البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...


صِقِلِّيَّةُ

بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء أيضا مشددة، وبعض يقول بالسين، وأكثر أهل صقلّيّة يفتحون الصاد واللام: من جزائر بحر المغرب مقابلة إفريقية، وهي مثلثة الشكل بين كلّ زاوية والأخرى مسيرة سبعة أيّام، وقيل: دورها مسيرة خمسة عشر يوما، وإفريقية منها بين المغرب والقبلة، وبينها وبين ريو، وهي مدينة في البر الشمالي الشرقي الذي عليه مدينة قسطنطينيّة، مجاز يسمى الفارو في أطول جهة منها اتّساعه عرض ميلين وعليه من جهتها مدينة تسمى المسيني التي يقول فيها ابن قلاقس الإسكندري: من ذا يمسّيني على مسّيني وهي مقابلة ريو، وبين الجزيرة وبرّ إفريقية مائة وأربعون ميلا إلى أقرب مواضع إفريقية وهو الموضع المسمّى إقليبية وهو يومان بالريح الطيبة أو أقلّ، وإن طولها من طرابنش إلى مسيني إحدى عشرة مرحلة وعرضها ثلاثة أيّام، وهي جزيرة خصيبة كثيرة البلدان والقرى والأمصار، وقرأت بخط ابن القطّاع اللغوي على ظهر كتاب تاريخ صقلية: وجدت في بعض نسخ سيرة صقلية تعليقا على حاشية أن بصقلية ثلاثا وعشرين مدينة وثلاثة عشر حصنا ومن الضياع ما لا يعرف، وذكر أبو علي الحسن بن يحيى الفقيه في تاريخ صقلية حاكيا عن القاضي أبي الفضل أن بصقلية ثماني عشرة مدينة إحداها بلرم، وأن فيها ثلاثمائة ونيفا وعشرين قلعة، ولم تزل في قديم وحديث بيد متملّك لا يطيع من حوله من الملوك وإن جلّ قدرهم لحصانتها وسعة دخلها، وبها عيون غزيرة وأنهار جارية ونزه عجيبة، ولذلك يقول ابن حمديس: ذكرت صقلّيّة والهوى يهيّج للنّفس تذكارها فإن كنت أخرجت من جنّة فإنّي أحدّث أخبارها وفي وسطها جبل يسمى قصر يانه، هكذا يقولونه بكسر النون، وهي أعجوبة من عجائب الدّهر، عليه مدينة عظيمة شامخة وحولها من الحرث والبساتين شيء كثير، وكلّ ذلك يحويه باب المدينة، وهي شاهقة في الهواء والأنهار تتفجّر من أعلاها وحولها وكذلك جميع جبال الجزيرة، وفيها جبل النار لا تزال تشتعل فيه أبدا ظاهرة لا يستطيع أحد الدّنوّ منها فإن اقتبس منها مقتبس طفئت في يده إذا فارق موضعها، وهي كثيرة المواشي جدّا من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والحيوان الوحشيّ وليس فيها سبع ولا حيّة ولا عقرب، وفيها معدن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزيبق وجميع الفواكه على اختلاف أنواعها، وكلأها لا ينقطع صيفا ولا شتاء، وفي أرضها ينبت الزعفران، وكانت قليلة العمارة خاملة قبل الإسلام، فلمّا فتح المسلمون بلاد إفريقية هرب أهل إفريقية إليها فأقاموا بها فعمّروها فأحسنوا عمارتها ولم تزل على قربها من بلاد الإسلام حتى فتحت في أيام بني الأغلب على يد القاضي أسد بن الفرات، وكان صاحب صقلية رجلا يسمى البطريق قسطنطين، فقتله لأمر بلغه عنه فتغلّب فيمي على ناحية من الجزيرة ثمّ دبّ حتى استولى على أكثرها ثمّ أنفذ صاحب القسطنطينيّة جيشا عظيما فأخرج فيمي عنها فخرج في مراكبه حتى لحق بإفريقية ثمّ بالقيروان منها مستجيرا بزيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، وهو يومئذ الوالي عليها من جهة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد، وهوّن عليه أمرها وأغراه بها فندب زيادة الله الناس لذلك فابتدروا إليه ورغبوا في الجهاد فأمّر عليهم أسد ابن الفرات، وهو يومئذ قاضي القيروان، وجمعت المراكب من جميع السواحل وتوجّه نحو صقلية في سنة 212 في أيّام المأمون في تسعمائة فارس وعشرة آلاف راجل فوصل إلى الجزيرة وجمع الروم جمعا عظيما فأمر أسد بن الفرات فيمي وأصحابه أن يعتزلوهم وقالوا لا حاجة لنا إلى الانتصار بالكفار، ثمّ كبّر المسلمون وحملوا على الروم حملة صادقة فانهزم الروم وقتل منهم قتلا ذريعا وملك أسد بن الفرات بالتنقّل جميع الجزيرة، ثمّ توفي في سنة 213، وكان رجلا صالحا فقيها عالما، أدرك حياة مالك بن أنس، رضي الله عنه، ورحل إلى الشرق، وبقيت بأيدي المسلمين مدّة وصار أكثر أهلها مسلمين وبنوا بها الجوامع والمساجد ثمّ ظهر عليها الكفار فملكوها فهي اليوم في أيديهم، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة صقلية طولها أربعون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة، طالعها السنبلة، عاشرها ذراع الكلب ولهاشركة في الفرع المؤخر تحت عشر درجات من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، رابعها مثلها من الميزان، بيت ملكها مثلها من الحمل، ومن فضل جزيرة صقلية أن ليس بها سبع ضار ولا نمر ولا ضبع ولا عقرب ولا أفاع ولا ثعابين، وفيها معادن الذهب موجودة في كلّ مكان ومعادن الشّبّ والكحل والفضة ومعدن الزاج والحديد والرصاص وجبال تنعش، وكثيرا ما يوجد النوشادر في جبل النار ويحمل منه إلى الأندلس، وغيرها كثير، وقال أبو علي الحسن بن يحيى الفقيه مصنف تاريخ صقلية: وأما جبل النار الذي في جزيرة صقلية فهو جبل مطلّ على البحر المتصل بالمجاز، وهو فيما بين قطانية ومصقلة وبقرب طبرمين، ودوره ثلاثة أيّام، وفيه أشجار وشعارى عظيمة أكثرها القسطل وهو البندق والصنوبر والأرزن، وحوله أبنية كثيرة وآثار عظيمة للماضين ومقاسم تدلّ على كثرة ساكنيه، وقيل إنّه يبلغ من كان يسكنه من المقاتلة في زمن الطّورة ملك طبرمين ستين ألف مقاتل، وفيه أصناف الثمار، وفي أعلاه منافس يخرج منها النار والدخان وربما سالت النار منه إلى بعض جهاته فتحرق كلّ ما تمرّ به ويصير كخبث الحديد ولم ينبت ذلك المحترق شيئا، ولا تمشي اليوم فيه دابة، وهو اليوم ظاهر يسميه الناس الأخباث، وفي أعلى هذا الجبل السحاب والثلوج والأمطار دائمة لا تكاد تنقطع عنه في صيف ولا شتاء، وفي أعلاه الثلج لا يفارقه في الصيف فأمّا في الشتاء فيعم أوّله وآخره، وزعمت الروم أن كثيرا من الحكماء الأولين كانوا يرحلون إلى جزيرة صقلية ينظرون إلى عجائب هذا الجبل واجتماع هذه النار والثلج فيه، وقيل إنّه كان في هذا الجبل معدن الذهب ولذلك سمّته الروم جبل الذهب، وفي بعض السنين سالت النار من هذا الجبل إلى البحر وأقام أهل طبرمين وغيرهم أيّاما كثيرة يستضيئون بضوئه، وقرأت لابن حوقل التاجر فصلا في صفة صقلية ذكرته على وجهه ففيه مستمتع للناظر في هذا الكتاب، قال: جزيرة صقلية على شكل مثلث متساوي الساقين، زاويته الحادة من غربي الجزيرة طولها سبعة أيّام في أربعة أيّام، وفي شرقي الأندلس في لجّ البحر وتحاذيها من بلاد الغرب بلاد إفريقية وباجة وطبرقة إلى مرسى الخزر، وغربيها في البحر جزيرة قرشف وجزيرة سردانية من جهة جنوب قرشف، ومن جنوب صقلية جزيرة قوصرة، وعلى ساحل البحر شرقيها من البر الأعظم الذي عليه قسطنطينية مدينة ريو ثمّ نواحي قلورية، والغالب على صقلية الجبال والحصون، وأكثر أرضها مزرعة، ومدينتها المشهورة بلرم وهي قصبة صقلية على نحر البحر، والمدينة خمس نواح محدودة غير متباينة ببعد مسافة، وحدود كل واحدة ظاهرة، وهي: بلرم وقد ذكرت في بابها، وخالصة وهي دونها وقد ذكرت أيضا، وحارة الصقالبة وهي عامرة وأعمر من المدينتين المذكورتين وأجلّ، ومرسى البحر بها، وبها عيون جارية وهي فاصلة بينها وبين بلرم ولا سور لها، والمدينة الرابعة حارة المسجد وتعرف بابن صقلاب، وهي مدينة كبيرة أيضا وشرب أهلها من الآبار ليس لهم مياه جارية، وعلى طريقها الوادي المعروف بوادي العباس، وهو واد عظيم وعليه مطاحنهم ولا انتفاع لبساتينهم به ولا للمدينة، والخامسة يقال لها الحارة الجديدة، وهي تقارب حارة ابن صقلاب في العظم والشبه وليس عليها سور، وأكثر الأسواق فيها بين مسجد ابن صقلاب والحارة الجديدة، وفي بلرم والخالصة والحارات المحيطة بها ومن ورائها من المساجد نيف وثلاثمائة مسجد، وفي محالّ تلاصقها وتتصل بوادي العباسمجاورة المكان المعروف بالعسكر وهو في ضمن البلد إلى البلد المعروف بالبيضاء قرية تشرف على المدينة من نحو فرسخ مائتا مسجد، قال: ولقد رأيت في بعض الشوارع في بلرم على مقدار رمية سهم عشرة مساجد، وقد ذكرتها في بلرم، قال: وأهل صقلية أقل الناس عقلا وأكثرهم حمقا وأقلهم رغبة في الفضائل وأحرصهم على اقتناء الرذائل، قال: وحدثني غير إنسان منهم أن عثمان بن الخزّاز ولي قضاءهم وكان ورعا فلمّا جرّبهم لم يقبل شهادة واحد منهم لا في قليل ولا في كثير، وكان يفصل بين الناس بالمصالحات، إلى أن حضرته الوفاة فطلب منه الخليفة بعده فقال: ليس في جميع البلد من يوصى إليه، فلمّا توفي تولى قضاءهم رجل من أهلها يعرف بأبي إبراهيم إسحاق بن الماحلي، ثمّ ذكر شيئا من سخيف عقله، قال: والغالب على أهل المدينة المعلّمون، فكان في بلرم ثلاثمائة معلّم، فسألت عن ذلك فقالوا: إن المعلم لا يكلّف الخروج إلى الجهاد عند صدمة العدو، وقال ابن حوقل: وكنت بها في سنة 362، ووصف شيئا من تخلّقهم ثم قال: وقد استوفيت وصف هؤلاء وحكاياتهم ووصف صقلية وأهلها بما هم عليه من هذا الجنس من الفضائل في كتاب وسمته بمحاسن أهل صقلية ثمّ ذكرت ما هم عليه من سوء الخلق والمأكل والمطعم المنتن والأعراض القذرة وطول المراء مع أنّهم لا يتطهّرون ولا يصلّون ولا يحجّون ولا يزكون، وربّما صاموا رمضان واغتسلوا من الجنابة، ومع هذا فالقمح لا يحول عندهم وربّما ساس في البيدر لفساد هوائها، وليس يشبه وسخهم وقذرهم وسخ اليهود، ولا ظلمة بيوتهم سواد الأتاتين، وأجلّهم منزلة تسرح الدجاج على موضعه وتذرق على مخدته وهو لا يتأثر، ثمّ قال: ولقد عررت كتابي بذكرهم، والله أعلم.

[معجم البلدان]

صقلية

جزيرة عظيمة من جزائر أهل المغرب مقابلة لافريقية. وهي مثلثة الشكل بين كل زاوية والأخرى مسيرة سبعة أيام. وهي حصينة كثيرة البلدان والقرى، كثيرة المواشي جداً من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والحيوانات الوحشية. ومن فضلها أن ليس بها عاد بناب أو برثن أو إبرة، وبها معدن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد، وكذلك معدن الشب والكحل والزاج ومعدن النوشاذر، ومعدن الزئبق. وبها المياه والأشجار والمزارع وأنواع الفواكه على اختلاف أنواعها، لا تنقطع شتاء ولا صيفاً. وأرضها تنبت الزعفران. وكانت قليلة العمارة خاملة الذكر إلى أن فتح المسلمون بلاد افريقية، فهرب أهل افريقية إليها وعمروها حتى فتحت في أيام بني الأغلب في ولاية المأمون، فبقيت في يد المسلمين مدة، ثم ظهر عليها الكفار وهي الآن في أيديهم. وبهذه الجزيرة جبال شامخة وعيون غزيرة وأنهار جارية ونزهة عجيبة، وقال ابن حمديس وهو يشتاق إليها: ذكرت صقلّيّة والهوى يهيّج للنّفس تذكارها فإن كنت أخرجت من جنةٍ فإني أحدّث أخبارها ذكر أن دورها مسيرة ستة عشر يوماً، وقطرها مسيرة خمسة أيام، وهي مملوءة من الخيرات والمياه والأشجار والمزارع والفواكه. بها جبل يقال له قصر يانه وهو من عجائب الدنيا. على هذا الجبل مدينة عظيمة شامخة، وحولها مزارع وبساتين كثيرة، وهي شاهقة في الهواء، وكل ذلك يحويه باب المدينة، لا طريق إليها إلا بذلك الباب، والأنهار تنفجر من أعلاها. وبها جبل النار، ذكر أبو علي الحسن بن يحيى أنه جبل مطل على البحر، دورته ثلاثة أيام بقرب طبرمين، فيه أشجار كثيرة وأكثرها البندق والصنوبر والارزن، وفيه أصناف الثمار، وفي أعلاه منافس النار يخرج منه النار والدخان، وربما سالت النار منه إلى جهة تحرق كل ما مرت به، وتجعل الأرض مثل خبث الحديد لا تنبت شيئاً ولا تمر الدابة بها، ويسميه الناس الاخباث. وفي أعلى هذا الجبل السحاب والثلوج والأمطار دائمة، لا تكاد تقلع عنه في صيف ولا شتاء، والثلج لا يفارق أعلاه في الصيف. وأما في الشتاء فيعم الثلج أوله وآخره. وزعمت الروم أن كثيراً من الحكماء يرحلون إلى جزيرة صقلية للنظر إلى عجائب هذا الجبل واجتماع النار والثلج فيه، فترى بالليل نار عظيمة تشعل على قلته، وبالنهار دخان عظيم لا يستطيع أحد الدنو إليها، فإن اقتبس منها طفئت إذا فارقت موضعها. وبها البركان العظيم؛ قال أحمد بن عمر العذري: ليس في الدنيا بركان أشنع منه منظراً ولا أعجب مخبراً! فإذا هبت الريح سمع له دوي عظيم كالرعد القاصف، ويقطع من هذا البركان الكبريت الذي لا يوجد مثله. وقال أيضاً: بها آبار ثلاث يخرج منها من أول الربيع إلى آخره زيت النفط، فينزل في هذه الآبار على درج ويتقنع النازل ويسد منخره، فإن تنفس في أسفلها هلك من ساعته، يغترف ماءها ويجعله في اجانات، فما كان نفطاً علا فيجمع ويجعل في القوارير.

[آثار البلاد وأخبار العباد]

صقليةsicile

جزيرة كبيرة تقع في جنوبي غربي إيطاليا ويفصلها عنها مضيق (مسينا) فتحها العرب أيام بني الأغلب على يد القاضي أسد بن الفرات سنة 212 هـ أيام الخليفة المأمون وكانت تخضع من قبل للحكم البيزنطي وهي اليوم جزء من إيطاليا.

[تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير]

صقلية:

جزيرة صقلية في قطعة من البحر الشامي بينها وبين أقرب بر من مالطة ثمانون ميلاً؟ افتتحها المسلمون في صدر الإسلام وغزاها أسد بن الفرات الفقيه أميراً وقاضياً سنة اثنتي عشرة ومائتين، ففزع فيمه (1) البطريق النصراني قائد صاحب صقلية إلى زيادة الله فعرض عليه أمر صقلية، والظفر بها، فولى زيادة الله أسد بن الفرات القاضي الفقيه على جيش إفريقية من قريش والعرب والبربر وغيرهم وأقره على القضاء مع القيادة، فخرج أسد في جيش عظيم وجمع كثير وعدة كاملة في شهر ربيع الأول من العام المذكور، وكان فصوله من مدينة سوسة في سبعين مركباً يوم السبت للنصف من ربيع الآخر ووصل إلى مرسى مازر يوم الثلاثاء بعده، وكانت طريقه من المرسى على قلعة بلوط ثم على قرى الريش ثم صار إلى قلعة الدب، وسميت بذلك لأنهم أصابوا فيها دباً أنيساً، ثم إلى قرية الطواويس، وسميت بذلك لأنهم أصابوا فيها طاووساً، ثم إلى معركة بلاطة (2)، وهناك ظهر لهم جمع الروم فنازلهم فانهزم المشركون وأصيب لهم كراع وسلاح ولذلك سميت معركة بلاطة، وهو اسم ملك النصارى، ثم رحل إلى حصون الروم وقراهم يغير ويسبي، وبث السرايا في جميع الجزيرة وكثرت المغانم عند المسلمين وصاروا في رغد من العيش، وسارع الناس إلى إمدادهم من إفريقية والأندلس، وحاصر أسد مدينة سرقوسة وقاتلهم (3) براً وبحراً وأحرق مراكبهم وقتل جماعة من أهلها، ومات أسد سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو محاصر لسرقوسة، ووقع الموتان في عسكر المسلمين. واختلفت عليهم بعده الولاة، ثم كان فيها من العلماء والعباد والفقهاء والشعراء وأعيان الناس ما لا يأخذه عد ولا يأتي عليه إحصاء، إلى أن طال الأمد وقست القلوب واختلفت الأهواء ووقعت الفتن بين أهلها، وخلفت فيهم خلوف، ومضت الأعصار الطويلة فتغلب عليها النصارى في سنة أربعمائة وثلاث وخمسين، ومازال الطاغية رجار الفرنجي يفتحها قطراً قطراً ويأخذها كفراً كفراً إلى أن استولى على جميعها وذلك في مدة ثلاثين عاماً (4) إلا أنه أقر الناس بها على ديانتهم وشرائعهم وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأهلهم وذراريهم، وأقام على ذلك مدة حياته إلى أن مات سنة أربع وتسعين وأربعمائة، فخلفه ابنه رجار الثاني فحذا حذوه وسار بسيرته فركن إليه الناس ورضوا بتسليم الأمور له. وصقلية اسم لإحدى مدنها فنسبت الجزيرة كلها إليها، وفيها مدن (5) كثيرة، وهي جزيرة عظيمة ضخمة حصينة خطيرة قيل إن فيها مائة بلد وثلاثين بلداً بين مدينة وقلعة غير ما بها من الضياع والمنازل. وطول هذه الجزيرة سبعة أيام وعرضها خمسة أيام، وفتحت في سنة اثنتي عشرة ومائتين، فتحها زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير القيروان، بعث إليها أسد بن الفرات، كما قدمناه، فمشى في مراكبه إلى سرقوسة، مدينة من مدن الجزيرة، فنزل بمرساها، وقاتل البطريق الذي كان بها حتى قتله. قالوا: ومعنى صقلية باللسان القديم: تين وزيتون، وهو الذي أراد أبو علي حسن بن رشيق في مدح قاعدتها بلرم المدعوة باللسان العربي المدينة في قوله: أخت المدينة في اسم لا يشاركها. .. فيه سواها من البلدان والتمس وعظم الله معنى ذكرها قسماً. .. قلد إذا شئت أهل العلم أو فقس يشير إلى قوله تعالى: " والتين والزيتون ". وقال البكري (6) : سميت صقلية باسم سيقلو أخو ايطال (7) الذي به سميت ايطالية وكانت تعرف قبل تري قريا، ومعناه باللسان الإغريقي: ثلاثة في أربعة (8)، وإنما ذلك لثلاثة مواضع مشرفة فيها وهي: بلرم التي هي قاعدتها وباجنة ولياوم (9)، وبين صقلية وبلد إيطالية خليج من البحر. وقال ارشيوس عرض جزيرة صقلية مائة وسبعة وخمسون ميلاً وطولها مائة وسبعة وسبعون ميلاً، وقال غيره: دور صقلية الذي يحيط بها خمسمائة ميل وطول جزيرة صقلية من جبل بلرم إلى جل بحيتة، وعرضها من جبل باجنة إلى جبل انتسوا عند مرسى علي، ويذكر أنها مثلثة الشكل. وقال بعضهم: لا أدري جزيرة في البحر أكثر منها بلاداً ولا عمارة أقطار، فالثلث الشرقي منها، من مسيني إلى جزيرة الأديب، مائتا ميل، ومن جزيرة الأديب إلى طرابنش أربعمائة ميل وخمسون ميلاً، وهو الوجه الجنوبي، والوجه الثالث من طرابنش إلى الحراش اثنان وخمسون ميلاً. وهي كثيرة الزرع والضرع والفواكه، وبلرم قاعدتها في شمال الجزيرة على سبع ليال من المجاز. وبجزيرة صقلية البركان العظيم (10) الذي لا يعلم في العالم أشنع منظراً منه ولا أغرب خبراً، وهو في جزيرتين شمالاً من هذه الجزيرة، وإذا هبت الريح الجوفية سمع له دوي هائل كالرعد القاصف. وقد كان بروفوريوس الفيلسوف شخص من مدينة صور إلى صقلية لينظر إلى البركان ويعاين فعل الطبيعة هناك ويخبر عنه وعن العلة فيه بقول واضح، فمات بها وقبره بها معروف، وقبر جالينوس أيضاً هناك معلوم، وكان قد شخص من مدينة رومة يريد الشام ليلقى أصحاب عيسى عليه السلام. وبصقلية مياه حامضة، وبها معدن من الكبريت الأصفر الذي لا يوجد بموضع مثله، وهو بجزيرة البركان، وله قطاعون وعمالون عالمون بتناول ذلك قد تمرطت شعورهم وتصلبت (11) أظفارهم، ويذكرون أنهم يجدونه في بعض الأزمنة سيالاً متميعاً فيجدون له في الأرض مواضع يجتمع فيها، ثم يجدونه في غير ذلك الأوان قد تحجر وحمض فيقطعونه بالمعاول. وبجزيرة صقلية آبار ثلاث عند قلعة مينا (12) من إقليم سرقوسة يخرج منها في وقت معلوم من السنة زيت النفط وذلك في شهر شباط وشهرين (13) بعده، وينزل من البر عليه على درك ويرقى على درك آخر، ويخمر الذي يدخل البئر رأسه ويسد مسام أنفه، وإن تنفس في أسفل البئر هلك من ساعته، وما أخرج منه وضع في قصار يعلو الدهن منه. وفي بعض التواريخ أن جزيرة صقلية كان يسكنها في قديم الزمان أمة مهملة كانت تأكل الناس، ويقال إنه كان فيها جنس من المسوخ بعين واحدة (14). وفي السنة التي بويع فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه سار قسطنطين بن هرقل في ألفي (15) مركب يريد بلاد المسلمين، فسلط الله تعالى عليه عاصفاً من الريح فغرقها ونجا قسطنطين فلجأ إلى صقلية، فصنعوا له حماماً ودخله فقتلوه فيه. وبمدينة صقلية نهران مطردان من عين واحدة. وكان بجزيرة صقلية ملوك وقواد وجيوش للمسلمين ورؤساء وعلماء وصالحون، فصنف ابن القطاع " الدرة الخطيرة في محاسن الجزيرة " ذكر فيها شعراءها وجملة من رجالها، وكان تغلب العدو عليها في سنة أربعين - أو ستين على الرواية الأخرى - وأربعمائة، وممن بكاها عبد الجبار بن حمديس الشاعر في قصيدته المشهورة التي أولها: قضت في الصبا النفس أوطارها. .. وأبلغها الشيب إنذارها نعم وأجيلت قداح الهوى. .. عليها فقسمن أعشارها يقول في آخرها: ذكرت صقلية والأسى. .. يهيج للنفس تذكارها فإن كنت أخرجت من جنة. .. فإني أحدث أخبارها ولولا ملوحة ماء البكا. .. حسبت دموعي أنهارها وزعموا أن في جزيرة صقلية، في ناحية منها، عينين تجريان: إحداهما أيما امرأة شربت منها حبلت، والأخرى أيما أنثى شربت منها حبلت وتوأمت (16). (1) ص ع: قيمه؛ وفيه أو فيمي (Euphemius) هو الذي تذكر المصادر العربية أنه حث الأغالبة على فتح الجزير لنزاع بينه وبين صاحب القسطنطينية (نهاية الأرب 22: 238) ؛ وهذا النص يشبه ما عند البكري (ح) : 219 مع اختلاف في بعض التفصيلات. (2) كذا ولعله ((منزلة)) ؛ وبلاطة: موضع المعركة، ولكن المصادر العربية تجعله أيضاً أسماً لحاكم صقلية. (3) ص ع: وقابلهم. (4) بعض هذه الفقرة ملخص عن الإدريسي (م) : 20 - 21 مع حذف حماسته لرجار وإشادته بذكره. (5) عاد إلى التلخيص عن الإدريسي. (6) البكري (ح) : 213، وبعضه عند ابن الشباط (المكتبة الصقلية: 210). (7) في الأصلين: انطال. .. أنطالية. (8) لعل ((في أربعة)) مصحفة عن ((مرابع)) وذلك قد يوافق قوله ((لثلاثة مواضع مشرفة)). (9) الأرجح أن تكون ((باجنة)) هي ((باشنو)) التي يذكرها الإدريسي: 56 كما اقترح الأستاذ رتزيتانو؛ أما لياووم فيرجح الأستاذ نفسه أنها محرفة، وأن مكانها في الزاوية الشمالية الشرقية هو الفارو ((il Faro)). (10) انظر مادة ((البركان)) في ما تقدم. (11) البكر وابن الشباط: ونصلت؛ وهو أصوب. (12) هي: (Mineo). (13) ع: وتشرين، وهو تصحيف. (14) سمي البكري هذا الجنس باسم ((ققلوفس)) (Cyclops). (وكتبها المحقق: حقولفس). (15) البكري: ألف. (16) كذا والمشهور ((وأتأمت)).

[الروض المعطار في خبر الأقطار]

صقلية

كالتى قبلها إلا أنها موحدة، وبعض يقوله بالسين. وأكثر أهلها يفتحون الصاد واللام: من جزائر بحر المغرب، مقابلة إفريقية مثلّثة الشكل، بين كل زاوية والأخرى مسيرة سبعة أيام. وقيل: دورها مسيرة خمسة عشر يوما، بينها وبين ريو، وهى مدينة فى البرّ الشمالى الشرقى الذي عليه مدينة قسطنطينية، مجاز يسمى القار، وفى أطول جهة منها اتساعه عرض ميلين، وعليه من جهتها مدينة تسمى مسّينى، وبين الجزيرة وإفريقية مائة وأربعون ميلا إلى أقرب المواضع بإفريقية، وهو الموضع المسمى إقليبيّة، وهو يومان بالريح الطيبة أو أقلّ. وهى جزيرة حصينة كثيرة البلدان والقرى والأمصار». قيل: إن لها ثلاثة وعشرين مدينة وثلاثة عشر حصنا.

[مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع]