الشافي
كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...
ما يذبحه الحاج، أو المعتمر من الإبل، أو البقر، أو الغنم، قربة، أو كفارة لفعله محظوراً . ومن أمثلته من اصطاد، وهو محرم فعليه ذبح هدي . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﱫﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﱪ المائدة :95.
التَّعْرِيفُ:
ا - الْهَدْيُ لُغَةً: بِإِسْكَانِ الدَّال وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ، أَوْ بِكَسْرِ الدَّال مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَالْوَاحِدُ: هَدْيَةٌ وَهَدِيَّةٌ. تَقُول فِيهِ: " أَهْدَيْتُ الْهَدْيَ ".
وَمِنْ مَعَانِي الْهَدْيِ فِي اللُّغَةِ: مَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنَ النَّعَمِ (1) .
وَالْهَدْيُ اصْطِلاَحًا: مَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنَ الإِْبِل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الأُْضْحِيَةُ:
2 - الأُْضْحِيَةُ فِي اللُّغَةِ: شَاةٌ وَنَحْوُهَا يُضَحَّى بِهَا فِي عِيدِ الأَْضْحَى (3) . وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُذَكَّى تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ (4) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الْهَدْيِ وَالأُْضْحِيَةِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
ب - الْعَقِيقَةُ:
3 - مِنْ مَعَانِي الْعَقِيقَةِ فِي اللُّغَةِ: الذَّبِيحَةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ (5) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الْعَقِيقَةِ وَالْهَدْيِ قُرْبَةٌ، غَيْرَ أَنَّ الْعَقِيقَةَ مُرْتَبِطَةٌ بِوَقْتِ وِلاَدَةِ الْمَوْلُودِ وَفِي أَيِّ مَكَانٍ، أَمَّا الْهَدْيُ فَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَفِي الْحَرَمِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْهَدْيِ بِحَسَبِ نَوْعِهِ، وَنُبَيِّنُ حُكْمَ كُل نَوْعٍ فِيمَا يَلِي:
النَّوْعُ الأَْوَّل: هَدْيُ التَّطَوُّعِ:
أ - لِمُرِيدِ النُّسُكِ:
4 - هَدْيُ التَّطَوُّعِ هُوَ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ دُونَ سَبَبٍ مُلْزِمٍ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ ﷺ، فَقَدْ أَهْدَى النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ (6) .
قَال النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يَهْدِيَ هَدْيًا مِنَ الأَْنْعَامِ وَيَنْحَرَهُ هُنَاكَ، وَيُفَرِّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْحَرَمِ (7) .
ب - لِمَنْ لَمْ يُرِدِ الْحَجَّ:
5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ يُرِدِ الذَّهَابَ إِلَى الْحَجِّ أَنْ يُرْسِل هَدْيًا وَأَنْ يُشْعِرَهُ وَيُقَلِّدَهُ وَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِإِرْسَالِهِ شَيْءٌ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ (8) .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: " فَتَلْتُ قَلاَئِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ ﷺ بِيَدِي، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلًّا (9) . النَّوْعُ الثَّانِي: الْهَدْيُ الْوَاجِبُ:
وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ الأَْوَّل: هَدْيٌ وَاجِبٌ لِلشُّكْرِ
6 - الْهَدْيُ الْوَاجِبُ لِلشُّكْرِ: هُوَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ، فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ دَمٌ وَاجِبٌ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنْ وَفَّقَهُ لأَِدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: هَدْيٌ وَاجِبٌ لِلْجُبْرَانِ:
7 - وَهُوَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ لِجَبْرِ الْخَلَل الْوَاقِعِ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، مِنْ جَزَاءِ جِنَايَةٍ مِنَ الْجِنَايَاتِ أَوْ دَمِ إِحْصَارٍ.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: هَدْيُ النَّذْرِ:
8 - هَدْيُ النَّذْرِ هُوَ مَا يَنْذِرُهُ الْحَاجُّ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (10) } .
حُكْمُ وَلَدِ الْهَدْيِ:
9 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ وَلَدَ الْهَدْيِ يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَخَصَّ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ بَعْدَ ذَلِكَ. قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا وَلَدَتِ الْبَدَنَةُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِهَدْيِهِ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا، لأَِنْ جَعَلَهَا خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا، ثُمَّ انْفَصَل بَعْدَمَا سَرَى إِلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهُ مَعَهَا، وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَإِنِ اشْتَرَى بِهِ هَدْيًا فَحَسَنٌ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَحَسَنٌ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ بِالْوَلَدِ (11) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: حَقُّ الْهَدْيِ يَسْرِي إِلَى الْوَلَدِ كَحَقِّ الْعِتْقِ فِي الاِسْتِيلاَدِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ؛ فَإِذَا وَلَدَتْ سَاقَهُ مَعَ أُمِّهِ إِنْ أَمْكَنَ إِلَى مَحِل الْهَدْيِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَوْقُهُ حَمَلَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَحِلٌّ غَيْرَ أُمِّهِ حَمَلَهُ عَلَيْهِ كَمَا يَحْمِل عَلَيْهَا زَادَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يَحْمِلُهُ قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: يَتَكَلَّفُ حَمْلَهُ، يُرِيدُ لأَِنَّ عَلَيْهِ بُلُوغَهُ بِكُل حِيلَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، قَال أَشْهَبُ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَتَّى يَجِدَ لَهُ مَحِلًّا وَلاَ مَحِل لَهُ دُونَ الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً كَانَ حُكْمُ هَذَا الْوَلَدِ حُكْمَ الْهَدْيِ إِذَا وَقَفَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْغَبَةٍ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ وَلاَ يَأْكُل مِنْهُ كَانَتْ أُمُّهُ تَطَوُّعًا أَوْ عَنْ وَاجِبٍ، فَإِنْ أَكَل شَيْئًا مِنَ الْوَلَدِ قَال ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ بَدَلُهُ، ثُمَّ قَال أَشْهَبُ: وَإِنْ نَحَرَهُ فِي الطَّرِيقِ أَبْدَلَهُ بِهَدْيٍ كَبِيرٍ، وَلاَ يُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ يُرِيدُ فِي نِتَاجِ الْبَدَنَةِ.
قَال الْحَطَّابُ: وَهَذَا مِمَّا وُلِدَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ، وَأَمَّا مَا وُلِدَ قَبْلَهُ فَلاَ يَجِبُ ذَلِكَ فِيهِ. قَال مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَنْحَرَهُ مَعَهَا إِنْ نَوَى ذَلِكَ، قَال مُحَمَّدٌ: يَعْنِي نَوَى بِأُمِّهِ الْهَدْيَ.
وَلَوْ وَجَدَ الأُْمَّ مَعِيبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي وَلَدِهَا وَكَانَ تَبَعًا لَهَا فِي حُكْمِ الْهَدْيِ (12) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ وَلَدَتِ الَّتِي عُيِّنَتْ هَدْيًا ابْتِدَاءً أَوْ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ ذُبِحَ وَلَدُهَا مَعَهَا إِنْ أَمْكَنَ حَمْل الْوَلَدِ عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ ظَهْرِ غَيْرِهَا، أَوْ أَمْكَنَ سَوْقُهُ إِلَى مَحَل ذَبْحِ الْهَدْيِ سَوَاءٌ عَيَّنَهَا حَامِلاً أَوْ حَدَثَ الْحَمْل بَعْدَ التَّعْيِينِ، لأَِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَسَاكِينِ الْوَلَدَ حُكْمٌ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ السَّرَايَةِ مِنَ الأُْمِّ، فَيَثْبُتُ لِلْوَلَدِ مَا يَثْبُتُ لأُِمِّهِ.
وَقَال الْمُغِيرَةُ بْنُ حَذْفٍ " أَتَى رَجُلٌ عَلِيًّا بِبَقَرَةٍ قَدْ أَوْلَدَهَا فَقَال لَهُ: لاَ تَشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا إِلاَّ مَا فَضَل عَنْ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الأَْضْحَى ضَحَّيْتَ بِهَا وَوَلَدِهَا عَنْ سَبْعَةٍ ".
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَمْل الْوَلَدِ وَلاَ سَوْقُهُ إِلَى مَحِلِّهِ فَكَهَدْيٍ عَطِبَ فَيَذْبَحُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَال الْقَاضِي فِي الْمُعَيَّنِ بَدَلاً عَنِ الْوَاجِبِ: يُحْتَمَل أَنْ لاَ يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا لأَِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ وَاحِدٌ (13) .
مَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ:
10 - لاَ يَصِحُّ الْهَدْيُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الإِْبِل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَتَخْتَلِفُ هَذِهِ الأَْصْنَافُ فِيمَا يُجْزِئُ وَيَصِحُّ أَنْ تُذْبَحَ عَنْهُ مِنَ الأَْشْخَاصِ. كَمَا هُوَ حَال إِجْزَائِهَا فِي الأُْضْحِيَةِ.
(ر: أُضْحِيَة ف 23 - 38) .
صِفَةُ الْهَدْيِ الْمُسْتَحَبَّةُ:
11 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَل مِنَ الْبَقَرَةِ لأَِنَّهَا أَعْظَمُ، وَالْبَقَرَةَ أَفْضَل مِنَ الشَّاةِ لأَِنَّهَا بِسَبْعٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَالشَّاةَ أَفْضَل مِنْ مُشَارَكَةِ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ؛ لأَِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، وَالضَّأْنَ أَفْضَل مِنَ الْمَاعِزِ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُضَحِّي بِالضَّأْنِ، وَالسَّمِينَةَ أَفْضَل مِنْ غَيْرِ السَّمِينَةِ.
قَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الشَّاةُ السَّمِينَةُ الَّتِي تُسَاوِي الْبَقَرَةَ قِيمَةً وَلَحْمًا أَفْضَل مِنَ الْبَقَرَةِ. وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ أَفْضَل مِنْ شَاتَيْنِ دُونَهَا. لِمَا قَال ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ (14) } اسْتِعْظَامُهَا: اسْتِحْسَانُهَا وَاسْتِسْمَانُهَا (15) .
وَقَال عَلِيٌّ ﵁: إِذَا اشْتَرَيْتَ أُضْحِيَةً، فَاسْتَسْمِنْ، فَإِنْ أَكَلْتَ أَكَلْتَ طَيِّبًا، وَإِنْ أَطْعَمْتَ أَطْعَمْتَ طَيِّبًا وَاشْتَرِ ثَنْيًا فَصَاعِدًا (16) .
قَال الدُّسُوقِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْبِلاَدِ، فَفِي بَعْضِهَا تَكُونُ الإِْبِل أَطْيَبَ لَحْمًا فَتَكُونُ أَفْضَل، وَفِي بَعْضِهَا يَكُونُ الْبَقْرُ أَطْيَبَ لَحْمًا فَيَكُونُ أَفْضَل.
وَلاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ الْهَدْيِ مِنَ الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، لَكِنَّ الذَّكَرَ أَفْضَل (17) ، وَأَفْضَلُهَا مَا ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ، لِمَا وَرَدَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَال: ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا (18) . سَوْقُ الْهَدْيِ: 12 - سَوْقُ الْهَدْيِ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ وَمَعَالِمِ النُّسُكِ، وَمِنْ أَحْكَامِهِ مَا يَلِي:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَجِبُ الذَّهَابُ بِالْهَدْيِ إِلَى عَرَفَةَ وَلاَ التَّشْهِيرُ بِالتَّقْلِيدِ لأَِنَّ الْهَدْيَ يُنْبِئُ عَنِ النَّقْل إِلَى مَكَانٍ لِيَتَقَرَّبَ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ، لاَ عَنِ الذَّهَابِ بِهِ إِلَى عَرَفَةَ، فَلاَ يَجِبُ.
فَإِنْ ذَهَبَ إِلَى عَرَفَاتٍ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَحَسَنٌ؛ لأَِنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ، فَعَسَى أَلاَّ يَجِدَ مَنْ يُمْسِكُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُعَرِّفَ بِهِ، وَلأَِنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّشْهِيرِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الشَّعَائِرِ، بِخِلاَفِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ لأَِنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْل يَوْمِ النَّحْرِ، وَسَبَبُهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السَّتْرُ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْل يَوْمِ النَّحْرِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى التَّعْرِيفِ بِهَا (19) .
وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِصِحَّةِ الْهَدْيِ أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ حِلٍّ وَحَرَمٍ، فَلاَ يُجْزِئُ مَا اشْتَرَاهُ بِمِنًى أَيَّامَ النَّحْرِ وَذَبَحَهُ بِهَا، بِخِلاَفِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ عَرَفَةَ لأَِنَّهَا مِنَ الْحِل، فَإِنِ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ لِلْحِل؛ عَرَفَةَ أَوْ غَيْرِهَا، سَوَاءٌ خَرَجَ بِهِ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ مُحْرِمًا أَمْ لاَ، كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا (20) .
وَقَال ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لاَ هَدْيَ إِلاَّ مَا أُحْضِرَ عَرَفَاتٍ (21) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَسُوقَ هَدْيَهُ مِنْ بَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَشِرَاؤُهُ مِنَ الطَّرِيقِ أَفْضَل مِنْ شِرَائِهِ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ مِنْ عَرَفَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ أَصْلاً بَل اشْتَرَاهُ مِنْ مِنًى جَازَ وَحَصَل أَصْل الْهَدْيِ. وَبِهِ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ (22) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ مِنَ الْحِل مَسْنُونٌ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَعَلَهُ، فَسَاقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ (23) ، وَكَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إِلَى الْحَرَمِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ (24) .
وَلاَ يَجِبُ سَوْقُ الْهَدْيِ إِلاَّ بِالنَّذْرِ لأَِنَّهُ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَالأَْصْل عَدَمُ الْوُجُوبِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْهَدْيُ بِعَرَفَةَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَجْمَعَ فِي الْهَدْيِ بَيْنَ الْحِل وَالْحَرَمِ، فَلَوِ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عَرَفَةَ وَذَبَحَهُ كَفَاهُ (25) .
تَقْلِيدُ الْهَدْيِ:
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ وَضْعُ الْقِلاَدَةِ لِلإِْبِل وَالْبَقَرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَْيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ (26) .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْلِيدِ الْغَنَمِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَقْلِيد ف 3 - 8) .
إِشْعَارُ الْهَدْيِ: 14 - الإِْشْعَارُ فِي اللُّغَةِ: الإِْعْلاَمُ وَصِفَةُ الإِْشْعَارِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هِيَ: أَنْ يُضْرَبَ بِالْمِبْضَعِ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ سَنَامِ الْبَدَنَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْهُ، ثُمَّ يُلَطِّخَ بِذَلِكَ الدَّمِ سَنَامَهُ. وَسُمِّيَ ذَلِكَ إِشْعَارًا بِمَعْنَى أَنَّهُ جَعَل ذَلِكَ عَلاَمَةً لَهُ (27) . وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ سُنِّيَّةِ إِشْعَارِ الْغَنَمِ.
أَمَّا إِشْعَارُ الإِْبِل وَالْبَقَرِ فَقَالُوا بِسُنِّيَّتِهِ، فَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَشْعَرَ الْبُدْنَ بِيَدِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂ " فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا (28) ، وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ ﵃، وَقَالُوا: الإِْشْعَارُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِيلاَمٌ فَهُوَ إِيلاَمٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَجَاءَ كَالْكَيِّ وَالْوَسْمِ وَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، وَالْغَرَضُ أَنْ لاَ تُخْلَطَ بِغَيْرِهَا.
وَقَال الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ عَمَّا نُقِل مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَرَاهَةِ الإِْشْعَارِ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَكْرَهْ أَصْلاً الإِْشْعَارَ، وَكَيْفَ يَكْرَهُهُ مَعَ مَا اشْتُهِرَ فِيهِ مِنَ الأَْخْبَارِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ إِشْعَارَ أَهْل زَمَانِهِ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ الْهَلاَكَ، خُصُوصًا فِي حَرِّ الْحِجَازِ، فَرَأَى الصَّوَابَ حِينَئِذٍ سَدَّ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْعَامَّةِ، فَأَمَّا مَنْ وَقَفَ عَلَى الْحَدِّ بِأَنْ قَطَعَ الْجِلْدَ دُونَ اللَّحْمِ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، قَال الْكِرْمَانِيُّ: هَذَا هُوَ الأَْصَحُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ قِوَامِ الدِّينِ الْكَاكِيِّ وَابْنِ الْهُمَامِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ أَحْسَنَهُ (29) .
مَوْضِعُ الإِْشْعَارِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَوْضُوعِ الإِْشْعَارِ مِنَ السَّنَامِ مِنَ الإِْبِل وَالْبَقَرِ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الإِْشْعَارَ يَكُونُ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ سَنَامِ الْبَدَنَةِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْجَانِبِ الأَْيْسَرِ مِنَ السَّنَامِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلٍ لَهُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْجَانِبِ الأَْيْمَنِ مِنَ السَّنَامِ.
وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْبَقَرَ لاَ تُشْعَرُ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَحِينَئِذٍ تُشْعَرُ كَالإِْبِل.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِنَّ مَا لاَ سَنَامَ لَهُ مِنَ الإِْبِل وَالْبَقَرِ يَشُقُّ مَحَل السَّنَامِ (30) . تَجْلِيل الْهَدْيِ:
16 - التَّجْلِيل هُوَ أَنْ يَجْعَل عَلَى الْهَدْيِ شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْلِيل الْهَدْيِ، وَالتَّصَدُّقُ بِالْجُل، قَال الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ التَّجْلِيل حَسَنٌ؛ لأَِنَّ هَدَايَا رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَتْ مُقَلَّدَةً مُجَلَّلَةً حَيْثُ أَمَرَ عَلِيًّا ﵁: " أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجِلاَلِهَا وَجُلُودِهَا (31) ، وَإِنْ تَرَكَ التَّجْلِيل لَمْ يَضُرَّ وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ التَّجْلِيل بِالْبُدْنِ دُونَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (32) .
التَّصَرُّفُ فِي الْهَدْيِ قَبْل نَحْرِهِ
أَوَّلاً: الْهَدْيُ الْوَاجِبُ:
إِجَارَةُ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ:
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْهَدَايَا، وَلاَ يَتَعَوَّضَ بِمَنَافِعِهَا بَدَلاً؛ فَلَمَّا كَانَ لَيْسَ لَهُ تَمْلِيكُ مَنَافِعِهَا بِبَدَلٍ، كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا؛ وَلاَ يَكُونُ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِشَيْءٍ إِلاَّ شَيْءٌ لَهُ التَّعَوُّضُ بِمَنَافِعِهِ إِبْدَالاً مِنْهَا، وَقَدْ نَقَل الْقَاضِي عِيَاضٌ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَأَجَّرَهَا، فَرَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهَا، وَالْمُسْتَأْجِرُ الأُْجْرَةَ، وَفِي قَدْرِهَا وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا أُجْرَةُ الْمِثْل، وَالثَّانِي الأَْكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْل وَالْمُسَمَّى، ثُمَّ فِي مَصْرِفِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْفُقَرَاءُ فَقَطْ، وَأَصَحُّهُمَا تُصْرَفُ مَصْرَفَ الضَّحَايَا (33) .
أَمَّا إِعَارَتُهُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إِعَارَةُ الْهَدْيِ؛ لأَِنَّهَا إِرْفَاقٌ، كَمَا يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِهِ (34) .
إِبْدَال الْهَدْيِ الْوَاجِبِ: 18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِبْدَال الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إِلَى ثَلاَثَةِ آرَاءٍ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِبْدَالُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ، لأَِنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَال عَنْهُ بِالنَّذْرِ وَالتَّعْيِينِ وَعَلَيْهِ ذَبْحُهُ بِعَيْنِهِ. لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄ قَال: أَهْدَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَجِيبًا، فَأَعْطَى بِهَا ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أَهْدَيْتُ نَجِيبًا فَأَعْطَيْتُ بِهَا ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ، أَفَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا بُدْنًا؟ قَال: لاَ، انْحَرْهَا إِيَّاهَا (35) . فَلَوْ كَانَ إِبْدَالُهَا أَوْ بَيْعُهَا جَائِزًا بَعْدَ النَّذْرِ أَوِ التَّعْيِينِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مِنْ دَمٍ وَاجِبٍ لأَِذِنَ فِيهِ لأَِنَّ الْبُدْنَ أَكْثَرُ لَحْمًا مِنَ النَّجِيبَةِ، وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ (36) .
الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إِبْدَالُهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ خَيْرًا مِنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ إِبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِدُونِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الأَْصْحَابِ، وَقَالُوا: لأَِنَّ النُّذُورَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أُصُولِهَا فِي الْفَرْضِ وَهُوَ الزَّكَاةُ يَجُوزُ فِيهَا الإِْبْدَال، كَذَلِكَ هَذَا؛ وَلأَِنَّهُ لَوْ زَال مِلْكُهُ لَمَا عَادَ إِلَيْهِ بِالْهَلاَكِ كَسَائِرِ الأَْمْلاَكِ إِذَا زَالَتْ (37) . الرَّأْيُ الثَّالِثُ: لِلْحَنَفِيَّةِ رِوَايَتَانِ فِي جَوَازِ إِبْدَال الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ: رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ، فَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَجُوزُ إِبْدَال الْهَدْيِ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ بِمِثْلِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لاَ يَجُوزُ إِبْدَالُهُ بِقِيمَتِهِ، وَيَجُوزُ إِبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ بِالأَْوْلَى.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُْولَى: اعْتِبَارُ الْبَدَنَةِ بِالأَْمْرِ، ثُمَّ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنَ النَّعَمِ: يَجُوزُ الْقِيمَةُ فِيهِ وَكَذَا فِي النُّذُورِ. وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ: إِنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِشَيْئَيْنِ: إِرَاقَةُ الدَّمِ، وَالتَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا فِي الْقِيمَةِ، وَهُوَ إِرَاقَةُ الدَّمِ فَلَمْ يُجْزِئْ (38) .
الاِنْتِفَاعُ بِالْهَدْيِ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ:
19 - يَجُوزُ رُكُوبُ الْهَدْيِ، إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ بِلاَ ضَرَرٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُكْرَهُ رُكُوبُهَا فِي غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ قَال: " سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُول: ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا (39) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ لِرُكُوبِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الرُّكُوبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ الرُّكُوبُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ. أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَال: ارْكَبْهَا فَقَال لَهُ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال: ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ، فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ (40) .
فَإِنْ رَكِبَهَا بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ فَانْتَقَصَتْ بِهِ، ضَمِنَ قِيمَةَ النُّقْصَانِ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لأَِنَّهُ صَرَفَ جُزْءًا مِنْهَا إِلَى حَاجَتِهِ (41) .
حُكْمُ شُرْبِ لَبَنِ الْهَدْيِ:
20 - قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمُهْدِيَ لاَ يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ الْهَدْيِ إِلاَّ مَا فَضَل عَنْ وَلَدِهَا وَلَمْ يَضُرَّهَا وَلاَ يُنْقِصْ لَحْمَهَا، لأَِنَّهُ انْتِفَاعٌ لاَ يَضُرُّهَا وَلاَ وَلَدَهَا. أَمَّا إِنْ أَضَرَّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا فَيَحْرُمُ وَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِهِ، فَإِنْ شَرِبَهُ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ (42) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ كَانَ وَقْتُ الذَّبْحِ قَرِيبًا لَمْ يَحْلِبْهَا، وَيَنْضَحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الذَّبْحِ بَعِيدًا يَحْلِبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَيْ لاَ يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنْ صَرَفَ اللَّبَنَ إِلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ إِلَى غَنِيٍّ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ (43) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَشْرَبُ الْمُهْدِي مِنْ لَبَنِهَا بَعْدَ التَّقْلِيدِ أَوِ الإِْشْعَارِ وَإِنْ فَضَل عَنْ رَيِّ فَصِيلِهَا بَل يُكْرَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَحْرُمُ الشُّرْبُ إِنْ لَمْ يَفْضُل أَوْ أَضَرَّ بِالأُْمِّ أَوِ الْوَلَدِ فَإِنْ شَرِبَ فَيَغْرَمُ مُوجَبَ فِعْلِهِ الأَْرْشَ أَوِ الْبَدَل (44) .
جَزُّ وَبَرِ الْهَدْيِ:
21 - لاَ يَجُوزُ جَزُّ وَبَرِ الْهَدْيِ، فَإِنْ جَزَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ إِنِ اسْتَهْلَكَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالدَّارِمِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ إِنْ كَانَ فِي بَقَائِهِ ضَرَرٌ. وَأَجَازَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِنْ كَانَ فِي جَزِّهِ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ بَقَى إِلَى وَقْتِ النَّحْرِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَأَجَازُوا لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَالأَْفْضَل أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَقَاءِ الصُّوفِ مَصْلَحَةٌ لِدَفْعِ ضَرَرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ كَانَ وَقْتُ ذَبْحِهِ قَرِيبًا وَلَمْ يَضُرَّ بَقَاؤُهُ لَمْ يَجُزْ جَزُّهُ (45) .
ثَانِيًا: هَدْيُ التَّطَوُّعِ:
22 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ، كَمَا يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ، وَتَمْلِيكُ مَنَافِعِهِ بِبَدَلٍ، وَهُوَ الإِْجَارَةُ، وَبِدُونِ بَدَلٍ، وَهُوَ الإِْعَارَةُ.
وَذَلِكَ لأَِنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ إِلَى أَنْ يَنْحَرَ لأَِنَّ مَا وُجِدَ مِنْهُ مُجَرَّدُ نِيَّةِ ذَبْحِ الْهَدْيِ وَهَذَا لاَ يُزِيل الْمِلْكَ (46) .
التَّصَرُّفُ فِي الْهَدْيِ بَعْدَ نَحْرِهِ:
بَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْهَدْيِ:
23 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الْهَدْيِ وَجِلْدِهِ وَشَحْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا (47) .
قِسْمَةُ الْهَدْيِ وَتَفْرِقَتُهُ:
24 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَفْرِقَةِ لَحْمِ مَا وَجَبَ نَحْرُهُ بِالْحَرَمِ خَارِجَ الْحَرَمِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ تَفْرِقَةُ لَحْمِ مَا وَجَبَ نَحْرُهُ بِالْحَرَمِ فِي الْحَرَمِ لأَِنَّهُ أَحَدُ مَقْصُودَيِ النُّسُكِ فَلَمْ يَجُزْ فِي الْحِل، وَلأَِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَبْحِ الْهَدْيِ بِالْحَرَمِ التَّوْسِعَةُ عَلَى مَسَاكِينِهِ وَهَذَا لاَ يَحْصُل بِإِعْطَاءِ غَيْرِهِمْ؛ وَلأَِنَّهُ نُسُكٌ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ فَكَانَ جَمِيعُهُ مُخْتَصًّا بِهِ كَالطَّوَافِ وَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ (48) . وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ يَشْمَل الْغُرَبَاءَ الطَّارِئِينَ وَالْمُسْتَوْطِنِينَ، وَقَالُوا: الصَّرْفُ إِلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ أَفْضَل (49) .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إِلاَّ فِي الْحَرَمِ، وَيَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ، إِلاَّ أَنَّ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَفْضَل إِلاَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ (50) .
الأَْكْل مِنَ الْهَدَايَا:
الْهَدْيُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَالِغًا الْكَعْبَةَ وَإِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ كَذَلِكَ.
وَنُوَضِّحُ حُكْمَ كُلٍّ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً: الْهَدْيُ الْبَالِغُ مَحِلَّهُ:
وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الأَْكْل مِنْهُ بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ الْهَدْيِ:
أ - دِمَاءُ الْكَفَّارَاتِ وَهَدْيُ الإِْحْصَارِ:
25 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الأَْكْل مِنْ هَدَايَا الْكَفَّارَاتِ وَالإِْحْصَارِ:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُل مِنْ هَدَايَا الْكَفَّارَاتِ وَالإِْحْصَارِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ، لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ لِلْمُهْدِي وَلاَ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِضَاعَةِ الْمَال وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا (51) . وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي الأَْكْل مِنْ هَذِهِ الْهَدَايَا (52) .
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ الأَْكْل مِنْ هَدْيِ الإِْحْصَارِ وَهَدَايَا الْكَفَّارَاتِ عَدَا جَزَاءِ الصَّيْدِ. وَهُوَ قَوْل ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ جَوَازِ الأَْكْل مِنْهُ بِأَنَّهُ بَدَلٌ.
وَقَال ابْنُ أَبِي مُوسَى بِجَوَازِ الأَْكْل مِنْ هَدْيِ الإِْحْصَارِ (53) .
ب - الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ:
26 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الأَْكْل مِنَ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي الأَْكْل مِنَ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَهُوَ رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا كَانَ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ مُعَيَّنًا، أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ لِلْمُهْدِي الأَْكْل مِنْهُ (54) . ج - هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ:
27 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ أَكْل الْمُهْدِي مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُل مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بَل صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُل مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيَّ (55) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَكْل شَيْءٍ مِنْهُ (56) .
د - هَدْيُ التَّطَوُّعِ:
28 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُهْدِي الأَْكْل مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا (57) } .
وَأَقَل أَحْوَال الأَْمْرِ الاِسْتِحْبَابُ، وَبِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَكَل مِنْ بَدَنَةٍ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ نَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ مِنَ الْمِائَةِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُل بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا (58) .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ دَمُ النُّسُكِ، فَيَجُوزُ مِنْهُ الأَْكْل كَالأُْضْحِيَةِ.
وَبِهَذَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ هَدْيُ التَّطَوُّعِ مُعَيَّنًا، أَمَّا إِذَا نَوَى الْمُهْدِي الْهَدْيَ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ سَمَّاهُ لَهُمْ - عَيَّنَ أَمْ لاَ - فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الأَْكْل مِنْهُ (59) .
ثَانِيًا: الْهَدْيُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ:
أ - هَدْيُ التَّطَوُّعِ:
29 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَبْلُغِ الْحَرَمَ نَحَرَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُهُ الْفَقِيرُ، وَلاَ يَأْكُل الْمُهْدِي مِنْهُ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأَْغْنِيَاءِ الأَْكْل مِنْهُ كَذَلِكَ، وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِرُفْقَةِ الْمُهْدِي الأَْكْل مِنَ الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ. وَاخْتَارَ فِي التَّبْصِرَةِ إِبَاحَةَ الأَْكْل مِنْهُ لِرَفِيقِ الْمُهْدِي الْفَقِيرِ (60) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا عَطِبَ هَدْيُ التَّطَوُّعِ فِي الطَّرِيقِ فَعَل بِهِ الْمُهْدِي مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِمَا (61) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إِذَا نَوَاهُ الْمُهْدِي لِلْمَسَاكِينِ أَوْ سَمَّاهُ لَهُمْ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ أَمْ لاَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِلْمُهْدِي الأَْكْل بَلَغَ مَحِلَّهُ أَمْ لاَ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ يَجُوزُ الأَْكْل مِنْهُ (62) .
ب - الْهَدْيُ الْوَاجِبُ: 30 - لاَ يَنْبَغِي لِلْمُهْدِي أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِ الْهَدْيِ أَوْ مِنْ مَنَافِعِهِ إِلَى نَفْسِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ (63) .
أَمَّا إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ فِي الطَّرِيقِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ أَكْل الْمُهْدِي مِنْهُ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ أَقَامَ الْمُهْدِي غَيْرَهُ مَقَامَهُ وَصَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ لأَِنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِمَا عَيَّنَهُ، وَهُوَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ أَمْلاَكِهِ (64) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِ الأَْكْل مِنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ لِنَقْصٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ تَرْكٍ وَاجِبٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ فَوَاتٍ أَوْ تَعَدِّي مِيقَاتٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يُعَيَّنْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ أَوْ لاَ (65) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ فِي الطَّرِيقِ قَبْل مَحِلِّهِ أَوْ عَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ إِلَى مَحِلِّهِ لَزِمَ الْمُهْدِيَ نَحْرُهُ مَوْضِعَهُ مُجَزِّئًا، وَصَبَغَ نَعْل الْهَدْيِ الَّتِي فِي عُنُقِهِ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ لِيَعْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُهْدِي وَعَلَى خَاصَّةِ رُفْقَتِهِ الأَْكْل مِنَ الْهَدْيِ الْعَاطِبِ - وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ - مَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ إِنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُول: إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلاَ تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَهْل رُفْقَتِكَ (66) . وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ حَيْثُ أَجَازُوا الأَْكْل مِنْهُمَا، جَاءَ فِي الإِْنْصَافِ: وَلاَ يَأْكُل مِنْ وَاجِبٍ إِلاَّ مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لاَ يَأْكُل إِلاَّ مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ فَقَطْ.
وَقَال الآْجُرِّيُّ: لاَ يَأْكُل مِنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ أَيْضًا.
وَعَنْ أَحْمَدَ: يَأْكُل مِنَ الْكُل إِلاَّ مِنَ النَّذْرِ - وَجَزَاءُ الصَّيْدِ. وَأَلْحَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِهِمَا الْكَفَّارَةَ، وَجَوَّزَ الأَْكْل مِمَّا عَدَا ذَلِكَ (67) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ وَكَانَ وَاجِبًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ. فَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى هَلَكَ ضَمِنَهُ، وَإِذَا ذَبَحَهُ غَمَسَ النَّعْل الَّتِي قَلَّدَهُ فِي دَمِهِ، وَضَرَبَ بِهَا سِنَامَهُ، وَتَرَكَهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُل مِنْهُ، وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ، وَلاَ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي وَلاَ لأَِغْنِيَاءِ الرُّفْقَةِ الأَْكْل مِنْهُ قَطْعًا، وَلاَ لِفُقَرَاءِ الرُّفْقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ (68) . الاِدِّخَارُ مِنْ لَحْمِ الْهَدْيِ:
31 - لاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ الاِدِّخَارِ مِنْ لَحْمِ مَا يَجُوزُ الأَْكْل مِنْهُ مِنَ الْهَدَايَا (69) . لِحَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْل لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ ثُمَّ قَال: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا (70) .
الْقَدْرُ الْمُدَّخَرُ:
32 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَل بِهِ كَمَا يَفْعَل بِالأُْضْحِيَةِ. فَيَأْكُل وَيَدَّخِرُ بِالثُّلُثِ، وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ وَيُطْعِمُ الأَْغْنِيَاءَ بِالثُّلُثِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مَا أُبِيحَ لِلْمُهْدِي الأَْكْل مِنْهُ فَلَهُ أَكْلُهُ جَمِيعُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ. قَال فِي الطِّرَازِ: وَهُوَ أَحْسَنُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَدَعُ الأَْكْل وَالصَّدَقَةَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (71) } .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُل وَيَدَّخِرَ النِّصْفَ، وَيَتَصَدَّقَ بِالنِّصْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقَالُوا: وَالأَْفْضَل وَالأَْحْسَنُ. أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ إِلاَّ لُقَيْمَاتٍ يَأْكُلُهَا تَبَرُّكًا.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُهْدِي الأَْكْل مِنَ الْهَدْيِ كَالأُْضْحِيَةِ وَلَهُ التَّزَوُّدُ وَالأَْكْل كَثِيرًا (72) .
عَطَبُ الْهَدْيِ
33 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ نَحَرَهُ صَاحِبُهُ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ؛ لأَِنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ؛ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لإِِسْقَاطِ الْوَاجِبِ بِهِ بَقِيَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ، وَهَذَا مِلْكُهُ فَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ وَلَمْ يَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا، بَل يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَذَلِكَ أَفْضَل مِنْ أَنْ يَتْرُكَهُ لِلسِّبَاعِ. هَكَذَا نُقِل عَنْ عَائِشَةَ ﵂. وَالأَْصْل فِيهِ مَا وَرَدَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدَبٍ الْخُزَاعِيِّ صَاحِبِ بُدْنِ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنَ الْبُدْنِ؟ قَال: انْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَل بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا فَيَأْكُلُوهَا (73) وَمَقْصُودُهُ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ يَجْعَل عَلَيْهَا عَلاَمَةً، يُعْلَمُ بِتِلْكَ الْعَلاَمَةِ أَنَّهَا هَدْيٌ، فَيَتَنَاوَل مِنْهَا الْفُقَرَاءُ دُونَ الأَْغْنِيَاءِ وَإِنَّمَا نَهَاهُ أَنْ يَتَنَاوَل مِنْهَا لأَِنَّهُ كَانَ غَنِيًّا مَعَ رُفْقَتِهِ، ثُمَّ الْمُتَطَوِّعُ بِالْهَدَايَا إِنَّمَا يَتَنَاوَل بِإِذْنِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَالإِْذْنُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا (74) } ، فَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا لاَ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُل مِنْهَا وَلاَ أَنْ يُطْعِمَ غَنِيًّا، بَل يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لأَِنَّهُ قَصَدَ بِهَا التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِذَا فَاتَ مَعْنَى التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِرَاقَةِ الدَّمِ تَعَيَّنَ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّصَدُّقِ، وَذَلِكَ بِالصَّرْفِ إِلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الأَْغْنِيَاءِ، فَإِنْ أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ غَنِيًّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ. وَيَتَصَدَّقُ بِجِلاَلِهَا وَخَطْمِهَا أَيْضًا كَمَا يَفْعَل ذَلِكَ إِذَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا (75) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْهَدْيُ هَدْيَانِ: وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ، وَيَأْكُل مِنَ الْهَدْيِ كُلِّهِ وَاجِبِهِ وَتَطَوُّعِهِ إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةَ الأَْذَى، وَنَذْرَ الْمَسَاكِينِ، وَهَدْيَ التَّطَوُّعِ إِذَا عَطِبَ قَبْل مَحِلِّهِ. وَأَمَّا الْهَدْيُ الْوَاجِبُ إِذَا عَطِبَ قَبْل مَحِلِّهِ فَإِنَّهُ يَأْكُل مِنْهُ صَاحِبُهُ إِنْ شَاءَ لأَِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ، وَلاَ بَدَل عَلَيْهِ فِي الْوَاجِبِ إِنْ عَطِبَ قَبْل مَحِلِّهِ إِلاَّ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ، وَمَنْ أَكَل مِنْ هَدْيٍ لاَ يَجُوزُ الأَْكْل مِنْهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُبَدَّل الْهَدْيُ كُلُّهُ، وَالآْخَرُ: أَنَّهُ لاَ يُبَدَّل إِلاَّ مِقْدَارُ مَا أَكَل مِنْهُ وَالأَْوَّل أَشْهَرُ عَنْ مَالِكٍ، وَالآْخَرُ اخْتِيَارُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ إِنْ أَكَل مِنْ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلاَّ مِقْدَارُ مَا أَكَل، وَإِنْ أَكَل مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ مِنْ فِدْيَةِ الأَْذَى جَزَاهُ كُلُّهُ وَأَتَى بِفِدْيَتِهِ كَامِلَةً.
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْحَرَ الْهَدْيَ التَّطَوُّعَ إِذَا عَطِبَ قَبْل مَحِلِّهِ، ثُمَّ يَضَعُ قِلاَدَتَهُ فِي دَمِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ، وَلاَ يَأْكُل مِنْهُ صَاحِبُهُ وَلاَ يُطْعِمُ وَلاَ يَتَصَدَّقُ، فَإِنْ أَكَل أَوْ أَطْعَمَ أَوْ تَصَدَّقَ فَالأَْشْهَرُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ إِنْ أَكَل مِنْهُ شَيْئًا ضَمِنَهُ كُلَّهُ (76) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ إِلَى أَنْ يُنْحَرَ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا زَال مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلاَ إِبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄ قَال: أُهْدِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ نَجِيبًا، فَأُعْطِيَ بِهَا ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أُهْدِيتُ نَجِيبًا وَأُعْطِيتُ بِهَا ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ، أَفَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا بُدْنًا؟ قَال: " لاَ، انْحَرْهَا إِيَّاهَا (77) .
وَإِنْ عَطِبَ وَخَافَ أَنْ يَهْلِكَ نَحَرَهُ وَغَمَسَ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو قَبِيصَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُول: إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلاَ تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلاَ أَحَدٌ أَهَل مِنْ رُفْقَتِكَ (78) وَلأَِنَّهُ هَدْيٌ مَعْكُوفٌ عَنِ الْحَرَمِ فَوَجَبَ نَحْرُهُ مَكَانَهُ كَهَدْيِ الْمُحْصَرِ.
وَهَل يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى فُقَرَاءِ الرُّفْقَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لاَ يَجُوزُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَبِيصَةَ، وَلأَِنَّ فُقَرَاءَ الرُّفْقَةِ يُتَّهَمُونَ فِي سَبَبِ عَطَبِهَا فَلَمْ يَطْعَمُوا مِنْهَا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لأَِنَّهُمْ مِنْ أَهْل الصَّدَقَةِ فَجَازَ أَنْ يَطْعَمُوا كَسَائِرِ الْفُقَرَاءِ.
فَإِنْ أَخَّرَ ذَبْحَهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَهُ؛ لأَِنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي تَرْكِهِ فَضَمِنَهُ كَالْمُودَعِ إِذَا رَأَى مَنْ يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ فَسَكَتَ عَنْهُ حَتَّى سَرَقَهَا؛ وَإِنْ أَتْلَفَهَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ لأَِنَّهُ أَتْلَفَ مَال الْمَسَاكِينِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ، وَيَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِ الأَْمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ هَدْيٍ مِثْلِهِ لأَِنَّهُ لَزِمَهُ الإِْرَاقَةُ وَالتَّفْرِقَةُ وَقَدْ فَوَّتَ الْجَمِيعَ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُمَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ شَيْئَيْنِ، فَإِنْ كَانَتِ الْقِيمَةُ مِثْل ثَمَنِ مِثْلِهِ اشْتَرَى مِثْلَهُ وَأَهْدَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَل لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِثْلَهُ وَيَهْدِيَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ نَظَرْتَ: فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدْيَيْنِ اشْتَرَاهُمَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ اشْتَرَى هَدْيًا.
وَإِنْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ هَدْيٌ فَعَيَّنَهُ بِالنَّذْرِ فِي هَدْيٍ تَعَيَّنَ؛ لأَِنَّ مَا وَجَبَ مُعَيَّنًا جَازَ أَنْ يَتَعَيَّنَ بِهِ مَا فِي الذِّمَّةِ كَالْبَيْعِ؛ وَيَزُول مِلْكُهُ عَنْهُ فَلاَ يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَلاَ إِبْدَالَهُ، فَإِنْ هَلَكَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ رَجَعَ الْوَاجِبُ إِلَى مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ عَطِبَ فَنَحَرَهُ عَادَ الْوَاجِبُ إِلَى مَا فِي الذِّمَّةِ.
وَهَل يَعُودُ مَا نَحَرَهُ إِلَى مِلْكِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَعُودُ إِلَى مِلْكِهِ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا نَحَرَهُ لِيَكُونَعَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَعُودُ؛ لأَِنَّهُ صَارَ لِلْمَسَاكِينِ فَلاَ يَعُودُ إِلَيْهِ. فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَعُودُ إِلَى مِلْكِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ وَيُطْعِمَ مَنْ شَاءَ.
ثُمَّ يَنْظُرُ فِيهِ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ مِثْل الَّذِي عَادَ إِلَى مِلْكِهِ نَحَرَ مِثْلَهُ فِي الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُهْدِي مِثْل مَا نَحَرَ؛ لأَِنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَصَارَ مَا فِي ذِمَّتِهِ زَائِدًا فَلَزِمَهُ نَحْرُ مِثْلِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُهْدِي مِثْل الَّذِي كَانَ فِي ذِمَّتِهِ؛ لأَِنَّ الزِّيَادَةَ فِيمَا عَيَّنَهُ وَقَدْ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَسَقَطَ (79) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ: أَنَّ مَنْ سَاقَ هَدْيًا يَنْوِي بِهِ الْوَاجِبَ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِالْقَوْل فَهَذَا لاَ يَزُول مِلْكُهُ عَنْهُ إِلاَّ بِذَبْحِهِ وَدَفْعِهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ حَقُّ غَيْرِهِ بِهِ وَلَهُ نَمَاؤُهُ.
وَإِنْ عَطِبَ تَلِفَ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَبْحُهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا، فَإِنَّ وُجُوبَهُ فِي الذِّمَّةِ فَلاَ يَبْرَأُ مِنْهُ إِلاَّ بِإِيصَالِهِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ.
أَمَّا إِذَا عُيِّنَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِالْقَوْل، كَأَنْ يَقُول: هَذَا الْوَاجِبُ عَلَيَّ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْوُجُوبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْرَأَ الذِّمَّةُ مِنْهُ؛ لأَِنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ هَدْيًا وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ لَتَعَيَّنَ، فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا فَعَيَّنَهُ فَكَذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَطِبَ أَوْ سُرِقَ أَوْ ضَل أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَعَادَ الْوُجُوبُ إِلَى ذِمَّتِهِ، وَإِنْ ذَبَحَهُ فَسُرِقَ أَوْ عَطِبَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، قَال أَحْمَدُ: إِذَا نَحَرَ فَلَمْ يَطْعَمْهُ حَتَّى سُرِقَ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا نَحَرَ فَقَدْ فَرَغَ، وَهَذَا قَوْل الثَّوْرِيِّ (80) .
أَمَّا مَنْ تَطَوَّعَ بِهَدْيٍ غَيْرِ وَاجِبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْل مِنْ حَالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْوِيَهُ هَدْيًا، وَلاَ يُوجِبُ بِلِسَانِهِ وَلاَ بِإِشْعَارِهِ وَتَقْلِيدِهِ، فَهَذَا لاَ يَلْزَمُهُ إِمْضَاؤُهُ، وَلَهُ أَوْلاَدُهُ وَنَمَاؤُهُ وَالرُّجُوعُ فِيهِ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَذْبَحْهُ؛ لأَِنَّهُ نَوَى الصَّدَقَةَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ.
الثَّانِي: أَنْ يُوجِبَ بِلِسَانِهِ فَيَقُول: هَذَا هَدْيٌ، أَوْ يُقَلِّدَهُ أَوْ يُشْعِرَهُ، يَنْوِي بِذَلِكَ إِهْدَاءَهُ، فَيَصِيرُ وَاجِبًا مُعَيَّنًا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِعَيْنِهِ دُونَ ذِمَّةِ صَاحِبِهِ، وَيَصِيرُ فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ كَالْوَدِيعَةِ يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ وَإِيصَالُهُ إِلَى مَحَلِّهِ.
فَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، أَوْ سُرِقَ، أَوْ ضَل لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَجِبْ فِي الذِّمَّةِ إِنَّمَا تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِالْعَيْنِ فَسَقَطَ بِتَلَفِهَا كَالْوَدِيعَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: " مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً ثُمَّ ضَلَّتْ أَوْ مَاتَتْ فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَذْرًا أَبْدَلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا وَإِنْ شَاءَ أَكَل وَتَرَكَهَا " (81) .
وَأَمَّا إِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لأَِنَّهُ أَتْلَفَ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ فَضَمِنَهُ كَالْوَدِيعَةِ.
وَإِنْ خَافَ عَطَبَهُ أَوْ عَجَزَ عَنِ الْمَشْيِ وَصُحْبَةِ الرِّفَاقِ نَحَرَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ، وَلَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْل شَيْءٍ مِنْهُ وَلاَ لأَِحَدٍ مِنْ صَحَابَتِهِ وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ (82) .
وَقْتُ ذَبْحِ الْهَدْيِ:
الْهَدْيُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ، أَوْ يَكُونَ هَدْيَ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ، أَوْ هَدْيًا لِجَبْرِ نُقْصَانٍ، أَوْ هَدْيَ نَذْرٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
34 - أَمَّا هَدْيُ التَّطَوُّعِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ ذَبْحِهِ، فَالْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ التَّطَوُّعِ قَبْل يَوْمِ النَّحْرِ، لأَِنَّ الْقُرْبَةَ فِي التَّطَوُّعَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا هَدَايَا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِتَبْلِيغِهَا إِلَى الْحَرَمِ، وَذَبْحُهُ أَيَّامَ النَّحْرِ أَفْضَل لأَِنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِ أَظْهَرُ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ ذَبْحِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ هُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ الثَّلاَثَةُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
وَلاَ تُجْزِئُ لَيْلاً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَتُجْزِئُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
35 - وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي وَقْتِ ذَبْحِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ الثَّلاَثَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (83) } .
وَجْهُ الاِسْتِدْلاَل بِالآْيَةِ: أَنَّ قَضَاءَ التَّفَثِ (أَيْ إِزَالَةَ الْوَسِخِ) ، وَالطَّوَافُ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، فَكَذَا الذَّبْحُ، لِيَكُونَ مَسْرُودًا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ؛ لأَِنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالأُْضْحِيَةِ؛ وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لاَ تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، بَل يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَهَا بَعْدَ الإِْحْرَامِ بِالْقِرَانِ، وَبَعْدَ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي التَّمَتُّعِ، وَيَجُوزُ قَبْل الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّل مِنَ الْعُمْرَةِ فِي الأَْظْهَرِ.
36 - وَأَمَّا دَمُ الْجِنَايَاتِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ؛ لأَِنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ، فَلاَ تَخْتَصُّ بِزَمَانِ النَّحْرِ، بَل يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إِلَى أَيِّ وَقْتٍ آخَرَ، إِلاَّ أَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَانَ التَّعَجُّل بِهَا أَوْلَى، لاِرْتِفَاعِ النُّقْصَانِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ الثَّلاَثَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ وَقْتَ ذَبْحِ دِمَاءِ الْجِنَايَاتِ يَكُونُ مِنْ وَقْتِ فِعْل الْمَحْذُورِ.
37 - وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ ذَبْحِ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ هُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ الثَّلاَثَةُ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّبِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاَثَةِ قِيَاسًا عَلَى الأُْضْحِيَةِ (84) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِنْ فَاتَ الْوَقْتُ قَبْل ذَبْحِ الْهَدْيِ ذَبَحَ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ قَضَاءً؛ لأَِنَّ الذَّبْحَ أَحَدُ مَقْصُودَيِ الْهَدْيِ فَلاَ يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يُفَرِّقْهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ (85) .
مَكَانُ ذَبْحِ الْهَدْيِ:
38 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ الْهَدْيِ - عَدَا الإِْحْصَارِ - يَخْتَصُّ جَوَازُ إِرَاقَتِهَا بِالْحَرَمِ، وَلاَ يَجُوزُ ذَبْحُ شَيْءٍ مِنْهَا خَارِجَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ (86) } وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (87) } ، وَلِقَوْلِهِ ﷺ: نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ (88) : وَقَوْلِهِ ﷺ: كُل فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ (89) .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَكَانَ ذَبْحِ الْهَدَايَا بِمَا فِيهَا دَمُ الْمُحْصَرِ الْحَرَمُ، فَلاَ يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إِلاَّ فِي الْحَرَمِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (90) } ، وَلَوْ كَانَ كُل مَوْضِعٍ مَحِلًّا لِلذَّبْحِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْمَحِل فَائِدَةٌ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ إِرَاقَةِ دَمِ الْمُحْصَرِ فِي الْحَرَمِ أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ " أُمِرَ الْمُحْصَرُ بِأَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا وَيُوَاعِدَ أَصْحَابَهُ مَوْعِدًا، فَإِذَا نَحَرَ عَنْهُ حَل " (91) .
وَلأَِنَّهُ دَمُ تَحَلُّلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَوَقَّتَ بِالْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْمُتْعَةِ؛ وَدَمِ الْمُجَامِعِ قَبْل الْوُقُوفِ، وَهَذَا لأَِنَّ الدَّمَ لاَ يَخْلُو عَنِ الإِْرَاقَةِ عَلَى سَبِيل الْقُرْبَةِ، وَالْقُرْبَةُ فِي الإِْرَاقَةِ لاَ تُعْقَل قِيَاسًا، وَإِنَّمَا عُقِلَتْ شَرْعًا مُؤَقَّتَةً بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمَكَانٍ بِعَيْنِهِ وَالزَّمَانُ غَيْرُ مُرَاعًى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مُتَوَقِّتٌ بِالْمَكَانِ، وَمَا هُوَ إِلاَّ الْحَرَمُ؛ لأَِنَّ سَائِرَ دِمَاءِ الْحَجِّ كُلِّهَا قُرْبَةً كَانَتْ أَوْ كَفَّارَةً لاَ تَصِحُّ إِلاَّ فِي الْحَرَمِ فَكَذَلِكَ هَذَا (92) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَا وَقَفَهُ بِعَرَفَةَ مِنَ الْهَدْيِ فِي جُزْءٍ مِنَ اللَّيْل لاَ يَنْحَرُهُ إِلاَّ فِي مِنًى أَيَّامَ النَّحْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ فَاتَتْ تَعَيَّنَتْ مَكَّةُ أَوْ مَا يَلِيهَا مِنَ الْبُيُوتِ، فَإِنْ ذَبَحَهُ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى جَاهِلاً أَوْ مُتَعَمِّدًا فَرَوَى سَحْنُونٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ مَا لَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ أَوْ وُقِفَ فِي غَيْرِ اللَّيْل فَمَحِلُّهُ مَكَّةُ، وَلَوْ عَطِبَ قَبْل أَنْ يَبْلُغَ مَكَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ لأَِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ، وَلَيْسَتْ مِنًى مَحِلَّهُ (93) .
وَأَفْضَل بِقَاعِ الْحَرَمِ لِلنَّحْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ مِنًى، وَفِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ مَكَّةُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْهَدَايَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنًى، وَفِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ الأَْوْلَى بِمَكَّةَ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الأَْفْضَل فِي حَقِّ الْحَاجِّ مِنًى عِنْدَ الْجَمْرَةِ الأُْولَى، وَأَنَّ الأَْفْضَل فِي حَقِّ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ (94) .
السُّنَّةُ فِي ذَبْحِ الْهَدْيِ:
39 - يُسْتَحَبُّ فِي ذَبْحِ الْهَدْيِ مَا يُسْتَحَبُّ فِي ذَبْحِ الأُْضْحِيَةِ وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُرَاعِيَ فِي الإِْبِل النَّحْرَ، وَفِي غَيْرِهَا الذَّبْحَ، وَالدُّعَاءَ بِالْقَبُول، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِجِلاَلِهَا وَخِطَامِهَا، وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا وَلاَ يُعْطِي الْجَزَّارَ مِنْهَا أُجْرَةً.
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ (مُصْطَلَح أُضْحِيَة ف 51 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) الْمِصْبَاح المنير والقاموس المحيط والمعجم الْوَسِيط.
(2) الدَّرّ الْمُخْتَار وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ عَلَيْهِ 2 / 249، والمجموع 8 / 268 - 269.
(3) الْمُعْجَم الْوَسِيط.
(4) شَرْح الْمَنْهَجِ بِحَاشِيَة البجيرمي 4 / 294، والدر الْمُخْتَار بِحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 198 طَبْعَة بُولاَق.
(5) الْمُعْجَم الْوَسِيط، والقليوبي 4 / 255.
(6) حَدِيث: " أَهْدَى النَّبِيّ ﷺ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَة بَدَنَة ". أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 3 / 557 - ط السَّلَفِيَّة) .
(7) الْمَجْمُوع 8 / 356، 414، والإيضاح مَعَ حَاشِيَتِهِ ص 364، وانظر الْهِدَايَة وَشَرْحهَا 2 / 322، و 8 / 76 - 77، والمسلك الْمُتَقَسِّط 271، ومواهب الْجَلِيل 3 / 105.
(8) الْمَبْسُوط 4 / 140، والمدونة 1 / 412، وَالْمَجْمُوع 8 / 361، والمغني 3 / 82، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 461 - 462.
(9) حَدِيث عَائِشَة: " فَتَلَتْ قَلاَئِد بَدَن النَّبِيِّ ﷺ. أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 3 / 542 - ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (2 / 957 - ط الْحَلَبِيّ) وَالسِّيَاق لِمُسْلِم.
(10) سُورَة الْحَجّ / 29.
(11) فَتْح الْقَدِير 3 / 165، وتبيين الْحَقَائِق 2 / 91.
(12) مَوَاهِب الْجَلِيل 3 / 194.
(13) كَشَّاف الْقِنَاع 3 / 12، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 3 / 539، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 482.
(14) سُورَة الْحَجّ / 32.
(15) أَثَر ابْن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى (وَمَنْ يُعْظِمُ شَعَائِر اللَّهِ) أَخْرَجَهُ ابْن جَرِير فِي تَفْسِيرِهِ (17 / 361 - ط الْحَلَبِيّ) .
(16) أَثَّرَ عَلَيَّ " إِذَا اشْتَرَيْت أُضْحِيَّة. . . " أَخْرَجَهُ ابْن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى (7 / 361 - ط المنيرية) .
(17) الدَّرّ الْمُخْتَار وَرَدّ الْمُحْتَارِ 5 / 281، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 462، والدسوقي 2 / 121، والمجموع 8 / 310 - 314 و 356 - 357 - 361 - 395 - 396.
(18) حَدِيث أَنَس ﵁: " ضَحَّى النَّبِيّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 10 / 23 - ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (3 / 1556 - ط الْحَلَبِيّ) .
(19) فَتْح الْقَدِير 3 / 81، وتبيين الْحَقَائِق 2 / 90، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 1 / 262.
(20) الشَّرْح الصَّغِير 2 / 448.
(21) الْمَجْمُوع 8 / 357.
(22) الْمَجْمُوع 8 / 357 طَبْعَة دَار الْفِكْرِ.
(23) سَبَقَ تَخْرِيجَهُ ف 4.
(24) حَدِيث: " أَنَّ الرَّسُول ﷺ كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيهِ إِلَى الْحَرَمِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ ". أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 3 / 543 - ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (2 / 957 - ط الْحَلَبِيّ) .
(25) الإِْنْصَاف 4 / 100، وكشاف الْقِنَاع 3 / 17 - 18، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 486.
(26) حَدِيث ابْن عَبَّاسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظَّهْر بِذِي الْحَلِيفَةِ. . . ". أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 912 - ط الْحَلَبِيّ) .
(27) الْمَبْسُوط لِلسَّرْخَسِيَ 4 / 138، والمغني 3 / 549، ومطالب أُولِي النُّهَى 3 / 486، والشرح الصَّغِير 3 / 549، وروضة الطَّالِبِينَ 3 / 189.
(28) حَدِيث عَائِشَة: " فَتَلَتْ قَلاَئِد هَدْي النَّبِيِّ ﷺ. . . ". أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 3 / 542 - ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (2 / 957 - ط الْحَلَبِيّ) وَالسِّيَاق لِلْبُخَارِيِّ.
(29) الْمَبْسُوط 4 / 138، وابن عَابِدِينَ 2 / 197، وحاشية الدُّسُوقِيّ 2 / 88 - 89، وروضة الطَّالِبِينَ 3 / 189، والمغني 3 / 549، ومطالب أُولِي النُّهَى 3 / 486.
(30) الْمَبْسُوط 4 / 138، وابن عَابِدِينَ 2 / 197، وروضة الطَّالِبِينَ 3 / 189، ومطالب أُولِي النُّهَى 3 / 486، والمغني 3 / 549، والمجموع 8 / 360.
(31) حَدِيث: أَمَرَ الرَّسُول ﷺ عُلْيَا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَلاَلِهَا وَجُلُودهَا. أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 3 / 557 - ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (2 / 955 - ط الْحَلَبِيّ) .
(32) الْمَبْسُوط 4 / 138، ومواهب الْجَلِيل لِلْحَطَّابِ 3 / 190، والمجموع 8 / 274، والفروع 3 / 547.
(33) شَرْح مَعَانِي الآْثَارِ للطحاوي 2 / 328، والمجموع 8 / 328، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 481 - 482، والمنتقى شَرْح الْمُوَطَّأ 2 / 309.
(34) الْمَجْمُوع 8 / 328.
(35) حَدِيث ابْن عُمَر: " أُهْدِي عُمَر بْن الْخَطَّابِ نَجِيبًا ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (2 / 365 - ط حِمْص) وَالْبَيْهَقِيّ (5 / 241 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة) ، وذكر ابْن التُّرْكُمَانِيِّ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رَاوِيًا مَجْهُولاً.
(36) الْحَاوِي الْكَبِير 5 / 485 - 476، والمجموع 8 / 362 وَمَا بَعْدَهَا، والمغني 3 / 539، والمدونة 1 / 385.
(37) الْمُغْنِي 3 / 539.
(38) بَدَائِع الصَّنَائِع 2 / 224 - 225، والمبسوط 4 / 146 - 147، وحاشية الطحطاوي عَلَى الدَّرِّ الْمُخْتَارِ 2 / 555.
(39) حَدِيث: " ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا إلجئت إِلَيْهَا. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 961 - ط الْحَلَبِيّ) .
(40) حَدِيث: " أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَة. . . " أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 3 / 536 - ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (2 / 960 - ط الْحَلَبِيّ) وَالسِّيَاق لِمُسْلِم.
(41) الْمَبْسُوط 4 / 144 - 145، والدسوقي 2 / 92، والمجموع 8 / 278، والمغني 3 / 450.
(42) مَطَالِب أُولِي النُّهَى 2 / 482، والمجموع 8 / 366 - 367.
(43) تَبْيِين الْحَقَائِقِ 2 / 91، وفتح الْقَدِير 3 / 167.
(44) حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 92.
(45) الْمَجْمُوع 8 / 279 - 280، والمغني 3 / 540، والمبسوط 4 / 144.
(46) شَرْح مَعَانِي الآْثَارِ 2 / 162، والمجموع 8 / 364 - 365.
(47) شَرْح اللُّبَاب 312 و 313، والحطاب 3 / 193، والمجموع 8 / 332، والكافي 1 / 474.
(48) الْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 3 / 546، وروضة الطَّالِبِينَ 3 / 187.
(49) رَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 187.
(50) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 1 / 262 - 263.
(51) الْبَحْر الرَّائِق 3 / 76، وكشاف الْقِنَاع 3 / 20، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 530 - 531.
(52) الشَّرْح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 89.
(53) الْمُغْنِي 3 / 542.
(54) الْبَحْر الرَّائِق 2 / 76، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 531، وكشاف الْقِنَاع 3 / 20، والمغني لاِبْنِ قُدَامَةَ 3 / 541، والشرح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 89.
(55) الْبَحْر الرَّائِق 3 / 76، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 1 / 262، وفتح الْقَدِير 3 / 167، وكشاف الْقِنَاع 3 / 0 2، والمغني 3 / 541، والشرح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 89.
(56) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 531.
(57) سُورَةُ الْحَجِّ / 28.
(58) حَدِيث: " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بَدَنَة بِيَدِهِ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 892 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ جَابِر بْن عَبْد اللَّه.
(59) الْبَحْر الرَّائِق 3 / 76، والحاوي 5 / 252، وكشاف الْقِنَاع 3 / 19، والشرح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 89.
(60) الْبَحْر الرَّائِق 3 / 76، والإنصاف 4 / 97 - 98، وكشاف الْقِنَاع 3 / 15.
(61) رَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 190.
(62) الشَّرْح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 2 / 89.
(63) فَتْح الْقَدِير 3 / 165.
(64) الْبَحْر الرَّائِق 3 / 167.
(65) الشَّرْح الْكَبِير مَعَ حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيّ 3 / 89.
(66) حَدِيث:، " ذُؤَيْب أَبِي قَبِيصَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبَدَنِ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 963 ط الْحَلَبِيّ) .
(67) كَشَّاف الْقِنَاع 3 / 15، ومطالب أُولِي النُّهَى 2 / 483 - 484، والإنصاف 4 / 104.
(68) رَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 190 - 191.
(69) الْبَحْر الرَّائِق 3 / 76، والحاوي الْكَبِير 5 / 499 - 500، وكشاف الْقِنَاع 3 / 19.
(70) حَدِيث: " جَابِر بْن عَبْد اللَّه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْل لُحُومِ الضَّحَايَا. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3 / 1562 - ط الْحَلَبِيّ) .
(71) سُورَةُ الْحَجِّ / 36.
(72) الْبَحْر الرَّائِق 4 / 76، والحاوي الْكَبِير 5 / 499 - 500، وكشاف الْقِنَاع 3 / 19، ومواهب الْجَلِيل 3 / 190.
(73) حَدِيثُ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْخُزَاعِيِّ صَاحِبِ بَدْنِ رَسُول اللَّهِ ﷺ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ 3 / 244 - ط الْحَلَبِيّ) ، وَقَال حَدِيث حَسَن صَحِيح.
(74) سُورَةُ الْحَجِّ / 36
(75) الْمَبْسُوط 4 / 145.
(76) الْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ 1 / 349 - 350.
(77) حَدِيث ابْن عُمَر: " أَهْدَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ نَجِيبًا. . . " تَقَدَّمَ تَخْرِيجه فِقْرَة (18) .
(78) حَدِيث أَبِي قَبِيصَةَ: " أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْهَدْي ". أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 963 - ط الْحَلَبِيّ) .
(79) الْمُهَذَّب 1 / 243 - 244.
(80) الْمُغْنِي 3 / 534 ط الرِّيَاض، و 5 / 434 ط هُجِرَ.
(81) أَثَر ابْن عُمَر: " مَنْ أَهْدَى بَدَنَة ثُمَّ ضَلَّتْ. . . " أَخْرَجَهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأِ (1 / 381 - ط الْحَلَبِيّ) .
(82) الْمُغْنِي 3 / 537.
(83) سُورَةُ الْحَجِّ / 29 - 30.
(84) تَبْيِين الْحَقَائِقِ 2 / 90، والهداية وَفَتْح الْقَدِير 2 / 323، والمدونة 1 / 487، والدسوقي 2 / 86 - 88، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 516 - 530، وكشاف الْقِنَاع 3 / 9 - 10، والفروع 3 / 545 - 546.
(85) هِدَايَة السَّالِكِ لاِبْنِ جَمَاعَة 1 / 328، وكشاف الْقِنَاع 3 / 10.
(86) سُورَةُ الْمَائِدَةِ / 95.
(87) سُورَةُ الْحَجِّ / 33.
(88) حَدِيث: (نَحَرَتْ هَهُنَا، وَمِنًى كُلّهَا مَنْحَر. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 893 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ جَابِر بْن عَبْد اللَّه.
(89) حَدِيث: كُل فِجَاج مَكَّة طَرِيق وَمَنْحَر. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (2 / 479 - ط حِمْص) ، والحاكم (1 / 460 - ط دَارَ الْمَعَارِف الْعُثْمَانِيَّة) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(90) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 196.
(91) أَثَر ابْن مَسْعُود " أَنَّهُ أَمَّرَ الْمَحْصَر بِأَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا " أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الآْثَار (2 / 251 - ط مَطْبَعَة الأَْنْوَار الْمُحَمَّدِيَّة) .
(92) بَدَائِع الصَّنَائِع 2 / 179، والمناسك لأَِبِي زَيْد الدَّبُّوسِيّ ص 511 - 515، والفتاوى الْهِنْدِيَّة 1 / 261.
(93) الْمُدَوَّنَة 1 / 386.
(94) الْمَجْمُوع 8 / 152، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 531، والمغني 3 / 434، والمبسوط 4 / 136، ومواهب الْجَلِيل 3 / 186.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 231/ 42
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".