نواقض الإسلام (2)

عناصر الخطبة

  1. خطر كراهية أو بغض ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعض الأمثلة على ذلك
  2. لا يلزم أن كل من وقع في منكر أو فعل معصية أنه مبغض لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-
  3. خطر السحر وأنواعه والطريقة الشرعية لحله
  4. حكم من اعتقد أن غير هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه وبعض مظاهر وصور ذلك
  5. خطر الاستهزاء بشيء من الدين وخطر حضور مجالس المستهزئين
اقتباس

السحر -أيها المسلمون- منتشر في أرجاء العالم الإسلامي، بل هناك بلدان إسلامية مشهورة ومعروفة بكثرة السحرة بها، كالمغرب وعمان، وتُقصد من أجل هذا، فالبعض تستعين بالسحرة، في معرفة مرتكبي جريمة ما، أو معرفة سرّاق جهة ما، عن طريق استخدام الشياطين، والعوام يذهبون للسحرة والمشعوذين، طلباً للعلاج، والبعض قد…

الخطبة الأولى:

الحمد لله …

أما بعد:

تكلمنا في الجمعة الماضية عن ضرورة التزام الإسلام، وضرورة محافظة المسلم وحفظه وحياطته وصيانته لدينه، من أن يتطرق إليه ما ينافى أو يناقض أصله؛ امتثالاً لأمر الله -جل وتعالى-: ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102].

وقوله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الحجر:99].

وقوله: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[البقرة:132].

ثم نقلنا بعد ذلك، ما كتبه الإمام/ محمد بن عبد الوهاب، وعده من نواقض الإسلام، تحذيراً لنا من أن نتلبس بشيء منها -عياذاً بالله من ذلك-، فيخرج الواحد من الملة بالكلية.

وقد تم التعليق على بعض منها في الجمعة الماضية، وهذا أوان التتمة.

فمما نبه عليه الإمام -رحمه الله- قوله: "من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به؛ فقد كفر.

وهذا أمر خطير -أيها الأحبة-؛ لأن بغض شيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- سواء كان من الأقوال أو الأفعال، نوع من أنواع النفاق الاعتقادي الذي صاحبه في الدرك الأسفل من النار.

فاحذر -يا عبد الله- أن تبغض شيئاً مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمراً كان أو نهياً.

وإليك بعض الأمثلة: هناك ممن تأثر بالغرب فكراً وسلوكاً وخلقاً، أو ممن تغذى بألبان الكفار مشرباً، أو عاش هناك فترة من الزمن، تجد أنه يبغض بعض الأشياء التي جاءت بها الشريعة، وإن عمل بها ككراهية بعضهم لمسألة تعدد الزوجات، فتجد أنهم يتفوهون بذلك في مجالسهم، وربما كتب بعض الكتاب الملحدين شيئاً حول هذا في بعض الصحف والمجلات، ناهيك عن محاولة زرع بغض هذه القضية في قلوب العامة من خلال المسلسلات والأفلام -والله المستعان-.

فيا أخي: أنت غير ملزم بأن تعدد، ولا المطلوب منك أيضاً أن تدعو لهذه المسألة، لكن احذر أن تبغض بقلبك ذلك فإنه كفر مخرج من الملة.

مثال آخر: هناك من يبغض ويكره كون المرأة ليست بمنزلة الرجل، فيقول: لماذا دية المرأة نصف دية الرجل؟ أو لماذا شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد؟

أو أولئك الذين يبغضون تحريم الربا؛ لأن لهم مصالح مادية من ذلك، فكل هؤلاء الذين أبغضوا ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفار، وإن عملوا بمدلول النص.

فهم لم يستكملوا شروط "لا إله إلا الله" التي من شروطها: المحبة، لما دلت عليه، والسرور بذلك، بل وانشراح الصدر بذلك.

أما هؤلاء، فقد ضاقت صدورهم، وأبغضوا ما دلت عليه، وهذا هو عين فعل المنافقين الذين يفعلون كثيراً من محاسن الشريعة الظاهرة لشيءٍ ما، مع بغضهم لها، قال الله -تعالى- حاكماً بكفر من كره ما أُنزل على رسوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم(9)﴾[محمد:8- 9].

أيها المسلمون: إن هذا من أعظم ما يُخيف المسلم: أن يكون كارهاً لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فيحبط عمله، وقد يكمن هذا في النفس، ولا يشعر به إلا بعد برهة من عمره.

فأكثروا -رحمني الله وإياكم- من قول: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك".

وقبل الفراغ من هذه الفقرة، ينبغي أن نعلم أيضاً بأنه لا يلزم أن كل من وقع في منكر أو فعل معصية أنه مبغض لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

فإن هذا إلزام باطل، فقد تقع المعصية من العبد وقد يشرب الخمر مثلاً أو يزنى، لكنه محب لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل ومتضايق من نفسه؛ لأنه وقع في معصية أو فسوق.

وهؤلاء ما دام أنهم موجودون، فحكمهم حكم أهل الكبائر أنهم تحت المشيئة إن شاء -جل وتعالى- عفا عنهم، وإن شاء عذبهم على قدر جرمهم، ثم مآلهم إلى الجنة.

وأيضاً مما عدّه الإمام من نواقض الإسلام: السحر، حيث قال رحمه الله: "السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضى به كفر، والدليل قول الله -تعالى-: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُر﴾[البقرة:102].

السحر -كما نعلم جميعاً -أيها الأحبة- أنه استخدام للشياطين، للتوصل إلى أشياء يريدها الساحر، ومن هذا الباب صار كفراً؛ لأن الشياطين لا يخدمون الإنس، إلا بتقديم الإنس تنازلات عن دينه، وغالبها تنازلات شركية.

والسحر -أيها المسلمون- منتشر في أرجاء العالم الإسلامي، بل هناك بلدان إسلامية مشهورة ومعروفة بكثرة السحرة بها، كالمغرب وعمان، وتُقصد من أجل هذا، فالبعض تستعين بالسحرة، في معرفة مرتكبي جريمة ما، أو معرفة سرّاق جهة ما، عن طريق استخدام الشياطين، والعوام يذهبون للسحرة والمشعوذين، طلباً للعلاج، والبعض قد يُسحر، ويبقى فترة من الزمن مسحوراً متعباً، فيذهب إلى ساحر آخر، ليفك له هذا السحر بسحر آخر.

وكل هذا -أيها الأحبة- من الكبائر، ومن الأمور المحرمة، التي لا يجوز تعاطيها.

وإنما يُحل السحر بالرقى الشرعية، والدعوات المباحة، وأما نفس عمل الساحر، فهو كفر وحكمه في الإسلام ضربه بالسيف، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾[طه:69].

ومما عدّه الإمام من نواقض الدين قوله: "من اعتقد أن غير هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه.

وكفر من اعتقد هذا واضح، لا إشكال فيه؛ لأنه مصادم للمنقول والمعقول.

إن هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الهدي: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾[النجم: 4].

ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب لما رأى معه كتاباً أصابه من بعض أهل الكتاب: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية!".

فمن اعتقد بأن حكم غيره أحسن من حكم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ،كالذين يفضلون الحكام الوضعية، فهم كفار بإجماع أهل العلم.

وكيف لا يكفر من يفصل أحكام أناس مثلهم، بل قد يكونون دونهم على حكم رسول رب العالمين الذي بعثه الله هدى للعالمين، وليخرج الناس من الظلمات إلى النور.

فما من مسألة تقع بين الناس إلا ومردها إلى حكم الله ورسوله.

فمن تحاكم إلى غير حكم الله ورسوله وهو راض، سواءً كانت محكمة تجارية، أو زراعية، أو غيرها من المحاكم إذا كانت لا تحكم بما قال الله وقال رسول الله، فهو كافر؛ كما نص الله على ذلك بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا(61)﴾[النساء: 60- 61].

إلى أن قال جل وعلا: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾[النساء:65].

كيف يرضى المسلمون أن يُجرْوا على أنفسهم أحكام مخلوقين وأغلبها مستوردة من دول الغرب الكفرة، إما نظام فرنسي، أو نظام غيره التي هي نحاتة أفكار، وزبالة أذهان، بدلاً من حكم الله الذي أنزله على رسوله؟

إن غالب أحكام البشر مبنية على الظلم والجور والمصالح، وأكل أموال الناس بالباطل، فما من بلد أو مجتمع حكموّا في حياتهم أحكام بشر وفضلوها على أحكام الله ورسوله، إلا صار الظلم ديدنهم والباطل والفجور جار بينهم، فنشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، حتى تغيرّت فطرهم، فتصبح بعد ذلك حياتهم حياة بهيمية.

وهكذا يعيش كل من رضي بحكم البشر، وخرج عن حكم الله ورسوله، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾[المائدة:44].

إن الحكم بما أنزل الله، واعتقاد أن حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحسن من حكم غيره، من مقتضيات شهادة: "أن لا إله إلا الله" واعتقاد غير هذا مناقض لـ "لا إله إلا الله"، فإن الانقياد شرط من شروط هذه الكلمة، التي من أجلها حقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وبها قامت السماوات والأرض، ومن أجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ومن أجلها شرع الجهاد، ومن أجلها افترق الناس إلى شقي وسعيد، ومن أجلها قام سوق الجنة والنار، وانقسم الناس إلى مؤمنين وكفار.

إن زماننا هذا -أيها الأحبة- زمان يشبه أزمان الفترات؛ لأن الناس -إلا من رحم الله- اعتاضوا عن كلام الله ورسوله، وحكم الله ورسوله، بآراء النصارى، ومشورات الغرب الكافر، الذين لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ورضي المسلمون -ومع كل أسف- بتحكيم آراء الرجال.

ولله در ابن القيم حيث قال:

والله ما خوفي الذنوبُ فإنها *** لعلى سبيل العفو والغفران

لكنا أخشى انسلاخ القلب عن *** تحكيم هذا الوحي والقرآن

ورضىً بآراء الرجال وخرصها *** لا كان ذاك بمنة المنان

فإلى الله المشتكى، وبه المستغاث، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها المسلمون: ويدخل فيما تقدم من الكفر قول من يقول: إن إنفاذ حكم الله في رجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق، لا يناسب هذا العصر، وأنه تشويه وتعذيب للناس!.

واعلموا كذلك -رحمني الله وإياكم- بأن العلماء قد أجمعوا على أن من جحد أمراً من أمور الشرع معلوم من الدين بالضرورة؛ كمن جحد وجوب الصلاة أو الزكاة، فإنه كافر، مخلد في نار جهنم أبد الآبدين، إذا مات على ذلك.

كما أجمعوا على أن من استحل محرماً معلوماً تحريمه من دين الإسلام بالضرورة، كمن يستحل الربا، أو يستحل لبس الذهب للرجال، أو نحو ذلك مما علم تحريمه، فإنه كافر بالله العظيم.

فاتقوا الله -أيها المسلمون- اتقوا الله -تعالى- واحفظوا دينكم: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا …

اللهم يا مقلب القلوب …

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الخطبة الثانية:

الحمد لله …

أما بعد:

ومما ذكره الإمام -رحمه الله تعالى- أيضاً، وعدّه من نواقض الإسلام: الاستهزاء بشيء من الدين، فقال رحمه الله: "من استهزأ بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ثوابه أو عقابه ، كفر"

والدليل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُم(66)﴾[التوبة:65- 66].

الاستهزاء بشيءٍ من الدين، ذلك الأمر الخطير والشر المستطير، كفر بإجماع المسلمين ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء، كما لو كان هازلاً أو مازحاً، كم يحصل من هذا الأمر في المجالس، بقصد النكت وإضحاك الآخرين.

روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان في سبب نزول قول الله -جل جلاله-: ﴿قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ﴾.

قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلسٍ يوماً: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء" -يعني بهذا الكلام بعض الصحابة- فقال له عوف بن مالك -رضي الله عنه-: "كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذهب عوف بن مالك ليخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجد القرآن قد سبقه -أي نزلت الآية الكريمة-: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾[التوبة:65].

قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وجاء ذلك الرجل الذي قال تلك المقالة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب! نتحدث حديث الركب، نقطع به عنا الطريق؟".

يقول ابن عمر: "لكأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن الحجارة لتنكُب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ﴿أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ﴾؟! ما يلفت إليه ولا يزيد عليه".

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- واتعظوا وتذكروا، واحذروا من السخرية والاستهزاء بشيء من الدين، فإنه كفر ناقل عن الملة.

فقول هذا الرجل: "إنما كنا نخوض ونلعب" -أي إننا لم نقصد حقيقة الاستهزاء وإنما قصدنا المزح واللعب- ومع ذلك كفرهم الله -جل وعلا-؛ لأن هذا الباب لا يدخله الخوض واللعب، فهم قد كفروا مع أنهم كانوا قبل هذا الكلام مؤمنين: ﴿قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُم﴾ فمن استهزأ بشيءٍ مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ،كالاستهزاء بالعلم الشرعي وأهله لأجله، وكالاستهزاء بثواب الله وعقابه، وكالاستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، من أصحاب الهيئات، وغيرهم، من أجل أمرهم به، أو نهيهم عنه، أو الاستهزاء بمن أعفى لحيته لأجل إعفائها، أو الاستهزاء بتارك الربا، أو تارك لمحرم كان يفعله لأجل تركه، فهو كافر، سواء كان استهزاءه صريحاً، أي نطق بذلك صراحة، أو كان استهزاءً غير صريح، كمن يغمز بعينه، أو يخرج لسانه، أو يمد شفته، أو يلوح بيده، وهو يقصد ما يشير إليه بقلبه، فكل هذا يعد من الاستهزاء بالدين.

إن الاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من صفات المنافقين، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[المطففين:29- 36].

واعلم بعد هذا -أخي المسلم- أنه لا يجوز لك أيضاً أن تجلس في مجلس يحصل فيه شيء من هذا، ولو كانوا أقرب الناس إليك ،قال الله -تعالى-: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾[النساء:140].

فمن حضر مجلساً وهو يسمع الاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ،وهو جالس معهم، مع رضاه بالجلوس، فهو مثلهم في الإثم والكفر، والخروج من الملة، قال الله -تعالى-: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُم﴾[الصافات:22].

أي اجْمَعُوا الظَّالِمِينَ وَأَشْبَاهَهُمْ وَنُظَرَاءَهُمْ.

فنسأل الله -جل وتعالى- أن يرحمنا برحمته …

اللهم علما ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا …