البحث

عبارات مقترحة:

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...


الرَّيّ

بفتح أوّله، وتشديد ثانيه، فإن كان عربيّا فأصله من رويت على الراوية أروي ريّا فأنا راو إذا شددت عليها الرّواء، قال أبو منصور: أنشدني أعرابي وهو يعاكمني: ريّا تميميّا على المزايد وحكى الجوهري: رويت من الماء، بالكسر، أروى ريّا وريّا وروى مثل رضى: وهي مدينة مشهورة من أمّهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محطّ الحاجّ على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخا وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخا ومن قزوين إلى أبهر اثنا عشر فرسخا ومن أبهر إلى زنجان خمسة عشر فرسخا، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة الريّ طولها خمس وثمانون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وست وثلاثون دقيقة، وارتفاعها سبع وسبعون تحت ثماني عشرة درجة من السرطان خارجة من الإقليم الرابع داخلة في الإقليم الخامس، يقابلها مثلها من الجدي في قسمة النسر الطائر ولها شركة في الشعرى والغميصاء رأس الغول من قسمة سعد بلع، ووجدت في بعض تواريخ الفرس أن كيكاوس كان قد عمل عجلة وركّب عليها آلات ليصعد إلى السماء فسخر الله الريح حتى علت به إلى السحاب ثمّ ألقته فوقع في بحر جرجان، فلمّا قام كيخسرو بن سياوش بالملك حمل تلك العجلة وساقها ليقدم بها إلى بابل، فلمّا وصل إلى موضع الريّ قال الناس: بريّ آمد كيخسرو، واسم العجلة بالفارسيّة ريّ، وأمر بعمارة مدينة هناك فسميت الريّ بذلك، قال العمراني: الرّي بلد بناه فيروز ابن يزدجرد وسمّاه رام فيروز، ثمّ ذكر الرّي المشهورة بعدها وجعلهما بلدتين، ولا أعرف الأخرى، فأمّا الرّي المشهورة فإنّي رأيتها، وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقةمدهون كما تدهن الغضائر في فضاء من الأرض، وإلى جانبها جبل مشرف عليها أقرع لا ينبت فيه شيء، وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أنّني اجتزت في خرابها في سنة 617 وأنا منهزم من التتر فرأيت حيطان خرابها قائمة ومنابرها باقية وتزاويق الحيطان بحالها لقرب عهدها بالخراب إلّا أنّها خاوية على عروشها، فسألت رجلا من عقلائها عن السبب في ذلك فقال: أمّا السبب فضعيف ولكن الله إذا أراد أمرا بلغه، كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل، وحنفية وهم الأكثر، وشيعة وهم السواد الأعظم، لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة وأما أهل الرستاق فليس فيهم إلّا شيعة وقليل من الحنفيين ولم يكن فيهم من الشافعيّة أحد، فوقعت العصبيّة بين السنّة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعيّة وتطاولت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من الشيعة من يعرف، فلمّا أفنوهم وقعت العصبيّة بين الحنفية والشافعيّة ووقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعيّة هذا مع قلّة عدد الشافعيّة إلّا أن الله نصرهم عليهم، وكان أهل الرستاق، وهم حنفية، يجيئون إلى البلد بالسلاح الشاك ويساعدون أهل نحلتهم فلم يغنهم ذلك شيئا حتى أفنوهم، فهذه المحالّ الخراب التي ترى هي محالّ الشيعة والحنفية، وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية وهي أصغر محالّ الرّيّ ولم يبق من الشيعة والحنفية إلّا من يخفي مذهبه، ووجدت دورهم كلها مبنية تحت الأرض ودروبهم التي يسلك بها إلى دورهم على غاية الظلمة وصعوبة المسلك، فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر بالغارات ولولا ذلك لما بقي فيها أحد، وقال الشاعر يهجو أهلها: الرّيّ دار فارغه لها ظلال سابغة على تيوس ما لهم في المكرمات بازغه لا ينفق الشّعر بها ولو أتاها النّابغه وقال إسماعيل الشاشي يذمّ أهل الرّيّ: تنكّب حدّة الأحد ولا تركن إلى أحد فما بالرّيّ من أحد يؤهل لاسم الأحد وقد حكى الاصطخري أنّها كانت أكبر من أصبهان لأنّه قال: وليس بالجبال بعد الريّ أكبر من أصبهان، ثمّ قال: والرّيّ مدينة ليس بعد بغداد في المشرق أعمر منها وإن كانت نيسابور أكبر عوصة منها، وأمّا اشتباك البناء واليسار والخصب والعمارة فهي أعمر، وهي مدينة مقدارها فرسخ ونصف في مثله، والغالب على بنائها الخشب والطين، قال: وللرّيّ قرى كبار كلّ واحدة أكبر من مدينة، وعدّد منها قوهذ والسّدّ ومرجبى وغير ذلك من القرى التي بلغني أنها تخرج من أهلها ما يزيد على عشرة آلاف رجل، قال: ومن رساتيقها المشهورة قصران الداخل والخارج وبهزان والسن وبشاويه ودنباوند، وقال ابن الكلبي: سميت الريّ بريّ رجل من بني شيلان ابن أصبهان بن فلوج، قال: وكان في المدينة بستان فخرجت بنت ريّ يوما إليه فإذا هي بدرّاجة تأكل تينا، فقالت: بور انجير يعني أن الدّرّاجة تأكل تينا، فاسم المدينة في القديم بورانجير ويغيره أهل الرّيّ فيقولون بهورند، وقال لوط بن يحيى: كتب عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، إلى عمار بن ياسر وهو عامله على الكوفة بعد شهرين من فتحنهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الرّيّ ودستبى في ثمانية آلاف، ففعل وسار عروة لذلك فجمعت له الديلم وأمدوا أهل الرّيّ وقاتلوه فأظهره الله عليهم فقتلهم واستباحهم، وذلك في سنة 20 وقيل في سنة 19، وقال أبو نجيد وكان مع المسلمين في هذه الوقائع: دعانا إلى جرجان والرّيّ دونها سواد فأرضت من بها من عشائر رضينا بريف الرّيّ والرّيّ بلدة لها زينة في عيشها المتواتر لها نشز في كلّ آخر ليلة تذكّر أعراس الملوك الأكابر قال جعفر بن محمد الرازي: لما قدم المهديّ الرّيّ في خلافة المنصور بنى مدينة الرّيّ التي بها الناس اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا، وجرى ذلك على يد عمار بن أبي الخصيب، وكتب اسمه على حائطها، وتمّ عملها سنة 158، وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين آجر، والفارقين: الخندق، وسمّاها المحمديّة، فأهل الرّيّ يدعون المدينة الداخلة المدينة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة والحصن المعروف بالزينبدى في داخل المدينة المعروفة بالمحمدية، وقد كان المهدي أمر بمرمّته ونزله أيّام مقامه بالرّيّ، وهو مطلّ على المسجد الجامع ودار الإمارة، ويقال: الذي تولّى مرمّته وإصلاحه ميسرة التغلبي أحد وجوه قواد المهدي، ثمّ جعل بعد ذلك سجنا ثمّ خرب فعمره رافع بن هرثمة في سنة 278 ثمّ خرّبه أهل الرّيّ بعد خروج رافع عنها، قال: وكانت الرّيّ تدعى في الجاهليّة أزارى فيقال إنّه خسف بها، وهي على اثني عشر فرسخا من موضع الرّيّ اليوم على طريق الخوار بين المحمدية وهاشمية الرّيّ، وفيها أبنية قائمة تدل على أنّها كانت مدينة عظيمة، وهناك أيضا خراب في رستاق من رساتيق الرّيّ يقال له البهزان، بينه وبين الرّيّ ستة فراسخ يقال إن الرّيّ كانت هناك، والناس يمضون إلى هناك فيجدون قطع الذهب وربّما وجدوا لؤلؤا وفصوص ياقوت وغير ذلك من هذا النوع، وبالرّيّ قلعة الفرّخان، تذكر في موضعها، ولم تزل قطيعة الرّيّ اثني عشر ألف ألف درهم حتى اجتاز بها المأمون عند منصرفه من خراسان يريد مدينة السلام فلقيه أهلها وشكوا إليه أمرهم وغلظ قطيعتهم فأسقط عنهم منها ألفي ألف درهم وأسجل بذلك لأهلها، وحكى ابن الفقيه عن بعض العلماء قال: في التوراة مكتوب الرّيّ باب من أبواب الأرض وإليها متجر الخلق، وقال الأصمعي: الرّيّ عروس الدنيا وإليه متجر الناس، وهو أحد بلدان الأرض، وكان عبيد الله ابن زياد قد جعل لعمر بن سعد بن أبي وقاص ولاية الرّيّ إن خرج على الجيش الذي توجّه لقتال الحسين ابن عليّ، رضي الله عنه، فأقبل يميل بين الخروج وولاية الرّيّ والقعود، وقال: أأترك ملك الرّيّ والرّيّ رغبة، أم ارجع مذموما بقتل حسين وفي قتله النار التي ليس دونها حجاب وملك الرّيّ قرّة عين فغلبه حبّ الدنيا والرياسة حتى خرج فكان من قتل الحسين، رضي الله عنه، ما كان. وروي عن جعفر الصادق، رضي الله عنه، أنّه قال: الرّيّ وقزوين وساوة ملعونات مشؤومات، وقال إسحاق بن سليمان: ما رأيت بلدا أرفع للخسيس من الرّيّ، وفي أخبارهم: الريّ ملعونة وتربتها تربة ملعونة ديلمية وهي على بحر عجاج تأبى أن تقبل الحق، والرّيّ سبعة عشر رستاقا منها دنباوند وويمة وشلمبة، حدث أبو عبد الله بن خالويه عن نفطويه قال: قال رجل من بني ضبّة وقال المدائني: فرض لأعرابي من جديلة فضرب عليه البعث إلى الري وكانوا في حرب وحصار، فلمّا طال المقام واشتدّ الحصار قال الأعرابي: ما كان أغناني عن هذا! وأنشأ يقول: لعمري لجوّ من جواء سويقة أسافله ميث وأعلاه أجرع به العفر والظّلمان والعين ترتعي وأمّ رئال والظّليم الهجنّع وأسفع ذو رمحين يضحي كأنّه إذا ما علا نشزا، حصان مبرقع أحبّ إلينا أن نجاور أهلنا ويصبح منّا وهو مرأى ومسمع من الجوسق الملعون بالرّيّ كلّما رأيت به داعي المنيّة يلمع يقولون: صبرا واحتسب! قلت: طالما صبرت ولكن لا أرى الصبر ينفع فليت عطائي كان قسّم بينهم وظلّت بي الوجناء بالدّوّ تضبع كأنّ يديها حين جدّ نجاؤها يدا سابح في غمرة يتبوّع أأجعل نفسي وزن علج كأنّما يموت به كلب إذا مات أجمع؟ والجوسق الملعون الذي ذكره ههنا هو قلعة الفرّخان، وحدث أبو المحلّم عوف بن المحلم الشيباني قال: كانت لي وفادة على عبد الله بن طاهر إلى خراسان فصادفته يريد المسير إلى الحجّ فعادلته في العماريّة من مرو إلى الريّ، فلمّا قاربنا الرّيّ سمع عبد الله بن طاهر ورشانا في بعض الأغصان يصيح، فأنشد عبد الله بن طاهر متمثلا بقول أبي كبير الهذلي: ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر، وغصنك ميّاد، ففيم تنوح؟ أفق لا تنح من غير شيء، فإنّني بكيت زمانا والفؤاد صحيح ولوعا فشطّت غربة دار زينب، فها أنا أبكي والفؤاد جريح ثمّ قال: يا عوف أجز هذا، فقلت في الحال: أفي كلّ عام غربة ونزوح؟ أما للنّوى من ونية فنريح؟ لقد طلّح البين المشتّ ركائبي، فهل أرينّ البين وهو طليح؟ وأرّقني بالرّيّ نوح حمامة، فنحت وذو الشجو القديم ينوح على أنّها ناحت ولم تذر دمعة، ونحت وأسراب الدّموع سفوح وناحت وفرخاها بحيث تراهما، ومن دون أفراخي مهامه فيح عسى جود عبد الله أن يعكس النوى فتضحي عصا الأسفار وهي طريح فإنّ الغنى يدني الفتى من صديقه، وعدم الغنى بالمقترين نزوح فأخرج رأسه من العمارية وقال: يا سائق ألق زمام البعير، فألقاه فوقف ووقف الخارج ثمّ دعا بصاحببيت ماله فقال: كم يضمّ ملكنا في هذا الوقت؟ فقال: ستين ألف دينار، فقال: ادفعها إلى عوف، ثمّ قال: يا عوف لقد ألقيت عصا تطوافك فارجع من حيث جئت، قال: فأقبل خاصة عبد الله عليه يلومونه ويقولون أتجيز أيّها الأمير شاعرا في مثل هذا الموضع المنقطع بستين ألف دينار ولم تملك سواها! قال: إليكم عني فإنّي قد استحييت من الكرم أن يسير بي جملي وعوف يقول: عسى جود عبد الله، وفي ملكي شيء لا ينفرد به، ورجع عوف إلى وطنه فسئل عن حاله فقال: رجعت من عند عبد الله بالغنى والراحة من النوى، وقال معن بن زائدة الشيباني: تمطّى بنيسابور ليلي وربّما يرى بجنوب الرّيّ وهو قصير ليالي إذ كلّ الأحبّة حاضر، وما كحضور من تحب سرور فأصبحت أمّا من أحبّ فنازح وأمّا الألى أقليهم فحضور أراعي نجوم اللّيل حتى كأنّني بأيدي عداة سائرين أسير لعلّ الذي لا يجمع الشمل غيره يدير رحى جمع الهوى فتدور فتسكن أشجان ونلقى أحبّة، ويورق غصن للشّباب نضير ومن أعيان من ينسب إليها أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم صاحب الكتب المصنفة، مات بالرّيّ بعد منصرفه من بغداد في سنة 311، عن ابن شيراز، ومحمد بن عمر بن هشام أبو بكر الرازي الحافظ المعروف بالقماطري، سمع وروى وجمع، قال أبو بكر الإسماعيلي: حدّثني أبو بكر محمد بن عمير الرازي الحافظ الصدوق بجرجان، وربّما قال الثقة المأمون، سكن مرو ومات بها في سنة نيف وتسعين ومائتين، وعبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد ابن أبي حاتم الرازي أحد الحفّاظ، صنف الجرح والتعديل فأكثر فائدته، رحل في طلب العلم والحديث فسمع بالعراق ومصر ودمشق، فسمع من يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم والربيع بن سليمان والحسن بن عرفة وأبيه أبي حاتم وأبي زرعة الرازي وعبد الله وصالح ابني أحمد بن حنبل وخلق سواهم، وروى عنه جماعة أخرى كثيرة، وعن أبي عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا أحمد محمد بن محمد ابن أحمد بن إسحاق الحاكم الحافظ يقول: كنت بالرّيّ فرأيتهم يوما يقرؤون على محمد بن أبي حاتم كتاب الجرح والتعديل، فلمّا فرغوا قلت لابن عبدويه الورّاق: ما هذه الضحكة؟ أراكم تقرؤون كتاب التاريخ لمحمد بن إسماعيل البخاري عن شيخكم على هذا الوجه وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم! فقال: يا أبا محمد اعلم أن أبا زرعة وأبا حاتم لما حمل إليهما هذا الكتاب قالا هذا علم حسن لا يستغنى عنه ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا أبا محمد عبد الرحمن الرازي حتى سألهما عن رجل معه رجل وزادا فيه ونقصا منه، ونسبه عبد الرحمن الرازي، وقال أحمد بن يعقوب الرازي: سمعت عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي يقول: كنت مع أبي في الشام في الرحلة فدخلنا مدينة فرأيت رجلا واقفا على الطريق يلعب بحيّة ويقول: من يهب لي درهما حتى أبلع هذه الحيّة؟ فالتفت إليّ أبي وقال: يا بني احفظ دراهمك فمن أجلها تبلع الحيّات! وقال أبو يعلى الخليل بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ القزويني: أخذ عبد الرحمن بن أبي حاتم علم أبيه وعلم أبي زرعة وصنّفمنه التصانيف المشهورة في الفقه والتواريخ واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان من الأبدال ولد سنة 240، ومات سنة 327، وقد ذكرته في حنظلة وذكرت من خبره هناك زيادة عمّا ههنا، وإسماعيل بن عليّ بن الحسين بن محمد بن زنجويه أبو سعد الرازي المعروف بالسمّان الحافظ، كان من المكثرين الجوّالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ، سمع ببغداد أبا طاهر المخلص ومحمد بن بكران بن عمران، روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو علي الحداد الأصبهاني وغيرهما، مات في الرابع والعشرين من شعبان سنة 445، وكان معتزليّا، وصنف كتبا كثيرة ولم يتأهّل قط، وكان فيه دين وورع، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازي والد تمام بن محمد الرازي الحافظان ويعرف في الرّيّ بأبي الرستاقي، سمع ببلده وغيره وأقام بدمشق وصنف، وكان حافظا ثقة مكثرا، مات سنة 347، وابنه تمام بن محمد الحافظ، ولد بدمشق وسمع بها من أبيه ومن خلق كثير وروى عنه خلق، وقال أبو محمد بن الأكفاني: أنبأنا عبد العزيز الكناني قال: توفي شيخنا وأستاذنا تمام الرازي لثلاث خلون من المحرم سنة 414، وكان ثقة مأمونا حافظا لم أر أحفظ منه لحديث الشاميّين، ذكر أن مولده سنة 303، وقال أبو بكر الحداد: ما لقينا مثله في الحفظ والخبر، وقال أبو علي الأهوازي: كان عالما بالحديث ومعرفة الرجال ما رأيت مثله في معناه، وأبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم ابن الحكم بن عبد الله الحافظ الرازي، قال الحافظ أبو القاسم: قدم دمشق سنة 347 فسمع بها أبا الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي والد تمام، وبنيسابور أبا حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال وأبا الحسن علي بن أحمد الفارسي ببلخ وأبا عبد الله بن مخلد ببغداد وأبا الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني بمصر وعمر بن إبراهيم بن الحدّاد بتنّيس وأبا عبد الله المحاملي وأبا العباس الأصمّ، وحدث بدمشق في تلك السنة فروى عنه تمام وعبد الرحمن بن عمر بن نصر والقاضيان أبو عبد الله الحسين بن محمد الفلّاكي الزّنجاني وأبو القاسم التنوخي وأبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الجارودي الحافظ وحمزة بن يوسف الخرقاني وأبو محمد إبراهيم بن محمد بن عبد الله الزنجاني الهمداني وعبد الغني بن سعيد والحاكم أبو عبد الله وأبو العلاء عمر بن علي الواسطي وأبو زرعة روح بن محمد الرازي ورضوان بن محمد الدّينوري، وفقد بطريق مكّة سنة 375، وكان أهل الريّ أهل سنّة وجماعة إلى أن تغلب أحمد بن الحسن المارداني عليها فأظهر التشيع وأكرم أهله وقرّبهم فتقرّب إليه الناس بتصنيف الكتب في ذلك فصنف له عبد الرحمن بن أبي حاتم كتابا في فضائل أهل البيت وغيره، وكان ذلك في أيّام المعتمد وتغلبه عليها في سنة 275، وكان قبل ذلك في خدمة كوتكين ابن ساتكين التركي، وتغلب على الرّيّ وأظهر التشيع بها واستمرّ إلى الآن، وكان أحمد بن هارون قد عصى على أحمد بن إسماعيل الساماني بعد أن كان من أعيان قواده وهو الذي قتل محمد بن زيد الراعي فتبعه أحمد بن إسماعيل إلى قزوين فدخل أحمد بن هارون بلاد الديلم وأيس منه أحمد بن إسماعيل فرجع فنزل بظاهر الري ولم يدخلها، فخرج إليه أهلها وسألوه أن يتولّى عليهم ويكاتب الخليفة في ذلك ويخطب ولاية الرّيّ، فامتنع وقال: لا أريدها لأنّهامشؤومة قتل بسببها الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وتربتها ديلمية تأبى قبول الحقّ وطالعها العقرب، وارتحل عائدا إلى خراسان في ذي الحجة سنة 289، ثمّ جاء عهده بولاية الرّيّ من المكتفي وهو بخراسان، فاستعمل على الرّيّ من قبله ابن أخيه أبا صالح منصور بن إسحاق بن أحمد بن أسد فوليها ستّ سنين، وهو الذي صنف له أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي الحكيم كتاب المنصوري في الطبّ، وهو الكنّاشة، وكان قدوم منصور إليها في سنة 290، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

[معجم البلدان]

الري

مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن، كثيرة الخيرات وافرة الغلات والثمرات قديمة البناء؛ قال ابن الكلبي: بناها هوشنج بعد كيومرث. وقال غيره: بناها راز بن خراسان لأن النسبة إليها رازي. وهي مدينة عجيبة في فضاء من الأرض، وإلى جانبها جبل أقرع لا ينبت شيئاً يقال له طبرك. قالوا: انه معدن الذهب، إلا ان نيله لا يفي بالنفقة عليه ولهذا تركوا معالجته. ودور هذه المدينة كلها تحت الأرض، ودورهم في غاية الظلمة وصعوبة المسلك، وإنما فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر، فإن كانوا مخالفين نهبوا دورهم، وإن كانوا موافقين نزلوا في دورهم غصباً، فاتخذوا مسالك الدور مظلمة ليسلموا من ذلك. والناس يحفرون بها يجدون جواهر نفيسة وقطاع الذهب، وبها كنوز في كل وقت يظهر منها شيء، لأنها ما زالت موضع سرير الملك. وفي سنة أربع عشرة وستمائة في زمن ايلقلمش ظهر بها حباب كان فيها دنانير عجيبة، ولم يعرف انها ضرب أي ملك، وذكر انها خربت مراراً بالسيف والخسف. وقال جعفر بن محمد الرازي: لما ورد المهدي في خلافة المنصور بنى المدينة التي بها الناس اليوم، على يد عمار بن الخصيب، وتمت عمارتها سنة ثمان وخمسين ومائة، ومياه هذه المدينة جارية في نفس المدينة، لكنها من أقذر المياه لأنهم يغسلون فيها جميع النجاسات، وتمشي إليها مياه الحمامات، وأهل المدينة لا يأخذون منها إلا نصف الليل لأنه في هذا الوقت يصفو عن النجاساتالتي تلقى فيه. وهواؤها في فصل الخريف سهام مسمومة، قلما تخطيء سيما في حق الغرباء، فإن الفواكه في هذا الوقت بها كثيرة رخيصة كالتين والخوخ والعنب، فإن العنب لا يقدرون على تحصيله إلى الشتاء. وبها نوع من العنب يسمونه الملاحي، حباته كحبات البسر وعنقوده كعذق التمر، ربما يكون مائة رطل. هذا النوع يبقى إلى الشتاء، ويحمل من الري إلى قزوين طول الشتاء، ومع كبر حباته قشره رقيق وطعمه طيب. وبها نوع آخر من العنب شبيه الرازقي إلا أن ثجيره ضعيف جداً، إذا قطفوه تركوه في الظل حتى يتزبب ويكون زبيبه طيباً جداً، يحمل إلى سائر البلاد. ويجلب من الري طين يغسل به الرأس في غاية النعومة، يحمل هدية إلى سائر البلاد. وصناع المشط بالري لهم صنعة دقيقة، يعملون أمشاطاً في غاية الحسن تحمل هدية إلى البلاد. والآلات والأثاث المتخذة من الخشب الخلنج خشبها بطبرستان يتخذون منها هناك، وهي خشبة لا لطف فيها، ويحملونها إلى الري فيتركها أهل الري في الخرط مرة أخرى، ويلطفونها ثم يزوقونها بأنواع التزاويق من الري تحمل إلى جميع البلاد. وأهل الري شافعية وحنفية. وأصحاب الشافعي أقل عدداً من أصحاب أبي حنيفة، والعصبية واقعة بينهم حتى أدت إلى الحروب، وكان الظفر لأصحاب الشافعي في جميعها مع قلة عددهم. والغالب على أهل الري القتل والسفك، ومعهم شيء من الأريحية، من ذلك حكي أن رجلاً من أرباب الثروة كان جاراً لبعض العيارين، فجاء وقت وضع حمل زوجة صاحب الثروة، ومن عادتهم أنهم يزينون الدار في هذا الوقت ويظهرون الأثاث والقماش، فلما أمسوا وكان لهم داران اجتمعوا كلهم عند صاحبة الطلق وخلت الدار الأخرى، فقال العيار: ما منعكم أن تنزلوا وتجمعوا جميع ما في هذه الدار؟ فنزلوا وأصعدوا جميع ما فيها إذ سمعوا ضجيج النساء يقلن: وضعت غلاماً! فقال العيار لأصحابه: إن هؤلاء فرحوا بهذا المولود، وإذا أحسوا بالقماش يتبدل فرحهم بالترحويعدون الولد شؤماً. ردوا القماش إليهم ليزداد فرحهم ويكون المولود ميمون النقيبة. فقالوا للقوم: خذوا قماشكم فإنا رددناها لأجل هذا المولود. وينسب إليها الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، إمام الوقت ونادرة الدهر وأعجوبة الزمان: لقد وجدت مكان القول ذا سعةٍ فإن وجدت لساناً قائلاً فقل ذكر أبو القاسم علي بن حسن بن عساكر عن أبي هريرة عن رسول الله، ، انه قال: إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة في كل مائة سنة من يجدد لها دينها. قال: فكان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وعلى الثانية محمد بن ادريس الشافعي، وعلى رأس المائة الثالثة أبو العباس أحمد ابن شريح، وعلى رأس المائة الرابعة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، وعلى رأس الخامسة أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، وعلى رأس المائة السادسة أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي. حكي أن فخر الدين الرازي ورد بخارى، وحضر حلقة رضى الدين النيسابوري، وكان في حلقته أربعمائة فاضل مثل ركن الدين العميدي وركن الدين الطاووسي ومن كان من طبقاتهم ومن كان دونهم، واستدل في ذلك المجلس فلم يبق من القوم إلا من أورد عليه سؤالاً أو سؤالين، فأعادها كلها، فلما قال: والاعتداد عن هذه الفوائد، قال رضى الدين: لا حاجة إلى الجواب فإنه لا مزيد على هذا. وتعجب القوم ضبطه وإعادته وترتيبه. وحكي انه قبل اشتهاره ذهب إلى خوارزم مع رسول، فقال أهل خوارزم للرسول: سمعنا ان معك رجلاً فاضلاً نريد أن نسمع منه فائدة، وكانوا في الجامع يوم الجمعة بعد الصلاة، فأشار الرسول إلى فخر الدين بذلك، فقال فخر الدين: افعل ذلك بشرط أن لا يبحثوا إلا موجهاً. فالتزموا ذلك. فقال: من أي علم تريدون؟قالوا: من علم الكلام فإنه دأبنا. قال: أي مسألة تريدون؟ اختاروا مسألة شرع فيها وقررها بأدنى زمان، وكان هناك من العوام خلق كثير وعوام خوارزم متكلمة كلهم عرفوا أن فخر الدين قرر الدليل وغلبهم كلهم. فاراد مرتب القوم أن يخفي ذلك محافظة لمحفل الرئيس فقال: قد طال الوقت وكثرت الفوائد. اليوم نقتصر على هذا، وتمامه في مجلس آخر في حضرة مولانا، فقال فخر الدين: أيها الخوارزمي إن مولانا لا يقوم من هذا المجلس إلا كافراً أو فاسقاً، لأني ألزمته الحكم بالحجة، فإن لم يعتقد فهو كافر على زعمه، وان اعتقد ولم يعترف به فهو فاسق على زعمه. وحكي انه ورد بخارى، وسمع أن أحداً من أهل بخارى ذكر اشكالات على إشارات أبي علي، فلما ورد فخر الدين بخارى أوصى لأصحابه أن لا يعرضوا ذلك على فخر الدين، فقال فخر الدين لأحد من أصحاب الرجل: اغزني ليلة واحدة. ففعل فضبطها كلها في ليلة واحدة، وقام وذهب إليه أول النهار وقال له: سمعت أنك أوردت الاشكالات على أبي علي، فمعنى كلام أبي علي هذا كيف تورد عليه الاشكال حتى أتى على جميعها، ثم قال له: أما تتقي الله فهو كلام الرجل ما تعرف وتفسرها من عندك تفسيراً فاسداً وتورد عليه الاشكال؟ فقال الرجل: أظن انك الفخر الرازي! فقال: ما أخطأت في هذا الظن! وقام وخرج. وحكي انه كان يعظ على المنبر بخوارزم وعوام خورازم كلهم متكلمة يبحثون بحثاً صحيحاً، وكان يأتي بمسألة مختلفة بين المعتزلة والأشاعرة، ثم يقررها تقريراً تاماً ويقول: أئمة المعتزلة لا يقدرون على مثل هذا التقرير. ويقول لهم: أما هذا تقرير حسن؟ يقولون: نعم. فيقول: اسمعوا إبطاله! فيبطله بأدلة أقوى منها، فالمعتزلة عزموا على ترك الاعتزال لأن الواجب عليهم اتباع الدليل، فقال لهم مشايخهم: لا تخالفوا مذهبكم فإن هذا رجل أعطاه الله في التقرير قوة عجيبة، فإن هذا لقوته. لا لضعف مذهبكم.وحكي انه كان على المنبر فنقل شيئاً من التوراة فقالوا له: كيف عرفت انه في التوراة؟ فقال: أي سفر شئتم عينوا حتى أقرأه عليكم! وجاءته حمامة خلفها باشق يريد صيدها، فدخلت الحمامة خلف ظهر الشيخ فقال بعض الحاضرين: جاءت سليمان الزّمان بشجوها والموت يلمع من جناح الخاطف من عرّف الورقاء أنّ جنابكم حرمٌ، وأنّك مأمنٌ للخائف؟ فالشيخ خلع عليه قميصه وعمامته. توفي عيد الفطر سنة ست وستمائة. وينسب إليها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد الخواص. كان من أقران الجنيد والنوري. كان إبراهيم متوكلاً يمشي في أسفاره بلا زاد، وحكى منصور ابن عبد الله الهروي قال: كنت مع قوم في مسجد رسول الله. ، نتحدث في كرامات الأنبياء، ومعنا رجل مكفوف يسمع حديثنا، فلما فرغنا قال: آنسكم الله فإني أنست بحديثكم، فاسمعوا عني أيضاً حديثاً عجيباً. قال: كنت رأيت قبل عماي رجلاً غريباً يخرج من المدينة يمشي مسرعاً، فمشيت خلفه حتى أدركته، قلت له: اخلع ثيابك! فقال لي: اذهب حتى لا يصيبك ضرر! فشددت عليه وكلفته خلع ثيابه، فدفعني مراراً بالكلام فأبيت إلا خلع الثياب. فلما علم اني لست أندفع عنه أشار إلي عيني فعميتا، وذهب عني فبت تلك الليلة فرأيته في النوم فقلت: يا عبد الله وحق من أكرمك هذه الكرامة من أنت؟ قال: إبراهيم الخواص! وحكى الخواص، رحمة الله عليه: انتهيت إلى رجل صرعه الشيطان فجعلت أؤذن في أذنه، فناداني الشيطان من خوفه يقول: دعني أقتله، فإنه يقول: القرآن مخلوق! وحكى بعضهم قال: صحب الخواص مع اثنين فانتهينا إلى مسجد في المفازة فأوينا إليه، وكان الوقت شاتياً والمسجد لا باب له، فلما أصبحنا وجدنا إبراهيم واقفاً على باب المسجد يستر الباب ببدنه، قال: خشيت أن تجدوا البرد فسترت الباب ببدني. وحكى الخواص، رحمه الله، قال: رافقني في بعض أسفاري راهب فمضينا أسبوعاً ما أكلنا. فقال لي الراهب: يا راهب احنفية، هات إن كان عندك انبساط، فقد بلغنا في الجوع! فقلت: اللهم لا تفضحني عند هذا الكافر! فرأيت طبقاً فيه خبز وشواء ورطب وماء، فأكلنا ومشينا أسبوعاً آخر، فقلت: يا راهب النصارى، هات إن كان عندك انبساط فالنوبة لك! فدعا فرأيت طبقاً فيه أكثر مما كان على طبقي، فتحيرت وأبيت أن آكل منها، فقال لي الراهب: كل فإني أبشرك ببشريين: أحدهما أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والثاني اني قلت يا رب ان كان لهذا الرجل خطر فافتح علي فتحاً! فأكلنا ومشينا إلى مكة، فأقام بها مدة ثم توفي بها ودفن في البطحاء. وحكى إبراهيم قال: في بعض أسفاري انتهيت إلى شجرة قعدت تحتها، فإذا سبع هائل يأتي نحوي، فلما دنا مني رأيته يعرج، فإذا يده منتفخة وفيها فنخ، فهمهم وتركها في حجري، وعرفت انه يقول: عالج هذه! فأخذت خشبة فتحت بها الفنخ ثم شددته بخرقة خرقتها من ثوبي، فغاب ثم جاءني ومعه شبلان يبصبصان ورغيف تركه عندي ومشى. وحكى إبراهيم، رحمه الله، قال: ركبت البحر مرة، فجاءنا ريح عاصف يمشي بالمركب على غير اختيارنا، فالركاب كانوا يدعون الله تعالى وكل واحد ينذر نذراً، وأنا قلت: ان نجاني الله تعالى من هذه لا آكل لحم الفيل! هكذا جرى على لساني، فالريح رمتنا إلى جزيرة فرأينا في الجزيرة ولد فيل، فالقوم أخذوه وذبحوه وجعلوا يأكلونه، فأشاروا إلي بأكله فأبيت أن آكل لأجل النذر. فأكل القوم كلهم من لحم ولد الفيل، فلما كان الليل جاء الفيل فما وجد الولد، فرأى القوم فجعل يشم واحداً واحداً ويحطمه بخفه حتى فرغ عن الكل، فأنا وقعت على وجهي حتى لا أراه وأيقنت بالهلاك. فلما شمتني لف خرطومه علي وحملني على ظهره وجعل يمشي طول الليل بي، فلما أصبحتوصل إلى بيش فتركني هناك ومضى. وحكى أبو حامد الأسود قال: سافرت مع الخواص ذات مرة، فانتهينا إلى ظل شجرة، فأقبل إلينا سبع هائل، فصعدت الشجرة خوفاً وإبراهيم نام تحت الشجرة، فجاء السبع فشمه من رأسه إلى قدمه وذهب، فلما كانت الليلة أوينا إلى مسجد فوقعت بقة على إبراهيم فأن أنيناً، فقلت له: هذا عجب! البارحة ما كنت تئن من أسد، والآن تئن من بقة؟ فقال: هذه الحالة غير تلك الحالة، البارحة كنت بالله والليلة أنا بنفسي! وحكي أن الخواص، رحمة الله عليه، لما دنت وفاته طلب الماء وتوضأ وتوفي سنة إحدى وتسعين ومائتين، فرئي بعد وفاته في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أثابني على كل عم عملته ثم أنزلني منزلاً فوق منازل أهل الجنة وقال: يا إبراهيم هذا المنزل بسبب انك قدمت إلينا بالطهارة! وينسب إليها يحيى بن معاذ الرازي. كان شيخ الوقت وصاحب اللسان في الوعظ والقبول عند الناس، إلى أن اتصل بزين العارفين أبي يزيد البسطامي، فرأى من حالاته ما تحير فيها، فعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، فلازم خدمته وذكر عنه حكايات عجيبة. وحكي انه رأى بايزيد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر مستوفزاً على صدور قدميه، رافعاً أخمصيه ضارباً بدفيه على صدره، شاخصاً بعينيه لا يطرف، ثم سجد عند الفجر فأطال ثم قعد وقال: اللهم إن قوماً طلبوك فأعطيتهم المشي على الماء والمشي على الهواء فرضوا منك بذلك، وإني أوذ بك من ذلك، وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض ورضوا بذلك، وإني أعوذ بك من ذلك، وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم طي الأرض فإنهم رضوا بذلك، واني أعوذ بك من ذلك، حتى عد نيفاً وعشرين مقاماً من مقامات الأولياء، ثم التفت إلي فرآني فقال: يحيى! قلت: نعم يا سيدي! فقال: منذ متى أنت هنا؟ قلت: منذ حين. فسكت فقلت: يا سيدي حدثني بشيء. فقال: أحدثك بما يصلحلك، ادخلني في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلي وأراني الأرض وما تحتها إلى الثرى، ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوف في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش، ثم أوقفني بين يديه وقال: سلني أي شيء رأيت حتى أهبه لك! فقلت: يا سيدي ما رأيت شيئاً استحسنته فأسالك إياه. فقال: أنت عبدي حقاً بعبدي لأجلي صدقاً لأفعلن بك ولأفعلن! وذكر أشياء؛ قال يحيى: فهالني ذلك وامتلأت به وعجبت منه فقلت: يا سيدي لم ما سألته المعرفة به وقد قال لك سلني ما شئت؟ قال: فصاح في صيحة وقال لي: اسكت! ويلك غرت عليه مني؟ لا أحب أن يعرفه سواه. وحكي أن من لطف الله تعالى في حق يحيى انه تكلم ببلخ وفضل الغنى على الفقر، فأعطي ثلاثين ألف درهم، فسمع بعض المشايخ ذلك فقال: ما أعجبه لا بارك الله له في هذا المال! فخرج من بلخ يريد نيسابور، فوقع عليه اللصوص وأخذوا منه المال. وحكى يحيى انه دخل المسجد فوقعت جنية على باب المسجد فقلت: ان ذلك لذنب مني، حتى تذكرت اني قدمت رجلي اليسرى، فقلت: تبت لا أعود إلى مثله! فنوديت: يا يحيى أدركت سوء الأدب بحسن المعذرة فأدركناك بالفضل والمغفرة. توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين.

[آثار البلاد وأخبار العباد]

الري

مدينة تقع في الطرف الشمالي الشرقي من إقليم الجبال واسمها عند اليونان (راكس (raxes وفي المئة الرابعة للهجرة خرب أكثرها وتحول أهلها إلى طهران القريبة منها ينسب إليها كثير من العلماء منهم الفخر الرازي وسليمان بن مهران الملقب بالأعمش من كبار التابعين وغيرهم.

[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]

الري (1) :

كورة معروفة تنسب إلى الجبل وليست منه بل هي أقرب إلى خراسان، وهي بقرب دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان. ولما فتح نعيم بن مقرن الري خرب مدينتها القديمة، وهي التي يقال لها العتيقة، وبنى الري الحديثة. وهي مدينة ليس بعد بغداد في المشرق مدينة أعمر منها إلا نيسابور فإنها أكبر منها عرصة وأوسع رقعة، فأما اشتباك البناء وكثرة العمارة فالري أعمر من نيسابور، ومقدار الري فرسخ في مثله، ويخترقها نهر يقال له روذة (2)، وقدام المسجد الجامع قلعة الري على قنة الجبل صعبة المرتقى متكائدة المطلع، فإذا صرت فيها اطلعت على طسوج الري كلها، وأبواب الري باب باطاق (3) يخرج منه إلى الجبال والعراق، وباب بليستان (4) يخرج منه إلى قزوين، وباب كوهك يخرج منه إلى طبرستان، وباب هشام يخرج منه إلى قومس، وباب خراسان (5) يخرج منه إلى قم. وزي أهلها زي العراق ولهم دهاء وتجارات، وبها قبر محمد بن الحسن الفقيه الكوفي وقبر الكسائي وقبر الفزاري المنجم. ولما نزلها المهدي في خلافة المنصور لما توجه لمحاربة عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي ولد له بها الرشيد. وافتتحها قرظة بن كعب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كذا وجدت في بعض الأخبار، وهو خلاف ما تقدم إلا أن يكون نعيم بن مقرن قدمه لذلك فباشر الحرب أو بالعكس أو تكرر فتحها والله أعلم، فأما أصحاب المغازي فقالوا (6) : خرج نعيم بن مقرن إلى الري فلقيه أبو الفرخان مسالماً ومخالفاً لملك الري يومئذ سياوخش بن مهران، وكان سياوخش قد استمد أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان وقال: قد علمتم أن هؤلاء إن حلوا الري أنه لا مقام لكم فاحتشدوا له، فناهدهم المسلمون، فالتقوا بصفح جبل الري الذي إلى جانب مدينتها فاقتتلوا به، وقد كان أبو الفرخان قال لنعيم: إن القوم كثير وأنت في قلة، فابعث معي خيلاً أدخل مدينتهم من مدخل لا يشعرون به، وناهدهم أنت فإنهم إذا خرجوا عليهم لم يثبتوا لك، فبعث معه نعيم من الليل خيلاً عليها ابن أخته (7) المنذر بن عمرو فأدخلهم المدينة ولا يشعر القوم، وبيتهم نعيم بياتاً فشغلهم عن مدينتهم فاقتتلوا وصبروا حتى سمعوا التكبير من ورائهم، فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا فيها بالقصب، وأفاء الله على المسلمين بالري نحواً من فيء المدائن، وصالح أبو الفرخان نعيماً على أهل الري، فلم يزل بعد شرف الري في آله وسقط آل بهرام، وأخرب نعيم مدينة الري وهي التي يقال لها العتيقة وأمر أبا الفرخان ببناء مدينة الري الحدثى، وكتب لهم نعيم كتاباً أعطاهم فيه الأمان لهم ولمن كان معهم من غيرهم على أن على كل حالم من الجزية طاقته في كل سنة وعلى أن ينصحوا ولا يغلوا ولا يسلوا وينزلوا المسلم ويقروه يوماً وليلة ويفخموه، فمن سب مسلماً أو استخف به نهك عقوبة، ومن ضربه قتل، ومن بدل منهم فلم يسلم برمته فقد غر جماعته، وقال أبو نجيد في يوم الري: ألا هل أتاها أن بالري معشراً. .. شفوا سقماً لما استجابوا وقتلوا لهم موطنان عاينوا الملك فيهما. .. بأيد طوال لم يخنهن مفصل وخيل تعادى لا هوادة عندها. .. وراد وكمت تمتطى ومحجل ودهم وشقر ينشر العتق بينها. .. إذا ناهدت قوماً تولوا وأوهلوا قتلناهم بالسفح مثنى وموحداً. .. وصار لنا منهم مراد ومأكل جزى الله خيراً معشراً عصبوهم. .. وأعطاهم خير العطاء الذي ولوا وبالري واد عظيم يأتي من بلاد الديلم يقال له نهر موسى. ولما مات بها محمد بن الحسن والكسائي قال الرشيد: دفنت الفقه والعربية بالري. ويرتفع من الري إلى البلاد الثياب المنيرة من الزهيري (8) والبرود والأكسية. والإمام الحافظ المصنف فخر الدين أبو عبيد الله محمد بن عمر الرازي كان والده خطيب الري، والنسبة إلى الري رازي على غير قياس. (1) معجم ما استعجم 2: 690، وقارن باليعقوبي: 275، وابن حوقل: 321، وابن الوردي: 30، واكرخي: 122، ونزهة المشتاق: 203، وياقوت (الري)، والمقدسي: 390، وآثار البلاد: 375. (2) في نزهة المشتاق: ولها واديان أحدهما يشق المدينة ويمر بسوق الرودة، واسم هذا الوادي سورا. (3) الكرخي: طاق، ابن حوقل: ما طاق، وفي ص ع: ساطر. (4) ع: مرمستان، ص: مريسان. (5) كذا وفي المصادر: وباب سين. (6) قارن بالطبري 1: 2653. (7) الطبري: ابن أخيه، وفي بعض الأصول ((ابن أخته)). (8) ص ع: الدهيري.

[الروض المعطار في خبر الأقطار]

الري

ومن كان قصده إلى الرّيّ خرج من مدينة الدينور إلى قزوين ثم سار من قزوين ثلاث مراحل على جادة الطريق والرّيّ على جادة طريق خراسان. واسم مدينة الرّيّ المحمّدية، وإنما سمّيت بهذا الاسم لأن المهدي نزلها في خلافة المنصور لما توجّه إلى خراسان لمحاربة عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي وبناها، وبها ولد الرشيد لأن المهدي أقام بها عدة سنين، وبنى بها بناء عجيبا، وأرضع نساء الوجوه من أهلها الرشيد، وأهل الرّيّ أخلاط من العجم وعربها قليل. افتتح الرّيّ قرظة بن كعب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب سنة ثلاث وعشرين. وشرب أهلها من عيون كثيرة وأودية عظام. وبها واد عظيم يأتي من بلاد الديلم يقال له نهر موسى ولكثرة مياه البلد كثرت ثماره، وأجنّته، وأشجاره. وله رساتيق، وأقاليم، وبه ضياع إسحاق بن يحيى بن معاذ، وضياع ابن أبي عباد ثابت بن يحيى كاتب المأمون وهما جميعا من أهل الرّيّ. ومبلغ خراجه عشرة آلاف ألف درهم.

[البلدان لليعقوبي]