البحث

عبارات مقترحة:

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

العدالة

رواية الحديث لا يجوز إجراؤها على مجرد حسن الظن في الناقل، حتى تبرأ ساحته وتثبت أهليته، وقد قال عبد الرحمن بن مهدي: " خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن: الحكم، والحديث ". ويؤيد ذلك ثبوت الجرح في كثير من الرواة. والأساس الذي ينبني عليه قبول حديث الراوي مما يتصل بشخصه: أن يكون عدلاً في نفسه، ضابطاً لما يرويه. فهذان أصلان: العدالة، والضبط، لا بد من اجتماعهما فيه على سبيل ثبوتهما كصفة للناقل، لا يصح اعتماد نقله بدونهما. فما هو معنى العدالة؟ العدل في اللغة، قال ابن فارس: " العدل من الناس: المرضي المستوي الطريقة " أما في الشرع، فالمعتبر في العدالة بعد الإسلام: هو السلوك الظاهر من الراوي، مما عرف معه أنه على استقامةٍ. والإنسان يذكر بالخير أو بالشر بحسب ما يبدو منه، والسرائر موكولة إلى الله، فليس اعتبارها والبحث عنها مطلوباً لإثبات العدالة. وقد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: " إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله ، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمنَّاه وقرَّبناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة ". والحد المعتبر في السلوك الظاهر: أن لا يوقف منه على مفسق في دينه. و ‌ ‌ لا يصلح عد الصغائر مفسقات ، من أجل انتفاء العصمة منها، فإن الله تعالى قال عن عباده في مقام الثناء عليهم: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَاّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [النجم: 32]. وقد قال ابن عباس: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه ". فهذا دليل على أن الصغائر لا ينفك عنها عموم البشر، وهي تكفر عن صاحبها بالحسنات الماحية، كالصلوات الخمس، وشهود الجمعة، وصوم رمضان، والاستغفار، والصدقة وغير ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]. ولا يكون الفسق إلا بما يحتمل الشبهة في الشيء الذي يحكى عن الراوي، فقول مثلاً: (فلان كان يشرب المسكر)، كما قيلت في بعض الرواة، فهذه تحتمل أن يكون مراد قائلها بالمسكر: ما كان يراه أهل الكوفة في النبيذ ويستبيحونه منه، وهو مذهب كثير من ثقاتهم وفقهائهم، فلا يكون مفسقاً؛ لما يجري فيه من التأويل. والفسق لا يجامع التأويل الذي ظهر وجهه. أي: من وقع في مفسق متأولاً، فلا يفسق به، من أجل اعتقاده أنه غير مفسق، وذلك كالبدعة أيضاً، فهذا لا ينافي العدالة. وكذلك من غلب فضله وصلاحه، فالأصل اعتبار ذلك منه، ما دام غالب حاله الاستقامة. قال الشافعي: " لا نعلم أحداً أعطي طاعة الله تعالى حتى لم يخلطها بمعصية، إلا يحيى بن زكريا، ولا عصى الله عزوجل فلم يخلط بطاعة، فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح ". ويأتي لهذا مزيد بيان وتمثيل في الكلام على (صور الجرح غير المؤثر). وهذه هي العدالة الدينية، ولا تغني وحدها لقبول حديث الراوي، حتى ينضم إليها ركن الضبط والإتقان لما يرويه. "تحرير علوم الحديث" للجديع.