البحث

عبارات مقترحة:

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...


إِرَمُ ذَاتُ العِمَادِ

وهي إرم عاد، يضاف ولا يضاف، أعني في قوله، عز وجل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ 89: 6- 7. فمن أضاف لم يصرف إرم، لأنه يجعله اسم أمّهم، أو اسم بلدة، ومن لم يضف جعل إرم اسمه ولم يصرفه، لأنه جعل عادا اسم أبيهم. وإرم اسم القبيلة، وجعله بدلا منه. وقال بعضهم: إرم لا ينصرف للتعريف والتأنيث، لأنه اسم قبيلة، فعلى هذا يكون التقدير: إرم صاحب ذات العماد، لأن ذات العماد مدينة. وقيل: ذات العماد وصف، كما تقول المدينة ذات الملك. وقيل: إرم مدينة، فعلى هذا يكون التقدير بعاد صاحب إرم. ويقرأ بعاد إرم ذات العماد، الجرّ على الإضافة، فهذا إعرابها. ثم اختلف فيها من جعلها مدينة، فمنهم من قال: هي أرض كانت واندرست، فهي لا تعرف. ومنهم من قال: هي الاسكندرية، وأكثرهم يقولون: هي دمشق، وكذلك قال شبيب بن يزيد بن النعمان بن بشير: لولا التي علقتني من علائقها، لم تمس لي إرم دارا ولا وطنا قالوا: أراد دمشق، وإياها أراد البحتري بقوله: إليك رحلنا العيس من أرض بابل، نجوز بها سمت الدّبور ونهتدي فكم جزعت من وهدة بعد وهدة، وكم قطعت من فدفد بعد فدفد طلبنك من أمّ العراق نوازعا بنا، وقصور الشام منك بمرصد إلى إرم ذات العماد، وإنّها لموضع قصدي، موجفا، وتعمّدي وحكى الزمخشري أنّ إرم بلد منه الإسكندرية. وروى آخرون أنّ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، باليمن بين حضرموت وصنعاء، من بناء شدّاد بن عاد، ورووا أن شداد بن عاد كان جبّارا، ولما سمع بالجنة وما أعدّ الله فيها لأوليائه من قصور الذهب والفضة والمساكن التي تجري من تحتها الأنهار، والغرف التي من فوقها غرف، قال لكبرائه: إني متخذ في الأرض مدينة على صفة الجنة، فوكل بذلك مائة رجل من وكلائه وقهارمته، تحت يد كل رجل منهم ألف من الأعوان، وأمرهم أن يطلبوا فضاء فلاة من أرض اليمن، ويختاروا أطيبها تربة، ومكنهم من الأموال، ومثّل لهم كيف يعملون، وكتب إلى عمّاله الثلاثة: غانم بن علوان، والضحّاك ابن علوان، والوليد بن الريّان، يأمرهم أن يكتبوا إلى عمّالهم في آفاق بلدانهم أن يجمعوا جميع ما في أرضهم من الذهب، والفضة، والدرّ، والياقوت، والمسك، والعنبر، والزعفران، فيوجهوا به إليه. ثم وجّه إلى جميع المعادن، فاستخرج ما فيها من الذهب والفضة. ثم وجه عمّاله الثلاثة الى الغواصين إلى البحار، فاستخرجوا الجواهر، فجمعوا منها أمثال الجبال، وحمل جميع ذلك إلى شدّاد. ثم وجهوا الحفّارين إلى معادن الياقوت، والزبرجد، وسائر الجواهر، فاستخرجوا منها أمرا عظيما. فأمربالذهب، فضرب أمثال اللبن. ثم بنى بذلك تلك المدينة، وأمر بالدرّ، والياقوت، والجزع، والزبرجد، والعقيق، ففصّص به حيطانها، وجعل لها غرفا من فوقها غرف، معمّد جميع ذلك بأساطين الزبرجد، والجزع، والياقوت. ثم أجرى تحت المدينة واديا، ساقه إليها من تحت الأرض أربعين فرسخا، كهيئة القناة العظيمة. ثم أمر فأجري من ذلك الوادي سواق في تلك السكك، والشوارع، والأزقّة، تجري بالماء الصافي. وأمر بحافتي ذلك النهر وجميع السواقي، فطليت بالذهب الأحمر، وجعل حصاه أنواع الجواهر: الأحمر، والأصفر، والأخضر، فنصب على حافتي النهر والسواقي أشجارا، من الذهب، مثمرة. وجعل ثمرها من تلك اليواقيت، والجواهر، وجعل طول المدينة اثني عشر فرسخا، وعرضها مثل ذلك. وصيّر صورها عاليا مشرفا، وبنى فيها ثلاثمائة ألف قصر، مفصّصا بواطنها وظواهرها بأصناف الجواهر. ثم بنى لنفسه في وسط المدينة، على شاطئ ذلك النهر، قصرا منيفا عاليا يشرف على تلك القصور كلها. وجعل بابها يشرع إلى الوادي، بمكان رحيب واسع. ونصب عليه مصراعين من ذهب، مفصّصين بأنواع اليواقيت. وأمر باتخاذ بنادق من مسك وزعفران، فألقيت في تلك الشوارع والطرقات. وجعل ارتفاع تلك البيوت، في جميع المدينة، ثلاثمائة ذراع في الهواء. وجعل السور مرتفعا ثلاثمائة ذراع مفصّصا خارجه وداخله بأنواع اليواقيت وظرائف الجواهر. ثم بنى خارج سور المدينة أكما يدور ثلاثمائة ألف منظرة بلبن الذهب والفضة عالية مرتفعة في السماء، محدقة بسور المدينة، لينزلها جنوده، ومكث في بنائها خمسمائة عام. وإن الله تعالى أحب أن يتّخذ الحجّة عليه، وعلى جنوده، بالرسالة والدّعاء إلى التوبة والإنابة، فانتجب لرسالته إليه هودا، عليه السلام، وكان من صميم قومه وأشرافهم. وهو في رواية بعض أهل الأثر هود بن خالد بن الخلود بن العاص بن عمليق بن عاد ابن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام. وقال أبو المنذر: هو هود بن الخلود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وقيل غير ذلك ولسنا بصدده. ثم إن هودا، عليه السلام، أتاه فدعاه إلى الله تعالى وأمره بالإيمان، والإقرار بربوبية الله، عز وجل، ووحدانيته، فتمادى في الكفر والطّغيان، وذلك حين تمّ لملكه سبعمائة سنة. فأنذره هود بالعذاب، وحذّره وخوّفه زوال ملكه، فلم يرتدع عما كان عليه، ولم يجب هودا إلى ما دعاه إليه. ووافاه الموكلون ببناء المدينة، وأخبروه بالفراغ منها. فعزم على الخروج إليها في جنوده، فخرج في ثلاثمائة ألف من حرسه وشاكريّته ومواليه، وسار نحوها، وخلّف على ملكه بحضرموت وسائر أرض العرب ابنه مرثد بن شدّاد. وكان مرثد، فيما يقال، مؤمنا بهود، عليه السلام، فلما قرب شداد من المدينة، وانتهى إلى مرحلة منها، جاءت صيحة من السماء، فمات هو وأصحابه أجمعون، حتى لم يبق منهم مخبر، ومات جميع من كان بالمدينة من الفعلة، والصّناع، والوكلاء، والقهارمة، وبقيت خلاء، لا أنيس بها. وساخت المدينة في الأرض، فلم يدخلها بعد ذلك أحد، إلا رجل واحد في ايام معاوية، يقال له: عبد الله بن قلابة، فإنه ذكر في قصة طويلة تلخيصها: أنّه خرج من صنعاء في بغاء إبل له ضلّت، فأفضى به السّير إلى مدينة صفتها كما ذكرنا، وأخذ منها شيئا من بنادق المسك، والكافور، وشيئا من الياقوت. وقصد إلى معاوية بالشام، وأخبرهبذلك، وأراه الجواهر والبنادق. وكان قد اصفرّ وغيّرته الأزمنة، فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار، وسأله عن ذلك، فقال: هذه إرم ذات العماد التي ذكرها الله، عز وجل، في كتابه. بناها شداد ابن عاد، وقيل: شداد بن عمليق بن عويج بن عامر ابن إرم، وقيل في نسبه غير ذلك. ولا سبيل إلى دخولها، ولا يدخلها إلا رجل واحد صفته كذا. ووصف صفة عبد الله بن قلابة، فقال معاوية: يا عبد الله! أما أنت فقد أحسنت في نصحنا، ولكن ما لا سبيل إليه، لا حيلة فيه. وأمر له بجائزة فانصرف. ويقال: إنهم وقعوا على حفيرة شداد بحضرموت، فإذا بيت في الجبل منقور، مائة ذراع في أربعين ذراعا، وفي صدره سريران عظيمان من ذهب، على أحدهما رجل عظيم الجسم، وعند رأسه لوح فيه مكتوب: اعتبر يا أيها المغ رور بالعمر المديد أنا شداد بن عاد، صاحب الحصن المشيد وأخو القوّة والبأ ساء والملك الحشيد دان أهل الأرض طرّا لي من خوف وعيدي فأتى هود، وكنّا في ضلال، قبل هود فدعانا، لو أجبنا هـ، إلى الأمر الرشيد فعصيناه ونادى ما لكم، هل من محيد؟ فأتتنا صيحة، ته وي من الأفق البعيد قلت: هذه القصّة مما قدمنا البراءة من صحّتها وظننا أنها من أخبار القصّاص المنمّقة وأوضاعها المزوّقة.

[معجم البلدان]

إرم ذات العماد

بين صنعاء وحضرموت، من بناء شداد بن عاد، روي أن شداد بن عاد كان جباراً من الجبابرة، لما سمع بالجنة وما وعد الله فيها أولياءه من قصورالذهب والفضة والمساكن التي تجري من تحتها الأنهار، والغرف التي فوقها غرف، قال: إني متخذ في الأرض مدينة على صفة الجنة، فوكل بذلك مائة رجل من وكلائه، تحت يد كل وكيل ألف من الأعوان، وأمرهم أن يطلبوا أفضل فلاة من أرض اليمن، ويختاروا أطيبها تربة. ومكنهم من الأموال ومثل لهم كيفية بنائها، وكتب إلى عماله في سائر البلدان أن يجمعوا جميع ما في بلادهم من الذهب والفضة والجواهر؛ فجمعوا منها صبراً مثل الجبال، فأمر باتخاذ اللبن من الذهب والفضة، وبنى المدينة بها، وأمر أن يفضض حيطانها بجواهر الدر والياقوت والزبرجد، وجعل فيها غرفاً فوقها غرف، أساطينها من الزبرجد والجزع والياقوت. ثم أجرى إليها نهراً ساقه إليها من أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة، فأجرى من ذلك النهر سواقي في السكك والشوارع، وأمر بحافتي النهر والسواقي فطليت بالذهب الأحمر، وجعل حصاه أنواع الجواهر الأحمر والأصفر والأخضر، ونصب على حافتي النهر والسواقي أشجاراً من الذهب، وجعل ثمارها من الجواهر واليواقيت. وجعل طول المدينة اثني عشر فرسخاً وعرضها مثل ذلك، وصير سورها عالياً مشرفاً، وبنى فيها ثلاثمائة ألف قصر، مفضضاً بواطنها وظواهرها بأصناف الجواهر. ثم بنى لنفسه على شاطيء ذلك النهر قصراً منيفاً عالياً، يشرف على تلك القصور كلها، وجعل بابه يشرع إلى واد رحيب، ونصب عليه مصراعين من ذهب مفضض بأنواع اليواقيت. وجعل ارتفاع البيوت والسور ثلاثمائة ذراع. وجعل تراب المدينة من المسك والزعفران. وجعل خارج المدينة مائة ألف منظرة أيضاً من الذهب والفضة لينزلها جنوده. ومكث في بنائها خمسمائة عام، فبعث الله تعالى إليه هوداً النبي، عليه السلام، فدعاه إلى الله تعالى، فتمادى في الكفر والطغيان. وكان إذ ذاك تم ملكه سبعمائة سنة، فأنذره هود بعذاب الله تعالى وخوفه بزوال ملكه، فلم يرتدع عما كانعليه. وعند ذلك وافاه الموكلون ببناء المدينة وأخبروه بالفراغ منها، فعزم على الخروج إليها في جنوده، وخرج في ثلاثمائة ألف رجل من أهل بيته، وخلف على ملكه مرثد بن شداد ابنه، وكان مرثد، فيما يقال، مؤمناً بهود، عليه السلام. فلما انتهى شداد إلى قرب المدينة بمرحلة جاءت صيحة من السماء، فمات هو وأصحابه وجميع من كان في أمر المدينة من القهارمة والصناع والفعلة، وبقيت لا أنيس بها فأخفاها الله، لم يدخلها بعد ذلك إلا رجل واحد في أيام معاوية يقال له عبد الله بن قلابة، فإنه ذكر في قصة طويلة ملخصها أنه خرج من صنعاء في طلب إبل ضلت، فأفضى به السير إلى مدينة، صفتها ما ذكرنا، فأخذ منها شيئاً من المسك والكافور وشيئاً من الياقوت، وقصد الشام وأخبر معاوية بالمدينة، وعرض عليه ما أخذه من الجواهر، وكانت قد تغير بطول الزمان. فأحضر معاوية كعب الأحبار وسأله عن ذلك فقال: هذا إرم ذات العماد التي ذكرها الله تعالى في كتابه، بناها شداد بن عاد، لا سبيل إلى دخولها ولا يدخلها إلا رجل واحد صفته كذا وكذا. وكانت تلك الصفة صفة عبد الله ابن قلابة؛ فقال له معاوية: أما أنت يا عبد الله فأحسنت النصح، ولكن لا سبيل لها. وأمر له بجائزة. وحكي أنهم عرفوا قبر شداد بن عاد بحضرموت، وذلك أنهم وقعوا في حفيرة، وهي بيت في جبل منقورة مائة ذراع في أربعين ذراعاً، وفي صدره سرير عظيم من ذهب، عليه رجل عظيم الجسم، وعند رأسه لوح فيه مكتوب: اعتبر يا أيّها المغرور بالعمر المديد أنا شدّاد بن عادٍ صاحب القصر المشيد وأخو القوّة والبأساء والملك الحسيد دان أهل الأرض طرّاً لي من خوف وعيدي فأتى هودٌ وكنّا في ضلالٍ قبل هودفدعانا لو قبلناه إلى الأمر الرّشيد فعصيناه ونادينا: ألا هل من محيد؟ فأتتنا صيحةٌ تهوي من الأفق البعيد فشوينا مثل زرعٍ وسط بيداءٍ حصيد والله الموفق للصواب.

[آثار البلاد وأخبار العباد]

إرم ذات العماد

من الناس من قال: إرم قبيلة عاد وهو قول مجاهد وقتادة، وعليه أنشدوا لابن قيس الرقيات (1) : مجداً تليداً بناه أوله. .. أدرك عاداً وقبلها إرما وقال زهير (2) : وآخرين ترى الماذي عدتهم. .. من نسج داود أو ما أورثت إرم قال ابن إسحاق: فإرم أبو عاد كلها، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وقال جمهور المفسرين: إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن، وقال محمد بن كعب: هي الإسكندرية، وقال سعيد بن المسيب: هي دمشق، قال البكري: دمشق هي ذات العماد، وكذلك روى هوذة عن عوف بن خالد وقاله عكرمة، وحكى البلاذري قال: حدثني محمد بن موسى الصانع عن جعفر بن محمد العطار بمدينة السلام، قال حدثني علي بن داود القنطري وأبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي عن أبي صالح عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث بن سعد، قال حدثني عبد الله بن لهيعة بن علقمة الحضرمي عن خالد بن أبي عمران عن وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة قال: أنه خرج في إبل له شردت، فبينما هو في صحارى عدن أبين والشحر يطلب إبله في تلك الفلوات إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن، حول ذلك الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال، فلما دنا منها ظن أن فيها أحداً يسأله عن إبله، فإذا لا خارج يخرج من باب حصنها ولا داخل يدخل منه، فلما رأى ذلك نزل عن ناقته وعقلها ثم استل سيفه ودخل من باب الحصن، فلما خلف الحصن بشيء إذا هو ببابين عظيمين لم ير في الدنيا أعظم منهما ولا أطول، وإذا خشبهما مجمر يعني عوداً، وفي ذينك البابين نجوم من ياقوت أبيض وياقوت أحمر، يضيء ذانك البابان فيما بين الحصن والمدينة فلما رأى ذلك الرجل أعجبه وتعاظم الأمر، ففتح أحد البابين ودخل، فإذا هو بمدينة لم ير الراءون مثلها قط، وإذا هي قصور كل قصر معلق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت، ومن فوق كل قصر منها غرف، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وكل مصاريع تلك القصور وتلك الغرف مثل مصراعي باب المدينة، كلها مفصص بالياقوت الأبيض والياقوت الأحمر مقابلة بعضها ببعض، ينور بعضها من بعض، مفروشة تلك القصور وتلك الغرف كلها باللؤلؤ وبنادق من مسك وزعفران، فلما عاين الرجل ما عاين ولم ير فيها أحداً هاله ذلك وأفزعه، ثم نظر إلى الأزقة فإذا هو بالشجر في كل زقاق منها قد أثمرت تلك الأشجار كلها، وإذا تحت تلك الأشجار أنهار مطردة يجري ماؤها في قنوات من فضة، كل قناة منها أشد بياضاً من الشمس، تجري تلك القنوات تحت الأشجار، فداخل الرجل العجب مما رأى وقال: والذي بعث محمداً بالحق ما خلق الله عز وجل مثل هذه في الدنيا وإن هذه للجنة التي وصفها تقدست أسماؤه، ما بقي مما وصف الله العزيز شيء إلا وهو في هذه المدينة، هذه الجنة، الحمد لله الذي أدخلناها فبينما هو يؤامر نفسه ويتدبر رأيه إذ دعته نفسه أن يأخذ من لؤلؤها وياقوتها وزبرجدها ثم يخرج حتى يأتي بلاده ثم يرجع إليها، ففعل، فحمل معه من اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها شيئاً ولا من ياقوتها لأنه مثبت في أبوابها، وكان ذلك اللؤلؤ والبنادق والمسك والزعفران منثوراً في تلك القصور والغرف كلها، فأخذ ما أراد وخرج حتى أتى ناقته وحل عقالها وركبها ثم سار راجعاً يقفو أثر ناقته حتى رجع إلى اليمن، فأظهر ما كان معه، وأعلم الناس أمره وما كان من قصته، وباع بعض اللؤلؤ، وكان ذلك اللؤلؤ قد اصفر وتغير من طول كرور الأيام والليالي عليه، فلم يزل أمر ذلك الرجل ينمي ويخرج حتى بلغ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فأرسل رسولاً وكتب إلى صاحب صنعاء يأمره بالبعثة بالرجل إليه يسأله عما كان من أمره، فخرج به رسول معاوية رضي الله عنه من اليمن حتى قدم به الشام، فأمر صاحب صنعاء الرجل أن يخرج معه ببعض ما جاء به من متاع تلك المدينة، فسار الرجل ورسول معاوية رضي الله عنه معه حتى قدم على معاوية رضي الله عنه، فخلا به معاوية رضي الله عنه وساءله عما رأى وعاين فقص عليه أمر المدينة وما رأى فيها شيئاً فشيئاً، فأعظم ذلك معاوية رضي الله عنه وأنكر ما حدثه به وقال: ما أظن ما قلته حقاً، فقال الرجل: عندي من متاعها الذي هو مفروش في قصورها وغرفها وبيوتها، قال: ما هو قال: لؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فقال له معاوية رضي الله عنه، هات حتى أراه، فأراه لؤلؤاً أصفر من أعظم ما يكون من اللؤلؤ وأراه تلك البنادق فشمه معاوية رضي الله عنه فلم يجد له ريحاً فدق بندقة من تلك البنادق فسطع ريحها مسكاً وزعفراناً، فصدقه معاوية رضي الله عنه عند ذلك، وقال: كيف لي أن أعلم ما اسم هذه المدينة ومن بناها ولمن كانت، فوالله ما أعطي أحد مثل ما أعطي سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، وما ملك سليمان مثل هذه المدينة، فقال بعض جلساء معاوية رضي الله عنه: إنك لن تجد خبر هذه المدينة عند أحد من أهل الدنيا في زماننا هذا إلا عند كعب الأحبار، فإن رأيت أن تبعث إليه وتأمر أن يغيب هذا الرجل عنه فإنه سيخبر بأمرها وأمر هذا الرجل إن كان دخلها، لأن مثل هذه المدينة على مثل هذه الصفة لا يستطيع هذا الرجل دخولها إلا أن يكون قد سبق في الكتاب دخوله إياها، فابعث إلى كعب فإنه لم يخلق الله عز وجل أحداً على ظهر الأرض أعلم منه، ولا شيء مضى من الدهر ولا يكون بعد اليوم إلا وهو في التوراة مفسراً منصوباً معروفاً مكانه، فليبعث إليه أمير المؤمنين فإنه سيجد خبرها عنده، قال: فأرسل معاوية رضي الله عنه إلى كعب الأحبار فأتاه، فلما أتاه قال له معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق إني دعوتك لأمر رجوت أن يكون علمه عندك، قال كعب: على الخبير سقطت فسلني عما بدا لك، قال: أخبرني يا أبا إسحاق هل بلغك أن في الدنيا مدينة مبنية بالذهب والفضة وعمدها زبرجد وياقوت، وحصباء قصورها وغرفها لؤلؤ فيها جناتها وأنهارها في الأزقة تجري تحت الأشجار؟ قال كعب: والذي نفسي بيده لقد ظننت أني لأتوسد يميني قبل أن يسألني أحد عن تلك المدينة وما فيها ولمن هي، ولكن أخبرك بها ولمن هي ومن بناها، أما تلك المدينة فهي حق على ما بلغك ووصف لك، وأما صاحبها الذي بناها فشداد بن عاد، وأما المدينة فإرم ذات العماد التي وصف الله عز وجل في كتابه المنزل على محمد " التي لم يخلق مثلها في البلاد "، وهي كما وصف لك لم يبن مثلها في البلاد، قال معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق حدثني حديثها يرحمك الله، قال: أخبرك أن عاداً الأولى ليس عاد قوم هود، ولكن عاد الأولى إنما هود وقوم هود ولد لذلك، فكان عاد له ابنان أحدهما شديد والآخر شداد، فهلك عاد فبغيا وتجبرا، وملكا فقهرا البلاد وأخذا أهلها عنوة وقهرا حتى دان لهما جميع الناس، ولم يبق أحد من الناس في زمانهما إلا وهو في طاعتهما لا في مشرق الأرض ولا في مغربها، وأنه لما صفا لهما ذلك وقر قرارهما مات شديد بن عاد وبقي شداد وحده لم ينازعه أحد، ودانت له الدنيا كلها بأجمعها، وكان مولعاً بقراءة الكتب الأول وكلما مر فيها بذكر الجنة وما يسمع ما هو فيها من البنيان والياقوت واللؤلؤ دعته نفسه إلى أن يفعل تلك الصفة، فلما قر ذلك في لبه أمر بصنعة تلك المدينة وأمر على صنعتها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان، ثم قال: انطلقوا إلى أطيب بلاد الأرض وأوسعها فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد، وعلى المدينة قصور، ومن فوق تلك القصور غرف، واغرسوا تحت القصور في أزقتها أصناف الثمار كلها وأجروا فيها الأنهار حتى تكون تحت الأشجار، فإني أستمع في الكتاب صفة الجنة فأحب أن أجعل مثالها في الدنيا أتعجل سكناها، فقال له قهارمته وكانوا مائة قهرمان: كيف لنا أن نقدر على ما وصفت لنا من الزبرجد والياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة ينبني منه مدينة من المدائن كما وصفت لنا، ومتى نقدر على هذا الذهب كله وهذه الفضة؟ فقال لهم شداد: أليس تعلمون أن ملك الدنيا كله بيدي؟ قالوا: بلى، قال: فانطلقوا إلى كل معدن من معادن الزبرجد والياقوت أو بحر فيه لؤلؤ أو معدن ذهب أو معدن فضة قوم رجلاً يخرج لكم ما كان من كل معدن في تلك البلاد، ثم انظروا إلى ما كان في أيدي الناس فخذوه سوى ما يأتيكم به أصحاب المعادن. قال: فخرجوا من عنده إلى كل ملك في الدنيا يأمره أن يجمع له ما في بلاده من جوهرها ويحضر معادنها، فانطلق أولئك القهارمة فبعثوا إلى كل ملك من الملوك بكتاب في أخذ ذلك وأخذ الفعلة في طلبهم له موضعاً كما أراد ووصفه لهم من البساتين وإجراء الأنهار وغرسهم الأشجار، وعملوا في ذلك عشر سنين، فقال معاوية رضي الله عنه: وكم عدد الملوك الذين كانوا تحت يده؟ قال: مائتان وستون ملكاً قسمها بينهم كل ملك على حدة وما عليه من الخراج، قال: فخرج القهارمة فشدوا في الصحراء ليجدوا ما يوافقه، فلم يجدوا ذلك حتى وقعوا على صحراء عظيمة نقية من التلال والجبال، فإذا هم بعيون مطردة، فقالوا: هذه صفة إرم التي أمرنا بها، فأخذوا بقدر الذي أمرهم من العرض والطول ثم جعلوا ذلك حدوداً محدودة ثم عمدوا إلى مواضع الأزقة التي فيها الحدود فأجروا فيها قنوات لتلك الأنهار ثم وضعوا الأساس من صخور الجزع اليماني وصبوا طين ذلك الأساس من مر ولبان ومحلب، فلما فرغوا مما وضعوا من الأساس وأجروا القنوات أرسلت إليهم الملوك بالزبرجد والياقوت والذهب والفضة واللؤلؤ والجوهر، كل ملك قد عمل ما كان في معدنه، فمنهم من بعث بالعمد مفروغاً منها، ومنهم من بعث بالذهب والفضة مفروغاً منها مصنوعاً، فدفعوه إلى أولئك القهارمة والوزراء، فأقاموا فيها حتى فرغوا من بنائها وهي على تلك العمد، وهي قصور وفوق القصور غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة والزبرجد والياقوت، وأقاموا في بنائها إلى أن فرغوا منها ثلثمائة سنة، وكان عمر شداد تسعمائة سنة، قال كعب: فلما أخبروه بفراغهم منها قال: انطلقوا فاجعلوا عليها حصناً واجعلوا حول الحصن ألف قصر يكون في كل قصر وزير من وزرائي وألف ناطور، قال: فخرجوا فعملوا تلك الحصون والقصور ثم أخبروه بالفراغ مما أمرهم به، قال: فأمر ألف وزير من خاصته أن يتهيئوا للنقلة إلى إرم ذات العماد، وأمر لتلك الأعلام برجال يسكنونها وأمر لهم بالعطاء والأرزاق والجهاز إلى تلك القصور، فأقاموا في جهازهم إليها عشر سنين، فسار الملك فيمن أراد وخلف من قومه في عدن أبين والشحر أكثر ممن سار، فلما صار منها على مقربة من يوم وليلة بعث الله تعالى العظيم عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكهم جميعاً ولم يبق منهم أحد، ولم يدخل ذات العماد منهم أحد، ولم يقدر على دخولها أحد منهم حتى الساعة، فهذه صفة ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك هذا ويرى ما فيها ويحدث بذلك فلا يصدق، قال له معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق هل تصفه لنا؟ قال: نعم، رجل أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج ذلك الرجل في طلب إبل له في تلك الصحارى فيقع على ذات العماد، فيدخلها ويحمل مما فيها والرجل جالس عندك، فالتفت كعب فرأى الرجل فقال: هذا ذلك الرجل قد دخلها فسله عما حدثتك به، فقال معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق إن هذا من خدمي، قال: فقد دخلها وإلا فسيدخلها أو يدخلها أهل هذا الدين في آخر الزمان، فقال معاوية رضي الله عنه: لقد فضلك الله يا أبا إسحاق على غيرك من العلماء، ولقد أعطيت من علم الأولين، والآخرين ما لم يعط أحد، فقال كعب: والذي نفس كعب بيده ما خلق الله عز وجل شيئاً إلا وقد فسره في التوراة لعبده موسى وكفى بالله وكيلاً. بها، فأخذوا بقدر الذي أمرهم من العرض والطول ثم جعلوا ذلك حدوداً محدودة ثم عمدوا إلى مواضع الأزقة التي فيها الحدود فأجروا فيها قنوات لتلك الأنهار ثم وضعوا الأساس من صخور الجزع اليماني وصبوا طين ذلك الأساس من مر ولبان ومحلب، فلما فرغوا مما وضعوا من الأساس وأجروا القنوات أرسلت إليهم الملوك بالزبرجد والياقوت والذهب والفضة واللؤلؤ والجوهر، كل ملك قد عمل ما كان في معدنه، فمنهم من بعث بالعمد مفروغاً منها، ومنهم من بعث بالذهب والفضة مفروغاً منها مصنوعاً، فدفعوه إلى أولئك القهارمة والوزراء، فأقاموا فيها حتى فرغوا من بنائها وهي على تلك العمد، وهي قصور وفوق القصور غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة والزبرجد والياقوت، وأقاموا في بنائها إلى أن فرغوا منها ثلثمائة سنة، وكان عمر شداد تسعمائة سنة، قال كعب: فلما أخبروه بفراغهم منها قال: انطلقوا فاجعلوا عليها حصناً واجعلوا حول الحصن ألف قصر يكون في كل قصر وزير من وزرائي وألف ناطور، قال: فخرجوا فعملوا تلك الحصون والقصور ثم أخبروه بالفراغ مما أمرهم به، قال: فأمر ألف وزير من خاصته أن يتهيئوا للنقلة إلى إرم ذات العماد، وأمر لتلك الأعلام برجال يسكنونها وأمر لهم بالعطاء والأرزاق والجهاز إلى تلك القصور، فأقاموا في جهازهم إليها عشر سنين، فسار الملك فيمن أراد وخلف من قومه في عدن أبين والشحر أكثر ممن سار، فلما صار منها على مقربة من يوم وليلة بعث الله تعالى العظيم عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكهم جميعاً ولم يبق منهم أحد، ولم يدخل ذات العماد منهم أحد، ولم يقدر على دخولها أحد منهم حتى الساعة، فهذه صفة ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك هذا ويرى ما فيها ويحدث بذلك فلا يصدق، قال له معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق هل تصفه لنا؟ قال: نعم، رجل أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج ذلك الرجل في طلب إبل له في تلك الصحارى فيقع على ذات العماد، فيدخلها ويحمل مما فيها والرجل جالس عندك، فالتفت كعب فرأى الرجل فقال: هذا ذلك الرجل قد دخلها فسله عما حدثتك به، فقال معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق إن هذا من خدمي، قال: فقد دخلها وإلا فسيدخلها أو يدخلها أهل هذا الدين في آخر الزمان، فقال معاوية رضي الله عنه: لقد فضلك الله يا أبا إسحاق على غيرك من العلماء، ولقد أعطيت من علم الأولين، والآخرين ما لم يعط أحد، فقال كعب: والذي نفس كعب بيده ما خلق الله عز وجل شيئاً إلا وقد فسره في التوراة لعبده موسى وكفى بالله وكيلاً. (1) ديوانه: 155. (2) ديوانه: 158.

[الروض المعطار في خبر الأقطار]

إرم ذات العماد

هى إرم عاد يضاف ولا يضاف فى قوله عزّ وجل: (بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ). وقد اختلف فيها من جعلها مدينة؛ منهم من قال: هى أرض كانت واندرست؛ ومنهم من قال: هى الإسكندرية. وأكثرهم يقول: هى دمشق. وقيل: باليمن. ويروون أنّ شدّاد بن عاد بناها على صفة الجنة فى أشجارها وأنهارها وسائر أبنيتها بالذهب والفضة، ومكث فى بنائها خمسمائة عام، وأرسل [الله] إليه هودا، فدعاه ، فامتنع، [وسار نحوها] ، فلما قرب [شداد] من هذه المدينة بمقدار مرحلة جاءته صيحة من السماء فمات هو وأصحابه أجمعون، ومات جميع من كان بالمدينة من الفعلة والصّنّاع وغيرهم، وساخت المدينة فى الأرض فلم يدخلها بعد ذلك إلا رجل واحد فى أيام معاوية، وله قصة طويلة.

[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]