البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

تحمل الحديث في الصغر

العبرة في الرواية بالضبط والتمييز، والقدرة على الأداء بعد على الوجه الذي سمع الراوي، فإن كان في سن لم يمنعه من ذلك، فسماعه صحيح. قال القاضي عياض: " متى ضبط ما سمعه صح سماعه، ولا خلاف في هذا ". وفي الصحابة جماعة كانوا صغاراً يوم توفي النبي ، وقد سمعوا منه ورووا عنه، منهم: الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، والمسور بن مخرمة، وعمر بن أبي سلمة، والسائب بن يزيد، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، والنعمان بن بشير، وغيرهم، وهؤلاء المذكورين ليس فيهم يوم توفي النبي من كان بلغ عشر سنين. وهناك جماعة من الصحابة، ثبت لهم شرف الصحبة، لكن لم يثبت لهم سماع من النبي ؛ لأنهم أدركوه صغاراً لا يميزون، منهم: محمود بن لبيد، على الأصح. قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي: متى يجوز سماع الصبي في الحديث؟ فقال: " إذا عقل وضبط "، قلت: فإنه بلغني عن رجل (سميته) أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة؛ لأن النبي رد البراء وابن عمر، استصغرهم يوم بدر؟ فأنكر قوله هذا، وقال: " بئس القول! يجوز سماعه إذا عقل، فكيف يصنع بسفيان بن عيينة ووكيع؟! " وذكر أيضاً قوماً. قلت: ينكر أحمد في هذا مذهب صاحبه يحيى بن معين، فإنه قال: " حد الغلام في كتاب الحديث أربع عشرة سنة، أو خمس عشرة ". وقال أحمد في استدلال يحيى: " إنما ذلك في القتال ". أي هو استدلال غير صالح لهذه المسألة، فليست الرواية كالقتال، القتال يحتاج إلى قوة البدن , والرواية لا تحتاج إلا إلى قوة العقل، فإذا تبين من الصبي أنه يضبط، فقد تحقق المقصود. ويصحح هذا من مذهب أحمد ما رواه عنه حنبل بن إسحاق، قال: قال أبو عبد الله: " كان يحيى بن آدم أصغر من سمع من سفيان عندنا، وقال يحيى: قبيصة أصغر مني بسنتين "، قلت له: فما قصة قبيصة في سفيان؟ فقال أبو عبد الله: " كان كثير الغلط "، قلت له: فغير هذا؟ قال: " كان صغيراً لا يضبط "، قلت له: فغير سفيان؟ قال: " كان قبيصة رجلاً صالحاً ثقة، لا بأس به في تدينه، وأي شيء لم يكن عنده في الحديث؟! " يذكر أنه كان كثير الحديث. فتكلم فيه أحمد؛ لكونه من أجل صغره لم يضبط ما سمع من سفيان، فهو يقول: لو أنه ضبط ما ضره الصغر، فالشأن في الضبط. والظاهر أن يحيى بن معين إنما أراد سن النضج، ولم يرد أن الراوي يجرح في روايته عن الشيخ المعين لمجرد كونه حمل عنه في الصغر، وإنما جرحه لو كان، فمن جهة ضعف ضبطه، وذلك من أجل صغره. ومن الدليل على هذا أن ابن معين قال في (قبيصة): " قبيصة ثقة في كل شيء، إلا في سفيان؛ فإنه سمع وهو صغير "، وروى عنه عباس الدوري قوله: " قبيصة وأبو أحمد الزبيري ويحيى بن آدم والفريابي، سماعهم من سفيان قريبٌ من السواء " قال عباس: قلت له: فأبو داود الحَفري؟ قال: كان أبو داود خيراً من هؤلاء كلهم، وكان أصغرهم سِنًّا. أبو داود هذا هو عُمر بن سعدٍ، رجحه ابنُ معين على قبيصة ومن معه في سفيان، وعده في رواية الدارمي عنه من ثقات أصحاب سفيان، مع أنه كان أصغر سناً من قبيصة ومن معه. فمن جرى على غمز بعض الرواة بمجرد كونهم حملوا عن بعض شيوخهم في الصغر، لا يعتد بذلك كقادح في حديثهم، حتى يثبت أنهم لم يكونوا ضابطين: ومن أمثلة ما لا يقبل: 1 _ ما حكاه نعيم بن حماد ن قال: سمعت ابن عيينة يقول: " لقد أتى هشام بن حسان عظيماً بروايته عن الحسن "، قيل لنعيم: لم؟ قال " لأنه كان صغيراً " قلت: إن كان مراد ابن عيينة ما فسر به نعيم من الصغر، فإنه في التحقيق ضعيف؛ لأسباب ثلاثة: أولها: أن بعض من حكي عنه غمز روايته عن الحسن لم يذكر أحد منهم الصغر، وفيهم بعض أقرانه، وهم أعلم، ولو كانت العلة من قبل الصغر لسبقوا إلى ذكرها. وثانيها: أنه ثبت عن هشام قوله: " جاورت الحسن عشر سنين ". قلت: وهذا دليل مساعد يثبت سماعه في الجملة من الحسن. وثالثها: أن ابن عيينة نفسه قد سمع وهو صغير من جماعة، كالزهري وعمرو بن دينار وابن أبي نجيح، واحتج الناس بحديثه عنهم، فيكف يصح له الجرح بالرواية لمجرد الصغر؟ والذي ظهر لي أن مراد ابن عيينة غير ذلك، وهو أن هشاماً كان يدلس عن الحسن، وهي مظنة واردة على كل ما لا يذكر فيه السماع الصريح من الحسن. قال علي من المديني: " حديثه عن الحسن عامتها يدور على حوشب ". قلت: وحوشب هذا هو ابن مسلم الثقفي من كبار أصحاب الحسن، وكان ثقة، فلو دلسه هشام فيما يرويه عن الحسن بالعنعنة، فلا يقدح ذلك في ثبوت روايته عنه. لكن المقصود هنا تفسير مراد ابن عيينة، وهو هذا في الأصح. وقد حكى نعيم نفسه عن ابن عيينة أيضاً، قال: " كان هشام أعلم بحديث الحسن من عمرو بن دينار؛ لأن عمرو بن دينار لم يسمع من الحسن إلا بعد ما كبر ". 2 _ قول يحيى بن معين في (أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي ألاسود): " ما أرى به بأساً، ولكنه سمع من أبي عوانة وهو صغير، وقد كان يطلب الحديث ". قلت: أبو بكر هذا ثقة حافظ، فغمزه ابن معين بغير مغمز، وإلا فأين ما رواه عن أبي عوانة ولم يضبطه؟ 3 _ وقول الحافظ محمد بن مسلم بن وارة في (عمرو بن هشام البيروتي): " كتبت عنه، كان قليل الحديث "، قيل له: ما حاله؟ قال: " ليس بذاك، كان صغيراً حين كتب عن الأوزاعي ". قلت: هو صدوق، قال فيه ابن عدي: " ليس به بأس "، وما قاله ابن وارة تليين، وإنما يكون اللين من جهة الضبط، ومجرد الصغر كما تقدم لا ينافي الضبط. أما بعد عصر التدوين، ومصير الناس إلى رواية الكتب والأجزاء، فإن المتأخرين سهلوا في السماع في الصغر حتى بالغوا فيه. ومن أقدم ذلك سماع إسحاق بن إبراهيم الدبري من عبد الرزاق الصنعاني كتبه، كـ" المصنف "، و " التفسير "، وكان صغيراً، قال الحافظ إبراهيم الحربي: " مات عبد الرزاق، وللدبري ست سنين أو سبع سنين ". وقال ابن عدي: " استصغر في عبد الرزاق، أحضره أبوه عنده وهو صغير جداً، فكان يقول: (قرأنا على عبد الرزاق) أي قرأ غيره وحضر صغيراً، وحدث عنه بحديث منكر ". قلت: والحمل في تلك النكارة على غيره، إذ في الإسناد مجروح. ثم إن وجد في تلك الكتب شيء، فينبغي أن يؤخذ فيها على عبد الرزاق، خلافاً لبعض أئمة الحديث، وذلك من أجل أنه اختلط بأخرة، سوى بعض التصحيف مما أخذ على الدبري، وليس بضاره في أصل سماعه، فإنه في الجملة سماع صحيح؛ لذلك اعتمد من جاء من بعد على ما رواه من كتب عبد الرزاق. "تحرير علوم الحديث" للجديع.