التفاؤل ووقفة مع أحداث غزة

عناصر الخطبة

  1. خطورة الإحباط وبغضه
  2. مناشدة للمجتمع الدولي
  3. أهمية التفاؤل
  4. من ثمار التفاؤل
  5. استحباب صوم العاشر من محرم
اقتباس

تتعاقب الأيام والليالي، وتنمحي وتكر الأحقاب وتنتهي، وتتصرم الأعوام وتنقضي، وقد تجرع فيها أقوام أتراحاً ونهل آخرون أفراحاً، وتلك مشيئة الباري في ملكوته وخلقه، أمضاها لحكمة بالغة قضاها.. وفي مطلع عامنا الوليد الأغر جعله الله بارقة نصر وعز وتمكين، لا تزال أمتنا الإسلامية رهينة المآسي والنكبات والشتات والجراحات، بما يدق الأطواد ويرق لفائف الأكباد ..

الحمد لله، الحمد لله المتصف بأعظم النعوت علواً وإجلالاً، وقدرةًُ وكمالاًُ، وحكمة وجمالاً، أحمده سبحانه له الحمد المديد والشكر المزيد، على نعم لم تزل تتوالى، عز رباً وجل إلهاً، بلغ المتفائلين أمان وآمالا، وحط عنهم آصاراً وأغلالاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي لدياجير الليل نوراً يتلالأ، ولكتائب الإحباط مرهفات ثقالاً، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمد عبد الله ورسوله أسوة البرية رجاءً وفالا، اللهم فيا رب صل وسلم عليه بٌكراً وآصالا، صلاة لا حد لمنتهاها ولا آجالاً، وعلى آله وصحبه المستبقين مكارم وأفضالاً، الحائزين من الأمجاد ما عز مقاماً ومنالاً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان يرجو من فضل المولى جناناً وظلالاً. 

أما بعد.. عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوه رحمكم الله واستدركوا وأنتم في مستهل عامكم ما فات من التفريط والزلل، وارفوا بالطاعات والقربات كل خلل، قبل فوات الأمل وانقضاء الأجل، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المؤمنون: تتعاقب الأيام والليالي، وتنمحي وتكر الأحقاب وتنتهي، وتتصرم الأعوام وتنقضي، وقد تجرع فيها أقوام أتراحاً ونهل آخرون أفراحاً، وتلك مشيئة الباري في ملكوته وخلقه، أمضاها لحكمة بالغة قضاها.. وفي مطلع عامنا الوليد الأغر جعله الله بارقة نصر وعز وتمكين، لا تزال أمتنا الإسلامية رهينة المآسي والنكبات والشتات والجراحات، بما يدق الأطواد ويرق لفائف الأكباد، ويحمل هذا الواقع المر فئام من المسلمين على الإدلاج في سراديب الإحباط، ولف أشرعتهم لرياح اليأس والقنوط، تتقاذفهم صوب العناء وشطر الفناء، فلا تر منهم إلا التشاؤم ولا تسمع إلا التلاوم، ولا تلاقي إلا الشاكي ولا تواجه إلا الباكي، فتعود لنفسك متمثلاً

كل من لاقيت يشكو دهره *** ليت شعري هذه الدنيا لمن

معاشر المسلمين: وعلى إثر تلك الفهوم الملبدة بالغيوم، والتي سيطرت على كثير من المسلمين، وأطروحات المحللين والمفكرين والإعلاميين، تعظم الحاجة لتصحيح قناعات في الأمة، وتقويم ثقافة ملمة وتجلية قضية أكيدة مهمة، ألا وهي قضية الأمل والتفاؤل، وإقصاء القنوط ونبذ الإحباط والتشاؤم.

إخوة الإيمان: ومن استنبأ حقائق النفس واستنطق خلجات الإنسان، أدرك دونما عناء أن القنوط حلكة من حلك الظلام، تعفي دون المسلم نور الكوى، وتحطم إزاء أفقه الصوى، وتهدم منهم القدرة والقوى، وتجعله مفترساً للضياع والردى.

إلى متى تظل في قلق تلاحي *** أما لليأس عندك من رواح فلا ينجيك من شرك الليالي *** إذا نصبت كآمال فساح

إن مرد ذلك مأتاه ضحالة العلم وضمور الروح، وتسطح النظرة وعوج الفطرة، والغفلة عن السنن، ويجمع ذلك كله ضعف البناء الإيماني في النفوس، نعم يا رعاكم الله.. إن اليأس من الإصلاح والانتقال وبلوغ السؤدد رأي خاطل، ومسلك دون هني الحياة باطل، كجيد عن لآلئ التفاؤل غفل وعاطل، لذلك زجر القرآن الكريم عن هذه الصفة القاتمة المخلة، وهذه القيمة البئيسة المزلزلة، وحشر الموسومين بها في زمرة أهل الضلال قال سبحانه: ﴿ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ﴾ [الحجر: 56] وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

وأيم الله عباد الله.. إن الشعور بالإحباط المطبق تمرد مبطن عن مقامات الخضوع والتسليم لحكمة اللطيف الخبير، وسوء ظن بالمولى البر الرحيم، وما يدريك أيها البائس القانط، لعل الرحمة في مطاوي المكروه، والخير كل الخير في فوات المحبوب.

إذا الأمس لم يعد فإن لنا غدا *** نضيء به الدنيا ونملأها حمداً وتلبسنا في الليل أفاق سننا*** وتنشرنا في الفجر أنسامه ندا

أمة الإسلام: إن المحبطين عقيدةً وروحاً ووجدناً وسلوكاً وثقافة وفكراً، لا يرون الحياة المشرقة العالمة الوثابة الحالمة إلا دكناء سوداء مضرجة بدموع القنوط، مصقولة بالضيق والأسى في حنادس الفشل والشجى، قد اعتلاهم جيوش اليأس -عياذاً بالله-، وقوضتهم قوافل الإحباط وأرهقتهم كتائب الخور ونهشتم مشاعر الانهزامية الرزية، أجادوا القنوط والتقريع، وأطفئوا أنوار التفاؤل والتشجيع، واكتفوا بالعيش على هامش الأمة استثقالاً لأعباء التحدي والتميز والإبداع، واستئناف التنافس الشريف والتفاني الأخاذ، والمسؤولية المتألقة التي تنشر الخير والرحمة والهدى بين العباد.

إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصدر الرحيب وأبطأت المكاره واطمأنت *** وأرست في أماكنها الخطوب أتاك على قنوط منك غوث *** يمن به اللطيف المستجيب

ألا أيها اليائسون المحبطون.. إلواذاً بأمتكم إلواذاً، ويا أيها المتشائمون القانطون: حنانيكم بأنفسك حنانيكم، فما القلوب التي غمرتها آيات القرآن، ونفحتها نسائم الإيمان، وذلت لعظمة الديان، وعرفت سنة وحكمة المنان، واهتدت بسيرة سيد ولد عدنان -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام-، ما كانت تلك القلوب لتثبطها عن المعالي والعزة غوائل اليأس وتباريح الكروب، أو تأخذها بالتبرم والتذمر والاستيآس والتنمر، ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31].

أمة النصر الموعد والبطولة والصمود: ولئن برح بالغير استمرار الصلف الصهيوني الحاقد بوحشيته وإجرامه على إخواننا الصامدين في غزة الشامخة الأبية، مسترسلاً في رعوناته العدوانية، وغارته البربرية، وإبادته الجماعية، منسلخاً من أدنى المشاعر الإنسانية، في مجزرة دموية بشعة، لم ترحم شيخاً ولا طفلاً ولا امرأةً، ومحرقة خطيرة مروعة لم تراع حرمة المساجد والمدارس والجامعات والمشافي والمرافق العامة وسائر مقومات الحياة، في تحد ذميم لكل العهود والمواثيق الدولية، ودونما أدنى وازع من دين أو قيم، أو رادع من خلق أو ضمير، فإنه يحق لنا أن نصطرخ جميعاً.

يا غزة الأمل الذي سيظل في*** أعماقنا لهباً لجذوة نار يا غزة الأمل الكبير تكشفت *** سحب فبانت سحنة الممتار

إننا بإذاعة فظاعة هذا الطغيان والعدوان الذي يعد من أخطر الجرائم المأساوية والكوارث الإنسانية المعاصرة، في ظل صمت دولي وتخاذل عالمي، لننادي من منبر المسجد الحرام باسم كافة الشعوب الإسلامية وعقلاء وشرفاء الإنسانية، بالوقف الفوري لهذا الإرهاب الصهيوني الماكر، وإدانة العدو الألد الغاشم، عبر منابر المجتمع الدولي وهيئاته ومنظماته ومجالسه العالمية، والوقف العاجل لنزف الدم المسلم المهراق على أرض الإسراء والمعراج، وإنه على الرغم من فداحة الخطب وخطورة الحدث الذي يعد جريمة حرب كبرى بكل المقاييس من جرائم تأريخ القوم المعاصر، لا نقول في مزيد التفاؤل بقرب النصر المؤزر إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا ونعم الوكيل، وهو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.

كما يهاب بالدول الإسلامية جميعاً -قادة وشعوباً- أن تستنفر لنصر إخوانهم في الأرض المباركة بجميع صنوف العون والدعم والمواساة، واتخاذ موقف موحد حازم تجاه نصرة إخواننا المستضعفين، ودعم قضية الأقصى وفلسطين، والضراعة إلى الله والإلحاح بالدعاء بكشف الغمة عن هذه الأمة.

الله في كل خطب حسبنا وكفى*** إليه نرفع شكوانا ونبتهل يا مالك الملك فادفع ما ألم بنا *** فما لنا بتولي دفعه قبل

فيا أخوة الإيمان.. يا أمة التفاؤل.. يا أهلنا وإخواننا الصامدين في غزة: أبشروا بالنصر والغلبة والعزة، الله الله في الصبر والثبات والمصالحة والوحدة ونصرة دين الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [ محمد:7]، ولزوم الاجتماع والاتفاق، والحذر من التنازع والافتراق، إنه مع هذا الإعصار الجعظري النزق، فإننا نؤمل – وربنا عظيم- الفرج بعد الشدة والحرج، واليسرى بعد الضيق والعسر، وانبلاج الفجر المشرق بعد محلولك الظلام، ومن آلامنا نحقق آمالنا، وإثر الهزيمة يبلج النصر والعزيمة، فصبراً صبراً يا أهل غزة فغداً بإذن الله النصر والشموخ والعزة.

يا غزة الجر المعطر بالتقى *** لا تيأسي من صحوة المليار لا تيأسي من أمة في روحها *** ما زال يجري منهج المختار

أحبتي الأكارم: وليس أنجع في الانتصار ساعة اليأس والشدائد من الادراع بالتفاؤل، واستصحاب الأمل والاستبشار، وذلك هو هدي النبي المختار عليه صلوات الله وسلامه، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويعجبني الفأل ". قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: " الكلمة الطيبة ". أخرجه الشيخان، وقد ترجم ذلك -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي واقعاً محسوساً حيث تدرع بالتفاؤل في أخطر المواقف والظروف وأحلك الأزمات، في بدر وأحد والأحزاب وغيرها، وقال صلى الله عليه وسلم متفائلاً مبشراً -رغم الخطب الفادح والكرب القادح-: " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر" أخرجه الإمام أحمد والحاكم بسند صحيح.

فالتفاؤل أيها المسلمون أيها المكلومون نبراساً في مجاهل الحياة، وفجراً ساطعاً في دياجير الكربات، وهل يغفل عن منهج الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام -وهم صفوة الأنام وما لقوا من الأوصاب أشق من الصاد-فبلغو الرسالات ونشروا الهدايات، حتى حققوا النصر والتمكين إلا بالتفاؤل والأمل والصبر واليقين، وهل بلغ عباقرة التاريخ ونوابغ الزمان وفلتات بني الإنسان، ذرى الحضارات والأمجاد إلا بحداءات التفاؤل والتثبيت، والنجا والأمل الوليد.

لا خير في اليأس كل الخير في الأمل *** أصل الشجاعة والإقدام في الرجل أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

أمة البشائر والتفاؤل: إن الأمل الباسم والرجاء الناسم، هو للأحداق روح نورها، ومن أزهاير التوكل عبيرها، ومن سوابق الرضا عن الله نذيرها، بالتفاؤل النضير تتدفق روح المسلمين بالعزيمة والثبات، وتتأنق بالنبوغ وحب الكمالات، بالثقة في موعود الله مزدهية وإلى معالي الأمور تواقة منتهية، فالرنو في ثقة للأمل باعث للعزائم ومفتق لمسار الأفئدة عن الكمائن، فلله ثم لله ما أحلى من حياة عانقة شرعة الرسالة وبرودة العزة والبسالة، وبهذا الشعور التفاؤلي المشبوب في حنايا النفوس، الوافر على صفحات المحيا، يمخر المسلم عباب اليأس، ويمزق سجف القنوط والإحباط بإذن الله تبارك وتعالى.

فيا من أثقلته غصة الفشل فاستعر.. تفاءل تجد خيراً، ويا من مسه الضجر في الأسحار والبكر آمل هناءً تلف هناءً، ويا من أصابته الكروب وأعيته الشدائد والخطوب، أبشر فإن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرى، ولكن الأمر يتطلب العمل على إضاءة الشموع لا الاكتفاء بشتم الظلام وكفكفة الدموع.

قادم تغلي ومن أعطافه يعبق الزهر وينهل الغمام إنه ينزف من أعماقنا والجراحات على الأفق وسام

يا أخوة العقيدة: ليكون منكم بحسبان أن الأمل والتفاؤل مفردات شرعية أخاذة لمدلولها أثر واعتبار، ولفحواها كنه واختبار، وإلا كانت ضرباً من الأوهام وأضغاث الأحلام، وذلك لئلا يشوبها رمق الخمول والتعطل ولا كدر التواكل والتبطل، وإنما تواشج فيها أعمال القلوب بأعمال الجوارح، وإنه للمنهج المؤصل الذي يحي به الأمل والإرادة الخالية، ويلهب العزيمة الغافية، وما التفاؤل الحق إلا ذلك، يتوارد عليه الغيورون في الأمة وقادة الفكر والرأي وأصحاب القرار وحملة الأقلام ورجال الإعلام، والله وحده المستعان.

متفائل متفائل يا قوم رغم قلوبكم *** إن السما تهمي فيحيا الوادي هذا يقيني وهو لي بل الصدى *** والكأس غامرة لغلة صادي

وأبلغ من ذلك وأعز قول المولى جل وعز: ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [عمران: 139]، ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].

والمسلم المتفائل لا يرى من قزع رهن أسى *** يقينه كالطود في القلب رسا يبصر في غور الخطوب قبسا *** من نصرة الله إذا ما استيأسا

ألا فلنتوارد جميعاً رغم شدة الخطوب وفداحة الكروب على إحياء منهج التفاؤل في الأمة، وإقصاء بوادر الإحباط والتضاؤل، تتحقق لأمتنا بإذن الله نصرها وخيرها في أولاها وأخرها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة:214]، ألا إن نصر الله قريب، ألا إن نصر الله قريب.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان حليماً غفوراً.

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي كل آمل يرجو فرجاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عاطرة أرجاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير من دعا إلى التفاؤل حججاً ومنهجاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان أفولاً وإبلاجاً.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا وإن كثرت الأزمات الإحباط والقنوط والاستيئاس، فمقتضاها الفشل والارتكاس.

أمة الإسلام: وحسبنا بمطلع العام الهجري المبارك حافزاً للمبشرات والطموحات البلجاء، وهادياً إلى مضارب البذل والرجاء، وذلك بما تكتنفه الهجرة النبوية الميمونة من العظات والعبر والبشريات المؤتساة لإعداد الأجيال، التي تصنع بإذن الله هم التفاؤل والآمال العاجلة للإرادات الشامخة الجازمة، ولن يكون كفاء ذلك إلا موعود الحق سبحانه وتعالى ﴿…إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70].

أحبتي في الله: ومن التفاؤل في مفتتح شهور العام -شهر الله المحرم- تحقق انتصار الحق على الباطل، والعدل على الظلم، مهما عتا وطغى وتجبر وبغى، حيث نصر الله نبيه موسى عليه السلام وقومه على فرعون وقومه، في العاشر من هذا الشهر الحرام، وصامه -عليه السلام- شكراً لله عز وجل، وصامه نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه مبيناً عظيم شأنه وفضله، فقال عليه الصلاة والسلام: " أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " أخرجه مسلم -من حديث أبي قتادة رضي الله عنه- فيندب للمسلمين أن يصوموا هذا اليوم المبارك ويوماً قبله أو يوماً بعده اقتداءً بسنة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، متخذين من التفاؤل الحق في استهلال العام لصالح الأعمال، نبراساً جلياً ومنهجاً عملياً، متفائلين – مهما طال الزمن- بنصر الإسلام وعز ة المسلمين ﴿ …وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (8)﴾ [المنافقون: 8].

أيها الجمع المبارك: ومن التفاؤل بالتفاؤل ما دبجه يراع الحق والشكر والثناء والذكر على جبين التاريخ، من أبهر مواقف النبل والكرم ومآثر المواساة والتآخي، وحملات الدعم والمساندة الرسمية والشعبية، التي سطرتها بلاد الحرمين الشريفين رعاة ورعية، للتخفيف من جراحات إخواننا المرزوئين والمصابين في غزة وفلسطين، بل هو ولله الحمد نبض جميع أبناء أمتنا في مشارق الأرض ومغاربها، فكتب المولى جل وعلا مآثره في سجل الحسنات ورفعه في سني الدرجات، وأدام استقرار النعم عليهم واستمرار المنن لديهم، إنه جواد كريم.

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على سيد المتفائلين ورحمة الله للعالمين، النبي المصطفى والرسول المجتبى والحبيب المرتضى، كما أمركم بذلك المولى جل وعلا فقال تعالى قولاً كريماً: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم على سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء وأشرف المرسلين، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتكم يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، ودمر أعداء الدين، ودمر أعداء الدين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا ولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى وهيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه ونائبه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، وإلى ما فيه الخير للبلاد والعباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.

اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم – اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المؤمنين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، اللهم نفس كرب المكروبين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واقض الدين عن المدينين وارحم برحمتك موتانا وموتى المسلمين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك الذي يجاهدون لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم أنت المستعان ومنك الفرج وإليك المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بك، لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم، إلهنا، إلهنا عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماك ولا حول ولا قوة إلا بك، أنت حسبنا ونعم الوكيل، إلهنا عظم الكرب واشتد الخوف وتفاقم الأمر على إخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم كن لإخواننا في غزة اللهم كن لإخواننا في غزة، اللهم امنحهم الثبات والنصر والعزة، اللهم ارحم ضعفهم واجبر كسرهم وتول أمرهم، اللهم ارحم موتاهم واشف مرضاهم وعاف جراحاهم وفك أسراهم، وآمن خائفهم واكس عاريهم وأطعم جائعهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فأطعهم ومظلومون فانصروهم ومظلومون فانصرهم، يا ناصر المستضعفين يا ولي المؤمنين، اللهم ارفع حصارهم ووحد صفوفهم واجمع قلوبهم ووحد كلمتهم وسدد رميهم، وحنن عليهم قلوب من يرسم الحق في كل مكان، وهيئ لهم فرجاً منك ونصراً من عندك عاجلاًَ غير آجل.

اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس، يا ناصر المستضعفين، اللهم عليك بالصهاينة، اللهم عليك بالصهاينة واليهود المعتدين الغاصبين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، ندرأ بك اللهم في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وأسرفوا وقتلوا اللهم سلم، سلم يا رب العالمين، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم واجعلهم عبرة للمعتبرين وغنيمة للمسلمين، اللهم صد غارتهم ورد هجماتهم وأبطل كيدهم وأفشل خططهم، اللهم اجعل كيدهم في ضلال وأمرهم في وبال وسعيهم في سفال، اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية واجعلهم لغيرهم عبرة وآية، يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اكشف الغمة عن هذه الأمة، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من رجس اليهود الغاصبين، واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين، يا فرجنا إذا أغلقت الأبواب ويا رجاءنا إذا انقطعت الأسباب، انقطع الرجاء إلا منك وخابت الظنون إلا فيك وضعف الاعتماد إلا عليك، أنت ملاذنا إذا انقطع العمل وملجأنا إذا ضاقت الحيل ومفزعنا إذا انقطعت السبل، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله نسترحمك يا الله في صلاح أحوال المسلمين، ونبتهل إليك في رفع الظلم عن المتضررين، والبأساء عن البائسين وكشف البلاء عن المستضعفين، يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اغث قلوبنا بالإيمان واليقين وبلادنا بالخيرات والأمطار والغيث العميم، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، اللهم لا تردنا خائبين اللهم لا تردنا خائبين، اللهم لا تردنا خائبين، برحمتك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.