البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

قتال البغاة

يمتاز ‌قتال ‌البغاة عن القتال غيرهم من الكفار والفسقة والأعداء بمظاهر هامة، نظراً إلى أن البغاة لا يفسقون كما قلنا، ولا ينسبون إلى أي بدعة، وإنما الضرورة هي التي تدعو إلى قتالهم حفظاً للأمن، ووقاية لوحدة المسلمين أن لا تصدعها الفتن، وإليك خلاصة هذه المظاهر: أ - يجب أن يسبق القتال نصح وحوار بينهم وبين ممثلي الإمام، كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الذين خرجوا عليه، فقد بعث إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه ليناظرهم فيما يدعون. فلعلهم يرجعون إلي الحق أو يرجع بعضهم. ففي الحلية لأبي نعيم عن ابن عباس قال: لما اعتزلت الحرورية قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد عني الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم، قال: أني أتخوفهم عليك، قال قلت كلا إن شاء الله، فليست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة، فدخلت علي قوم لم أر قوماً أشد اجتهاداً منهم، أيديهم كأنها ثفن إبل ـ جمع ثفنة وهي ركبة البعير وما مس الأرض من كركرته ـ ووجوههم مقلبة من آثار السجود، قال: فدخلت فقالوا: مرحباً بك يا ابن عباس، ما جاء بك؟ قال؟ جئت أحدثكم، على أصحاب رسول الله نزل الوحي، وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه، وقال بعضهم: لنحدثنه. قال: فقلت أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله وختنه وأول ممن آمن به، وأصحاب رسول الله معه؟ قالوا: أولاهن أنه حكم الرجال في دين الله، وقد قال الله عز وجل: ﴿إن الحكم إلا الله﴾ (سورة الأنعام: 57)، قال: قلت: وماذا؟ قالوا: قاتل ولم يسب ولم يغنم، لئن كانوا كفاراً لقد حلت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم، قال: قلت: ثم ماذا؟ قالوا: ومحا نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قال: قلت أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنة نبيكم ما لا تنكرون أترجعون؟ قالوا: نعم، قال: قلت أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فإنه يقولك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾. .. (سورة المائدة: 95). وقال في المرأة وزوجها: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (سورة النساء: 35). أنشدكم الله أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق، أم في أرنب ثمنها ربع درهم؟ فقالوا: اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم، فقال: أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. قال: وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام، أن الله عز وجل يقول: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ (سورة الأحزاب: 6)، فأنتم تترددون بين ضلالتين، فاختاروا أيتهما شئتم، أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. قال: وأما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين؛ فإن، رسول الله دعا قريشاً يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتاباً، فقال: اكتب هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبدالله، فقال: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب يا على محمد بن عبدالله. فرسول الله كان أفضل من علي، أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم، فرجع منهم عشرون ألفاً، وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا. (انظر كتاب الحلية لأبي نعيم [1: 318 ـ 320]). وفي البداية والنهاية لابن كثير: أن علياً بعث إلى الخوارج عبدالله بن عباس، حتى إذا توسط عسكرهم، فقام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، هذا عبدالله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فإني أعرفه، ممن يخاصم في كتاب الله بما لا يعرفه، هذا ممن نزل فيه وفي قومه: ﴿بل هم قوم خصمون﴾ فردوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله، فقال بعضهم: والله لنواضعنه، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنكبتنه بباطلة، فواضعوا عبدالله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب، فيهم ابن الكوا، حتى أدخلهم على علي الكوفة. فإن لم يجد الحوار والنصح بينهم وبين ممثلي الإمام؛ يتل ذلك التحذير والتخويف من عاقبة الاستمرار على العصيان، ثم يتبع ذلك الإنذار بالقتال، حتى إذا لم تجد هذه الأسباب كلها شيئاً؛ وجب القتال. وقد مر بيان هذا غي أول البحث. ب - لا يجوز بعد بدء القتال ملاحقة المدبرين منهم، ولا القضاء على المثحنين بالجراح منهم، وإنما يحصر القتال في مواجهة من يواجه القتال بمثله. جـ - لا يجوز قتل كم يؤسر منهم، لصريح ما ورد من النهي عن ذلك في حديث البيهقي [8: 182] عن ابن عمر أن النبي قال لابن مسعود: يا ابن أم عبد ما حكم من بغي من أمتي؟ قال: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله : لا يتبع مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يقتل جريحهم، وزاد البيهقي ولا يغنم فيئهم. وروى ابن أبي شيبة ـ مغني المحتاج [4 /127]ـ أن علياً رضي الله عنه أمر مناديه يوم الجمل فنادي: لا يتبع مدبر، ولا يذفف على جريح، ولا يقتل أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن. نعم يجب حبسه إن لم يذعن للمبايعة والاحتفاظ به، إلى أن تنقضي الحرب ويتفرق جمع البغاة، ليكفى شره، ثم يطلق سراحه بعد أن يأخذ عليه العهد أن لا يعود إلى القتال، فإن خيف من نكثه العهد جاز إبقاؤه في السجن، حتى يغلب على الظن صدقه في العهد. أما إذا أذعن للطاعة قبل انقضاء الحرب؛ وظهرت علائم الصدق عليه، فيجب المبادرة إلى إطلاق سراحه. د - لا يجوز امتلاك شيء من أموالهم على وجه الغنيمة، بل ينظر: فما كان منها آلات حرب فيحتفظ بها إلى أن تضع الحرب أوزارها، ويطمئن الحاكم إلى أنهم لم يعودوا إلى القتال، فتعاد إليهم عند ذاك، فإن بقي الخوف قائماً من عودهم إلى القتال لم تسلم إليهم، وبقيت تحت يد الدولة على وجه الاحتفاظ لا الامتلاك. وما كان منها أموالاً عادية؛ فيجب إعادته إلى أصحابه عند انقضاء الحرب، وإن خفنا عودهم إلى القتال. "الفقه المنهجي" لمجموعة من المؤلفين.