الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
ما يسيل منه الماءُ من موضع عالٍ . ومن شواهده حديث عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَخِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ : كَانَ لِلعَبَّاسِ مِيزَابٌ عَلَى طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَبِسَ عُمَرُ ثِيَابَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ كَانَ ذُبِحَ لِلعَبَّاسِ فَرْخَانِ، فَلَمَّا وَافَى الْمِيزَابَ، صُبَّ مَاءٌ بِدَمِ الْفَرْخَيْنِ، فَأَصَابَ عُمَرَ، وَفِيهِ دَمُ الْفَرْخَيْنِ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقَلْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ لِلعَبَّاسِ : وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَمَّا صَعِدْتَ عَلَى ظَهْرِي حَتَّى تَضَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - فَفَعَلَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْه ." أحمد : 1790 ، وحسنه الأرناؤوط .
قَناةٌ أو أُنْبُوبَةٌ يُصْرَفُ بِها الماءُ مِن سَطْحِ بِناءٍ أو مَوْضِعٍ عالٍ إلى الأَرْضِ، ومنه مِيزابُ الكَعْبَةِ، وهو مَصَبُّ ماءِ المطَرِ، يُقال: زابَ الماءُ: إذا جَرَى وسالَ، فهو آزِبٌ. وأصل الكلِمَة يَدُلُّ على القِصَرِ والدِّقَّةِ ونَحْوِهِما، ومنه سُمِّيَ بذلك؛ لِدِقَّتِهِ وضِيقِ مَجْرَى الماءِ فِيهِ. وقيل: بل هو فارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. والمِرْزابُ لُغَةٌ في المِيزابِ غَيْرُ فَصِيحَةٍ. والجمع: مآزِيبُ ومَيازِيبُ.
يَرِد مُصطَلح (مِيزاب) في الفقه في عِدَّة مواطِن، منها: كِتاب الطَّهارة، باب: صِفة الغُسل والوُضوء، وباب: أحكام النَّجاسات. وفي كتاب الحَجَّ، باب: صِفة الحجّ والعُمرَة عند الكلام على حُكْمِ الدُّعاءِ تحت مِيزابِ الكَعْبَةِ، وحُكْمِ الإحرامِ مِن تحتِهِ. وفي كتاب الضَّمان والدّيات والإتلافاتِ عند الكلام على حُكْمِ سُقُوط المِيزابِ وأَثَرِهِ في الضَّمانِ، والدِّيَةِ، وغير ذلك. وفي كتاب الدَّعاوى والبيِّنات عند الكلام على مسألَة الخُصومَة في إخراجِ المَيازَيبِ إلى الطَّريق، والاختِلافِ في حقِّ إجراءِ ماءِ المِيزابِ، ونحو ذلك.
أزب
ما يسيل منه الماءُ من موضع عالٍ.
* العين : (7/363)
* تهذيب اللغة : (13/137)
* مقاييس اللغة : (1/100)
* المحكم والمحيط الأعظم : (1/41)
* مختار الصحاح : (ص 121)
* لسان العرب : (1/417، و 796)
* تاج العروس : (3/28)
* تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام : (2/251)
* روضة الطالبين : (7/175)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (8/305)
* التعريفات الفقهية : (ص 222)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 470) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمِيزَابُ فِي اللُّغَةِ: قَنَاةٌ أَوْ أُنْبُوبَةٌ يُصْرَفُ بِهَا الْمَاءُ مِنْ سَطْحِ بِنَاءٍ أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ (1) .
وَالْمِرْزَابُ وَالْمِزْرَابُ بِمَعْنَى الْمِيزَابِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمِيزَابِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمِيزَابِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
إِخْرَاجُهُ إِلَى الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ:
2 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمِيزَابِ إِلَى الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ لأَِنَّ عُمَرَ ﵁ خَرَجَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَقَطَرَ مِيزَابٌ عَلَيْهِ لِلْعَبَّاسِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُلِعَ، فَقَال الْعَبَّاسُ: قَلَعْتَ مِيزَابِي، وَاللَّهِ مَا وَضَعَهُ حَيْثُ كَانَ إِلاَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ. فَقَال عُمَرُ ﵁: وَاللَّهِ لاَ يَضَعُهُ إِلاَّ أَنْتَ بِيَدِكَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ سُلَّمٌ إِلاَّ عُمَرُ. قَال: فَوَضَعَ الْعَبَّاسُ رِجْلَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْ عُمَرَ ثُمَّ أَعَادَهُ حَيْثُ كَانَ (3) . وَمَا فَعَلَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَلِغَيْرِهِ فِعْلُهُ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَلأَِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ وَلاَ يُمْكِنُهُ رَدُّ مَائِهِ إِلَى الدَّارِ، وَلأَِنَّ النَّاسَ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ (4) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إِلَى الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ، وَلاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَى دَرْبٍ نَافِذٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ وَنَائِبِهِ وَأَهْلِهِ، لأَِنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ ضَرَّ بِالْمَارَّةِ أَوْ لاَ، لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَضُرَّ حَالاً فَقَدْ يَضُرُّ مَآلاً، كَمَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ نَافِذٍ وَلأَِنَّهُ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَأَهْلِهَا، فَلَمْ يَجُزْ كَبِنَاءِ دِكَّةٍ فِيهَا أَوْ جُنَاحٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهَا، وَلاَ يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ فَإِنَّ مَاءَهُ يَقَعُ عَلَى الْمَارَّةِ وَرُبَّمَا جَرَى فِيهِ الْبَوْل أَوْ مَاءٌ نَجَسٌ فَيُنَجِّسُهُمْ، وَيَزْلِقُ الطَّرِيقَ وَيَجْعَل فِيهَا الطِّينَ (5) .
وَالتَّفْصِيل فِي (طَرِيقٌ ف 14) .
الْخُصُومَةُ فِي الْمِيزَابِ:
الْخُصُومَةُ فِي إِخْرَاجِ الْمَيَازِيبِ إِلَى الطَّرِيقِ
3 - قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ إِلَى الطَّرِيقِ الأَْعْظَمِ مِيزَابًا فَلِكُل أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْوَضَعِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إِذَا أَرَادَ الْوَضْعَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ لأَِنَّ فِيهِ الاِفْتِيَاتَ عَلَى رَأْيِ الإِْمَامِ فِيمَا إِلَيْهِ تَدْبِيرُهُ فَلِكُل أَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَيْسَ لأَِحَدٍ حَقُّ الْمَنْعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إِحْدَاثِهِ شَرْعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الإِْمَامُ (6) . الْخُصُومَةُ فِي رَفْعِ الْمِيزَابِ:
4 - قَال أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ أَخْرَجَ إِلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ مِيزَابًا فَلِكُل أَحَدٍ مِنْ أَهْل الْخُصُومَةِ - كَالْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِل الْحُرِّ أَوِ الذِّمِّيِّ - مُطَالَبَتُهُ بِالنَّقْضِ لأَِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمُ الْمُرُورَ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَيَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ بِنَقْضِهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَيْسَ لأَِحَدِ ذَلِكَ، أَمَّا عَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ لأَِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْمَأْذُونِ مِنَ الإِْمَامِ فَلاَ يَرْفَعُهُ أَحَدٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُول كَانَ قَبْل الْوَضْعِ لِكُل أَحَدٍ يَدٌ فِيهِ فَالَّذِي يُحْدِثُ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي يَدِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، أَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ فَقَدْ صَارَ فِي يَدِهِ فَالَّذِي يُخَاصِمُهُ يُرِيدُ إِبْطَال يَدِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ (7) .
وَقَال الأَْتَاسِيُّ: دُورٌ فِي طَرِيقٍ لَهَا مَيَازِيبُ مِنَ الْقَدِيمِ مُنَصَّبَةٌ عَلَى ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ تَمْتَدُّ إِلَى عَرْصَةٍ وَاقِعَةٍ فِي أَسْفَلِهِ جَارِيَةٍ مِنَ الْقَدِيمِ، لَيْسَ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ سَدُّ ذَلِكَ الْمَسِيل الْقَدِيمِ، فَإِنْ سَدَّهُ يُرْفَعُ السَّدُّ مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ وَيُعَادُ إِلَى وَضْعِهِ الْقَدِيمِ لأَِنَّهُ يُرِيدُ بِالسَّدِّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ عَرْصَتِهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالطَّرِيقِ الَّذِي تَنْصَبُّ إِلَيْهِ الْمَيَازِيبُ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ لأَِنَّ ذَلِكَ الطَّرِيقَ إِنْ كَانَ خَاصًّا فَفِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْخَاصِّ بِمِثْلِهِ وَالضَّرَرُ لاَ يُزَال بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَفِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْخَاصِّ بِالضَّرَرِ الْعَامِّ، وَيُتَحَمَّل الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ، وَلاَ سَبِيل إِلَى رَفْعِ الْمَيَازِيبِ عَنِ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ لأَِنَّهَا قَدِيمَةٌ وَلاَ عَنِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ لأَِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقِ الضَّرَرُ حَيْثُ كَانَ مَسِيل مَاءٍ إِلَى الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ قَدِيمًا، فَاتَّضَحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرِيقِ مَا يَعُمُّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الإِْطْلاَقِ (8) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَنْ نَصَبَ مِيزَابًا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَلِكُل أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ، لأَِنَّهُ مِنْ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، لَكِنْ لاَ يُزِيلُهُ إِلاَّ الْحَاكِمُ لاَ غَيْرُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ (9) .
الاِخْتِلاَفُ فِي حَقِّ إِجْرَاءِ مَاءِ الْمِيزَابِ:
5 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ الْمِيزَابُ مَنْصُوبًا إِلَى دَارِ رَجُلٍ وَاخْتَلَفَا فِي حَقِّ إِجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِسَالَتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي حَال عَدَمِ جَرَيَانِ الْمَاءِ لاَ يَسْتَحِقُّ إِجْرَاءَ الْمَاءِ وَإِسَالَتَهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَيْضًا أَنْ يَقْطَعَ الْمِيزَابَ.
وَحَكَى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: أَنَّهُمُ اسْتَحْسَنُوا أَنَّ الْمِيزَابَ إِذَا كَانَ قَدِيمًا وَكَانَ تَصْوِيبُ السَّطْحِ إِلَى دَارِهِ وَعُلِمَ أَنَّ التَّصْوِيبَ قَدِيمٌ وَلَيْسَ بِمُحْدَثٍ أَنْ يَجْعَل لَهُ حَقَّ التَّسْيِيل، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حَال جَرَيَانِ الْمَاءِ قِيل: الْقَوْل لِصَاحِبِ الْمِيزَابِ وَيَسْتَحِقُّ إِجْرَاءَ الْمَاءِ، وَقِيل: لاَ يَسْتَحِقُّ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمَسِيل وَبَيَّنُوا أَنَّهُ لِمَاءِ الْمَطَرِ مِنْ هَذَا الْمِيزَابِ فَهُوَ لِمَاءِ الْمَطَرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسِيل مَاءَ الاِغْتِسَال وَالْوُضُوءِ فِيهِ، وَإِنْ بَيَّنُوا أَنَّهُ لِمَاءِ الاِغْتِسَال وَالْوُضُوءِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسِيل مَاءَ الْمَطَرِ فِيهِ وَإِنْ قَالُوا لَهُ فِيهَا حَقُّ مَسِيل مَاءٍ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّ، وَالْقَوْل لِرَبِّ الدَّارِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ لِمَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسَالَةِ، وَقَال بَعْضُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ تُقْبَل هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي الْمَسِيل، وَفِي الطَّرِيقِ تُقْبَل (10) .
الْوُضُوءُ وَالْغُسْل بِمَاءِ الْمِيزَابِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ أَوْ تَحْتَ مَطَرٍ نَاوِيًا الطَّهَارَةَ وَوَصَل الْمَاءُ إِلَى شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ وُضُوئِهِ أَوْ غُسْلِهِ (11) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْمُزَنِيُّ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَكْفِي فِي الْغُسْل إِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْجَسَدِ دُونَ الدَّلْكِ (12) .
قَال الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: فِي مَاءِ الْمِيزَابِ الَّذِي يَظُنُّ نَجَاسَتَهُ وَلاَ يَتَيَقَّنُ طَهَارَتَهُ وَلاَ نَجَاسَتَهُ فِيهِ قَوْلاَنِ: وَالْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ انْغَسَلَتْ (13) .
سُقُوطُ الْمِيزَابِ وَأَثَرُهُ فِي الضَّمَانِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ مِيزَابًا فَسَقَطَ عَلَى إِنْسَانٍ فَعَطِبَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لأَِنَّهُ مُسَبِّبٌ لِتَلَفِهِ مُتَعَدٍّ بِشَغْلِهِ هَوَاءَ الطَّرِيقِ وَهَذَا مِنْ أَسِبَابِ الضَّمَانِ (14) .
وَفَصَّل الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَخَرَجَ مِيزَابًا إِلَى الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ يُنْظَرُ: إِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الَّذِي كَانَ فِي الْحَائِطِ لاَ ضَمَانَ فِيهِ لأَِنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ الطَّرَفَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ مِنَ الْحَائِطِ ضَمِنَ صَاحِبُ الْمِيزَابِ لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ حَيْثُ شَغَل بِهِ هَوَاءَ الطَّرِيقِ لأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرَكِّبَهُ فِي الْحَائِطِ، وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلاَ يُحْرَمُ فِي الْمِيرَاثِ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيَّهُمَا أَصَابَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الضَّمَانِ، وَفِي الاِسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ، وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهَدْرُ النِّصْفِ، وَمَنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي مِيزَابٍ لَهُ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ مَتَاعٌ لِغَيْرِهِ يَفْسُدُ بِهِ كَانَ ضَامِنًا اسْتِحْسَانًا (15) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ كَانَ مَضْمُونًا فِي الْجَدِيدِ لأَِنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِالشَّارِعِ، فَجَوَازُهُ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ.
فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمِيزَابِ فِي الْجِدَارِ وَبَعْضُهُ خَارِجًا عَنْهُ فَسَقَطَ الْخَارِجُ مِنْهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَأَتْلَفَ شَيْئًا فَكُل الضَّمَانِ يَجِبُ لأَِنَّهُ تَلِفَ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَإِنْ سَقَطَ كُل الْمِيزَابِ دَاخِلُهُ وَخَارِجُهُ بِأَنْ قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَنِصْفُ الضَّمَانِ يَجِبُ فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّ التَّلَفَ حَصَل بِالدَّاخِل فِي مِلْكِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَبِالْخَارِجِ وَهُوَ مَضْمُونٌ فَوُزِّعَ عَلَى النَّوْعَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإِْصَابَةُ بِالدَّاخِل وَالْخَارِجِ اسْتَوَيَا بِالْقَدْرِ أَمْ لاَ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ يُوَزَّعُ عَلَى الدَّاخِل وَالْخَارِجِ فَيَجِبُ قِسْطُ الْخَارِجِ، وَيَكُونُ التَّوْزِيعُ بِالْوَزْنِ وَقِيل: بِالْمِسَاحَةِ.
وَلَوْ أَصَابَ الْمَاءُ النَّازِل مِنَ الْمِيزَابِ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ نِصْفَهَا إِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْجِدَارِ وَبَعْضُهُ خَارِجًا، وَلَوِ اتَّصَل مَاؤُهُ بِالأَْرْضِ ثُمَّ تَلِفَ بِهِ إِنْسَانٌ قَال الْبَغَوِيُّ: الْقِيَاسُ التَّضْمِينُ أَيْضًا (16) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْقَوْل الْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ سَقَطَ مِيزَابُهُ عَلَى رَأْسِ إِنْسَانٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ فَعَل مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، وَلأَِنَّهُ لِضَرُورَةِ تَصْرِيفِ الْمِيَاهِ (17) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ أَخْرَجَ مِيزَابًا فِي دَرْبٍ نَافِذٍ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ أَوْ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ عَلَى إِنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ، لأَِنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبٍ مُتَعَدٍّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الإِْمَامِ بِلاَ ضَرَرٍ أَوْ بِإِذْنِ أَهْل غَيْرِ النَّافِذِ فَلاَ ضَمَانَ لِعَدَمِ الْعُدْوَانِ (18) .
__________
(1) المصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(2) قواعد الفقه للبركتي.
(3) حديث: " أن عمر ﵁ خرج في يوم جمعة. . . ". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6 / 66) ، وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص (3 / 45) .
(4) مجلة الأحكام العدلية للأتاسي 4 / 172 - 173 المادة 1230، والبحر الرائق 8 / 395، وتبيين الحقائق 6 / 142، والمغني 4 / 554 ط الرياض، والحاوي للماوردي 8 / 45، وروضة الطالبين 9 / 320، والإنصاف 5 / 255، وتبصرة الحكام 2 / 242.
(5) المغني 4 / 554، والإنصاف 5 / 255.
(6) تكملة فتح القدير 8 / 330 - 331 ط دار صادر - بيروت، والدسوقي 3 / 368، ومغني المحتاج 2 / 182 - 183، والإنصاف 5 / 255.
(7) العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 330 - 331، وتبيين الحقائق 6 / 142.
(8) شرح المجلة للأتاسي 4 / 172 - 173 المادة 1230.
(9) مغني المحتاج 2 / 183.
(10) الفتاوى الهندية 4 / 104.
(11) حاشية ابن عابدين 1 / 103 - 105، والمجموع 2 / 185، وحاشية الدسوقي 1 / 134، والمغني 1 / 219، ومطالب أولي النهى 1 / 153.
(12) الدسوقي 1 / 134، 135، والمجموع 2 / 185.
(13) المجموع 1 / 209.
(14) العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 330 - 331 ط دار صادر بيروت لبنان، ومغني المحتاج 2 / 182 - 183، وكشاف القناع 3 / 407، وروضة الطالبين 9 / 320.
(15) العناية بهامش تكملة فتح القدير 8 / 331، ومجمع الضمانات ص 177، والفتاوى الهندية 6 / 41، والخانية بهامش الهندية 3 / 361.
(16) مغني المحتاج 4 / 85 - 86.
(17) التاج والإكليل 6 / 322، وتبصرة الحكام 2 / 242، والقليوبي 4 / 148.
(18) كشاف القناع 6 / 18.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 395/ 39