الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
الاكْتِفَاءُ وَالاسْتِغْنَاءُ، يُقَالُ: اقْتَصَرَ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا اكْتَفَى بِهِ وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى: الانتِهَاءِ إِلَى حَدٍّ مُعَيَّنٍ دُونَ زِيَادَةٍ، يُقَالُ: اقْتَصَرَ عَلَى كَذَا اقْتِصَارًا أَيْ وَقَفَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَعَدَّهُ، وَأَصْلُهُ مِنَ القَصْرِ وَهُوَ الحَبْسُ، تَقُولُ: قَصَرَ نَفْسَهُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ إِذَا حَبَسَهَا، وَهُوَ مَقْصُورٌ أَيْ مَحْبُوسٌ، وَمِنْ مَعَانِي الاقْتِصَارِ أَيْضًا: التَّوَقُّفُ والتَّخْصِيصُ والامْتِنَاعُ.
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (اقْتِصَارٍ) فِي الفِقْهِ فِي مَوَاطِنَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا: كِتَابُ الصَّلاَةِ فِي بَابِ سَتْرِ العَوْرَةِ، وَكِتَابِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ زَكاةِ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، وَكِتَابِ الوَصِيَّةِ، وَالوَقْفِ، وَالقَضَاءِ، وَغَيْرِهَا. وَيُطْلَقُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الفِقْهِ وَفِي أُصُولِ الفِقْهِ فِي بَابِ الحُكْمِ الشَّرْعِي وَيُرادُ بِهِ: ثُبُوتُ الحُكْمِ فِي الحَالِ وَعِنْدَ حُدُوثِ العِلَّةِ لاَ قَبْل الْحُدُوثِ وَلاَ بَعْدَهُ، كَمَا فِي الطَّلاَقِ الْمُنَجَّزِ وَغَيْرِهِ.
قَصَرَ
* معجم مقاييس اللغة : 5 /96 - الصحاح : 2 /794 - شرح حدود ابن عرفة : 1 /93 - الكليات : ص158 - كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : 1 /173 - المحكم والمحيط الأعظم : 6 /194 - معجم مقاييس اللغة : 5 /96 - معجم لغة الفقهاء : ص82 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِقْتِصَارُ عَلَى الشَّيْءِ لُغَةً: الاِكْتِفَاءُ بِهِ، وَعَدَمُ مُجَاوَزَتِهِ، وَقَدْ وَرَدَ اسْتِعْمَال الاِقْتِصَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي بَعْضِ فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ، كَقَوْلِهِمْ فِي كِفَايَةِ الرَّقِيقِ: وَلاَ يَكْفِي الاِقْتِصَارُ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ، قَال الْغَزَالِيُّ: بِبِلاَدِنَا احْتِرَازًا عَنْ بِلاَدِ السُّودَانِ. وَفِي الاِسْتِنْجَاءِ قَال الْمَحَلِّيُّ: وَجَمْعُهُمَا (الْمَاءِ وَالْحَجَرِ) بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ أَفْضَل مِنَ الاِقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَالاِقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَل مِنَ الاِقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ، لأَِنَّهُ يُزِيل الْعَيْنَ وَالأَْثَرَ بِخِلاَفِ الْحَجَرِ. (1)
وَقَدْ جَاءَ اسْتِعْمَال " الاِقْتِصَارِ " فِي الْمِثَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ " الاِكْتِفَاءِ ".
وَلِتَمَامِ الْفَائِدَةِ يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ: (اسْتِنَاد) .
وَالاِقْتِصَارُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ عِنْدَ حُدُوثِ الْعِلَّةِ لاَ قَبْل الْحُدُوثِ وَلاَ بَعْدَهُ، كَمَا فِي الطَّلاَقِ الْمُنَجَّزِ، وَعَرَّفَهُ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ: ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْحَال، وَمَثَّل لَهُ ابْنُ عَابِدِينَ: بِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ وَالطَّلاَقِ وَالْعِتَاقِ وَغَيْرِهَا، (2) وَالتَّعْرِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ.
وَيَتَّضِحُ أَنَّ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِلاِقْتِصَارِ، لأَِنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْحَال يَعْنِي الاِكْتِفَاءَ بِالْحَال وَعَدَمَ مُجَاوَزَتِهِ، لاَ إِلَى الْمَاضِي وَلاَ إِلَى الْمُسْتَقْبَل.
2 - وَيُلاَحَظُ فِي تَعْرِيفِ " الاِقْتِصَارِ " الأُْمُورُ التَّالِيَةُ:
أ - أَنَّهُ أَحَدُ الطُّرُقِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ.
ب - ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَنْ طَرِيقِ الاِقْتِصَارِ يَكُونُ فِي الْحَال، أَيْ لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ.
ج - أَنَّهُ إِنْشَاءٌ وَلَيْسَ بِخَبَرٍ.
د - أَنَّهُ إِنْشَاءٌ مُنَجَّزٌ لاَ مُعَلَّقٌ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
3 - يَتَّضِحُ مَعْنَى الاِقْتِصَارِ مِنْ ذِكْرِ بَقِيَّةِ الطُّرُقِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ وَتَعْرِيفُهَا، وَهِيَ أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ بِالاِقْتِصَارِ.
قَال الْحَصْكَفِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ طُرُقَ ثُبُوتِ الأَْحْكَامِ أَرْبَعَةٌ: الاِنْقِلاَبُ، وَالاِقْتِصَارُ، وَالاِسْتِنَادُ، وَالتَّبْيِينُ (3) .
الاِنْقِلاَبُ:
4 - الاِنْقِلاَبُ: صَيْرُورَةُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً، كَمَا إِذَا عَلَّقَ الطَّلاَقَ بِالشَّرْطِ، كَأَنْ يَقُول الرَّجُل لاِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَإِنَّ " أَنْتِ طَالِقٌ " عِلَّةٌ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ، وَهُوَ الطَّلاَقُ، لَكِنَّهُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الدُّخُول لَمْ يَنْعَقِدْ عِلَّةً إِلاَّ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الدُّخُول، فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَنْقَلِبُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً (4) . وَيَتَبَيَّنُ مِنْ تَعْرِيفِ الاِنْقِلاَبِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ مَعَ الاِقْتِصَارِ فِي أَنَّهُمَا إِنْشَاءٌ لاَ خَبَرٌ، إِلاَّ أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ الاِقْتِصَارَ مُنَجَّزٌ، وَالاِنْقِلاَبَ مُعَلَّقٌ.
الاِسْتِنَادُ:
5 - الاِسْتِنَادُ: ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْحَال، ثُمَّ يَسْتَنِدُ إِلَى مَا قَبْلَهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْمَحَل كُل الْمُدَّةِ، كَلُزُومِ الزَّكَاةِ حِينَ الْحَوْل مُسْتَنِدًا لِوُجُودِ النِّصَابِ، وَكَالْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ. (5) فَالأَْثَرُ الرَّجْعِيُّ هُنَا وَاضِحٌ، بِخِلاَفِ الاِقْتِصَارِ فَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.
الْفَرْقُ بَيْنَ الاِسْتِنَادِ وَالاِقْتِصَارِ (6) :
6 - الاِسْتِنَادُ أَحَدُ الطُّرُقِ الأَْرْبَعَةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الأَْحْكَامُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ خِلاَل تَعْرِيفِهِ أَنَّ الاِسْتِنَادَ لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ بِخِلاَفِ الاِقْتِصَارِ.
جَاءَ فِي الْمَدْخَل الْفِقْهِيِّ الْعَامِّ:
فِي الاِصْطِلاَحِ الْقَانُونِيِّ الشَّائِعِ الْيَوْمَ فِي عَصْرِنَا يُسَمَّى انْسِحَابُ الأَْحْكَامِ عَلَى الْمَاضِي أَثَرًا رَجْعِيًّا، وَيُسْتَعْمَل هَذَا التَّعْبِيرُ فِي رَجْعِيَّةِ أَحْكَامِ الْقَوَانِينِ نَفْسِهَا كَمَا فِي آثَارِ الْعُقُودِ عَلَى السَّوَاءِ. فَيُقَال: هَذَا الْقَانُونُ لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَذَاكَ لَيْسَ لَهُ، كَمَا يُقَال: إِنَّ بَيْعَ مِلْكِ الْغَيْرِ بِدُونِ إِذْنِهِ إِذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ يَكُونُ لإِِجَازَتِهِ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، فَيُعْتَبَرُ حُكْمُ الْعَقْدِ سَارِيًا مُنْذُ انْعِقَادِهِ لاَ مُنْذُ إِجَازَتِهِ، وَلَيْسَ فِي لُغَةِ الْقَانُونِ اسْمٌ لِعَدَمِ الأَْثَرِ الرَّجْعِيِّ.
أَمَّا الْفِقْهُ الإِْسْلاَمِيُّ فَيُسَمِّي عَدَمَ رَجْعِيَّةِ الآْثَارِ اقْتِصَارًا، بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَال لاَ مُنْسَحِبًا عَلَى الْمَاضِي.
وَيُسَمِّي رَجْعِيَّةَ الآْثَارِ اسْتِنَادًا، وَهُوَ اصْطِلاَحُ الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ، وَيُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ " انْعِطَافًا " (7) . ثُمَّ أَضَافَ صَاحِبُ الْمَدْخَل:
وَتَارَةً يَكُونُ الاِنْحِلاَل مُقْتَصَرًا لَيْسَ لَهُ انْعِطَافٌ وَأَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَإِنَّمَا يَسْرِي حُكْمُهُ عَلَى الْمُسْتَقْبَل فَقَطْ مِنْ تَارِيخِ وُقُوعِهِ، وَذَلِكَ فِي الْعُقُودِ الاِسْتِمْرَارِيَّةِ كَالشَّرِكَةِ وَكَالإِْجَارَةِ.
فَالْفَسْخُ أَوِ الاِنْفِسَاخُ يَقْطَعَانِ تَأْثِيرَ هَذِهِ الْعُقُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْتَقْبَل، أَمَّا مَا مَضَى فَيَكُونُ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَا انْحِلاَل الْوَكَالَةِ بِالْعَزْل لاَ يَنْقُضُ تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيل السَّابِقَةَ. (8)
ثُمَّ يُسْتَحْسَنُ التَّمْيِيزُ فِي تَسْمِيَةِ انْحِلاَل الْعَقْدِ بَيْنَ حَالَتَيِ الاِسْتِنَادِ وَالاِقْتِصَارِ، فَيُقْتَرَحُ تَسْمِيَةُ الْحِل وَالاِنْحِلاَل فِي حَالَةِ الاِسْتِنَادِ: فَسْخًا وَانْفِسَاخًا، وَفِي حَالَةِ الاِقْتِصَارِ: إِنْهَاءً وَانْتِهَاءً. (9)
7 - هَذَا، وَلَمْ نَرَ التَّصْرِيحَ بِهَذَيْنِ الْمُصْطَلَحَيْنِ فِي مَذْهَبِ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ فَرَّقُوا بَيْنَ حَالَتَيْنِ فِي الْفَسْخِ.
قَال الإِْمَامُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ (10) : الْفَسْخُ هَل يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ يُمْكِنُ أَنْ نَفْهَمَ مِنْ قَوْل السُّيُوطِيِّ هَذَا أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَبَيْنَ مَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ، فَيَصْدُقُ عَلَى الأَْوَّل الاِسْتِنَادُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى الثَّانِي الاِقْتِصَارُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا.
فَقَدْ فَرَّقَ السُّيُوطِيُّ هُنَا بَيْنَ مَا لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.
8 - وَقَدْ مَثَّلُوا لِمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ بِمَا يَلِي:
أ - الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالتَّصْرِيَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ.
ب - فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ حِينِهِ.
ج - الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.
هـ - الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.
- وَفَسْخُ النِّكَاحِ بِأَحَدِ الْعُيُوبِ، وَالأَْصَحُّ: أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ
ز - فَسْخُ الْحَوَالَةِ: انْقِطَاعٌ مِنْ حِينِهِ.
9 - وَمَثَّل لِمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ: إِذَا كَانَ رَأْسُ مَال السَّلَمِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ انْفَسَخَ السَّلَمُ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَرَأْسُ الْمَال بَاقٍ، فَهَل يَرْجِعُ إِلَى عَيْنِهِ أَوْ بَدَلِهِ؟ وَجْهَانِ: الأَْصَحُّ الأَْوَّل. قَال الْغَزَالِيُّ: وَالْخِلاَفُ يَلْتَفِتُ إِلَى أَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ إِذَا رُدَّ بِالْعَيْبِ هَل يَكُونُ نَقْضًا لِلْمِلْكِ فِي الْحَال، أَوْ هُوَ مُبَيِّنٌ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمِلْكِ؟ .
وَمُقْتَضَى هَذَا التَّفْرِيعِ: أَنَّ الأَْصَحَّ هُنَا، أَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي نُجُومِ الْكِتَابَةِ (أَقْسَاطِهَا) ، وَبَدَل الْخُلْعِ إِذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ.
لَكِنْ فِي الْكِتَابَةِ يَرْتَدُّ الْعِتْقُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
وَفِي الْخُلْعِ: لاَ يَرْتَدُّ الطَّلاَقُ بَل يَرْجِعُ إِلَى بَدَل الْبُضْعِ. (11)
هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الإِْمَامُ السُّيُوطِيُّ فِي الأَْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، فِي أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ حِينًا وَمِنْ حِينِهِ حِينًا آخَرَ.
إِلاَّ أَنَّنَا حِينَمَا نَرْجِعُ إِلَى الرَّوْضَةِ نَجِدُ الإِْمَامَ النَّوَوِيَّ يُرَجِّحُ أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ، وَأَنَّ الرَّفْعَ مِنَ الأَْصْل ضَعِيفٌ. (12) وَقَدْ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْمَحَلِّيِّ (13) ، فَيَقُول: إِنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَيَقُول الْمَحَلِّيُّ، بِنَاءً عَلَى الأَْصَحِّ: إِنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ. (14)
التَّبْيِينُ (15) :
10 - التَّبْيِينُ: أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَال أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ قَبْل، مِثْل أَنْ يَقُول فِي الْيَوْمِ: إِنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَبَيَّنَ فِي الْغَدِ وُجُودُهُ فِيهَا، يَقَعُ الطَّلاَقُ فِي الْيَوْمِ، وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْهُ (16) .
وَيُخَالِفُ التَّبْيِينُ الاِقْتِصَارَ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّبْيِينِ يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا مِنْ قَبْل، فِي حِينِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الاِقْتِصَارِ يَثْبُتُ فِي الْحَال فَقَطْ.
هَذَا، وَلَمَّا كَانَ الاِقْتِصَارُ إِنْشَاءً لِلْعُقُودِ، أَوِ الْفُسُوخِ الْمُنَجَّزَةِ، شَمَلَهَا جَمِيعًا، لأَِنَّ التَّنْجِيزَ هُوَ الأَْصْل فِيهَا.
مِثَال الْعُقُودِ: الْبَيْعُ وَالسَّلَمُ وَالإِْجَارَةُ وَالْقِرَاضُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَمِثَال الْفُسُوخِ: الطَّلاَقُ وَالْعِتَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْفُسُوخُ غَيْرَ مُنَجَّزَةٍ، بِأَنْ كَانَ لَهَا أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَانْسَحَبَ حُكْمُهَا عَلَى الْمَاضِي، فَتَدْخُل حِينَئِذٍ فِي بَابِ الاِسْتِنَادِ. وَمِثَالُهُ مَا لَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْل مَوْتِ فُلاَنٍ بِشَهْرٍ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَمُوتَ فُلاَنٌ بَعْدَ الْيَمِينِ بِشَهْرٍ، فَإِنْ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ طُلِّقَتْ مُسْتَنِدًا إِلَى أَوَّل الشَّهْرِ، فَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ أَوَّلَهُ.
__________
(1) لسان العرب مادة: (قصر) ، والمحلي بهامش القليوبي 1 / 42
(2) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 2 / 444، وحاشية الطحطاوي 2 / 21.
(3) الدر المختار بهامش ابن عابدين 2 / 443، والأشباه والنظائر لابن نجيم 314 - 315.
(4) الدر المختار 2 / 443، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 314.
(5) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 314، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين 2 / 24، وحاشية الطحطاوي 2 / 121، وحاشية الحموي على الأشباه والنظائر 2 / 156 - 157.
(6) هذه التفرقة بين الاستناد والاقتصار، والمقارنة بالقانون مستمدة من المدخل الفقهي العام للأستاذ الشيخ مصطفى الزرقا، واللجنة ترى أنه استقراء دقيق واستنتاج مقبول مرجعه كتب الفقه القديمة.
(7) المدخل الفقهي العام 1 / 533 - 534 بتصرف.
(8) المرجع السابق: ص 534.
(9) المدخل الفقهي العام: 535.
(10) الأشباه والنظائر 317 - 318.
(11) الأشباه والنظائر للسيوطي 317 - 318.
(12) الروضة 3 / 489.
(13) القليوبي على شرح المنهاج 2 / 326.
(14) شرح المحلي على المنهاج 2 / 208.
(15) قال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار: كذا عبارتهم فهو مصدر بمعنى التبين، أي الظهور " 2 / 443
(16) الأشباه والنظائر مع الحموي 2 / 157.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 38/ 6