غليانة (1) :
مدينة بجزيرة صقلية، كان نزل عليها المسلمون سنة خمس عشرة ومائتين في زمن زيادة الله بن الأغلب، ملك القيروان وعملها، وكان نائبه بها عثمان بن قرهب (2)، وكان وصل إذ ذاك من الأندلس مراكب كثيرة، وأمير الأندلس إذ ذاك عبد الرحمن بن الحكم، كانوا فصلوا من طرطوشة يريدون بلاد الروم، فأخرجتهم الريح إلى صقلية، فنزلوا جزيرة طرابنش من صقلية، فأصاب الأندلسيون فيها كثيراً وفتحوا معاقل، وأثروا في الروم آثاراً كثيرة. ثم صار المسلمون بأجمعهم إلى غليانة فحصروها وتغلبوا على ربضها وغنموا ما فيه، ووقع الوبأ في المسلمين هناك، فمضوا بأجمعهم إلى ناحية طرابنش من صقلية، وصاحب أمر الروم يقتص آثارهم وينتهز الفرصة فيهم، لكثرة المرضى والضعفاء، فلما ألح عليهم صاحب الروم وأحرجهم كرّوا (3) عليه فقاتلوه، وأفرغ الله تعالى عليهم الصبر، فقتلوا عامة الروم وغنم المسلمون خيلهم وسلاحهم وقتلوا تدوطة (4) صاحب أمرهم، ثم اختلف الأمر بين صاحب الأندلسيين وصاحب الافريقيين، وصار مع كل واحد منهما طائفة، ثم رجع الناس بجزيرة صقلية إلى عثمان بن قرهب واستقاموا فضيقوا على أهل بلرم حتى سألوا الأمان، فأجابهم المسلمون إلى ذلك، وخرج بطريقها ومن معه، وغنم المسلمون ما فيها. وكان النصارى ببلرم يوم نزول المسلمين عليها سبعين ألفاً فلم يبق منهم عند خروجهم لطول الحصار وموالاة القتل عليهم ووقوع الموتان فيهم إلا نحو ثلاثة آلاف، واستوطن المسلمون مدينة بلرم واستولوا على ما جاورها، فكان فتحها سبباً لافتتاح الجزيرة، وبعث ابن قرهب إلى زيادة الله بن الأغلب بهدايا من الرقيق وغير ذلك، فاستقل ذلك وعزله وقدَم للجزيرة غيره. (1) (Gagliano). (2) ع ص: موهب. (3) ص ع: كبروا. (4) ع ص: بروطة؛ واسمه (Teodoto).
[الروض المعطار في خبر الأقطار]