الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
ما يُرى من الْقَمَر لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَفِي لَيْلَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَيْضًا . ومن شواهده حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ : " لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ." البخاري :1906.
ما يُرى من الْقَمَر لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَفِي لَيْلَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَيْضًا.
التَّعْرِيفُ:
أ - الْهِلاَل فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْقَمَرُ فِي حَالَةٍ خَاصَّةٍ، قَال الأَْزْهَرِيُّ: وَيُسَمَّى الْقَمَرُ لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ هِلاَلاً، وَفِي لَيْلَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَيْضًا هِلاَلاً، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يُسَمَّى قَمَرًا. وَقَال الْفَارَابِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الصِّحَاحِ: الْهِلاَل لِثَلاَثِ لَيَالٍ مِنْ أَوَّل الشَّهْرِ، ثُمَّ هُوَ قَمَرٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقِيل: الْهِلاَل هُوَ الشَّهْرُ بِعَيْنِهِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْهِلاَل: مَا يُرَى مِنَ الْمُضِيءِ مِنَ الْقَمَرِ أَوَّل لَيْلَةٍ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ
السَّلْخُ:
2 - السَّلْخُ فِي اللُّغَةِ مِنْ مَصْدَرِ سَلَخَ، وَمِنْ مَعَانِيهِ: آخِرُ الشَّهْرِ، وَيُقَال: سَلَخْتُ الشَّهْرَ سَلْخًا مِنْ بَابِ نَفَعَ، وَسُلُوخًا: سِرْتُ فِي آخِرِهِ، فَانْسَلَخَ أَيْ مَضَى (3) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْهِلاَل وَالسَّلْخِ التَّضَادُّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْهِلاَل:
يَتَعَلَّقُ بِالْهِلاَل أَحْكَامٌ مِنْهَا:
التَّوْقِيتُ بِالأَْهِلَّةِ:
3 - جَعَل الشَّارِعُ الْحَكِيمُ الأَْهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ يُؤَقِّتُونَ بِهَا مُعَامَلاَتِهِمُ الْقَابِلَةَ لِلتَّأْجِيل: كَالإِْجَارَاتِ وَبُيُوعِ الأَْجَل كَتَسْلِيمِ الْمُسْلِمِ فِيهِ وَغَيْرِهِ، وَحُلُول دُيُونِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ، كَمَا جَعَلَهَا مَعْلَمًا يَعْلَمُونَ بِهِ أَوْقَاتَ عِبَادَاتِهِمْ كَالْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ، وَالصَّوْمِ، وَالْفِطْرِ، وَعِيدِ الأَْضْحَى، وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارٌ شَرْعِيَّةٌ: كَعِدَّةِ النِّسَاءِ، وَمُدَّةِ الْحَمْل وَالرَّضَاعِ، وَالأَْيْمَانِ كَمُدَّةِ الإِْمْهَال لِلإِْيلاَءِ، وَمُدَّةِ كَفَّارَتَيِ الظِّهَارِ وَالْقَتْل بِالصَّوْمِ. فَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَْهِلَّةِ قُل هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ (4) } وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: سَأَل النَّاسُ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الأَْهِلَّةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَْهِلَّةِ قُل هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} يَعْلَمُونَ بِهَا حِل دِينِهِمْ وَعَدَدَ نِسَائِهِمْ وَوَقْتَ حَجِّهِمْ (5) .
وَخَصَّ الْحَجَّ بِالذِّكْرِ فِي الآْيَةِ دُونَ سَائِرِ الْمَصَالِحِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ مِنْ عَامَّةِ مَصَالِحِ النَّاسِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْوَقْتِ تَنَبُّهًا عَلَى فَضْلِهِ؛ لأَِنَّ ذِكْرَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ عَلَى سَبِيل الْعَطْفِ؛ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَزِيَّةِ الْخَاصِّ وَفَضْلِهِ، كَأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ جِنْسِ الْعَامِّ، تَنْزِيلاً لِلتَّغَايُرِ فِي الْوَصْفِ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ فِي الذَّاتِ (6) .
مَا يُؤَقَّتُ بِالأَْهِلَّةِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا:
4 - لاَ يُؤَقِّتُ لِلْعِبَادَاتِ إِلاَّ الشَّارِعُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: بِنَصٍّ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الَّذِي لاَ يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.
فَفِي الصَّوْمِ: قَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (7) } وَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ (8) وَفِي الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ لِلْحَجِّ: قَال جَل شَأْنُهُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ (9) } .
وَكَذَا وَقَّتَ الشَّارِعُ بَعْضَ الأُْمُورِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ آثَارٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْعِدَّةِ، قَال تَعَالَى فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (10) } . وَأَمَّا اللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ لِصِغَرِ السِّنِّ أَوْ لَمَرِضٍ أَوْ جِبِلَّةٍ قَال جَل شَأْنُهُ فِيهِنَّ: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ (11) } . وَفِي مُدَّةِ إِمْهَال الإِْيلاَءِ قَال تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (12) } .
وَفِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ قَال تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ (13) } .
5 - أَمَّا تَوْقِيتُ الْمُعَامَلاَتِ فَهُوَ اتِّفَاقِيٌّ، وَلِلأَْطْرَافِ أَنْ يُؤَقِّتُوهَا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَقِّتُوهَا بِشُهُورِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ لأَِنَّهَا مَعْلُومَةٌ مَضْبُوطَةٌ، وَإِنْ أُطْلِقَ الشَّهْرُ يُحْمَل عَلَى الْهِلاَلِيِّ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (أَجْل ف 7 وَمَا بَعْدَهَا) .
عَدَمُ التَّعْوِيل عَلَى كِبَرِ الْهِلاَل وَصِغَرِهِ:
6 - قَال الْقُرْطُبِيُّ: إِذَا رُئِيَ الْهِلاَل كَبِيرًا فَقَال عُلَمَاؤُنَا: لاَ يُعَوَّل عَلَى كِبَرِ الْهِلاَل أَوْ صِغَرِهِ فِي تَحْدِيدِ غُرَّةِ الْهِلاَل، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ لَيْلَةِ الرُّؤْيَةِ (14) . رُوِيَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَال: خَرَجْنَا إِلَى الْعُمْرَةِ فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ تَرَاءَيْنَا الْهِلاَل، فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، وَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، فَلَقِينَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلاَل فَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ، وَقَال بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ فَقَال: أَيَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَال: إِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ: قَال: إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ فَهُوَ لِلَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ (15) .
__________
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير، وغريب الْقُرْآن لِلأَْصْفَهَانِيِّ.
(2) قَوَاعِد الْفِقْهِ لِلْبَرَكَتِي.
(3) الْمِصْبَاح الْمُنِير.
(4) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 189.
(5) جَامِع الْبَيَانِ لاِبْن جَرِير الطَّبَرِيّ 5 / 554 - ط الْمَعَارِف.
(6) حَاشِيَة الشَّيْخِ زَادَهُ عَلَى تَفْسِير الْبَيْضَاوِيِّ 1 / 489.
(7) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 185.
(8) حَدِيث حَدِيث " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ". أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 4 / 119 ط السَّلَفِيَّة) ومسلم (2 / 762 ط الْحَلَبِيّ) .
(9) سُورَة الْبَقَرَة / 197.
(10) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 234.
(11) سُورَةُ الطَّلاَقِ / 4.
(12) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 226.
(13) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 233.
(14) الْجَامِع لأَِحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلْقُرْطُبِيِّ 2 / 344، وشرح صَحِيح مُسْلِم لِلنَّوَوِيِّ 7 / 205 - 207.
(15) حَدِيث: " إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 765 - ط الْحَلَبِيّ)
الموسوعة الفقهية الكويتية: 297/ 42