ترنكة (1) :
من بلاد السودان تلي مدينة قلنبو (2)، وترنكة مدينة كبيرة على نظر (3) واسع، وبها تصنع الأزر المسماة بالشنكيات (4) وهي من القطن، وليس بهذه المدينة قطن كثير وإنما هو مجلوب إليها وهم يتبركون بشجره، فقل ما عندهم منزل ولا دار إلا وفيه شجرة قطن. وحكم أهل هذه البلاد في السارق أن يخير صاحب السرقة في بيع السارق أو قتله، وحكمهم في الزاني أن يسلخ من جلده. ومن مدينة ترنكة تصل بلاد السودان إلى بلد راكنو (5) وهم من البرابر وهم يعبدون ثعباناً عظيماً له عرف وذنب ورأسه كرأس البخت، وهو في مغارة في أصل جبل وعلى فم المغارة عريش وحوله مواضع يتعبدون فيها لذاك الثعبان، ويعلقون نفيس الثياب والمتاع على تلك المغارة، ويصنعون لذلك الثعبان جفان الطعام وعساس اللبن والشراب، فهم إذا أرادوا خروجه إلى ذلك العريش تكلموا كلاماً معلوماً عندهم وصفروا تصفيراً كذلك فيبرز إليهم، فإذا هلك وال من ولاتهم جمعوا أولاده إن كان له ولد ومن يصلح للملك بعده وقربوهم من ذلك الثعبان فلا يزال يشمهم رجلاً رجلاً حتى ينفخ أحدهم بأنفه، ثم يولي ذلك الثعبان راجعاً إلى مغارته فيتبعه ذلك الرجل والثعبان مسرعاً إلى المغارة والرجل يجهد في الجري خلفه بأشد ما يقدر عليه فيجذب من ذنبه أو عرفه شعرات فتعد ويعلمون أنه يملك قومه عدد تلك الشعرات سنين لا يخطئهم ذلك بزعمهم، وهذه سنة استنتها ركاكة عقولهم، عصمنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن (6). (1) الاستبصار: 218، والبكري: 173 (ترنقة). (2) ص ع: قلنيق. (3) ص ع: بطن. (4) الاستبصار والبكري: الشكيات. (5) الاستبصار: زافون؛ البكري: زافقوا. (6) زيادة من ص.
[الروض المعطار في خبر الأقطار]