فترى عند زيادة النيل تسلط الماء على جحرتها، فلا يبقى في جميع ممر الماء فأرة ثم تتولد بعد ذلك بأدنى زمان. ومن عجائب مصر الدويبة التي يقال لها النمس؛ قال المسعودي: هي دويبة أكبر من الجرذ وأصغر من ابن عرس، أحمر أبيض البطن، إذا رأت الثعبان دنت منه فينطوي عليها الثعبان ليأكلها، فإذا حصلت في فمه ترخي عليه ريحاً فينقطع الثعبان من ريحها، وهذه خاصية هذه الدويبة، قالوا ينقطع الثعبان من شدته قطعتين، فإنها لأهل مصر كالقنافذ لأهل سجستان. ومن عجائب مصر الهرمان المحاذيان للفسطاط؛ قال أبو الصلت: كل واحد منهما جسم من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعاً، يحيط بها أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع، كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعاً، وهو مع هذا العظم من أحكم الصنعة واتقان الهندام وحسن التقدير، لم يتأثر من تضاعف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل. وذكر قوم أن على الهرمين مكتوباً بخط المسند: إني بنيتهما فمن يدعي قوة في ملكه فليهدمهما، فإن الهدم أيسر من البناء، قود كسوناهما بالديباج فمن استطاع فليكسهما بالحصير. وقال ابن زولاق: لا نعلم في الدنيا حجراً على حجر أعلى ولا أوسع منهما، طولهما في الأرض أربعمائة ذراع وارتفاعهما كذلك، وقال أبو عبد الله بن سلامة القضاعي في كتاب مصر: إنه وجد في قبر من قبور الأوائل صحيفة، فالتمسوا لها قارئاً فوجدوا شيخاً في دير قلمون يقرأها، فإذا فيها: إنا نظرنا فيها تدل عليه النجوم فرأينا أن آفة نازلة من السماء وخارجة من الأرض، ثم نظرنا فوجدناه مفسداً للأرض ونباتها وحيوانها، فلما تم الهرم الغربي بنى لابن أخيه الهرم المؤزر وكتبنا في حيطانها أن آفة نازلة من أقطار العالم، وذلك عند نزول قلب الأسد أول دقيقة من رأس السرطان، وتكون الكواكب عند نزولها إياها في هذه المواضع من الفلك، الشمس والقمر في أول دقيقة من الحمل، وزحل في درجة وثمان وعشرين دقيقة من الحمل، والمشتري في تسع وعشرين درجة وعشرين دقيقة من الحمل، والمريخ في تسع وعشرين درجة وثلاث دقائق من الحوت، والزهرة في ثمان وعشرين درجة من الحوت، وعطارد في تسع وعشرين درجة من الحوت، والجوزهر في الميزان، وأوج القمر في خمس درجات ودقائق من الأسد. فلما مات سوريل دفن في الهرم الشرين ودفن أخوه هرجيت في الهرم الغربي، ودفن ابن أخيه كرورس في الهرم الذي أسفله. ولهذه الأهرام أبواب في ازج تحت الأرض، طول كل ازج منها مائة وخمسون ذراعاً. فأما باب الهرم الشرقي فمن الناحية الشرقية، وأما باب الهرم الغربي فمن الناحية الغربية، وأما باب الهرم المؤزر فمن الناحية الشمالية. وفي الأهرام من الذهب ما لا يحتمله الوصف. ثم ان المترجم لهذا الكلام من القبطي إلى العربي أجمل التاريخات إلى سنة خمس وعشرين ومائتين من سني الهجرة، فبلغت أربعة آلاف وثلاثمائة وإحدى وعشرين سنة شمسية، ثم نظر كم مضى من الطوفان إلى وقته هذا فوجده ثلاثة آلاف وتسعمائة وإحدى وأربعين سنة، فألقها من الجملة الأولى، فبقي ثلاثمائة وتسع وتسعون سنة، فعلم أن تلك الصحيفة كتبت قبل الطوفان بهذه المدة. وقال بعضهم: حسرت عقول ذوي النّهى الأهرام. .. واستصغرت لعظيمها الأحلامملسٌ منبّقة البناء شواهقٌ. .. قصرت لغالٍ دونهنّ سهام لم أدر حين كبا التّفكر دونها واستوهمت لعجيبها الأوهام أقبور أملاك الأعاجم هنّ أم طلّسم رملٍ كنّ أم أعلام وزعم بعضهم أن الأهرام بمصر قبور ملوك عظام بها، آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم، كما تميزوا عنهم في حياتهم، وأرادوا أن يبقى ذكرهم بسبب ذلك على تطاول الدهور. وذكر محمد بن العربي الملقب بمحيي الدين: ان القوم كانوا على دين التناسخ، فاتخذوا الأهرام علامة لعلهم عرفوا مدة ذهابهم ومجيئهم إلى الدنيا بعلامة ذلك. ومن الناس من يزعم أن هرمس الأول الذي يسميه اليونانيون أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم، عليه السلام، وهو ادريس، علم بطوفان نوح إما بالوحي أو بالاستدلال على ذلك من أحوال الكواكب، فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم إشفاقاً عليها من الدروس، واحتياطاً عليها وحفظاً لها. ومن عجائب مصر أبو الهول. وهو صورة آدمي عظيمة مصنعة، وقد غطى الرمل أكثره. يقال: انه طلسم للرمل لئلا يغلب على كورة الجيزة، فإن الرمال هناك كثيرة شمالية متكاثفة، فإذا انتهت إليها لا تتعداه، والمرتفع من الرمل رأسه وكتفاه. وهو عظيم جداً، وصورته مليحة كأن الصانع الآن فرغ منه. وقد ذكر من رأى أن نسراً عشش في أذنه وهو مصبوغ بالحمرة؛ قال ظافر الإسكندري: تأمّل بنية الهرمين وانظر وبينهما أبو الهول العجيب كمثل عمارتين على رحيلٍ لمحبوبين بينهما رقيب وماء النّيل تحتهما دموعٌ. .. وصوت الرّيح عندهما نحيبولما وصل المأمون إلى مصر، نقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل، فوجد في داخله مراقي ومهادي هائلة يعسر السلوك فيها، ووجد في أعلاه بيتاً مكعباً طول كل ضلع منه ثمانية أذرع، وفي وسطه حوضاً رخاماً مطبقاً، فلما كشف غطاؤه لم يوجد فيه غير رمة بالية، فأمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه. وقال بعضهم: ما سمعت بشيء عظيم فجئته إلا رأيته دون صفته إلا الهرمين، فإني لما رأيتهما كانت رؤيتهما أعظم من صفتهما. ومن عجائب مصر حوض لعين ماء منقور في حجر عظيم، يسيل الماء إلى الحوض من تلك العين من جبل بجنب كنيسة، فإذا مس ذلك الماء جنب أو حائض انقطع الماء السائل من ساعته، وينتن الماء الذي في الحوض فيعرف الناس سببه، فينزفون الماء الذي في الحوض وينظفونه، فيعود إليه الماء على حالته الأولى. وقد ذكر أمر هذا الحوض أبو الريحان الخوارزمي في كتابه الآثار الباقية، وان هذا الحوض يسمى الطاهر. وبها جبل المقطم، وهو جبل مشرف على القرافة ممتد إلى بلاد الحبشة على شاطيء النيل الشرقي، وعليه مساجد وصوامع، لا نبت فيه ولا ماء غير عين صغيرة تنز في دير للنصارى، يقولون انه معدن الزبرجد، وسأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فكتب عمرو بن العاص إلى عمر ابن الخطاب، فكتب إليه: ان استخبره لأي شيء بذل ما بذل؟ فقال المقوقس: إننا نجد في كتبنا انه غراس الجنة! فقال عمر: غراس الجنة لا نجد إلا للمؤمنين. فأمره أن يتخذه مقبرة؛ قالوا: ان الميت هناك لا يبلى! وبها موتى كثيرون بحالهم ما بلي منهم شيء، وبها قبر روبيل بن يعقوب وقبر إليع، عليه السلام. وبها قبر عمران بن الحصين صاحب رسول الله، . ومن عجائبها عين الناطول، وناطول اسم موضع بمصر فيه غار، وفي الغار عين ينبع الماء منها ويتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين فأراً؛ قال صاحب تحفة الغرائب: حكى لي رجل أنه رأى من ذلك الطين قطعة انقلب بعضها فأراًوالبعض الآخر طين بعد. ومن عجائبها نهر سنجة؛ قال الأديبي: هو نهر عظيم يجري بين حصن المنصور وكيسوم من ديار مصر، لا يتهيأ خوضه لأن قراره رمل سيال، إذا وطئه واطيء غاص به، وعلى هذا النهر قنطرة من عجائب الدنيا، وهي طاق واحد من الشط إلى الشط، وتشتمل على مائتي خطوة، وهي متخذة من حجر مهندم طول الحجر عشرة أذرع في ارتفاع خمسة أذرع، وحكي ان عندهم طلسماً على لوح إذا عاب من القنطرة موضع أدلى ذلك اللوح على موضع العيب، فينعزل عنه الماء حتى يصلح ثم يرفع اللوح فيعود الماء إلى حاله. ومن عجائبها جبل الطير. وهو بصعيد مصر في شرقي النيل قرب انصنا، وإنما سمي بذلك لأن صنفاً من الطير الأبيض يقال له البوقير يأتي في كل عام في وقت معلوم، فتعكف على هذا الجبل، وفيه كوة يأتي كل واحد من هذه الطيور ويدخل رأسه في تلك الكوة، ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل فيعوم، ويذهب من حيث شاء إلى أن يدخل واحد رأسه فيقبض عليه شيء في تلك الكوة، فيضطرب ويبقى معلقاً منها إلى أن يتلف، فيسقط بعد مدة. فإذا كان ذلك انصرف الباقي لوقته فلا يرى شيء من هذا الطير في هذا الجبل إلى مثل ذلك الوقت من العام القابل. وذكر بعض أعيان مصر: ان السنة إذا كانت مخصبة قبضت الكوة على طائرين، وإن كانت متوسطة على واحد، وإن كانت مجدبة لم تقبض شيئاً.

[آثار البلاد وأخبار العباد]

مصر - Egypt

مِصْرَ أو رسمياً جُمهورِيةُ مِصرَ العَرَبيةِ هي دولة عربية تقع في الركن الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا، ولديها امتداد آسيوي، حيث تقع شبه جزيرة سيناء داخل قارة آسيا فهي دولة عابرة للقارات. ويحد جمهورية مصر العربية من الشمال البحر المتوسط بساحل يبلغ طوله 995 كم، ويحدها شرقا البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 1941 كم، ويحدها في الشمال الشرقي منطقة فلسطين (إسرائيل وقطاع غزة) بطول 265 كم، ويحدها من الغرب ليبيا على امتداد خط بطول 1115 كم، كما يحدها جنوبا السودان بطول 1280 كم. تبلغ مساحة جمهورية مصر العربية حوالي 1.002.000 كيلومتر مربع والمساحة المأهولة تبلغ 78990كم2 بنسبة 7.8 % من المساحة الكلية. وتُقسم مصر إدارياً إلى 27 محافظة، وتنقسم كل محافظة إلى تقسيمات إدارية أصغر وهي المراكز أو الأقسام. ويتركز أغلب سكان مصر في وادي النيل وفي الحضر ويشكل وادي النيل والدلتا أقل من 4% من المساحة الكلية للبلاد أي حوالي 33000 كم2، وأكبر الكتل السكانية هي القاهرة الكبرى التي بها تقريباً ربع السكان، تليها الإسكندرية؛ كما يعيش أغلب السكان الباقين في الدلتا وعلى ساحلي البحر المتوسط والبحر الأحمر ومدن قناة السويس، وتشغل هذه الأماكن ما مساحته 40 ألف كيلومتر مربع. بينما تشكل الصحراء غير المعمورة غالبية مساحة البلاد. تشتهر مصر بأن بها إحدى أقدم الحضارات على وجه الأرض حيث بدأ البشر بالنزوح إلى ضفاف النيل والاستقرار وبدأ في زراعة الأرض وتربية الماشية منذ نحو 10,000 سنة. وتطور أهلها سريعًا وبدأت فيها صناعات بسيطة وتطور نسيجها الاجتماعي المترابط، وكوّنوا إمارات متجاورة مسالمة على ضفاف النيل تتبادل التجارة، سابقة في ذلك كل بلاد العالم. تشهد على ذلك حضارة البداري منذ نحو 7000 سنة وحضارة نقادة (4400 سنة قبل الميلاد - نحو 3000 سنة قبل الميلاد). وكان التطور الطبيعي لها أن تندمج مع بعضها البعض شمالًا وجنوبًا وتوحيد الوجهين القبلي والبحري وبدأ الحكم المركزي الممثل في بدء عصر الأسرات (نحو 3000 قبل الميلاد). وتبادلت التجارة مع جيرانها حيث تعد مصر من أوائل الدول التجارية. وكان لابتكار الكتابة في مصر أثرا كبيرا على مسيرة الحياة في البلاد وتطورها السريع، وكان المصري القديم مولعًا بالكتابة، كذلك شهدت مصر القديمة تطورا في مجالات الطب والهندسة والحساب. تواكبت على مصر العديد من العصور والحقب التاريخية، مروراً بالفرس ثم قدوم الإسكندر الأكبر والذي تأسست بعده الدولة البطلمية، وبعدها غزاها الرومان وظلت تحت حكمهم 600 عام وفي هذه الفترة شهدت ظهور المسيحية في مصر، وبعدها جاء الفتح الإسلامي وتحولت مصر إلى دولة إسلامية، وتأسست في مصر العديد من الدول مثل: الدولة الطولونية ثم الإخشيدية ثم الفاطمية ثم الأيوبية ثم المماليك ، وبعدها أصبحت تحت حكم العثمانيين حتى عام 1914 عندما أعلنت السلطنة، ثم تحولت إلى مملكة، ثم تحولت بعد ذلك إلى جمهورية. تشتهر مصر بالعديد من الآثار حيث يتواجد بها ثلث آثار العالم، مثل أهرام الجيزة وأبي الهول، ومعبد الكرنك والدير البحري ووادي الملوك وآثارها القديمة الأخرى، مثل الموجودة في مدينة منف وطيبة والكرنك، ويتم عرض أجزاء من هذه الآثار في المتاحف الكبرى في جميع أنحاء العالم. وقد وجد علم خاص بدراسة آثار مصر سمي بعلم المصريات، وكذلك هناك الآثار الرومانية والإغريقية والقبطية والإسلامية بمختلف عصورها. تعد اللغة العربية هي اللغة الرسمية لها، ووفقاً للدستور تعد الديانة الرسمية لها هي الإسلام، ونظام الحكم فيها جمهوري ديمقراطي. وتعد مصر من الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية ويوجد بها المقر الرئيسي لها، كذلك تعد من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة حيث انضمت لها عام 1945، بالإضافة إلى عضويتها بالاتحاد الأفريقي، وكذلك تعد مصر عضوا في العديد من الاتحادات والمنظمات الدولية، ولديها العديد من العلاقات الدبلوماسية مع أغلب دول العالم.

[dawa.center]

باب مصر ومصر

أما اْلأَوَّلُ -: البلد المعروف. وأما الثَّاني: - بِفَتْحِ الميم والصاد، وراء مُشَدَّدَة -: وادٍ بأعلى حمى ضرية، وقيل: بِكَسْرِ الصاد. 786 -

[الأماكن، ما اتفق لفظه وافترق مسماه للحازمي]

مصر:

هي الفسطاط، وهي خاصة بلاد مصر. وفي سنة تسع عشرة فتح عمرو بن العاصي مصر والإسكندرية، وقيل سنة عشرين، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وجاء في الأثر: من أخرب خزائن الله فعليه لعنة الله، وخزائن الأرض هي مصر، أما سمعتم قول يوسف " اجعلني على خزائن الأرض "، وقالوا: مكتوب في التوراة: مصر خزائن الله فمن أرادها بسوء قصمه الله. وفي السير أن هاجر أم إسماعيل عليهما السلام وأم العرب من قرية كانت أمام الفرما من مصر. وبمصر من المنافع والمصانع والبساتين والغرف المشرفة على النيل والقصور ما يبهج العيون ويطرب المحزون، وبين مصر والقاهرة نحو ثلاثة أميال، والقاهرة محدثة من بناء العبيديين. قالوا (1) : ولما كانت سنة ثمان عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وقدم عمر رضي الله عنه الجابية، خلا به عمرو بن العاصي رضي الله عنه وقد كان دخل مصر في الجاهلية وجرى له فيها خبر الكرة، وكان عمرو بن العاصي رضي الله عنه يعرف أحوال مصر، فجعل عمرو يعظم عند عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أمرها، ويعرفه بكثرة جبايتها، ويهون عليه فتحها حتى ركن عمر رضي الله عنه إلى قوله، فعقد له على أربعة آلاف وجهزهم معه وقال له: سر وأنا أستخير الله تعالى، وسيأتيك كتابي سريعاً بما أرى إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابي آمرك به بالانصراف قبل أن تدخل أرض مصر فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره. فسار عمرو بن العاصي رضي الله عنه في جوف الليل ولم يشعر به أحد، واستخار عمر رضي الله عنه، فكأنه تخوف على المسلمين، فكتب إلى عمرو يأمره بالانصراف بمن معه، فأدركه الرسول وهو برفح، وتخوف عمرو إن قرأ الكتاب أن يكون فيه أمر بالإنصراف، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه حتى نزل قرية قريبة من العريش، فسأل عنها فقيل له إنها من أرض مصر، فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين، ثم قال: ألستم تعلمون أن هذه القرية من أرض مصر؟ فقالوا: بلى، قال لهم: فإن أمير المؤمنين عهد إلي أنه إن لحقني كتابه وأنا لم أدخل أرض مصر أن أرجع بمن معي، وإن كتابه لم يلحقني حتى دخلت أرض مصر، فسيروا على بركة الله تعالى، فساروا حتى توسطوا بلاد مصر، فنزل عمرو بموضع على النيل، وهو الفسطاط، ولم تكن فيه حينئذ مدينة، وإنما بنى الفسطاط عمرو، وكان ملك مصر في ذلك الزمان المقوقس، وهو الذي أهدى لرسول الله مارية القبطية، فلما سمع المقوقس دخول المسلمين بلاده ونزولهم الفسطاط، ولم يكن لديه علم، راعه ذلك فنظر في توجيه الجنود إليهم. وكتب عمرو إلى عمر يستمده فأمده بأربعة آلاف. ويقال إن أسقفاً كان بالإسكندرية من أهل العلم بالكوائن لما بلغه قدوم عمرو بالمسلمين إلى بلاد مصر، كتب إلى القبط يعلمهم أن ملكهم قد انقطع ويأمرهم بتلقي عمرو بالطاعة له، فأطاعه كثير من القبط، فاستعان بهم على من سواهم، ثم سار عمرو إلى البلد الذي كان فيه الملك المقوقس، وكان حصناً عظيماً، فاتقى بخندق حوله، واصطف المسلمون على أبواب الخندق وعليهم السلاح والدروع، ثم إن عمر رضي الله عنه بعث الزبير بن العوام رضي الله عنه في اثني عشر ألفاً فقوي المسلمون، فجعل عمرو يلح بالقتال ووضع المنجنيق، فلما أبطأ الفتح على المسلمين قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: أنا أهب نفسي لله وأرجو أن يفتح الله على المسلمين، فوضع له سلم إلى باب الحصن، فرقي فيه ثم قال: إذا سمعتم تكبيري أجيبوني، فما شعر أهل الحصن إلا بالزبير رضي الله عنه على رأس الحصن يكبر، والسيف بيده منتضى، فتحامل المسلمون على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً أن ينكسر بهم، فهرب أهل الحصن جميعاً، وعمد الزبير إلى باب الحصن ففتحه، فاقتحم المسلمون فيه، فلجأ الروم والقبط إلى قصر منيع في الحصن، فحاربهم المسلمون نحو شهر وكان في ذلك القصر الملك المقوقس مع أكابر الروم، فخاف المقوقس على نفسه وعلى من معه، فخرج على باب من موضع خفي، وترك في القصر جماعة يقاتلون، وأمر بقطع الجسر، ثم أرسل المقوقس إلى عمرو: إنكم قوم قد دخلتم بلادنا وطال مقامكم بأرضنا، وإنما أنتم عصبة يسيرة، وقد أظلتكم الروم وجهزوا إليكم الجيوش، وقد أحاط بكم هذا النيل، فأنتم أسارى بأيدينا، فابعثوا إلينا رجلاً منكم نسمع كلامه، فعسى يأتي الأمر بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جيوش الروم فتندموا، فرد عمرو مع رسله: إنه ليس بيننا وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال: إما أن تدخلوا في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لنا ما لكم وعلينا ما عليكم، فإن أبيتم أعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، أو جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فلما رجعت رسل المقوقس قال لهم: كيف رأيتموهم؟ قالوا: رأينا قوماً الموت إلى أحدهم أحب من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة، وإنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على الركب، وأميرهم كواحد منهم يغسلون أطرافهم بالماء، وإذا حضرت صلاتهم لم يتخلف أحد منهم، ويخشعون في صلاتهم تخشعاً كثيراً، فقال المقوقس: والذي نحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لزلزلوها، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد وإن لم نغتنم صلح هؤلاء القوم وهم محصورون بهذا النيل. لن يجيبوا إذا تمكنوا من الأرض، وكان ذلك وقت خروج النيل وفيضه، والمسلمون قد أحدقت بهم المياه من كل جانب، لا يقدرون على النفوذ إلى الصعيد ولا إلى غيره. ن في صلاتهم تخشعاً كثيراً، فقال المقوقس: والذي نحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لزلزلوها، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد وإن لم نغتنم صلح هؤلاء القوم وهم محصورون بهذا النيل. لن يجيبوا إذا تمكنوا من الأرض، وكان ذلك وقت خروج النيل وفيضه، والمسلمون قد أحدقت بهم المياه من كل جانب، لا يقدرون على النفوذ إلى الصعيد ولا إلى غيره. ثم بعث (2) إليهم عمرو بن العاصي رضي الله عنه عشرة رجال، أحدهم عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وكان أسود اللون من العرب وأمره أن يكون متكلم القوم فإنه كان فصيحاً، وأمره ألا يجيبهم إلا إلى إحدى ثلاث خصال، وهي المذكورة قبل، فركبوا السفن ودخلوا على المقوقس، فتقدم عبادة رضي الله عنه للكلام فهابه المقوقس لسواده وقال: نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره، فقالوا جميعاً: هذا الأسود سيدنا وأفضلنا رأيا وحكمة، فكلمه عبادة رضي الله عنه، وازداد المقوقس هيبة لسواده وقال: نحوا عني هذا الأسود، فقالوا جميعاً: هذا الأسود سيدنا وأفضلنا رأياً وعلماً، فكلمه عبادة رضي الله عنه مرة أخرى، فقال المقوقس لأصحابه: لقد هبت منظره وان قوله عندي لأهيب، وإن هذا وأصحابه إنما خرجوا لإخراب الأرض، وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها، وقال: نعطي كل من في الجيش دينارين دينارين، ونعطى أميرهم مائة دينار، ونبعث إلى خليفتهم ألف دينار فلم يجبه عبادة رضي الله عنه إلا إلى إحدى الثلاث خصال، فقال المقوقس لأصحابه: ماذا ترون؟ فقالوا: أما ما أراد من دخولنا في دينهم، فهذا ما لا يمكن ولا نترك دين المسيح إلى دين لا نعرفه، وأما ما أراد أن يجعلونا عبيداً فالموت أيسر من ذلك، فإن رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم وينصرفوا عنا كان ذلك أهون علينا. فانصرف عنهم (3) عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأصحابه ولم ينعقد بينهم صلح على شيء، فألح عليهم المسلمون بالقتال حتى أذعن المقوقس لإعطاء الجزية عن القبط خاصة، وأما الروم فيخيرون في المقام على الجزية أو الخروج إلى أرض الروم، وتم ذلك بينهم وبين المسلمين، فأحصي يومئذ جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط فكانوا ستة آلاف ألف ممن بلغ الحلم، سوى الشيخ الفاني والصغير النامي والنساء، وفرض على كل واحد منهم دينارين دينارين في السنة، فكانت فريضتهم اثني عشر ألف ألف، ورفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة، ثم زادت بمن استقر بها من النصارى وغيرهم من النوبة ثلاثة آلاف دينار، فجعل عمرو يبحث عن الأموال ويضمها إلى بيت المال، فذكر له أن عند عظيم الصعيد مالاً كثيراً، فبعث إليه فيه، فقال له: ما عندي مال، فسجنه، وسأل عمرو رضي الله عنه من كان يدخل إليه: هل يسمعونه يذكر أحداً؟ فقالوا له: سمعناه يكثر ذكر راهب الطور، فبعث عمرو رضي الله عنه فأتى بخاتم المسجون، وكتب كتاباً على لسانه إلى ذلك الراهب، فأتي بقلة من نحاس مختومة برصاص، فإذا فيها كتاب فيه: يا بني إذا أردتم مالكم فاحفروا تحت الفسقية، وهي السقاية، فحفروا فاستخرجوا خمسين أردباً دنانير، والأردب نحو قنطار ونصف. ثم أمر عمرو (4) رضي الله عنه المسلمين ببناء دور يسكنونها بالفسطاط، وهي مدينة مصر اليوم، وإنما سميت مدينة مصر الفسطاط لأن عمرو بن العاصي رضي الله عنه حين دخل مصر وضرب فسطاطه بذلك الموضع فلما أراد التوجه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم، أمر بنزع الفسطاط، فإذا فيه حمام قد أفرخ، فقال عمرو رضي الله عنه: لقد تحرم هذا منا بمحرم، فأمر بالفسطاط فأقر مكانه وأوصى عليه، فلما قفل المسلمون من الإسكندرية بعد فتحها قال الناس: أين ننزل؟ فقيل: الفسطاط، لفسطاط عمرو الذي تركه في المنزل بمصر. ثم بدأ عمرو بن العاصي رضي الله عنه ببناء المسجد، وكان في موضعه حدائق وأعناب فقطعها، ووضعوا أيديهم في البناء فلم يزل عمرو ومن حضر من أصحاب رسول الله قياماً حتى وضعت القبلة، فلما أتمه اتخذ فيه منبراً، فكان يخطب عليه، فوصل ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عمرو بن العاصي: أما بعد: فإنه بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى فيه على رقاب المسلمين أوما يسعك أن تقوم قائماً والناس من تحتك، فعزمت عليك لما كسرته. ثم اختط عمرو داره التي هي اليوم عند باب المسجد، بينهما الطريق، وكذلك اختط جميع من أراد سكنى مصر من المسلمين داراً لنفسه، واختط الزبير رضي الله عنه داراً، وجعل فيها السلم الذي صعد عليه إلى الحصن المتقدم الذكر، فلما ولي عبد الملك بن مروان اغتصبها من آل الزبير واصطنعها لنفسه، فلما ولي أبو جعفر المنصور ردها على هشام بن عروة من بني الزبير. وحكى ابن عساكر أن رجلاً ذكر أنه لقي الياس عليه السلام وسأله: كم الأبدال؟ فقال: ستون خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة، ورجل بإنطاكية، وسبعة في سائر أمصار العرب، بهم يسقون الغيث وبهم ينصرون على العدو، وبهم يقيم الله أمر الدنيا، فإذا أراد أن يهلكها أماتهم أجمعين. (1) فتوح مصر لابن الحكم: 56 وما بعدها. (2) النقل مستمر عن ابن عبد الحكم. (3) لا يزال اعتماده على ابن الحكم مستمراً. (4) ابن عبد الحكم: 91.

[الروض المعطار في خبر الأقطار]

مصر

جَاءَتْ مِصْرُ فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ فِي السِّيرَةِ، مِنْ أَهَمِّهَا: أَنَّ هَاجَرَ أُمَّ إسْمَاعِيل َ مِنْ مِصْرَ: وَمِصْرُ: إقْلِيمٌ مِنْ أَقَالِيمِ الْإِسْلَامِ الْوَاسِعَةِ، فَتَحَهَا الْعَرَبُ فِي عَهْدِ عُمَرَ، وَهِيَ الْيَوْمَ غَنِيَّةٌ عَنْ التَّعْرِيفِ.

[معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية]

مصر وكورها

ومن خرج من فلسطين مغرّبا يريد مصر خرج من الرملة إلى مدينة يبنا، ثم إلى مدينة عسقلان وهي على ساحل البحر، ثم إلى مدينة غزة وهي على الساحل أيضا، ثم إلى رفح وهي آخر أعمال الشام. ثم إلى موضع يقال له الشجرتين وهي أول حد مصر ثم إلى العريش وهي أول مسالح مصر وأعمالها، ويسكن العريش قوم من جذام وغيرهم وهي قرية على ساحل البحر، ومن العريش إلى قرية يقال لها: البقارة، ومنها إلى قرية يقال لها: الواردة في جبال من رمال، ثم إلى الفرما وهي أول مدن مصر وبها أخلاط من الناس وبينها وبين البحر الأخضر ثلاثة أميال، ومن الفرما إلى قرية يقال لها: جرجير مرحلة، ومنها إلى قرية يقال لها: قافوس مرحلة، ومنها إلى قرية يقال لها غيفة ثم الفسطاط. وكانت الفسطاط تعرف بباب اليون وهو الموضع المعروف بالقصر فلما افتتح عمرو بن العاص باب اليون في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين اختطت قبائل العرب حول فسطاط عمرو بن العاص فسميت الفسطاط لهذا، ثم اتسعوا في البلد فاختطوا على النيل واختطت قبائل العرب في المواضع المنسوبة إلى كل قبيلة، وبنى عمرو بن العاص مسجد جامعها ودار إمارتها المعروفة بدار الرمل، وجعل الأسواق محيطة بالمسجد الجامع في الجانب الشرقي من النيل وجعل لكل قبيلة محرسا وعريفا وابتنى حصن الجيزة في الجانب الغربي من النيل وجعله مسلحة للمسلمين وأسكنه قوما، وكتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه: لا تجعل بيني وبين المسلمين ماء. وافتتح عمرو كور مصر صلحا خلا الإسكندرية ، فإنه أقام يحارب أهلها ثلاث سنين، ثم فتحها سنة ثلاث وعشرين لأنه لم يكن في البلد مدينة تشبهها حصانة وسعة وكثرة عدة. وكور مصر منسوبة إلى مدنها لأن لكل كورة مدينة مخصوصة بأمر من الأمور، فمن مدن الصعيد وكورها مدينة منف ، وهي مدينة قائمة خراب يقول أهل مصر إنها المدينة التي كان فرعون يسكنها، ومدينة بوصير كوريدس ، ومدينة دلاص وإليها ينسب اللجم الدلاصية، ومدينة الفيوم ، وكان يقال في متقدم الأيام مصر والفيوم، لجلالة الفيوم وكثرة عمارتها، وبها القمح الموصوف وبها يعمل الخيش. ومدينة القيس وبها تعمل الثياب القيسية والأكسية الصوف الجياد، ومدينة البهنسا وبها تعمل الستور البهنسية. ومدينة أهناس وبها تعمل الأكسية وبها شجر اللبخ، ومدينة طحا وبها القمح الموصوف والكيزان التي يسميها أهل مصر البواقيل، وأنصنا وهي مدينة قديمة يقال: إن سحرة فرعون كانوا منها، وإن بها بقية من السحر وهي في الجانب الشرقي من النيل. ومدينة الأشمونين وبها فرهة الخيل والدواب والبغال وهي من مدن مصر العظام، ومدينة أسيوط وهي من عظام مدن الصعيد بها يعمل الفرش القرمز الذي يشبه الأرمني، وقهقاوة وبها مدينة قديمة يقال لها: بوتيج. ومدينة يقال لها: بشمور وبها القمح اليوسفي المجزع، ومدينة إخميم وهي في الجانب الشرقي من النيل، ولها ساحل وبها يعمل الفرش القطوع والجلود الإخميمية، والدير المعروف بدير بوشنودة، ويقال: إن فيه قبر رجلين من حواري المسيح. ومدينة أبشاية يقال لها البلينا ومن أبشاية تسلك إلى الواحات في مفازة وجبال خشنة ست رحلات ثم إلى ألواح الخارجة وهي بلاد فيها حصون، ومزارع، وعيون مطّردة، ومياه جارية، ونحل، وأصناف الشجر، والكروم، ومزارع أرز وغير ذلك. ثم إلى الواح الداخلة ولها مدينة يقال لها الفرفرون وأهلها أخلاط من الناس من أهل مصر وغيرهم. ومن مدينة أبشاية التي يقال لها مدينة البلينا إلى مدينة هو ، ومدينة هو مدينة قديمة كان بها أربع كور: كورة هو وكورة دندرة من غربي النيل، وكورة قا، وكورة قنا من الجانب الشرقي فخربت وقلّت عمارتها لكثرة من يخرج إليها في ناحية من الأعراب والخارجين وقطاع الطريق وانتقل الناس عنها إلى ما هو أعمر منها. ومن مدينة هو إلى مدينة قفط مرحلتان وهي مدينة في الجانب الشرقي فيها آثار الملوك المتقدمين وبربا. ومن قفط تسلك إلى معادن الزمرد وهو معدن يقال له: خربة الملك على ثمان رحلات من مدينة قفط وفيه جبلان يقال لأحدهما العروس وللآخر الخصوم فيهما معادن الزمرذ وفيه موضع يقال له كوم الصابوني وكوم مهران ومكابر وسفسيد. وكل هذه معادن يوجد فيها الجواهر، وتسمى الحفائر التي يخرج منها الجوهر: «شيم» واحدتها «شيمة». وكان بها معدن قديم يقال له: سروميط وهو معدن كان في الجاهلية، وكذلك معدن مكابر. ومن المعدن التي يقال له: خربة الملك إلى جبل صاعد، وهو معدن تبر مرحلة، وإلى الموضع الذي يقال له: الكلبي، وموضع يقال له: الشكري، وموضع يقال له: العجلي، وموضع يقال له: العلاقي الأدنى، وموضع يقال له: الريفة، وهو ساحل بحر خربة الملك. وكل هذه معادن تبر، ومن الخربة إلى المعدن يقال له رحم معدن تبر ثلاث مراحل، وبرحم قوم من بلي وجهينة وغيرهم من أخلاط الناس يقصدون للتجارات، فهذه معادن الجوهر وما يتصل بها من معادن التبر القريبة. ومن مدينة قفط إلى مدينة الأقصر وهي مدينة قد خربت وصارت مكانها مدينة قوص وهي على ساحل النيل من الجانب الشرقي من النيل. وكورة إسنا ومدينة إسنا في الجانب الغربي من النيل ويقال: إن أهلها المريس ومنها الحمير المريسية، ثم كورة أتفو وهي في الجانب الغربي من النيل، وكورةسان وهي من الجانب الغربي. ثم مدينة أسوان العظمى وبها تجار المعادن وهي في الجانب الشرقي من النيل وهي ذات نخل كثير ومزروع وتجارات مما يأتي من

[البلدان لليعقوبي]

معادن التبر

ومن أراد المعادن معادن التبر خرج من أسوان إلى موضع يقال له الضيقة بين جبلين، ثم البويب، ثم البيضية، ثم بيت ابن زياد، ثم عذيفر جبل الأحمر، ثم جبل البياض، ثم قبر أبي مسعود، ثم عفار، ثم وادي العلاقي. وكل هذه المواضع معادن التبر يقصدها أصحاب المطالب، ووادي العلاقي كالمدينة العظيمة به خلق من الناس وأخلاط من العرب والعجم أصحاب المطالب وبها أسواق وتجارات وشربهم من آبار تحفر في وادي العلاقي، وأكثر من بالعلاقي قوم من ربيعة من بني حنيفة من أهل اليمامة انتقلوا إليها بالعيالات والذرية. ووادي العلاقي وما حواليه معادن للتبر، وكل ما قرب منه يعتمل فيه الناس، لكل قوم من التجار وغير التجار عبيد من السودان يعملون في الحفر، ثم يخرجون التبر كالزرنيخ الأصفر، ثم يسبك. ومن العلاقي إلى موضع يقال له: وادي الجبل مرحلة، ثم إلى موضع يقال له: عنب. ثم إلى موضع يقال له: كبار يجتمع الناس به لطلب التبر وبه قوم من أهل اليمامة من ربيعة. ومن العلاقي إلى معدن يقال له: بطن واح مرحلة، ومن العلاقي إلى موضع يقال له: أعماد مرحلتان، وإلى معدن يقال له: ماء الصخرة مرحلة، وإلى معدن يقال له: الأخشاب مرحلتان. وإلى معدن يقال له: ميزاب تنزله لمى وجهينة أربع مراحل، وإلى معدن يقال: له عربة بطحا مرحلتان. ومن العلاقي إلى عيذاب أربع مراحل، وعيذاب ساحل البحر المالح يركب الناس منه إلى مكة والحجاز واليمن، ويأتيه التجار فيحملون التبر والعاج وغير ذلك في المراكب. ومن العلاقي إلى بركان وهي آخر معادن التبر التي يصير إليها المسلمون ثلاثون مرحلة. ومن العلاقي إلى موضع يقال له دح ينزله قوم من بني سليم وغيرهم من مضر عشر مراحل. ومن العلاقي إلى معدن يقال له: السنطة، وبه قوم من مضر وغيرهم عشر مراحل، ومن العلاقي إلى معدن يقال له: الرفق عشر مراحل. ومن العلاقي إلى معدن يقال له: سختيت عشر مراحل فهذه المعادن التي يصل إليها المسلمون ويقصدونها لطلب التبر.

[البلدان لليعقوبي]

طريق مكة من مصر

ومن أراد الحج من مصر وخرج من مصر إلى مكة فأول منزل يقال له جب عميرة به مجتمع الحاج يوم خروجهم، ثم منزل يقال له القرقرة في صحراء لا ماء بها، ثم منزل يقال له: عجرود به بئر قديمة بعيدة الرشاء زعقة الماء، ثم إلى جسر القلزم فمن أراد أن يدخل مدينة القلزم وهي مدينة على ساحل البحر عظيمة فيها التجار الذين يجهزون الميرة من مصر إلى الحجاز وإلى اليمن وبها مرسى المراكب وأهلها أخلاط من الناس تجارها أهل يسار. ومن القلزم ينزل الناس في برية وصحراء ست مراحل إلى أيلة ويتزودون الماء لهذه الست المراحل. ومدينة إيلة جليلة على ساحل البحر المالح وبها يجتمع حاج الشام وحاج مصر والمغرب وبها التجارات الكثيرة وأهلها أخلاط من الناس، وبها قوم يذكرون أنهم موالي عثمان بن عفان. وبها برد حبرة يقال: إنه برد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقال إنه وهبه لرؤبة بن يحنة لما صار إلى تبوك. ومن أيلة إلى شرف البعل، ومن شرف البعل إلى مدين وهي مدينة قديمة عامرة بها العيون الكثيرة والأنهار المطردة العذبة والأجنة والبساتين والنخيل وأهلها أخلاط من الناس. ومن أراد أن يخرج منها إلى مكة أخذ على ساحل البحر المالح إلى موضع يقال له: عينون فيه عمارة، ونخل وبه مطالب يطلب الناس فيها الذهب، ثم إلى العونيد وهي مثلها، ثم إلى الصلا، ثم إلى النبك ، ثم إلى القصيبة ، ثم إلى البحرة، ثم إلى المغيثة وهي تبعل، ثم إلى ظبة ، ثم إلى الوجه، ثم إلى منخوس وبمنخوس غاصة يخرجون اللؤلؤ، ثم إلى الحوراء ، ثم إلى الجار، ثم إلى الجحفة ، ثم إلى قديد ، ثم إلى عسفان، ثم إلى بطن مر. ومن أراد أن يسلك على طريق مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخذ من مدين إلى منزل يقال له: أغراء، ثم إلى قالس ، ثم إلى شغب، ثم إلى بدا، ثم إلى السقيا، ثم إلى ذي المروة، ثم إلى ذي جشب، ثم إلى المدينة فهذه المنازل من مصر إلى مكة والمدينة.

[البلدان لليعقوبي]

مصر

سمّيت مصر باسم من أحدثها وهو مصر بن مصرايم بن حام بن نوح. فتحها عمرو بن العاص فى أيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه. وهى مدينة يكتنفها من مبدئها فى العرض إلى منتهاها جبلان أجردان غير شامخين يتقاربان جدا فى وضعهما: أحدهما فى ضفّة النيل الشرقية، وهو جبل المقطّم؛ والآخر فى الضفّة الغربيّة منه، والنيل منسرب بينهما من مدينة أسوان إلى أن ينتهيا إلى الفسطاط، فثمّ تتّسع مسافة ما بينهما، وينفرج قليلا ويأخذ المقطّم منها شرقا فيشرق على فسطاط مصر، ويغرب الآخر على دراب بين مأخذهما وتعريج مسلكهما، فتتّسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومى الذي عليه الفرما وتنّيس ودمياط والإسكندرية. وكذلك الشمال منها إلى الرمل وأنت متوحّه إلى القبلة شيئاما، فإذا بلغت آخر أرض مصر عدت ذات الشمال واستقبلت الجنوب وتسير فى الرمل وأنت متوجّه إلى القبلة يكون الرمل من مصبه عن يمينك إلى إفريقية. وعن يسارك من أرض مصر الفيوم منها، وأرض الواحات الأربعة، ذلك غربىّ مصر وهو ما استقبلته منه، ثم يعرج من آخر أرض الواحات، وتستقبل الشرق سائرا إلى النيل فتسير ثمانى مراحل إلى النيل ثم على النيل مصاعدا وهى آخر أرض الإسلام هناك. ويليها بلاد النوبة ثم تقطع النيل وتأخذ من أرض أسوان فى الشرق منكبا عن بلاد السودان إلى عيذاب ساحل البحر الحجازى، فمن أسوان إلى عيذاب خمس عشرة مرحلة، وذلك كله قبلىّ أرض مصر، ومهبّ الجنوب منها. ثم تقطع البحر الملح من عيذاب إلى أرض الحجاز فتنزل الحوراء أوّل أرض مصر، وهى متّصلة بأعراض مدينة الرسول عليه السلام، وهو بحر القلزم داخل فى أرض مصر بشرقية وغربية، فالشرقى منه أرض الحوراء وأرض مدين وأرض أيلة مصاعدا إلى المقطم بمصر، والغربى منه ساحل عيذاب إلى بحر القلزم إلى المقطم، والبحرى منه مدينة القلزم، وجبل الطور. وبين القلزم والفرما مسيرة يوم وليلة وهو الحاجز بين البحرين: بحر الحجاز وبحر الروم، وهذا كلّه شرقىّ مصر من الحوراء إلى العريش. وذكر بعض أهل العلم والدواوين أنّ قرى مصر ألفان وثلاثمائة وخمسة وتسعون قرية منها الصعيد تسعمائة وسبع وخمسون قرية، وأسفل الأرض أربعمائة وتسع وثلاثون قرية. قالوا: والصعيد عشرون كورة وأسفل الأرض ثلاث وثلاثون كورة. وهذه أسماء بعض كورها يضاف إليها اسم الكورة: الفيوم. منف وسيم. الشرقية. دلاص. بوصير. اهناس. الفشن. البهنسا. طحا. جير. السمنودية. بويط. الأشمونين. أسفل أنصنا وأعلاها قوص. قاو. شطب. أسيوط. قهقوه. أخميم. دير أبشيا هو. اقنا. فاو. دندرا. قفط. الأقصر. إسنا. أرمنت. أسوان. وحال مصر مشهور.

[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]