الوقف وفضله

عناصر الخطبة

  1. التزود بالأعمال الصالحة
  2. المقصود بالوقف
  3. حكم الوقف وبعض أحكامه
  4. بعض الأدلة على مشروعية الوقف
  5. الفرق بين الوقف والصدقة العامة
  6. اختصاص المسلمين بالوقف
  7. أنواع الوقف وصوره
  8. من أخطاء الواقفين
اقتباس

معاشر المسلمين: سنتطرق لعمل شريف هو من أجل العبادات، ولقد حث الشرع عليه مبينا فضله، وقليل فاعله هذه الأيام، إنه: “عبادة الوقف”. وهو التصدق بعين تبقى، ولها منفعة، فيحبس الأصل، ويتصدق بالمنفعة. وهي الصدقة الجارية، فأصلها ثابت، وأجرها يجري عليك في حياتك وبعد موتك، حتى يفنى ذلك الوقف. والوقف منجز في الحياة، وأصله لا يباع ولا…

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فيا أيها المؤمنون: فالمسلم في هذه الحياة يسعى جاهدا في مرمة جهازه للدار الآخرة، فهو على يقين أنه مسافر، وأن بلد مقامه أمامه، ويجب عليه التزود بما يوصله لداره الحقيقية، على أحسن حال.

وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها *** ولم يك فيها منزل لك يعلم

فحى على جنات عدن فإنها *** منازلنا الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبى العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم

عباد الله: إن العاقل المسدد من اشتغل بما ينفعه في الآخرة، وإن الناظر في أحوالنا بلا استثناء -إلا من رحم الله- يرى العكس الواضح، فالجميع مشتغل بما لا ينفع في الآخرة، بل ربما يضر.

فالدنيا ببهارجها وزخارفها قد زاحمت الآخرة، والآخرة لا ترضى بالضرة، فمن أشرك معها الدنيا رفضته.

معاشر المسلمين: كانوا في السابق من الزمن يجاورن عند بيت الله الحرام، أو مسجد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولو تأملت الذي حداهم لذلك الأمر لعلمت أنه الآخرة، فالمؤمن يغبط إخوانه الذين يسكنون في الحرمين لما يجنون من مضاعفة الأجور فصلاة واحدة في الحرم المكي تعدل أكثر من صلاة خمس وخمسين سنة في خارج الحرمين.

فيا لله كم سبقونا بالأجور لذا هاجر الكثير ليجاور الحرمين رغبة في الآخرة، ولا زال لأولئك السلفِ خلفٌ، ولكنهم قلة للأسف.

وعلى هذا فلنقس؛ فإن الدنيا ملئت بالمنافسة في جمع الحسنات، والموفق من أعانه الله على ذلك.

معاشر المسلمين: سنتطرق لعمل شريف هو من أجل العبادات، ولقد حث الشرع عليه مبينا فضله، وقليل فاعله هذه الأيام، إنه: "عبادة الوقف".

وهو التصدق بعين تبقى، ولها منفعة، فيحبس الأصل، ويتصدق بالمنفعة.

وهي الصدقة الجارية، فأصلها ثابت، وأجرها يجري عليك في حياتك وبعد موتك، حتى يفنى ذلك الوقف.

والوقف منجز في الحياة، وأصله لا يباع ولا يورث ولا يوهب، ومصرفه على شرط الواقف، فله الوقف على نفسه وولده، وله الوقف على المحتاجين من أقاربه، وله الوقف على الأبعدين منه غير أنه لا يوقفه على محرم.

فلا خلاف بين الأئمة الأربعة في مشروعية الوقف، وأنه مسنون، ومن القرب المندوب إليها، بل إن أكثر أهل العلم من السلف، ومن بعدهم على القول بسنية الوقف، وأنه من أحسن ما تقرب به إلى الله -تعالى-؛ لأنه صدقة دائمة ثابتة.

قال جابر: "لم يكن أحد من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ذا مقدرة إلا وقف وقفا".

وقال الشافعي -رحمه الله-: "بلغني أن ثمانين صحابياً من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات، يعني أوقافاً".

والأدلة على مشروعية الوقف كثيرة جدا، والأصل في الوقف حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وأصله في الصحيحين: أنه أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي –صلى الله عليه وسلم- يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله: إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول.

وفي لفظ: أن عمر قال: يا رسول الله: إني استفدت مالا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره فتصدق به عمر فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به".

وما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

عباد الله: بهذا يظهر لنا جليا الفرق بين الوقف والصدقة العامة، وذلك أن الوقف لا ينقطع أجره إلا بفناء الوقف.

والصدقة أجرها عظيم، ولكنه لا يجري، بل مرة واحدة.

اللهم اجعلنا ممن يسابق في الخيرات، يا رب العالمين.

أقول قولي…

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي من على المسلمين بفتح أعمال الخير أمامهم، وجعل لهم من القرب ما يستمر ثوابها، ولا ينقطع بالموت رفعة في درجاتهم، فله الفضل والمنة، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الذي ما من خير إلا دل أمته عليه، وما من شر إلا حذرهم منه، نبينا وإمامنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فإن الوقف من الأمور التي قررتها الشريعة، واختص به المسلمون؛ كما قال الإمام الشافعي –رحمه الله-: "لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها، وإنما حبس أهل الإسلام".

ولا شك أن الوقف من القرب التي يتقرب بها إلى الله، حتى يبقى ثوابها ولا ينقطع، حتى بعد الممات ولما فيه من المنفعة للواقف في الدنيا والآخرة في حياته وبعد مماته.

ومن المنفعة للموقوف عليهم، وتفريج كرباتهم، ودفع حاجاتهم، لذا جاء الحث على الوقف، وأنه أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه -جل وعلا-.

معاشر المؤمنين: لعل البعض يتساءل ماهي أنواع الوقف وهل يحتاج الوقف مبلغا كبيرا؟

فأقول: إن الوقف أنواع، وكلما كثر نفعه وتعدى للغير كلما عظم أجره، وسأذكر أنواعا منه على سبيل الاختصار لا الاستقصاء؛ فمن ذلك:

بناء المساجد، فهي من أعظم القرب عند الله، فـ"من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة".

وكل عبادة أقيمة في المسجد من صلوات، ودروس وصدقات، وغيرها فله مثل أجرها، ولا يشترط أن تبني مسجدا كاملا، فلو شاركت في بناء مسجد شملك الأجر -بإذن الله-، فالله كريم -جل في علاه-.

ومن أنواع الوقف: حفر الآبار، وإجراء الترع والأنهار.

ومنها: بناء الدور والأربطة لطلبة العلم، والفقراء والمساكين والأيتام.

ومنها: بناية المدارس لنشر العلم.

ومنها: بناء المستشفيات.

ومنها: التبرع بالأدوات الطبية؛ كآلات غسيل الكلى، ونحوها.

ومنها: وقف المزارع والنخيل والثمار على ذوي القربى والمساكين وابن السبيل.

ومنها: وقف الكتب على طلاب العلم.

معاشر المؤمنين: يخطئ البعض فتجده يوقف عمارة، أو نحوها، ثم يجعل في أضحيتين فقط، ولماذا التحجير، والله قد أعطاك وجوها من البر كثيرة؟!.

والبعض ممن أضاع عليه فرص الأجر يترك الوقف في الحياة شحا بماله، ويسوف في الوصية ثم يفجأه الموت، ولم يوص بشيء، فترى الورثة من بعده يقتسمون ما جمع فأوعى، ولا يخرجون عنه شيئا.

فالبدار البدار قبل قاصف الأعمار، أخرج صدقاتك في حياتك، وتنعم بالنظر إليها، وليسر عليها أبناؤك من بعدك، فالعبد عندما يموت يتبعه إلى المقبرة ثلاثة: ولده، وماله، وعمله، فيرجع اثنان ويبقى العمل، فأحسن عملك فهو أنيسك في قبرك.

الموت يأتي فجاءة*** والقبر صندوق العمل

اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات، وتدارك ما فات منها.

اللهم وفقنا لهداك…

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك…

اللهم قنا شر الفتن…

اللهم أنج المستضعفين…

اللهم فرج هم….

اللهم ولِّ على المسلمين…