البحث

عبارات مقترحة:

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...


الأَنْدُلُس

يقال بضم الدال وفتحها، وضم الدال ليس إلّا: وهي كلمة عجمية لم تستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام، وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام، وقد استعمل حذفهما في شعر ينسب الى بعض العرب، فقال عند ذلك: سألت القوم عن أنس؟ فقالوا: بأندلس، وأندلس بعيد وأندلس بناء مستنكر فتحت الدال أو ضمّت، وإذا حملت على قياس التصريف وأجريت مجرى غيرها من العربي فوزنها فعلُلُل أو فعلَلُل، وهما بناءان مستنكران ليس في كلامهم مثل سفرجل ولا مثل سفرجل، فإن ادّعى مدّع انها فنعلل فليس في أبنيتهم أيضا ويخرج عن حكم التصريف لأن الهمزة إذا كانت بعدها ثلاثة أحرف من الأصل لم تكن إلا زائدة، وعند سيبويه أنها إذا كان بعدها أربعة أحرف فهي من الأصل كهمزة إصطبل وإصطخر، ولو كانت عربية لجاز أن يدّعى لها أنها أنفعل، وإن لم يكن له نظير في كلامهم فيكون من الدّلس والتدليس، وإن الهمزة والنون زائدتان، كما زيدتا في إنقحل وهو الشيخ المسنّ، ذكره سيبويه وزعم أن الهمزة والنون فيه زائدتان، وأنه لا يعرف ما في أوله زائدتان مما ليس جاريا على الفعل غيره، قال ابن حوقل التاجر الموصلي، وكان قد طوّف البلاد وكتب ما شاهده: أما الأندلس فجزيرة كبيرة فيها عامر وغامر، طولها نحو الشهر في نيف وعشرين مرحلة، تغلب عليها المياه الجارية والشجر والثمر والرخص والسعة في الأحوال، وعرض فم الخليج الخارج من البحر المحيط قدر اثني عشر ميلا بحيث يرى أهل الجانبين بعضهم بعضا ويتبينون زروعهم وبيادرهم، قال: وأرض الأندلس من على البحر تواجه من أرض المغرب تونس، والى طبرقة الى جزائر بني مزغنّاي ثم إلى نكور ثم إلى سبتة ثم إلى أزيلي ثم إلى البحر المحيط، وتتصل الأندلس في البر الأصغر من جهة جلّيقية وهي جهة الشمال ويحيط بها الخليج المذكور من بعض مغربها وجنوبها، والبحر المحيط من بعض شمالها وشرقها من حدّ الجلالقة إلى كورة شنترين ثم إلى أشبونة ثم إلى جبل الغور ثم إلى ما لديه من المدن إلى جزيرة جبل طارق المحاذي لسبتة ثم الى مالقة ثم إلى المرية فرضة بجاية ثم إلى بلاد مرسية ثم إلى طرطوشة ثم تتصل ببلاد الكفر مما يلي البحر الشرقي في ناحية أفرنجة، ومما يلي المغرب ببلاد علجسكس، وهم جيل من الأنكبردة، ثم إلى بلاد بسكونس ورومية الكبرى في وسطها ثم ببلاد الجلالقة حتى تنتهي إلى البحر المحيط، ووصفها بعض الأندلسيّين بأتمّ من هذا وأحسن، وأنا أذكر كلامه على وجهه، قال: هي جزيرة ذات ثلاثة أركان مثل شكل المثلّث قد أحاط بها البحران، المحيط والمتوسط، وهو خليج خارج من البحرالمحيط قرب سلا من برّ البربر، فالركن الأول هو في هذا الموضع الذي فيه صنم قادس، وعنده مخرج البحر المتوسط الذي يمتدّ إلى الشام وذلك من قبلي الأندلس، والركن الثاني شرقي الأندلس بين مدينة أربونة ومدينة برديل، وهي اليوم بأيدي الأفرنج بإزاء جزيرتي ميورقة ومنورقة المجاورة من البحرين المحيط والمتوسط، ومدينة أربونة تقابل البحر المتوسط، ومدينة برديل تقابل البحر المحيط، والركن الثالث هو ما بين الجوف والغرب من حيّز جلّيقية حيث الجبل الموفي على البحر وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قادس، وهو البلد الطالع على برباط، فالضّلع الأول منها أوله حيث مخرج البحر المتوسط الشامي من البحر المحيط، وهو أول الزّقاق في موضع يعرف بجزيرة طريف من برّ الأندلس يقابل قصر مصمودة بإزاء سلا في الغرب الأقصى من البرّ المتصل بإفريقية وديار مصر، وعرض الزّقاق ههنا اثنا عشر ميلا ثم تمرّ في القبلة إلى الجزيرة الخضراء من برّ الأندلس المقابلة لمدينة سبتة، وعرض الزقاق ههنا ثمانية عشر ميلا وطوله في هذه المسافة التي ما بين جزيرة طريف وقصر مصمودة إلى المسافة التي ما بين الجزيرة الخضراء وسبتة نحو العشرين ميلا، ومن ههنا يتسع البحر الشامي إلى جهة المشرق ثم يمرّ من الجزيرة الخضراء إلى مدينة مالقة إلى حصن المنكب إلى مدينة المريّة إلى قرطاجنّة الخلفاء حتى تنتهي إلى جبل قاعون الموفي على مدينة دانية ثم ينعطف من دانية إلى شرقي الأندلس إلى حصن قليرة إلى بلنسية، ويمتدّ كذلك شرقا إلى طركونة إلى برشلونة إلى أربونة إلى البحر الرومي، وهو الشامي وهو المتوسط، والضلع الثاني مبدؤه كما تقدم من جزيرة طريف آخذا إلى الغرب في الحوز المتّسع الداخل في البحر المحيط فيمرّ من جزيرة طريف إلى طرف الأغرّ إلى جزيرة قادس، وههنا أحد أركانها، ثم يمرّ من قادس إلى برّ المائدة حيث يقع نهر إشبيلية في البحر ثم إلى جزيرة شلطيش إلى وادي يانه إلى طبيرة ثم إلى شنترة إلى شلب، وهنا عطف إلى أشبونة وشنترين، وترجع إلى طرف العرف مقابل شلب، وقد يقطع البحر من شلب إلى طرف العرف مسيرة خمسين ميلا، وتكون أشبونة وشنترة وشنترين على اليمين من حوز وطرف العرف، وهو جبل منيف داخل في البحر نحو أربعين ميلا وعليه كنيسة الغراب المشهورة، ثم يدور من طرف العرف مع البحر المحيط فيمرّ على حوز الريحانة وحوز المدرة وسائر تلك البلاد مائلا إلى الجوف، وفي هذا الحيز هو الركن الثاني، والضلع الثالث ينعطف في هذه الجهات من الجنوب إلى الشرق فيمرّ على بلاد جليقية وغيرها حتى ينتهي إلى مدينة برديل على البحر المحيط المقابلة لأربونة على البحر المتوسط، وهنا هو الركن الثالث، وبين أربونة وبرديل الجبل الذي فيه هيكل الزّهرة الحاجز بين الأندلس وبين بلاد أفرنجة العظمى، ومسافته من البحر نحو يومين للقاصد، ولولا هذا الجبل لالتقى البحران ولكانت الأندلس جزيرة منقطعة عن البرّ فاعرف ذلك، فإنّ بعض من لا علم له يعتقد أن الأندلس يحيط بها البحر في جميع أقطارها لكونها تسمّى جزيرة، وليس الأمر كذلك وإنما سميت جزيرة بالغلبة كما سميت جزيرة العرب وجزيرة أقور وغير ذلك، وتكون مسيرة دورها أكثر من ثلاثة أشهر ليس فيه ما يتصل بالبر إلا مقدار يومين كما ذكرنا، وفي هذا الجبل المدخل المعروف بالأبواب الذي يدخل منه من بلادالأفرنج إلى الأندلس وكان لا يرام، ولا يمكن أحدا أن يدخل منه لصعوبة مسلكه، فذكر بطليموس أن قلوبطرة، وهي امرأة كانت آخر ملوك اليونان، أول من فتح هذه الطريق وسهّلها بالحديد والخلّ، قلت: ولولا خوف الإضجار والإملال لبسطت القول في هذه الجزيرة، فوصفها كثير وفضائلها جمّة وفي أهلها أئمة وعلماء وزهّاد، ولهم خصائص كثيرة ومحاسن لا تحصى وإتقان لجميع ما يصنعونه مع غلبة سوء الخلق على أهلها وصعوبة الانقياد، وفيها مدن كثيرة وقرى كبار، يجيء ذكرها في أماكنها من هذا الكتاب، حسب ما يقتضيه الترتيب، إن شاء الله تعالى، وبه العون والعصمة.

[معجم البلدان]

الأندلس

جزيرة كبيرة بالمغرب فيها عامر وغامر. طولها دون الشهر في عرض نيف وعشرين مرحلة، ودورها أكثر من ثلاثة أشهر. ليس فيها ما يتصل بالبر إلا مسيرة يومين، والحاجز بين بلاد الأندلس وافرنجة جبل. قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية: إن الأندلس وقعت متوسطة بين الأرض كما هي متوسطة بين الأقاليم، فبعضها في الإقليم الرابع، وبعضها في الإقليم الخامس. وبها مدن كثيرة وقرى وأنهار وأشجار، وبها الرخص والسعة. وبها معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد في كل ناحية، ومعدن الزئبق والكبريت الأحمر والأصفر والزنجفر الجيد والتوتيا، والشبوب على أجناسها والكحل المشبه بالأصفهاني. وبها من الأحجار الياقوت والبلور والجزع واللازورد والمغناطيس والشادنج، والحجر الذي يقطع الدم والحجر اليهودي والمرقشيثا وحجر الطلق. وبها أصناف الرياحين حتى سنبل الطيب والقسط والاشقاقل، وبها الانبرباريس والعود. حكى العذري أن بعض الولاة ولى ناحية بشرة فشم رائحة العود، فوجدوا من دار رجل ضعيف ووجدوا عنده عوداً كثيراً يتقد به، فرأوه فإذا هو ذكي من عود الهند، فسئل عن موضع احتطابه فحملهم إلى جبل من جبال وفر، فحفروا وأخرجوا بقيته واشتهر بين الناس. وأهل الأندلس زهاد وعباد والغالب عليهم علم الحديث، ويقع في بلاد الأندلس من الخدم والجواري المثمنات على غير صناعة بل على حسنهم بألف دينار. ولأهلها إتقان في جميع ما يصنعونه إلا أن الغالب عليهم سوء الخلق. ومن عجائب الدنيا أمران: أحدهما المملكة الإسلامية بالأندلس مع إحاطة الفرنج من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من المسلمين، والآخر المملكةالنصرانية بساحل الشام مع إحاطة المسلمين من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من الإفرنج. قال العذري في وصف الأندلس: إنها شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في أفاويهها وذكائها، اهوازية في عظم اجتنائها، صنفية في جواهرها، عدنية في سواحلها. بها آثار عجيبة وخواص غريبة تذكر في مواضعها. وبها البحر الأسود الذي يقال له بحر الظلمات، محيط بغربي الأندلس وشماليه، وفي آخر الأندلس مجمع البحرين الذي ذكره الله في القرآن. وعرض مجمع البحرين ثلاثة فراسخ، وطوله خمسة وعشرون فرسخاً، وفيه يظهر المد والجزر، في كل يوم وليلة مدان وجزران، وذلك ان البحر الأسود عند طلوع الشمس يعلو ويفيض في مجمع البحرين، ويدخل في بحر الروم، وهو قبلى الأندلس وشرقيها، ولونها أخضر ولون البحر أسود كالحبر. وإذا أخذته في الإناء لا ترى فيه السواد، فلا يزال البحر الأسود يصب في البحر الأخضر إلى الزوال، فإذا زالت الشمس عاد الأمر معكوساً فيصب البحر الأخضر في البحر الأسود إلى مغيب الشمس، ثم يعلو البحر الأسود ويفيض في البحر الأخضر إلى نصف الليل، ثم ينعكس الأمر فيعلو البحر الأخضر ويصب في البحر الأسود إلى طلوع الشمس، وهكذا على التواتر، ذلك تقدير العزيز العليم؛ وسئل رسول الله، ، عن ذلك فقال: ملك على قاموس البحر إذا وضع رجله فيه فاض وإذا رفعها غاض. وبها جبل فيه غار لا يرى أحد فيه النار، وإذا أخذت فتيلة مدهونة وشدت على رأس خشبة طويلة وأدخلت الغار، اشتعلت الفتيلة وتخرج مشتعلة. وبها جبل بقرب الجبل الذي سبق ذكره، ترى على قلته النار مشتعلة بالليل، وبالنهار يصعد منه دخان عظيم. وبها جبل عليه عينان بينهما مقدار شبرين، ينبع من إحداهما ماء حار ومنالأخرى ماء بارد. ذكرهما صاحب تحفة الغرائب وقال: أما الحارث فلو رميت فيه اللحم ينطبخ، وأما البارد فيصعب شربه لغاية برودته. وبها جبل شلير لا يفارقه الثلج صيفاً ولا شتاء، وهو يرى من اكثر بلاد الأندلس لارتفاعه وشموخه، وفيه أصناف الفواكه من التفاح والعنب والتوت والجوز والبندق وغير ذلك، والبرد به شديد جداً؛ قال بعض المغاربة وقد اجتاز بشلير فوجد ألم البرد: يحلّ لنا ترك الصّلاة بأرضكم وشرب الحميّا وهي شيءٌ محرّم فراراً إلى نار الجحيم، فإنّها أخفّ علينا من شلير وأرحم! إذا هبّت الرّيح الشّمال بأرضكم فطوبى لعبدٍ في اللّظى يتنعّم أقول ولا ألحى على ما أقوله. .. كما قال قبلي شاعرٌ متقدّم: فإن كنت يوماً في جهنّم مدخلي ففي مثل ذاك اليوم طاب جهنّم! وبها جبل الكحل. إنه بقرب مدينة بسطة؛ قالوا: إذا كان أول الشهر أخذ الكحل يخرج من نفس الجبل، وهو كحل أسود لا يزال كذلك إلى نصف الشهر، فإذا زاد على النصف نقص الكحل، ولا يزال الذي خرج يرجع إلى تمام الشهر. وبها نهر ابره؛ قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية: مخرج هذا النهر من عين يقال لها فونت ايبرهي، ومصبه في البحر الشامي بناحية طرطوشة، وامتداده مائتا ميل وعشرة أميال، يوجد فيه صنف من السمك عجيب يقال له الترحته لا يوجد في غيره البنة، وهو سمك أبيض ليس له إلا شوكة واحدة؛ كل ذلك عن العذري صاحب الممالك والمسالك الأندلسية. وبها نهر أنه. مخرجه من موضع يعرف بفج العروس، ثم يغيض بحيث لا يبقى له أثر على وجه الأرض، ويحرج بقرية من قرى قلعة رباح يقال لها أنه، ثم يغيض ويجري تحت الأرض، ثم يبدو هكذا مراراً في مواضع شتى إلى أنيغيض بين ماردة وبطليوس، ثم يبدو وينصب في البحر المحيط. وامتداده ثلاثمائة وعشرون ميلاً؛ كل ذلك عن العذري.

[آثار البلاد وأخبار العباد]

أندلس

المراد بلفظ الأندلس إسبانيا الإسلامية وقد أطلق هذا الاسم في بادئ الأمر على شبه جزيرة (إيبريا) كلها على اعتبار أنها كانت في أيدي المسلمين ثم أخذ لفظ الأندلس يقل مدلوله الجغرافي شيئا فشيئا تبعا للوضع السياسي الذي كانت عليه الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة حتى صار لفظ الأندلس آخر الأمر قاصرا على غرناطة الصغيرة وهي آخر مملكة في أسبانيا وتقع في الركن الجنوبي الشرقي من شبه جزيرة (إيبريا). وكلمة أندلس اشتقها العرب من كلمة (واندالوس) وهو اسم قبائل (الواندال) الجرمانية التي اجتاحت أوربا في القرن الخامس الميلادي واستقرت في السهل الجنوبي الأسباني وأعطته اسمها ثم جاء العرب وعربوا هذا الاسم إلى (أندلس)، ويطلق الآن على المنطقة الجنوبية في أسبانيا باسم (أندلوسيا andalucia.).

[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]

الأندلس (1)

هذه الجزيرة في آخر الإقليم الرابع إلى المغرب، هذا قول الرازي، وقال صاعد بن أحمد في تأليفه في طبقات الحكماء (2) : معظم الأندلس في الإقليم الخامس وجانب منها في الرابع، كاشبيلية ومالقة وقرطبة وغرناطة والمرية ومرسية. واسم الأندلس في اللغة اليونانية اشبانيا والأندلس بقعة كريمة طيبة التربة كثيرة الفواكه، والخيرات فيها دائمة وبها المدن الكثيرة والقواعد العظيمة وفيها معادن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والزئبق واللازورد والشب والتوتيا والزاج والطفل. والأندلس آخر المعمور في المغرب لأنها متصلة ببحر أقيانس الأعظم الذي لا عمارة وراءه. ويقال إن أول من اختط الأندلس بنو طوبال بن يافث بن نوح سكنوا الأندلس في أول الزمان، وملوكهم مائة وخمسون ملكاً. ويقال إن الأندلس خربت وأقفرت وانجلى عنها أهلها لمحل أصابهم فبقيت خالية مائة سنة، ثم وقع ببلاد إفريقية محل شديد ومجاعة عظيمة فرقت أهلها، فلما رأى ملك إفريقية ما وقع ببلده اتخذ مراكب شحنها بالرجال وقدم عليهم رجلاً من إفريقية ووجههم، فرمى بهم البحر إلى حائط إفرنجة وهو يومئذ مجوس، فوجههم صاحب إفرنجة إلى الأندلس. وقيل اسمها في القديم ابارية ثم سميت بعد ذلك باطقة ثم سميت اشبانية من اسم رجل ملكها في القديم كان اسمه اشبان، وقيل سميت بالاشبان سكنوها في الأول من الزمان وسميت بعد ذلك بالأندلس من أسماء الأندليش الذين سكنوها. وسميت جزيرة الأندلس جزيرة لأنها شكل مثلث وتضيق من ناحية شرق الأندلس حتى يكون بين البحر الشامي والبحر المظلم المحيط بالأندلس خمسة أيام ورأسه العريض نحو من سبعة عشر يوماً، وهذا الرأس هو في أقصى المغرب في نهاية انتهاء المعمور من الأرض محصور في البحر المظلم، ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم ولا وقف منه بشر على خبر صحيح لصعوبة عبوره وإظلامه وتعاظم موجه وكثرة أهواله وتسلط دوابه وهيجان رياحه حسبماً يرد ذلك في موضعه اللائق به إن شاء الله تعالى. وبلد الأندلس مثلث الشكل كما قلناه ويحيط بها البحر من جميع جهاتها الثلاث، فجنوبها يحيط به البحر الشامي وجوفيها يحيط به البحر المظلم وشمالها يحيط به بحر صنف (3) من الروم. وطول الأندلس من كنيسة الغراب التي على البحر المظلم إلى الجبل المسمى هيكل الزهرة ألف ميل ومائة ميل وعرضها ستمائة ميل. والأندلس أقاليم عدة ورساتيق جملة وفي كل إقليم منها عدة مدن، والركن الواحد من أركانها الثلاثة هو الموضع الذي فيه صنم قادس بين المغرب والقبلة، والركن الثاني شرقي الأندلس بين مدينة نربونة (4) ومدينة برذيل بازاء جزيرتي ميورقة ومنورقة، والركن الثالث حيث ينعطف البحر من الجوف إلى الغرب حيث المنارة في الجبل الموفي على البحر وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قادس وهو في البلد الطالع على بلد برطانية. والأندلس شامية في طيبها وهوائها يمانية في اعتدالها واستوائها هندية في عطرها وذكائها أهوازية في عظم جناتها صينية في جواهر معادنها عدنية في منافع سواحلها. وفيها آثار عظيمة لليونانيين أهل الحكمة وحاملي الفلسفة، وكان من ملوكهم الذين أثروا الآثار بالأندلس هرقلش (5) وله الأثر في الصنم بجزيرة قادس وصنم جليقية والأثر في مدينة طركونه الذي لا نظير له. وفي غربي شنترين على مقدار خمسين ميلاً فيما بين الأشبونة وشنترة في جبل هناك كان حصناً فيما مضى يوجد الحجر المعروف بالحجر اليهودي، وهو على شكل البلوط سواء ومن خاصيته تفتيت الحصا التي تكون في المثانة والكلية ويقع في الأكحال وفي جوفي بطليوس على قدر أربعين ميلاً معدن المها. والأندلس دار جهاد وموطن رباط قد أحاط بشرقيها وشمالها وبعض غربها أصناف أهل الكفر، وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه كتب إلى من انتدب إلى غزو الأندلس: أما بعد، فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن فتحتموها كنتم شركاء من يفتحها في الأجر والسلام. وعن كعب الحبر أنه قال: يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة. ودخل الأندلس رجل واحد من أصحاب النبي : قال عبد الملك بن حبيب: اسمه المنيذر الإفريقي وإنه يروي عنه عليه السلام أنه قال: " من قال رضيت بالله رباً إلى آخرها فأنا الزعيم لآخذن بيده فأدخله الجنة "، ودخلها من التابعين حنش بن عبد الله الصنعاني وهو الذي أسس جامع سرقسطة وكان مع علي رضي الله عنه بالكوفة، فلما قتل علي رضي الله عنه انتقل إلى مصر، وقبره بسرقسطة معروف، ومنهم علي بن رباح اللخمي وعمرو بن العاصي وعلقمة بن عامر وأبو عبد الرحمن عبد الله بن زيد الحبلي الأنصاري، وعياض بن عقبة الفهري وموسى بن نصير، يقال بكري ويقال لخمي، ويقال إن نصيراً من سبي عين التمر أعتقه صبيح مولى أبي العاص بن أمية، يقال أصابه خالد في علوج عين التمر وادعوا أنهم من بكر بن وائل فصار نصير وصيفاً لعبد العزيز بن مروان وأعتقه فمن أجل هذا يختلف فيه، وعقد الوليد لموسى على إفريقية سنة ثلاث وثمانين وكان مولد موسى سنة تسع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه وكان معاوية رضي الله عنه قد جعل نصيراً أبا موسى على حرسه فلم يقاتل معه علياً رصي الله عنه، فقال له معاوية رضي الله عنه: ما منعك من الخروج على علي رضي الله عنه ولم تكاف يدي عليك، قال: لم يمكن أن أشكرك بكفر من هو أولى بشكري منك، قال: ومن هو؟ قال: الله عز وجل. ومسافة ما يملكه المسلمون من الأندلس ثلاثمائة فرسخ طولاً في ثمانين فرسخاً عرضاً والذي يملك منها النصارى مثل ما يملك المسلمون أو أشف. ثم حدث فيها من تغلب الثوار ما أضاع ثغورهم وأذهب أكثر بلادهم ولم يبق من تلك إلا الأقل، وبها الجبال المشهورة والحمامات الكثيرة. قال الرازي: أول من سكن الأندلس بعد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون بالأندلش بالشين معجمة بهم سمي البلد ثم عرب، وكانوا أهل تمجس فحبس الله تعالى عنهم المطر حتى غارت عيونها ويبست أنهارها فهلك أكثرهم وفر من قدر على الفرار منهم، فأقفرت الأندلس وبقيت خالية مائة عام وملكهم أشبان بن طيطش وهو الذي غزا الأفارقة وحصر ملكهم بطالقة (6)، ونقل رخامها إلى اشبيلية وبه سميت فاتحذها دار مملكة وكثرت جموعه فعلاً في الأرض وغزا من اشبيلية ايليا بعد سنتين من ملكه، خرج إليها في السفن وهدمها وقتل من اليهود مائة ألف واسترق مائة ألف وفرق في البلاد مائة ألف، وانتقل رخام ايليا وآلاتها إلى الأندلس، والغرائب التي أصيبت في مغانم الأندلس كمائدة سليمان التي ألفاها طارق بن زياد بكنيسة طليطلة، وقليلة الدر التي ألفاها موسى بن نصير بكنيسة ماردة وغيرهما من الذخائر كانت مما حازه صاحب الأندلس من غنيمة بيت المقدس إذ حضر فتحها مع بخت نصر. وذكروا أن الخضر وقف بأشبان هذا وهو يحرث الأرض بفدن له أيام حداثته، فقال له: يا أشبان إنك لذو شان وسوف يحظيك زمان ويعليك سلطان فإذا أنت تغلبت على ايليا فارفق بورثة الأنبياء. فقال له أشبان: أساخر رحمك الله أنى يكون هذا وأنا ضعيف مهين فقير حقير، فقال: قدر ذلك لك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه، فنظر أشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت فريع لما رأى، وذهب الخضر عنه وقد قر ذلك الكلام في نفسه والثقة بكونه، فترك الامتهان وداخل الناس وصحب أجل الناس، وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيماً، وكان ملكه عشرين سنة، واتصلت مملكة الأشبان بعده إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكاً، ثم دخل عليهم من حجر رومة أمة أخرى تعرف بالشبونقات وذلك زمان مبعث المسيح عليه السلام، فملكوا الأندلس وإفرنجة معها واتخذوا دار مملكتهم مدينة ماردة واتصلت مملكتهم إلى أن ملك منهم أربعة وعشرون ملكاً، ويقال إن منهم كان ذو القرنين. ثم دخل على هؤلاء الشبونقات أمة القوط فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من يومئذ عن صاحب رومة وانفردوا بسلطانهم واتخذوا مدينة طليطلة دار سلطانهم، وخنشوش (7) ملك القوط هو أول من تنصر من هؤلاء فدعا الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرة، وهو الذي أصل النصرانية، والانجيلات والمصاحف الأربعة من انتساخه وجمعه وتثقيفه، فتنافست ملوك القوط بالأندلس بعده حتى غلبهم عليها العرب، وعدد من ملك منهم إلى آخرهم وهو لذريق ستة وثلاثون ملكاً، ولذريق لم يكن من أبناء الملوك ولا بصحيح النسب في القوط وإنما نال الملك من طريق الغصب والتسور، ولما مات غيطشة الملك وكان أثيراً لديه فاستصغر أولاده واستمال طائفة من الرجال مالوا معه، فانتزع الملك من ولد غيطشة، وغيطشة آخر ملوك القوط بالأندلس ولي سنة سبع وسبعين من الهجرة فملك خمس عشرة سنة. وكانت طليطلة دار المملكة بالأندلس حينئذ وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح، يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكلوا به لئلا يفتح قد عهد الأول في ذلك إلى الآخر كلما ملك منهم ملك زاد على البيت قفلاً فلما ولي لذريق عزم على فتح الباب والاطلاع على ما في البيت، فأعظم ذلك أكابرهم وتضرعوا إليه في الكف فأبى وظن أنه بيت مال، ففض الأقفال عنه ودخله فأصابه فارغاً لاشيء فيه إلا تابوتاً عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً لا شيء فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول وعليهم العمائم متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي: إذا كسرت هذه الأقفال عن هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها، فوجم لذريق وعظم غمه وغم العجم وأمر برد الأقفال وإقرار الحراس على حالهم. وكان من سير الأعاجم بالأندلس أن يبعث أكابرهم بأولادهم إلى بساط الملك ليتأدبوا بأدبه وينالوا من كرامته، حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضاً استئلافاً لآبائهم وحمل صدقاتهم وتولى تجهيز إناثهم، فاتفق أن فعل ذلك يليان عامل لذريق على سبتة، وجه ابنة له بارعة الجمال تكرم عليه، فوقعت عين لذريق عليها فأعجبته فاستكرهها على نفسها، واحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سراً بمكاتبة خفية، فأحفظه شأنها وقال: ودين المسيح لأزيلن سلطانه، فكان امتعاضه من فاحشة بنته السبب في فتح الأندلس للذي سبق من قدر الله سبحانه ثم إن يليان ركب بحر الزقاق من سبتة في أصعب الأوقات في شهر ينير، وأقبل حتى احتل بطليطلة حضرة لذريق، فأنكر عليه مجيئه في ذلك الوقت، وسأله عن السبب في ذلك، فذكر له أن زوجته اشتد شوقها إلى ابنتها التي عنده وتمنت لقاءها قبل الموت وألحت عليه في إحضارها وأحب إسعافها بها، وسأل الملك إخراجها إليه وتعجل إطلاقه للمبادرة بها ففعل، وأجاز الجارية وتوثق منها بالكتمان عليه وأفضل على أبيها، فانقلبت عليه. وذكر أنه لما دخل عليه قال له لذريق: إذا أنت قدمت علينا فاستفره لنا من الشذانقات، فقال له: أيها الملك، والمسيح لأدخلن عليك شذانقات ما دخل عليك بمثلها قط يعرض له بما أضمر من السعي في إدخال رجال العرب الأندلس عليه وهو لا يفطن فلم يتنهنه يليان إذ وصل سبتة أن تهيأ للمسير نحو موسى بن نصير، فأتاه بإفريقية، فحرضه على غزو الأندلس، ووصف له حسنها وفوائدها وفضلها وهون عليه حال رجالها، فعاقده موسى على الانحراف إلى المسلمين وسامه مكاشفة أهل ملته من أهل الأندلس، ففعل يليان ذلك وحل بساحل الجزيرة الخضراء فقتل وسبى وغنم وأقام بها أياماً يشن الغارات، وشاع الخبر عند المسلمين، فآنسوا بيليان، وذلك عقب سنة تسعين. وكتب موسى إلى الوليد يعلمه بما دعاه إليه ليليان ويستأذنه في افتتاح الأندلس، فكتب إليه الوليد أن خضها بالسرايا حتى تختبر شأنها ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال، فراجعه أنه ليس ببحر وإنما هو خليج يتبين للناظر ما وراءه، فكتب إليه: وإن كان فلا بد من اختباره بالسرايا فبعث موسى عند ذلك رجلاً من مواليه من البربر اسمه طريف بن مالك المعافري يكنى أبا زرعة، في أربعمائة رجل يغير بهم، ونزل في الجزيرة المنسوبة إليه ثم أغار على الجزيرة الخضراء ونواحيها، فأصاب شيئاً لم ير موسى وأصحابه مثله حسناً وأصاب مالاً جسيماً وأمتعة، وذلك في شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين. فلما رأى ذلك الناس تسرعوا إلى الدخول، فدعا موسى مولى له كان على مقدماته يسمى طارق بن زياد، قيل هو فارسي وقيل هو من الصدف وقيل ليس بمولى وقيل هو بربري من نفزة، فعقد له وبعثه في سبعة آلاف من البربر (8) والموالي ليس فيهم عربي إلا القليل، فهيأ له يليان المراكب وحل بجبل طارق يوم سبت في شعبان من سنة اثنتين وتسعين وهو من شهور العجم شهر أغشت، وقيل في رجب من السنة، في اثني عشر ألفاً غير ستة عشر رجلاً لم يكن فيهم من العرب إلا قليل (9). وأصاب طارق عجوزاً من أهل الجزيرة قالت: إنه كان لي زوج عالم بالحدثان وكان يحدث عن أمير يدخل بلدنا هذا ويصفه ضخم الهامة، وأنت كذلك، ومنها أن بكتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت بك هذه الشامة فأنت هو، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة على كتفه كما ذكرت العجوز، فاستبشر بذلك هو ومن معه. وذكر عن طارق أنه كان نائماً في المركب فرأى في منامه النبي والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتى مروا به فبشره النبي بالفتح وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد، وفي حكاية أنه لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي فيقول له النبي : " يا طارق تقدم لشأنك "، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدامه، فهب من نومه مستبشراً وبشر أصحابه ولم يشك في الظفر، فنزل بالجبل شاناً الغارات في البسائط ولذريق يومئذ غائب في غزاة له واتصل به الخبر فعظم عليه أمره وفهم الخبر الذي منه أتي مع يليان، وأقبل مبادراً في جموعه حتى احتل بقرطبة أياماً والجنود تتوافى عليه، وكان لحينه ولى ششبوت بن الملك غيطشة ميمنته وأخاه ميسرته وهما موتوران قد سلبهما ملك أبيهما، فبعثا إلى طارق يسألانه الأمان إذا مالا إليه عند اللقاء بمن معهما وعلى أن يسلم إليهما ضياع والدهما غيطشة إن ظفر، فأجابهما طارق إلى ذلك، وعاقدهما عليه فلما التقى الجمعان انحاز هذان الغلامان إلى طارق فكان ذلك سبب الفتح، وكان الطاغية لذريق في ستمائة ألف فارس. وقد خرجت عن حكم الاختصار الذي التزمت في هذا الوضع فلنقتصر على هذا القدر، وأما ذكر بلاد الأندلس فتأتي في مواضعها اللائقة بها إن شاء الله تعالى. وافتتحت الأندلس في أيام الوليد بن عبد الملك فكان فتحها من أعظم الفتوح الذاهبة بالصيت في ظهور الملة الحنيفية، وكان عمر بن عبد العزيز معتنياً بها متهمماً بشأنها وهو الذي قطعها عن نظر والي إفريقية وجرد لها عاملاً من قبله. (1) بروفنسال: 1 - 10، والترجمة: 1، والبكري (ح) : 57. (2) طبقات صاعد: 63. (3) بروفنسال: بحر الانقليشيين، ص ع: ضيق. (4) في الأصل: قرمونة. (5) في الأصل: هرقاش. (6) بروفنسال: بحر الانقليشيين، ص ع: ضيق. (7) كذا، وعند بروفنسال: ودخشوش. (8) في الأصل: الأوس. (9) كذا بتكرار واختلاف، فقد ذكر قبل قليل أن عددهم كان سبعة آلاف.

[الروض المعطار في خبر الأقطار]

جزيرة الأندلس ومدنها

ومن أراد جزيرة الأندلس نفذ من القيروان إلى تونس على ما ذكرنا وهي على ساحل البحر المالح فركب البحر المالح يسير فيه مسيرة عشرة أيام مسحلا غير موغل حتى يحاذي جزيرة الأندلس من موضع يقال له تنس بينه وبين تاهرت مسيرة أربعة أيام، أو صار إلى تاهرت يوافي الجزيرة (جزيرة الأندلس) فيقطع اللج في يوم وليلة حتى يصير إلى بلد تدمير وهو بلد واسع عامر فيه مدينتان يقال لإحداهما العسكر وللأخرى لورقة في كل واحدة منبر. ثم يخرج منها إلى المدينة التي يسكنها المتغلب من بني أمية وهي مدينة يقال لها قرطبة فيسير ستة أيام من هذا الموضع في قرى متصلة وعمارات ومروج وأودية وأنهار وعيون ومزارع، وقبل أن يصير إلى مدينة قرطبة من تدمير يصير إلى مدينة يقال لها إلبيرة نزلها من كان قدم البلد من جند دمشق من مضر وجلهم قيس وأفناء قبائل العرب، بينها وبين قرطبة مسيرة يومين، وغربيها مدينة يقال لها رؤية نزلها جند الأردن وهم يمن كلهم من سائر البطون. وغربي رية مدينة يقال لها شدونة نزلها جند حمص وأكثرهم يمن وفيهم من نزار نفر يسير، وغربي شدونة مدينة يقال لها الجزيرة نزلها البربر وأخلاط من العرب قليل، وغربي المدينة التي يقال لها الجزيرة مدينة يقال لها إشبيلية على نهر عظيم. وهو نهر قرطبة دخلها المجوس الذين يقال لهم الروس سنة تسع وعشرين ومائتين فسلبوا ونهبوا وحرقوا وقتلوا. وغربي إشبيلية مدينة يقال لها البسلة نزلها العرب أول ما دخل البلد مع طارق مولى موسى بن نصير اللخمي، وغربيها مدينة يقال لها باجة نزلها العرب أيضا مع طارق، وغربيها على البحر المالح المحيط مدينة يقال لها الأشبونة ، وغربيها على البحر أيضا مدينة يقال لها أحسونبة وهي الأندلس في الغرب على البحر الذي يأخذ إلى بحر الخزر. ومما يلي الشرق من هذه المدينة يقال لها ماردة على نهر عظيم وبينها وبين قرطبة أربعة أيام وهي غربي قرطبة وهي تحاذي أرض الشرك وجنس منهم يقال لهم الجلالقة وهي في الجزيرة. ثم يخرج من قرطبة مشرقا إلى مدينة يقال لها جيان وبها من كان من جند قنسرين والعواصم وهم أخلاط من العرب من معد واليمن، ومن جيان ذات الشمال إلى مدينة طليطلة وهي مدينة منيعة جليلة ليس في الجزيرة مدينة أمنع منها وأهلها يخالفون على بني أمية، وهم أخلاط من العرب والبربر والموالي ولها نهر عظيم يقال له دوير. ومن طليطله لمن أخذ مشرقا إلى مدينة يقال لها وادي الحجارة كان عليها رجل من البربر يقال له مسل بن فرج الصنهاجي يتولاها يدعو لبني أمية، ثم صار ولده وذريته بعده إلى هذه الغاية في البلد، ثم منها مشرقا إلى مدينة سرقصطة وهي من أعظم مدائن ثغر الأندلس على نهر يقال له أبرة، وذات الشمال منها مدينة يقال لها نطيلة محاذية لأرض الشرك الذين يقال لهم البسكنس، وذات الشمال من هذه المدينة مدينة يقال لها وشقة وهي محادة من الإفرنج لجنس يقال لهم الجاسقس. ومن سرقصطة إلى القبلة مدينة يقال لها طرطوشة وهي آخر ثغر الأندلس في الشرق محادة للإفرنجيين وهي على هذا النهر المنحدر من سرقصطة. ومن طرطوشة لمن أخذ مغربا إلى بلد يقال له بلنسية وهو بلد واسع جليل نزله قبائل البربر ولم يعطوا بني أمية الطاعة ولهم نهر عظيم ببلد يقال له الشقر، ومنها إلى بلد تدمير البلد الأول، فهذه جزيرة الأندلس ومدنها.

[البلدان لليعقوبي]

الأندلس

يقال بضمّ الدال وفتحها ، مع ضم اللام، ويلزمها الألف واللام، وربما حذفت: جزيرة كبيرة فيها عامر وغامر، طولها نحو الشهر فى نيّف وعشرين مرحلة، يغلب عليها المياه الجارية والشجر والثمر. وقيل: هى جزيرة لها ثلاثة أركان على شكل مثلّث، فالأول قبليّها وعنده فم الخليج الذي من البحر المحيط إلى البحر الرومى، وقدر سعته اثنا عشر ميلا. والثانى شرقىّ الأندلس بين أربونة وبرديل. والثالث بين الجنوب والغرب من حدّ جلّيقيّة. قلت: وأما الآن فقد استولى الفرنج على أكثر بلادها فلم يبق للمسلمين بها إلا بلدان يسيرة. والأندلس أيضا: محلّة كبيرة بفسطاط مصر كانت خربت وبنى مكانها مسجد ورباط للنساء المصونات ، معروف.

[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]