يُونانُ
بالضم ثم السكون، ونونين بينهما ألف: موضع منه إلى برذعة سبعة فراسخ ومنه أيضا إلى بيلقان سبعة فراسخ. ويونان أيضا: من قرى بعلبك.
[معجم البلدان]
يونان
موضع كان بأرض الروم. به مدن وقرى كثيرة، وإنها منشأ الحكماء اليونانيين، والآن استولى عليها الماء. من عجائبها أن من حفظ شيئاً في تلك الأرض لا ينساه أو يبقى معه زماناً طويلاً. وحكى التجار أنهم إذا ركبوا البحر ووصلوا إلى ذلك الموضع يذكرون ما غاب عنهم. ولهذا نشأ بهذه الأرض الحكماء الفضلاء الذين لم يوجد أمثالهم في أرض أخرى إلا نادراً. ينسب إليها سقراط أستاذ أفلاطون، وكان حكيماً زاهداً في الدنيا ونعيمها راغباً في الآخرة وسعادتها. دعا الناس إلى ذلك فأجابه جمع من أولاد الملوك وأكابر الناس، فاجتمعوا عليه يأخذون منه غرائب حكمته ونوادر كلامه. فحسده جمع فاتهموه بمحبة الصبيان، وذكروا أنه يتهاون بعبادة الأصنام، ويدعو الناس إلى ذلك، وسعوا به إلى الملك وشهد عليه جمع بالزور عند قاضيهم، وحكم قاضيهم عليه بالقتل فحبس، وعنده في الحبس سبعون فيلسوفاً من موافق ومخالف يناظرونه في بقاء النفس بعد مفارقة البدن، فصحح رأيه في بقاء النفس. فقالوا له: هل لك أن نخلصك عن القتل بفداء أو هرب؟ فقال: أخاف أن يقال لي لم هربت من حكمنا يا سقراط؟ فقالوا: تقول لأني كنت مظلوماً! فقال: أرأيتم أن يقال ان ظلمك القاضي والعدول فكان من الواجب أن تظلمنا وتفر من حكمنا، فماذا يكون جوابي؟ وذاك أن القوم كان في شريعتهم أنه إذا حكم عدلان على واحد يجب عليه الانقياد وان كان مظلوماً، فلذلك انقاد سقراط للقتل، فازمعوا على قتله بالسم. فلما تناول السم ليشربه بكى من حوله من الحكماء حزناً على مفارقته. قال: إني وإن كنت أفارقكم إخواناً فضلاء فها أنا ذاهب إلى إخوان كرام حكماء فضلاء! وشرب السم وقضى نحبه. وينسب إليها أفلاطون أستاذ أرسطاطاليس، فكان حكيماً زاهداً في الدنيا ويقول بالتناسخ. فوقع في زمانه وباء أهلك من الناس خلقاً كثيراً، فتضرعوا إلىالله تعالى من كثرة الموت وسألوا نبيهم، وكان من أنبياء بني إسرائيل، عن سبب ذلك، فأوحى الله تعالى إليه أنهم متى ضعفوا مذبحاً لهم على شكل المكعب ارتفع عنهم الوباء، فأظهروا مذبحاً آخر بجنبه وأضافوه إلى المذبح الأول فزاد الوباء. فعادوا إلى النبي، عليه السلام، فأوحى الله تعالى إليه أنهم ما ضعفوا بل قرنوا به مثله، وليس هذا تضعيف المكعب. فاستعانوا بأفلاطون فقال: إنكم كنتم تردون الحكمة وتمتنعون عن الحكمة والهندسة فأبلاكم الله تعالى بالوباء عقوبة، لتعلموا أن العلوم الحكمية والهندسية عند الله بمكانة. ثم لقن أصحابه انكم متى أمكنكم استخراج خطين من خطين على نسبة متوالية توصلتم إلى تضعيف المذبح، فإنه لا حيلة فيه دون استخراج ذلك، فتعلموا استخراج ذلك فارتفع الوباء عنهم. فلما تبين للناس من أمر الحكمة هذه الأعجوبة تلمذ لأفلاطون خلق كثير، منهم أرسطاطاليس، واستخلفه على كرسي الحكمة بعده، وكان أفلاطون تاركاً للدنيا لا يحتمل منه أحد ولا يعلم الحكمة إلا من كان ذا فطانة ونفس خيرة، والتلميذ يأخذ منه الحكمة قائماً لاحترام الحكمة. وحكي أن الإسكندر ذهب إليه وكان أفلاطون أستاذ أستاذه، فوقف إليه وهو في مشرقة قد أسند ظهره إلى جدار يأوي إليه، فقال له الإسكندر: هل من حاجة؟ فقال: حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعتني الوقوف في الشمس! فدعا له بذهب وكسوة فاخرة من الديباج والقصب، فقال: ليس بأفلاطون حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبات ولعاب الدود، وإنما حاجته إلى شيء يكون معه أينما توجه. وينسب إليها أرسطاطاليس، ويقال له المعلم الأول، لأنه نقح علم الحكمة وأسقط سخيفها وقرر إثبات المدعى وطريق التوجيه، وكانوا قبله يأخذون الحكمة تقليداً. ووضع علم المنطق وخالف أستاذه أفلاطون وأبطل التناسخ، قيل له: كيف خالفت الأستاذ؟ فقال: الأستاذ صديقي والحق أيضاً صديقي، لكن الحق أحب إلي من الأستاذ. وكان أستاذ الإسكندر ووزيره فأخذ الإسكندر برأيه الأرض كلها. حكي أن أرسطاطاليس سئل: لم حركة الإقبال بطيئة وحركة الإدبار سريعة؟ فقال: لأن المقبل مصعد، والصعود يكون من مرقاة إلى مرقاة، والمدبر كالمقذوف من علو إلى أسفل. وحكى الحكيم الفاضل أبو الفتح يحيى السهروردي الملقب بشهاب الدين في بعض تصانيفه: بينا أنا بين النائم واليقظان رأيت في نور شعشعاني بمثل إنساني، فإذا هو المعلم، فسألته عن فلان وفلان من الحكماء فأعرض عني، فسألته عن سهل بن عبد الله التستري وأمثاله فقال: أولئك هم الفلاسفة حقاً، نطقوا بما نطقنا فلهم زلفى وحسن مآب! وحكي أن الإسكندر قال لأرسطاطاليس: قد ورد الخبر بفتح المدينة التي أنت منها فماذا ترى؟ قال أرسطاطاليس: أرى أن لا يبقى على واحد منهم كيلا يرجع أحد يخالفك! فقال الإسكندر: أمرت أن لا يؤذى أحد فيها احتراماً لجانبك. فكلام الوزير عجب وكلام الملك أعجب منه. وينسب إليها ديوجانس، وكان حكيماً تاركاً للدنيا، مفارقاً لشهواتها ولذاتها، مختاراً للعزلة ولا يرضى باحتمال منه من أحد، حكي أنه كان نائماً في ستان في ظل شجرة، فدخل عليه بعض الملوك فركله برجله وقال له: قد ورد الخبر بفتح بلدتك! فقال: أيها الملك فتح البلاد عادة الملوك، لكن الركل من طباع الدواب! وحكي أنه رأى صياداً يكلم امرأة حسناء فقال له: أيها الصياد، احذر أن تصاد! وحكي أنه رأى امرأة حسناء خرجت للنظارة يوم عيد فقال: هذه ما خرجت لترى إنما خرجت لترى! وحكي انه رأى رجلاً مع ابنه، والابن شديد الشبه بأبيه، فقال للصبي: نعم الشاهد أنت لأمك! وحكي انه نظر إلى شاب حسن الصورة قبيح السيرة فقال: يت حسن فيه ساكن قبيح! وينسب إليها بطليموس صاحب العلم المجسطي الذي عرف حركات الأفلاك وسير الكواكب بالبراهين الهندسية، فذكر أن بعض الأفلاك يتحرك من المغرب إلى المشرق، وبعضها من المشرق إلى المغرب، وبعضها سريع الحركة، وبعضها بطيء الحركة، وبعضها يدور رحوية، وبعضها يدو دولابية، وبعضها يدور حمائلية. وان حركات الكواكب تابعة لحركات أفلاكها، ومن الأفلاك بعضها محيطة بكرة الأرض وبعضها غير ميطة، وبعضها مركزها مركز الأرض وبعضها مركز خارج من مركز الأرض. وأقام على ذلك كله البراهين الهندسية ومسح الأفلاك برجاً برجاً، ودرجة درجة، وثانية ثانية حتى يقول: في يوم كذا وفي ساعة كذا يكون الكسوف أو الخسوف، ويقع كما قال. وأعجب من هذا أنه يبين بالبراهين الهندسية أن ما بين المساء والأرض من المسافة كم يكون ميلاً، وأن كل فلك من الأفلاك تحتها كم يكون ميلاً، ودورتها كم تكون ميلاً، وقطرها كم يكون ميلاً. ومن أعجب الأشياء وضع الاصطرلاب والتقويم. فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم! وينسب إليها بطلميوس صاحب الأحكام النجومية. يزعم أنه حصل له بالتجربة مرة بعد أخرى وقوع الحوادث بحركات الأفلاكوسير الكواكب، وليس على ذلك برهان كما في المجسطي، لكن هو يزعم غلبة الظن، وأنه موقوف على مقدمات وشرائط كثيرة قلما تحصل لأحد في زماننا. ومن أراد شيئاً من ذلك فلينظر في أحكام جاماسب وزير كشتاسف، ملك الفرس، فإنه كان قبل مبعث موسى، عليه السلام، وحكم بمبعث موسى وعيسى ونبينا، عليه السلام، وبإزالة الملة المجوسية وخروج الترك، وأمثال ذلك من الحوادث الكثيرة. وينسب إليها بليناس صاحب الطلسمات. وإنها مأخوذة من أجرام سماوية وأجرام أرضية في أوقات مخصوصة، وكتابنا هذا كثير فيه من ذكر الطلسمات. وينسب إليها فيثاغورس صاحب علم الموسيقى. زعموا أنه وضع الألحان على أصوات حركات الفلك بذكائه وصفاء جوهر نفسه. استخرج أصول النغمات وهو أول من تكلم في هذا العلم، وفائدته أن المريض الذي عدم نومه أو قرارهيلهى بهذه الأصوات، فربما يأتيه النوم أو يخف عنه بعض ما به بسبب اشتغاله بسماع تلك الأصوات، وكذلك الحزين الذي يغلب عليه الحزن يشغل بشيء من هذه الألحان، فيخف عليه بعض ما به. وينسب إليها اقليمون، وهو صاحب الفراسة، والفراسة هي الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية. وإنها كثيرة تظهر للإنسان على قدر ذكائه كما قال تعالى: إن في ذلك لآيات للمتوسمين. فإنك إذا رأيت إنساناً مصفر اللون ترى أنه مريض، فإن لم تجد آثار المرض تعلم انه خائف. وإذا رأيت رجلاً كبير الرأس تعلم انه بليد تشبيهاً بالحمار، وإذا رأيت رجلاً عريض الصدر دقيق الخصر تعلم أنه شجاع لأنه شبيه بالأسد. ومن هذا الطريق وهذا علم منسوب إلى الحكيم اقليمون. وينسب إليها أوقليدس واضع الأشكال الهندسية والبراهين اليقينية، والمقالات العجيبة والأشكال الموقوفة. بعضها على بعض على وجه لا يفهم الثاني ما لم يفهم الأول، ولا الثالث ما لم يفهم الثاني، وعلى هذا الترتيب فلا يستعد لهذا الفن من العلوم إلا كل ذي فطانة وذكاء، فإنه من العلوم الدقيقة. وينسب إليها أرشميدس واضع علم أعداد الوفق على وجه عجيب، وهو أن يخرج شكلاً جميع أضلاعه متساوية طولاً وعرضاً وأقطاره كذلك، ويكون جميع سطوره متساوية بالعدد. زعموا أن لهذه الأشكال خواص إذا ضربت في أوقات معينة. وأما شكل ثلاثة في ثلاثة فمجرب لسهولة الولادة، وهو أول الأشكال وآخرها ألف في ألف. قال أيضاً مجرب لظفر العسكر إذا كان ذلك على رايتهم. وينسب إليها بقراط صاحب الأقوال الكلية في قوانين الطب، لأن تجربته دلت على ذلك، والذي اختاره من القواعد في غاية الحسن قلما ينتقض شيء منه. وكان خبيراً بعلم الطب بكلياته وجزئياته. وينسب إليها جالينوس صاحب علم الطب والمعالجات العجيبة بذكاء نفسهوألقي إليه في نومه. حكي أنه رأى طيراً سقط من الجو يضرب بجناحيه ثم أخذ شيئاً من الماء في منقاره، وصب لك في منف ذرقه فانفصل منه ذرقه وطار، فوضع الحقنة على ذلك عندما يكون الاحتباس في الامعاء. وحكي انه كان على إصبعه جرح، بقي مدة لم يقبل المعالجة، فرأى في نومه أن علاجه فصد عرق تحت كتفه من الجانب المخالف، ففعل ذلك فعوفي. وحكي أنه قيل لجالينوس: كيف خرجت على أقرانك بوفور العلم؟ فقال: لأن ما أنفق أولئك في الخمر أنا أنفقت في الزيت. وحكي أنه أصابه في آخر عمره إسهال شديد فقيل له: كيف عجزت عن حبس هذه وأنت أنت؟ فدعا طشت ملأه ماء فرمى فيه دواء انعقد الماء فيه فقال: أقدر على حبس الماء في الطشت، وما أقدر على حبس بطني، لتعلموا أن العلم والتجربة لا ينفعان مع قضاء الله تعالى! قال الشاعر: أرسطو مات مدفوقاً ضئيلاً وأفلاطون مفلوجاً ضعيفا مضى بقراط مسلولاً ضعيفا وجالينوس مبطوناً نحيفا هؤلاء فضلاء الناس، ماتوا أسوأ ميتة، لتعلموا أنه هو القاهر فوق عباده. والله الموفق.
[آثار البلاد وأخبار العباد]