نواقض الإسلام (1)

عناصر الخطبة

  1. حفظ الإسلام للضرورات الخمس
  2. التحذير من نواقض الإسلام
  3. بعض نواقض الإسلام
اقتباس

الإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس التي هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال؛ فالدين هو أول الضرورات الخمس التي تجب المحافظة عليها، وحفظ الدين يكون بالإتيان بشرائع الإسلام الظاهرة والباطنة، وبتجنب النواقض التي تنقض هذا الدين، وتحصل بها الردة؛ وأمم الكفر تعمل…

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، ولا تخالفوا أمره فتعصوه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: 19].

فالإسلام -عباد الله-: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.

والإسلام مداره على شهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

والإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس التي هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال؛ فالدين هو أول الضرورات الخمس التي تجب المحافظة عليها، وحفظ الدين يكون بالإتيان بشرائع الإسلام الظاهرة والباطنة، وبتجنب النواقض التي تنقض هذا الدين، وتحصل بها الردة؛ وأمم الكفر تعمل ليلاً ونهاراً من أجل صدِّ المسلمين عن دينهم بشتى الطرق.

فالجهل بنواقض الإسلام وعدم تعلمها، يجعل الإنسان يقع فيها وهو لا يشعر.

أيها المسلمون: فهذه نواقض للإسلام نتعلمها من أجل أن نحذرها، ونحافظ على تمسكنا بديننا، ولا نرتكب ما يخالفه ويخرجنا من الملة؛ وذلك لانتشارها بين كثير من المسلمين.

فأولها وأعظمها: الشرك في عبادة الله -تعالى-، وذلك بصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، واتخاذ ندٍّ مع الله؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء: 48].

وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: 72].

وكما قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ"[رواه البخاري(4497)]؛ فهذا هو الشرك الأكبر الذي من خصائصه: أن الله لا يغفره، وأنه موجب  للخلود في النار، وأنه يُحبط جميع الأعمال.

ومن ذلك: الذبح لغير الله؛ فمن ذبح لغير الله يتقرب إليه، كالذبح  للجنِّ، أو لصاحب قبر، أو لشجرة أو حجر كما هي طريقة أهل الجاهلية الأولى، فقد أشرك.

فبعض المسلمين يذبح للجن؛ لاعتقاده أنهم آذوه، فيريد أن يكفَّ شرهم بالذبح لهم، أو يذبح لهم بأمر بعض المضللين الخرافيين لأجل الاستشفاء، فالذبح لغير الله تقرباً إليه من أنواع الشرك في العبادة، كمن يصلي لغير الله.

ومن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فقد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، ونوعاً من الشرك.

فالذي يدعو الموتى والغائبين، ويستغيث بهم في الرخاء والشدة، ويتوكل عليهم في حوائجه، أو في نصره على الأعداء، أو في مغفرة ذنوبه، أو في نجاته من النار، أو في شفاء مريضه، أو في نجاته من كربته؛ زاعماً أنه يفعل ذلك طلباً لشفاعتهم، فإن هذا هو ما كان عليه المشركون؛ كما قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس: 18].

وقال تعالى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر: 3].

فهم إما أن يعبدوا الصالحين مباشرة، أو ما ينصبونه من تماثيل ترمز إليهم.

فمن تقرب إليهم معتقداً أنهم ينفعون أو يضرون، وأنهم يدبرون هذا الكون ويتصرفون فيه، فقد أشرك في الربوبية والإلهية.

والله -تعالى- لم يجعل بينه وبين عباده واسطة في العبادة؛ بل أمر بأن يتوجهوا إليه بالعبادة وحده لا شريك له: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة: 186].

ومن لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم، فقد أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ يعني من لم يكفر المشركين الذين يعبدون مع الله غيره، فيعبدون الأشجار والأحجار،أو الموتى والبقر، أو الصليب والمسيح؛ فمن لم يكفر هؤلاء فهو كافر؛ كمن يقول: إن اليهود والنصارى على دين صحيح، أو من يقول: إن عبَّاد الأصنام على حق وأن دينهم صحيح، فمن لم يكفر من كفره الله ورسوله، كفر.

أو شك في كفرهم، كفر؛ لأن الشك في الحق كالتكذيب به، كأن يقول: والله لا ندري اليهود والنصارى على حق أم لا، أو يقول: لكلٍّ أن يتدين بالدين الذي يناسبه.

أو صحح مذهبهم، كفر؛ كأن يقول: إنهم على دين صحيح، وأن الطرق إلى الله تنوعت؛ وهناك دعوة معاصرة باطلة تُعرف بالدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة: الإسلام واليهودية والنصرانية، وتقول: إن الكل دين صحيح، وهذه دعوة باطلة تتضمن الكفر، ومن يعتقدها فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ورسوله؛ لأن الله -تعالى- يقول: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾[المائدة: 17].

ويقول: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة:73].

وهذه الدعوة تتضمن أن رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- ليست  عامة للبشرية، بل كما يقول بعض النصارى إنه رسول إلى العرب، والله -تعالى- يقول: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 85].

فكل من لم يؤمن برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتدين بدين غير الإسلام فهو كافر.

وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"[رواه مسلم(153)].

ومن اعتقد أن غير هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه؛ كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه، فقد جاء بناقض من نواقض الإسلام.

فالطواغيت الذين يحكمون بين الناس بموجب التقاليد والعادات، وكل حكم يناقض شرع الله فهو باطل، ومن ذلك القوانين المخالفة لشرع الله ودينه، فإنها أحكام طاغوتية جاهلية، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[النساء: 60].

وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة:50].

فمن فضلها على حكم الله ورسوله، أو سوّاها به، أو سوّغ الحكم بها -ولو مع تفضيل حكم الله ورسوله-؛ فإنه كافر.

والذين يقولون: إن هدي غير النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه؛ قولهم هذا يناقض شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي الإيمان بأنه رسول الله حقاً، وأن ما جاء به من عند الله، وأنه رسول الله إلى جميع الناس، وأنه أكمل الناس هدياً، وأنه أعدل الناس حكماً: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[النساء: 65].

كما أنها تقتضي الإيمان بوجوب اتباعه وطاعته في أمره ونهيه وتصديقه في كل ما أخبر به.  

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[الزمر: 65].

بارك الله لي ولكم…

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].

عباد الله: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به؛ فقد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام.

وهذا ضرب من النفاق، والبغض عمل قلبي؛ والمراد أنه يبغضه  بغضاً دينياً عقلياً، ويرى أنه شيء قبيح وبغيض، ويؤدي بالضرورة إلى أن يبغض من يدعو إليه؛ كمن يبغض الصلاة ولا يرى لها فضيلة ولا نفعا، ويرى أن هذه التصرفات من الوقوف والانحناء والركوع والسجود، أنها سفاهة وجهالة، فيبغضها، وبغضها يؤدي إلى بغض من يعملها؛ وهذا البغض المخفى يسمى نفاقاً، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾[محمد: 9]، أي: ذلك العقاب الواقع بهم بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله على رسوله من القرآن لما فيه من توحيد الله، فأحبط الله أعمالهم، فخسروا في الدنيا والآخرة.

فعلى المسلم أن يحذر من أسباب الردة القولية والفعلية والاعتقادية، وعلى المسلم الإكثار من هذا الدعاء: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾[آل عمران: 8].

وبما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكثر من قوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" [رواه الترمذي وصححه الألباني].

فلنتق الله -عباد الله-، ونحاسب أنفسنا، ونتفقد أعمالنا، ونصلح قلوبنا، حتى نسعد في الدنيا والآخرة.

اللهم اعصمنا من زيغ القلوب يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وصلوا وسلموا على نبيكم…